حتى لا تكون وزارة السعادة قناعاً جميلاً لمخالب التعاسة
أحمد الشيبة النعيمي
خلق الله الناس أحرارا سواسية لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى، و منحهم حق الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة والعمل على محاربة جميع أسباب الشقاء، وقد ناضلت البشرية طويلا لتحصيل السعادة ومحاربة أسباب التعاسة وأولها العبودية.
وتوجت هذه النضالات بمواثيق وعهود تؤكد أن كل البشر سواء في الحرية والاستقلال، وأن لهم حقوقا طبيعية لا يمكن لأحد أن يحرم الآخرين منها في دولة حديثة وهي التمتع بالحياة الكريمة والحرية وجميع الحقوق الطبيعية منها حق التملك والكسب، والسعي لتحقيق السعادة.
وتتفق الفلسفات البشرية الحديثة على أن السعادة والحرية متلازمتان فلا سعادة بدون حرية، حرية العمل وحرية الفكر وحرية التعبير وحرية النقد والمعارضة وحرية التنقل وحرية الاختيار والمشاركة السياسية والاجتماعية، والشعوب الحرة هي التي تنعم بالسعادة الحقيقية التي يعيش في ظلالها الإنسان موفور الكرامة يمارس حقوقه الطبيعية في النقد والاختلاف والتعبير والتفكير والاختيار.
ومهمة الحكومات أن تعمل على إسعاد المواطنين، ولكن ذلك لا يتحقق بمجرد الإعلان عن تشكيل وزارة للسعادة، فالسعادة هي المحصلة النهائية لمجمل ممارسات النظام السياسي في تأمين الحريات والحقوق وتوفير مناخات الحياة الكريمة والآمنة.
فلا يمكن الحديث عن السعادة مع غياب دولة الحق والقانون، ومع الممارسات الأمنية في انتهاك حقوق وحريات المواطنين وممارسات الاعتقالات التعسفية و الإخفاء القسري وتعذيب السجناء وتجريد المواطنين من أبجديات حقوق المواطنة لمجرد الإختلاف في الرأي، ومعاقبة أهالي وأقارب المعارضين السياسيين وتجريم المعارضة والنقد.
إن الحديث عن استحداث وزارة للسعادة في ظل هذه الأجواء الخانقة للحريات ليس إلا ضحكا على الذقون، ومسرحية هزيلة ومحاولة طلاء مخالب التوحش والانتهاكات، بأقنعة إنسانية تواري بشاعة الممارسات الأمنية.
السعادة هي نتيجة لممارسات إنسانية قيمية أخلاقية تحمي الحياة الكريمة للإنسان وتحافظ على حقوقه وحرياته، وبغياب المؤسسات التي تحمي الحريات والحقوق ومع تمادي المؤسسات الأمنية في الانتهاكات والمخالفات المتجردة من كل القيم والمستويات الأخلاقية، فإن الحديث عن السعادة ضربٌ من العبث والخداع المفضوح.
فمن الصعب محاولة توجيه أنظارنا إلى أحلام السعادة وأقدامنا تمشي بنا إلى أوحال التعاسة والشقاء.
سعادة المواطنين هي الغاية النهائية التي تؤدي إليها مجمل السياسات الحكومية الرشيدة، والمؤسسات التي تعمل على حماية كرامة المواطنين وحرياتهم وتأمين احتياجاتهم، ولذلك فهي الغاية الرئيسية لتلك المؤسسات و النظام بأكمله، وليست حقيبة وزارية تهدف إلى تزيين مخالب القمع.
والمقياس الحقيقي لاختبار جدية الوزارة وجدواها هي قدرتها على تصحيح الواقع المختل وتحقيق السعادة لأسر المخفيين قسريا وللمعتقلين والمحرومين من حقوق المواطنة وتأمين حقوق المواطنين وحرياتهم وضمان حصول المتهمين على محاكمات عادلة، وتعويض ضحايا الانتهاكات ومحاكمة مرتكبيها مع ضمان عدم تكرارها وبدون ذلك فإن القيمة الفعلية لوزارة السعادة هو تنعيم مخالب الشقاء وتخدير الضحايا وتمويه الرأي العام الداخلي والخارجي.