حصوننا الخليجية مهددة من الداخل

عبدالله المفلح

دعوني ابتداءً أؤكد أن هدفي من هذه المقالة ليس ما "قد" يقوله المنزعجون منها، وهو إشاعة الفتنة أو ضرب الأسافين بين أبناء الأسرة الواحدة وغيرها من الاتهامات العاطفية، التي تريد حرف الانتباه عن حقيقة ما يجري. الهدف من هذه المقالة هو الإشارة إلى مواطن الخلل في العلاقات الخليجية البينية، وتقويمها كي تكون على أسس ثابتة وراسخة ومتينة، فاللحظة مفصلية والخطر وجودي.

لنبدأ:

هل دول الخليج متفقة ومتوحدة وتسير وفق رؤية سياسية وأمنية واحدة في القضايا التي تمس أمن الخليج؟

الجواب الافتراضي المعتاد هو نعم. ثم سيذكر صاحب الجواب الكليشة المعروفة: "هناك خلافات لكنها ثانوية، ومن الطبيعي أن توجد خلافات في الرأي، وهذا يحصل بين أفراد البيت الواحد، ثم إنَّ الخلاف الذي لا يفسد للود قضية هو أمر صحي". .

ولو دققنا لوجدنا أن عبارة "خلافات ثانوية" لا تعبر بدقة عن الحال.

لنأخذ أمثلة على بعض القضايا والملفات التي تهم دول الخليج سياسياً وأمنياً، كي نرى إن كان هناك خلاف أو اتفاق:

1 - ملف الانقلاب العسكري في مصر

من لا يعتقد أن الدعم الخليجي الذي قادته الإمارات لدعم الانقلاب العسكري في مصر كان خياراً فاشلاً، فهو يحتاج لزيارة طبيب العيون. لقد قادت الإمارات مصر إلى الفشل الذريع الذي انتهى ببؤس اقتصادي وأمني وسياسي غير مسبوق. والسبب فوبيا الإخوان المسلمين التي تشكو منها الإمارات، ولا تشكو منها دول الخليج الأخرى.

 السعودية مع الحكم الجديد أخذت زمام المبادرة واتخذت موقفاً مختلفاً عن موقفها السابق المؤيد للانقلاب، وهو موقف على مسافة بعيدة من الموقف الإماراتي إذا لم نقل ما هو أبعد. فالسعودية مع مصر، لكنها ليست مع السيسي الذي أثبت فشله في إدارة مصر، والذي يثبت يوماً بعد يوم أنَّه خارج التغطية. السعودية تريد نظاماً مصرياً قوياً وشرعياً، وليس نظاماً قائماً على التأمين الصحي الخليجي.

البحرين يتطابق موقفها مع الموقف السعودي. الكويت تميل إلى الموقف السعودي. عمان على الحياد. قطر على النقيض تماماً من الموقف الإماراتي.

باختصار شديد الخليج منقسم على نفسه فيما يخص النظام المصري.

2 - ملف التعامل مع إيران

العداء السعودي لإيران واضح جداً. والسبب هو تدخلات إيران في المنطقة العربية ودعمها لميليشيات مسلحة في سوريا ولبنان والعراق، وتدخلها في الشأن الداخلي السعودي مؤخراً، وخصوصاً بعد إعدام المجرم نمر النمر. الإمارات ترتبط بعلاقات قوية ومتينة مع إيران، ولا يبدو أن احتلال إيران للجزر الإماراتية يعكر صفو هذه العلاقة. بل إنَّ الاتفاق النووي الأممي مع إيران زادها اتساعاً وقوة. لكن الإمارات تقوِّي علاقتها بإيران دون أن تغضب السعودية، لذا فهي تستخدم مع السعودية "لغة" تضامنية فضفاضة تبدو من خلالها أنها مع السعودية، لكن ليست ضد إيران!

الكويت تفعل الشيء نفسه مع السعودية وإن بدرجة أخف، فهي قد صرحت أن الولي الفقيه هو مرشد المنطقة (!). عملاء إيران في الكويت يسرحون ويمرحون. بل إن الأمر وصل بأحد نواب البرلمان الكويتي من الشيعة إلى مهاجمة السعودية علناً، ووصفت جريدة شيعية مقربة من إيران الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بكوهين، دون أن تتخذ الدولة أي إجراء رسمي حقيقي ضد كل ذلك.

مشكلة الكويت أنها تخشى إيران جداً، وأما السعودية فهي بالنسبة للكويت صديق مأمون جداً. مأمونٌ أكثر مما ينبغي.

عمان إلى صف إيران، لا لبس في هذا. البحرين تتطابق في موقفها مع الموقف السعودي تطابقاً كاملاً. قطر تحاول أن تقف على الحياد بين الكبيرين، وإن كانت تستخدم "لغة" تضامنية فضفاضة في دعمها للسعودية.

3 - ملف سوريا والموقف من التدخل الروسي

الموقف السعودي واضح جداً فيما يخص الملف السوري، فقد أعلنت دعمها للثورة السورية من أول يوم، كما أعلنت رفضها للتدخل الروسي، وهي اليوم تعبر عن استعدادها للمشاركة بقوات برية. على العكس تماماً من الإمارات التي تدعم النظام السوري وتدعم التدخل الروسي. لكنها لا تقول هذا بصوت عال كي لا تغضب شقيقتها الكبرى. وكلنا قرأنا تصريح وزير الخارجية الإماراتي الداعم للموقف الروسي حين أسقطت تركيا إحدى طائراتها.

الإمارات تعمل ضد تركيا والإخوان المسلمين والإسلام السياسي على كل جبهة. وهذا أمر يخالف إن لم يكن يعارض الموقف السعودي الجديد بشكل واضح. لكن يبدو أن السعودية لا تريد تصعيد الأوضاع مع الشقيقة الصغرى في الوقت الراهن، وفي ظل تحالفهما في اليمن.

الموقف العماني لا لبس فيها. هي مع بشار وروسيا وإيران فيما يخص الوضع السوري. الموقف الكويتي متقلب بحسب تصاعد أو انخفاض العداء السعودي لإيران. وإن كان ينحاز أحياناً لإيران، بسبب تعاظم النفوذ الإيراني داخل الكويت، بالرغم من أن الخطر الإيراني بات واضحاً مع اكتشاف خلية لحزب الله مؤخراً!

الموقف القطري متضامن بقوة مع الموقف السعودي. ومثله وإن بدرجة أقل تضامناً الموقف البحريني.

4 - ملف اليمن

الموقف السعودي واضح وصارم في ضرورة منع الحوثيين وقوات علي عبدالله صالح من الاستيلاء على السلطة في اليمن. ولهذا تقود المملكة تحالفاً عربياً في اليمن. والإمارات من ضمن هذا التحالف. لكن هناك ما ينبغي الإشارة إليه، وهو أن مصالح الإمارات تتعارض مع المصالح السعودية في اليمن، بحسب ما يرشح من تصريحات. فالإمارات تريد يمناً مقسماً على عكس السعودية التي تريده يمناً موحداً، لأن التقسيم يعني بالنسبة للسعوديين تقديم الشمال للحوثيين وعلي عبدالله صالح على طبق من ذهب. ويعني أيضاً استمرار الصراع الشمالي الجنوبي، وهو ما ترفضه السعودية بشدة.

الموقف الإماراتي ملتبس. فرغم أن جيشها قد قدم تضحيات كبيرة في عدن، مثله مثل الجيش السعودي، إلا أن الحديث عن استضافتها لأحمد علي عبدالله صالح واتصالاتها السرية مع الحوثيين، لا يبدو مريحاً بالنسبة للسعودية.

الموقف القطري مؤيد للموقف السعودي. الموقف البحريني يتطابق مع الموقف السعودي. الموقف العماني يميل لصالح تأييد الحوثيين وعلي عبدالله صالح، حتى أنَّه جرى الحديث أكثر من مرة أن عمان عرضت ملاذاً آمناً لعلي عبدالله صالح.

لعلكم لاحظتم عدم وجود اتفاق خليجي في الملفات الأربعة، وهي الملفات الأكثر حساسية وإلحاحاً على الصعيدين السياسي والأمني.

هذا ليس غريباً في الظروف الطبيعية، لكنه غريبٌ جداً في الظروف التي تعيشها المنطقة.

على السعودية بحكم أنها الشقيقة الكبرى والضامنة لأمن دول الخليج الأخرى، أن تبادر إلى وضع استراتيجية واضحة لأمن الخليج تتفق عليها الدول الست.

وكما أن كونها القائدة يحتم عليها القيام بمسؤولياتها، فإنَّه كذلك يُحتِّم على شقيقاتها الصغرى أو قل حلفاءها أن يلتزموا بهذه الاستراتيجية، وأن لا تكون القوة السعودية "المأمونة أكثر مما ينبغي" سنداً وقت الحرب، وجداراً قصيراً وقت السلم، كما قد يظن البعض.

القوة السعودية الحامية– بعد الله – يجب أن لا تكون مجانية لمن يحاول أن يلعب بذيله، أو يُغرِّد خارج السرب مهدداً مشاريع السعودية  في بناء تحالفات عربية وإسلامية كبيرة، سواء مع تركيا أو مع غيرها.

من دون ذلك، أعتقد أننا سنستمر في رؤية الشيء ونقيضه يحدث من بعض دول الخليج، وسنرى كما قال الكاتب جمال خاشقجي "منْ سيفه معنا وقلبه مع أعدائنا".

السعودية– وليس أي أحد آخر- تقود العرب اليوم، في ظل استقالة العراق وسوريا ومصر عن التأثير في المنطقة، بسبب مشاكلهم الداخلية. وحتى تسير قاطرة العرب بشكل طبيعي يجب أن تؤمِّن المملكة دائرتها الخليجية الضيقة ننأننا، وأن تقف بالمرصاد وبـ"حزم" ضد كل من تسوِّل له نفسه لعب دور أكبر من حجمه، أو أن يحاول القيام بمغامرات غير محسوبة، تهدف أو تؤدي إلى إشغال المملكة عن القيام بدورها في مقاومة النفوذ الإيراني، انطلاقاً من هوسه أو فوبياه أو حلمه بقيادة العرب بديلاً عن السعودية.

السعودية معروفة بالحلم والأناة، لكن الملك سلمان أضاف صفة جديدة هي "الحزم"، ولا أعتقد أن أحداً يريد أن يختبر حزم السعودية بعد الذي رأيناه في عاصفة الحزم....