تونس تستنكر التدخلات الإماراتية والسعودية في انتخاباتهم

تونس تستنكر التدخلات الإماراتية والسعودية في انتخاباتهم

شهدت الانتخابات البرلمانية في تونس تحولاً نوعياً تمثل بمحاولة الإعلام السعودي والإماراتي «تشويه» صورة حركة النهضة عبر استعادة تهمة «الجهاز السري» (في فيلم وثائقي بثته قناة العربية)، تزامناً مع نشر هيئ الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي «وثيقة» منسوبة لوزارة الداخلية تشير إلى «تورط» الجهاز المزعوم بالعملية الإرهابية في باردو، وهو ما نفته الوزارة التي لمحت إلى إمكانية مقاضاة الهيئة

فيما أكدت «النهضة» أنها ستقاضي قناة العربية، في حين ربط مراقبون بين موعد بث الفيلم الذكور واقتراب الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، حيث علّق أحدهم بالقول: «قتلة خاشقجي يكشفون حقيقة قتلة بلعيد!».

الغرف السوداء

وبثت قناة العربية السعودية (تبث من الإمارات) فيلماً وثائقياً بعنوان «الغرف السوداء» (أعده صحافيون تونسيون وتم بيعه للقناة) يتحدث عن «الجهاز السري» المعوم لحركة النهضة، والتي يتهمه الفيلم بالتورط في اغتيال القياديين اليساريين، شكري بلعيد ومحمد البراهمي، خلال حكم الترويكا.

وأثار الفيلم جدلاً كبيراً، حيث أكدت حركة النهضة أنها ستقاضي القناة التي اتهمتها بالترويج لمعلومات مغلوطة بهدف تشويه سمعة النهضة وإرباك المشهد الانتخابي في تونس.

وأشارت، في بلاغ أصدرته السبت، إلى أن المكتب القانوني للحركة بدأ في اتخاذ الإجراءات القانونية من أجل مقاضاة قناة العربية، وعبرت عن رفضها «كل تدخل خارجي في الشأن الوطني التونسي، وخاصة إذا ما تعلق بزعزعة الاستقرار وتشويه الفاعلين السياسيين وإرباك العملية الانتخابية بالتأثير السلبي على الناخب»، ودعت التونسيين «للمشاركة بكثافة في المحطتين الانتخابيتين التشريعية والرئاسية وتفويت الفرصة على كل من يريد تزييف وعي وإرادة الشعب».

ودوّن الباحث سامي براهم: «إعلام الإمارات المتّحدة وحليفتها ينزل بثقله في شبكات الافتراضي والقنوات المحسوبة عليه لإسداء خدمات جليلة للناخبين التونسيين بخصوص قضايا تشغل بالهم، فزعة إعلامية واستنفار وإسناد مباشر دون وكلاء، لعله يفقد رصيده فاضطر إلى الدفاع عن مصالحه والنزول إلى الميدان بنفسه، لكن من الأكيد أن له جيشاً من الأجراء يمدونه بالمادة والأفكار، هؤلاء يخدمون مصالح دولة معادية للتحولات السياسية في بلدهم وسيخيب مسعاهم ومسعى الدولة التي تستخدمهم، وسيرتد عليهم كل هذا التهويش، تونس حالة وعي متقدم وليست هوجة عابرة».

وأضاف في تدوينة أخرى: «قتلة الخاشقجي يكشفون حقيقة قتلة بلعيد! متى تنجز قناة العربيّة تقريراً استقصائياً عن مقتل مواطنها الخاشقجي وتقطيع جسده بالمناشير في قنصلية بلده وتكشف لنا عن مكان دفن الأجزاء المقطعة من جسده والمتورطين في هذه الجريمة البشعة والأجهزة والغرف التي تقف وراءها؟ بعد أن تقوم بدورها كاملاً في ذلك يمكن أن تتكرم وتتفرغ لقتلى دول أخرى والكشف عن المتورطين في قتلهم. من المخجل حقا أن يطمع تونسيون في كشف حقيقة جريمة وقعت على أرض بلدهم عن طريق قناة ساهمت في طمس حقيقة أبشع جريمة ارتكبتها الأجهزة الرسمية للدولة بحق الصحافة والصوت الإعلامي الحر».

فيما استنكر مهاب القروي، المدير التنفيذي لمنظمة أنا يقظ (مختصة بمكافحة الفساد)، قيام أصحاب الفيلم ببيعه لقناة «على ملك أعضاء من الملكية السعودية تبث من الإمارات، قبلت أن تشتريه، وبثته في قلب حملة الانتخابات التشريعية، وكلنا نعرف الدور المعادي والقذر الذي تلعبه العربية ضد تونس وثورتها وديمقراطيتها.

ليست هذه أخلاق العمل الصحافي، وما أدراك بعمل صحافي على درجة كبيرة من الحساسية السياسية ويخوض في أمننا الوطني.

أحياناً الشكل يمكن أن يقضي على المضمون، كما حصل في هذه الحالة». وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها قناة العربية اتهامات بالتدخل في الشؤون التونسية ومحاولة بث الفوضى في البلاد، فقبل أيام بثت تقريراً نعت مدينة الذهبية المتاخمة للحدود مع ليبيا بأنها «العمق الإستراتيجي» لتنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف، كما تحدثت في وقت سابق عما أسمته «نجاح العمليات الإرهابية في تونس»، وروّجت أيضاً لشائعات مغلوطة تتحدث عن وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي، خلال وجوده في المستشفى العسكري، في شهر حزيران/يونيو الماضي (قبل وفاته بنحو شهر)، كما واجهت انتقادات بعد قطعها مداخلات لمحللين ونشطاء أشادوا بـ«الانتقالي السلمي السلس» في تونس، وهو ما دعا إعلاميين ونشطاء لمطالبة السلطات التونسية بإغلاق مكتبها في البلاد.

وتزامن «وثائقي» العربية مع «وثيقة» منسوبة لوزارة الداخلية التونسية، نشرتها هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي، على صفحتها في موقع «فيسبوك»، تتهم فيها «الجهاز السري» المزعوم بالتعتيم على وثيقة استخباراتية تتوقع قيام هجوم إرهابي ضد متحف باردو، قبل وقوع الهجوم بأحد عشر يوماً.

وأرفقت الهيئة «الوثيقة» بتعليق قالت فيه «مواصلون في النشر إلى حين فتح بحث تحقيقي أو اتخاذ قرار في الحفظ في ملف الجهاز السري لحركة النهضة.

هل كانت وزارة الداخلية وتحديداً أعوانها ومسؤوليها التابعين للجهاز السري لحركة النهضة على علم بعملية باردو قبل وقوعها بعشرة أيام كاملة؟ هل اختار هؤلاء تسهيل العملية الإرهابية بمتحف باردو في مساعدة موجبة للمساءلة؟ هل كان من الممكن تفادي وقوع تلك العملية الإرهابية، ومن ثمة منع وقوع العملية الإرهابية بنزل الإمبريال بسوسة لو لم تختر بعض الأطراف المرتبطة بالجهاز السري مساعدة الإرهابيين بالتستر على الوثائق الكاشفة لعملية باردو قبل وقوعها؟».

وبعد ساعات، أصدرت وزارة الداخلية التونسية بلاغاً، فندت فيه ما ورد في الوثيقة المذكورة، والتي أكدت أنها «مزيفة» من ناحية الإمضاء وآلية إعداد الرسائل الداخلية الخاصة بوزارة الداخلية، والمسؤولين الممضين عليها، محذرة من أن «ترويج هذه المزاعم التي تمثل استباحة للمؤسسة الأمنية ومساساً بمصداقية هياكلها ومنتسبيها بصورة قد تنعكس سلباً على أمن واستقرار البلاد، كما تُنبّه الرأي العام إلى عدم الانسياق وراء ما يتم تداوله حول المؤسسة الأمنية واستيقاء المعلومات ذات العلاقة باختصاصها من المصادر الرسمية»، كما أكدت أنها «تحتفظ بحقها الكامل في التتبع العدلي ضد كل من قام وساهم في ترويج هذه الوثيقة المفتعلة».


وأثارت الوثيقة المزعومة جدلاً كبيراً، حيث تساءل الباحث عز الدين عبد المولى: «متى تمر وزارة الداخلية من التلويح (بالتتبع العدلي) إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة؟ ألا يستحق تزوير وثيقة باسم أحد أجهزتها أكثر من «التلويح»؟ أم إن هؤلاء المزورين على رؤوسهم ريشة؟».

اختلقت الأكاذيب

وكتب الباحث أحمد غيلوفي: «عندما تبث قناة العربية فيلماً حول ما يسمى بالجهاز السري لا أستطيع إلا تكذيبها جملة وتفصيلاً. القناة التي تحاربنا منذ 9 سنوات واختلقت الأكاذيب حول اغتيال وتقطيع خاشقجي. وعندما تكذب وزارة الداخلية الوثيقة التي نشرتها بعض الأطراف لا أستطيع إلا اعتبارها تحضيراً لخرابنا وتآمراً على أمننا وحياتنا».
وأضاف في تدوينة أخرى: «الوثيقة كذبتها الداخلية. هؤلاء (هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي) يتآمرون على الدولة والمجتمع. لن يتوقفوا إلا بعد إدخالنا في حرب أهلية. علينا المطالبة بمحاكمتهم قبل فوات الأوان».

يُذكر أن هجوم باردو الذي وقع عام 2015 خلّف 22 قتيلاً و45 جريحاً، وتبناه تنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف، وأثار موجة استنكار وتعاطف دولي مع تونس ضد الإرهاب، حيث تم تنظيم مسيرة دولية ضد الإرهاب شارك فيها آلاف التونسيين والعشرات من قادة العالم.

الكاتب