الاختفاء القسري في الإمارات بوجود وزراتي التسامح والسعادة
خاص: شؤون اماراتية
الاختفاء القسري
من المتعارف عليه عند سماع مصطلح (الاختفاء القسري)، أنه المكان الذي يذهب إليه –قهراً وقسراً- كل من يُعارض الحكومة أو ينتقدها في الإمارات والوطن العربي ككل.
ولا يعرف مصائب "الإخفاء القسري" إلا من عانى منه واكتوى بناره وقبع في زنازين فردية تشبه القبور بل أسوأ حالاً، ومن هنا جاءت القوانين الدولية لتُجرّم "الإخفاء القسري" وتضع المسئولين عنه تحت طائلة القانون، ولو خرجوا من دائرة المسئولية المباشرة عنه، لأن كل حالة من حالات "الإخفاء القسري" تمثل انتهاكاً صارخاً لعدد من حقوق الإنسان السبعة الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والتي صارت دستوراً للعلاقات الدولية في عصرنا الحاضر، بما في ذلك:
1-الحق في أمن الشخص وكرامته.
2-الحق في عدم التعرض للتعذيب أو غيره من صنوف المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة.
3-الحق في الاحتجاز في ظروف إنسانية.
4-الحق في الشخصية القانونية.
5-الحق في محاكمة عادلة.
6-الحق في حياة عائلية
7-الحق في الحياة إذا ما تعرض الشخص المختفي للقتل.
ويروي أحد الذين وقع عليهم جريمة "الإخفاء القسري" لمدة ستة أشهر في أحد السجون الفردية الملحقة بجهاز تحقيقات أمن الدولة في "أبو ظبي"، أنَّ الشيْبَ لم يكنْ يعرف طريقه إلى شعر رأسه رغم أنَّ عمره تجاوز الأربعين وعندما خرج من محبسه لم يجد شعرة واحدة سوداء من هولِ ما رأى وعاش لحظات الإخفاء وما صاحبها من تنكيل وتعذيب بالكهرباء أو كرسي شلل الأعصاب، ومن حمل كرسي يزن 25 كجم أثناء فترة التحقيق، والضرب بعصا غليظة تارة أخرى على الأيادي والأرداف، لإجبارهم على ترديد ما ينسب إليهم من ادعاءات واتهامات أمام الرأي العام.
والسؤال الجوهري هنا: لماذا تورطت الإمارات في مجال الإخفاء القسري؟
أحد أهم الآراء بهذه القضية، أن الاختفاء القسري يرجع إلى تعاظم المخاطر لو نجحت ثورات "الربيع العربي"، وامتدت إلى دول الخليج عامة والإمارات خاصة، وبالتالي سارعت حكومة السعادة المزعومة إلى تنفيذ أقسى الإجراءات الممكنة مؤداها في النهاية منع وصول مخاطر هذه الثورات والعمل على إجهاضها في مهدها بالمال والسلاح والدعم للانقلابيين، بمباركة عراب الثورات المضادة "محمد دحلان" الهارب من فلسطين إلى أحضان محمد بن زايد المسئول الفعلي في الإمارات.
ورأيٌ آخر يعلّل تورط الإمارات بالقمع السياسي والاختفاء القسري، بسبب ضعف قبضة جهاز الأمن على مكونات ونسيج الدولة من مواطنين ومقيمين أجانب، ولذلك عند توقيف المشتبه وإخفائه قسريا في معسكرات وسجون أجهزة الأمن، يجري استجوابه في ظروف نفسية صعبة مصحوبة بأدوات تعذيب نفسية وبدنية مختلفة، قد تدفع المعتقلين للإقرار بما يُملَى عليهم وهم معصوبي الأعين، أو الإدلاء بمعلومات استجابة لثقة وهمية يسوقها المحققون بأنَّ هناك عدالة، وأنَّ كلَّ متهمٍ سيُعرض على النيابة للتحقق من مصداقية محاضر الاستدلال، ثم يتفاجأ بأنَّ قضيته عُرضتْ على القضاء الذي يُدار من مكاتب عددٍ من المستشارين القانونيين الأجانب بديوان الرئاسة في "أبو ظبي"، ويُملي أحكامه على مَن ينظرون القضية في المحاكم ذات الدرجة الأولى والتي لا يسمح فيها بالطعن على أحكامهم ولا حتى الاستئناف!
تساؤل حرجٌ آخر وهو: لماذا تحرص الإمارات على عدم تنظيف صورتها من تهمة الإخفاء القسري؟
لا تهتم الإمارات فعلاً بتحسين صورتها أو الدفاع عن اتهامات العالم لها بالانتهاكات المستمرة، بل تُكابر أكثر فأكثر متجاهلةً أنَّ بقعاً سوداء أخرى ستفسد البياض الناصع المتكون في عهد الوالد الراحل (زايد بن سلطان آل نهيان)، والنتيجة الحالية في عهد أبنائه هي تشوه الصورة كلياً بزيادة عددِ حالاتِ "الإخفاء القسري" الذي تمارسه الحكومة ضد أبنائها من دعاة الإصلاح والتغيير المطالبين بإصلاحات سياسية في البلاد، وحتى ضد المقيمين على أرضها من الجاليات العربية ممَّنْ قد يختلفون مع سياستها الخارجية وتدخلها في كل ما تفرزه إرادة الشعوب الأخرى تجاه قضاياها.
وقد لعبت الإمارات دورًا دبلوماسيًا خطيراً في المنطقة العربية كلها، ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، فبدعمها للمنظمات الدولية رموزاً وكيانات، تارة بالمال وأخرى بالسماح لهم بزياراتٍ لتفقُّدِ بعض منشآتها الأمنية والعقابية (المعلنة وليست الخفية)، وتقديم الرشاوى على شكل هدايا ومكرمات بحسب تعبير بعض المسئولين، لتقديم صورة غير واقعية عن الحالة المتوافقة مع مواثيق حقوق الإنسان، لتنالَ بها الدولة مواقع ريادية في تلك المنظمات الدولية بناء على تقارير هذه الوفود، وبالتالي نجد أن هذه المنظمات لا تلتفت إلا للحالات المثيرة وعلى استحياء خشية وسمها بالتبعية، فنجدها على سبيل المثال تصدر بيانات خجولة هزيلة تدعو الإمارات لضرورة الالتزام بمواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها بدلاً من طلب التحقيق في الشكاوى والدعاوى أو السماح لها بزيارة الموقوفين على ذمة قضايا للاستماع إلى وجهات نظرهم، بدلًا من الاكتفاء بتقارير مندوبيها ممن يستقون معلومات ما جرى ويجري للمعتقلين أو الموقوفين أو المسجونين عبر أهاليهم ممن يسمح لهم بزياراتهم.
أيضًا تنتهج الإمارات نهج التحايل لتضليل الرأي العام، مثلما حدث بعدما أشادت وسائل الإعلام المحلية لتصريح منظمة حقوقية تأسست عام 2013م، ويرأس مجلس إدارتها سياسيون من باكستان ولبنان وإيران وغيرها، وتدعى (المفوضية الدولية لحقوق الإنسان)، بمستوى حرية التعبير في الإمارات رغم حجب السلطات الإماراتية موقع المنظمة في الدولة على شبكة الإنترنت!!
التضليل الذي قامت به مؤسسات هدفت من ورائه ردَّ الإهانة التي تلقتها سابقاً من (المفوضية السامية لحقوق الإنسان) التابعة للأمم المتحدة، وردًا غير مباشرٍ على اتهامات منظمات (هيومن رايتس ووتش) للإمارات بانتهاك حماية حقوق الإنسان، ورفضها المستمر لتحسين مجال حقوق الإنسان، وغياب وجود رؤية عملية شفافة وشاملة للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بكافة السجون التابعة لوزارة الداخلية والأخرى التابعة لوزارة العدل وغيرها التابع مباشرة إلى جهاز أمن الدولة مثل (السجون السرية الثلاث)، بالإضافة إلى سجن الرزين سيئ السمعة.
ولم ينسَ أحدٌ الصفعة التي تلقتها السلطات الإماراتية من مسئولة أممية من داخل دولة الإمارات وبعد زيارة لها واجتماعها بعدد من المسئولين على مدار تسعة أيام، كانت كافية لها بالوقوف على حالات تعذيب ممنهج داخل السجون الإماراتية، حيث طالبت "مقررة الأمم المتحدة" الخاصة لشؤون استقلالية القضاء (غابيرلا كانول) الإمارات بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في جميع الاتهامات بممارسة التعذيب أو سوء المعاملة خلال الاعتقال مؤكدة أنه يتعين على هذا البلد ألا يوفر أي جهد لتطبيق توصيات حقوق الإنسان، وكانت السلطات الإماراتية قد منعت "كانول" من زيارة سجونها خلال مهمتها رغم إلحاحها عليهم مما أكد صحة المعلومات التي توافرت لديها عن الانتهاكات العديدة لحقوق الإنسان في الإمارات.
وأثارت انتقادات "كانول" في مؤتمر صحافي في نهاية زيارتها لإمارة "أبو ظبي" للسلطات بــ(التجاوزات والنقص في الشفافية) في الإجراءات القضائية في الإمارات، حيث تمت محاكمة عشرات الإصلاحيين في يوليو 2013م بتهمة ملفقة هي الانتماء لتنظيم سري يهدف للتآمر على نظام الحكم، في قضية عُرفت باسم (الإمارات 94)، وأثارت حفيظة السلطات خاصة بعدما فضحتهم وقالت للصحافيين: (لقد حصلت على معلومات وأدلة ذات مصداقية حول تعرض موقوفين للتعذيب أو لسوء المعاملة مثل الاعتقال من دون أمر من المحكمة وعصب الأعين والنقل إلى أماكن مجهولة، والتعذيب، والحبس الانفرادي لأشهر، والوضع على الكرسي الكهربائي).
وهذا ما يؤكد وجهة النظر الحالية عن سياسة الإمارات بقيادة محمد بن زايد، الذي بات يتعامل مع الإخفاء القسري كأنه منهجية وفلسفة خاصة لتعذيب وضرب أي رأي يعارضه أو ينتقده، ولو بكلمة أو حتى تغريدة، ولا ننسى أنه استحدث نيابة جديدة للجرائم الإلكترونية، والتي تتبع مباشرةً لأوامره الخاصة، بمعاقبة كل من يحاول استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للدفاع عن الإصلاحيين من معتقلي الرأي السياسيين، ومازالت صورة السعادة الوهمية التي يحاول رسمها بن زايد تتبدد رويداً رويداً أمام الرأي العام محلياً وعالمياً.