ايماسك: عودة علاقة الإمارات مع إيران.. الدوافع والثمن وقراءة التحول

ايماسك: عودة علاقة الإمارات مع إيران.. الدوافع والثمن وقراءة التحول

يراقب صانعو السياسة الدولية عن كثب رحلات الإمارات نحو إيران، وترك السعودية في اليمن ومناطق أخرى في الشرق الأوسط- حيث تشتد الخلافات بين الدولتين. لكن الإماراتيون كالعادة في "الظلام" دون توضيح لا لإعادة العلاقات ولا لأسباب قطعها.

وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري تحدث الرئيس الإيراني حسن روحاني عن تحسن العلاقات بين بلاده والإمارات. وقال روحاني إن إيران والإمارات تبادلتا الوفود والزيارات مؤخرا، مشيراً  إلى أن وفودا ومسؤولين إماراتيين زاروا إيران مؤخرا، مؤكدا أن العلاقات بين البلدين تتجه نحو مزيد من التحسن.

وكانت البداية التي أظهرت كل ذلك في يوليو/تموز2019 عندما زار وفد عسكري إماراتي العاصمة طهران، والتي جرى تفسيرها بعلاقة جيدة في محيط مضطرب بعد استهداف ناقلات في مياه الخليج العربي قبالة الفجيرة، ورفضت أبوظبي توجيه الاتهامات لطهران بالضلوع في تلك الهجمات. فيما وجهت السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا الاتهامات بشكل مباشر إلى الحرس الثوري بالضلوع في الهجمات.

وأكد المتحدثون الإيرانيون منذ يوليو/تموز وحتى أكتوبر/تشرين الأول2019 عن استمرار الزيارات بين الدولتين وكان موقع "ميدل إيست آي" البريطاني أفاد، بزيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، إلى العاصمة الإيرانية طهران، في زيارة لم يُعلن عنها واستمرت أكثر من 48 ساعة. ونفت طهران لاحقاً ذلك دون تصريح من الحكومة الإماراتية.

توجت هذه الزيارات بإفراج الإمارات عن 700 مليون دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة في الدولة. ونشرت وكالة ايسنا أن الإمارات تحاول تحسين علاقتها من المستوى العسكري والأمني إلى المستوى السياسي والدبلوماسي، كما أشارت إلى أن أبوظبي تسعى ل"تصفير" التوترات مع إيران .

وكدليل على تحسن العلاقات كشفت بيانات ووثائق أن صادرات إيران النفطية ارتفعت إلى أعلى معدلاتها (500ألف برميل يومياً)، في أغسطس/آب الماضي، منذ فرض العقوبات الأمريكية على طهران، وأن نصف هذه الصادرات تقريبا كانت باتجاه الإمارات.

فما الذي دفع قرار دولة الإمارات إلى إرسال هذه الوفود إلى إيران؟ وما تأثير عودة العلاقات بين طهران وأبوظبي على العلاقة مع السعودية؟! وكيف أدارت السلطات هذا الموضوع مع المجتمع الإماراتي؟!

دوافع عودة العلاقة

يبدو أن الإمارات تسعى إلى إجراء حوار مع إيران لإدارة مخاطر نشوب صراع كبير في الخليج العربي بشكل أفضل، الأمر الذي من شأنه أن ينطوي على آثار وخيمة للغاية على المصالح الاقتصادية والأمنية لدولة الإمارات. في أوائل عام 2016، لم تقم الإمارات (على عكس السعودية والبحرين والسودان) بقطع العلاقات مع إيران تمامًا، بل خفضتها فقط. من خلال تحقيق هذا التوازن، أبقت الإمارات سفارتها في طهران مفتوحة بينما واصلت دبي الترحيب بالسياح الإيرانيين على مدار السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية. على الرغم من أن أبو ظبي تقود الكثير من السياسة الخارجية لدولة الإمارات، إلا أن مخاوف دبي وغيرها من الإمارات الشمالية خففت من سياسة الإمارات تجاه إيران، لا سيما بالمقارنة مع السعودية. بناءً على العلاقات الاقتصادية والثقافية القوية، كانت روابط دبي بطهران خاصة تاريخياً ومختلفة بشكل ملحوظ عن علاقة أبو ظبي بطهران.

لذلك فإن الإمارات تتعامل مع العقوبات على إيران بالكثير من الحساسية والتهرب خلال العقود السابقة، وقد كانت العقوبات الأخيرة أكثر تأثيراً من سابقاتها.

وتأتي المخاوف الأمنية في مقدمة الأسباب، حيث فإن استمرار التوتر في مياه الخليج، يضر بالإمارات، إذ تمتلك الدولة قواعد عسكرية أجنبية. وحركت الحذر الإماراتي تجاه تفعيل التواصل مع إيران، إسقاط الدفاعات الجوية الايرانية لطائرة مسيرة أمريكية، كانت قد انطلقت من قاعدة الظفرة في أبوظبي الأمر الذي نتج عنه استدعاء السلطات الايرانية للقائم بالأعمال الاماراتي في طهران، وتصاعد حدة الخطاب والوعيد الإيرانية باستهداف القواعد العسكرية الأجنبية في أبوظبي. ومساحة الإمارات صغيرة نسبياً إذا ما حدثت حروب في المنطقة قد يجعلها عرضة لتدمير كامل.

والأسباب الاقتصادية، حيث أجرت الإمارات الست مراجعات لأبوظبي في سياستها الخارجية حيث أدت مقاطعة قطر، والحروب الإقليمية إلى استهداف اقتصاد الإمارات، وجعل سمعتها في المنطقة سيئاً للغاية ما يضر ببيئة الأعمال، وتحاول أبوظبي تعديل سلوكها من الجوار وتحاشي حدوث تصعيد في المحيط خاصة بعد استهداف ناقلات النفط الأربع قبالة الفجيرة.

الثمن الذي تدفعه دبي

تعود تجارة دبي مع إيران إلى ما قبل انضمامها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بفترةٍ طويلة. وتعزَّزت مكانتها كمركز للتجارة في مطلع القرن العشرين، بعد وصول التجار الفارِّين من الزيادات الضريبية التي فرضها الحكام الفرس. وحالياً تعتبر دبي مركز مالي عالمي، وكان للتجارة مع إيران عام 2009 دور في عدم تدهور الاقتصاد بالشكل الكبير، وعلى الرغم من أن أبوظبي، أنقذت دبي عبر حزمة إنقاذ أولية بلغت 10 مليارات دولار، وتوسعت في وقت لاحق لتصل إلى 20 مليار دولار.

لكن كانت هناك خطة أخرى ساعدت على إبقاء دبي واقفة على قدميها. فعندما سنت إدارة "بوش" قانون العقوبات على إيران عام 2006، مما أدى إلى تعميق الاضطرابات الاقتصادية الإيرانية في عهد الرئيس "محمود أحمدي نجاد"، كانت هناك زيادة كبيرة في حجم هروب رؤوس الأموال الكبيرة بالفعل من إيران، وقد انتهى المطاف بمعظمها في دبي. وتشير تقديرات 2009 إلى أن القيمة الإجمالية للاستثمارات الإيرانية في دبي تبلغ 300 مليار دولار. وقد ساعدت الأزمة المالية، والعقوبات الأمريكية، على تعميق الاعتماد المتبادل بين دبي وإيران، وهي نتيجة تتعارض مع أهداف صانعي السياسة في كل من أبوظبي وواشنطن.

 

لكن سياسات أبوظبي الخارجية تجاه قطر وإيران جعلت من الإمارة في موقف سيء للغاية، ودفعت بجزء كبير من هذا الاستثمار إلى خارج دبي. وبدلا من مقاومة التدخل الأمريكي في السيادة الاقتصادية لدولة الإمارات، أكدت أبوظبي تبنيها للرسالة الأمريكية، حيث استغلت أبوظبي خطة إنقاذ دبي لتضع نفسها في موضع يسمح لها بإملاء السياسة على دبي. ودعت السياسة الجديدة دبي إلى إغلاق أبوابها أمام الأموال الإيرانية. وفي العامين الماضيين، تقلص وجود الإيرانيين في اقتصاد دبي بشكل كبير.

وقفزت التجارة بين إيران والإمارات إلى 22 مليار دولار في 2017 بدلاً من 18 مليار فقط في العام الذي سبق تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. لكن مع العقوبات الأمريكية فإن من المتوقع أن تهبط إلى النصف هذا العام. بدلاً من أنه كان من المفترض أن يصل الرقم إلى 30 مليار دولار بعد توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الغربية. وبحسب المصادر الرسمية الإيرانية، فإن الامارات هي أكثر دول العالم تصديراً لإيران، إذ تشكل صادرتها نحو 30 في المائة من واردات إيران.

كما انعكست العقوبات وسياسة أبوظبي الإلزامية على دبي والمحافظات الشمالية على عدد الإيرانيين، حيث انخفض عدد الإيرانيين الذين يعيشون في الإمارات من 117 ألفا قبل عام إلى 73 ألفا العام الحالي، فيما انخفض عدد الزوار الإيرانيين للنصف من 700 ألف عام 2016 إلى 350 ألفا عام 2018، وبفضل القيود والتعقيدات على الشركات والتجار الذين يركزون على إيران أصبحوا يفضلون التعامل من خلال تركيا وعمان وماليزيا بدلاً من الإمارات.

والخسائر الناجمة عن تقليص التجارة الإيرانية قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الإمارات، وخاصة دبي، حيث يوجد العديد من الشركات الإيرانية الخارجية. ويشهد الاقتصاد الإماراتي نمواً بطيئاً، ويبدو أن نموذج أعمال السوق الحرة في دبي يتعثر حيث ارتفعت ديون دبي الخارجية إلى 60 مليار دولار، يحين أجل سداد نصفها خلال العامين المقبلين.

كما أن العواقب الاقتصادية لحدوث نزاع في مياه الخليج، ستكون مدمرة على الإمارات، التي أقامت نموذجها الاقتصادي على موانئها البرية والبحرية والسياحة والتجارة الإقليمية، كما أن دبي تقوم بإنفاق 8 مليارات دولار على البنية التحتية، حيث تقوم بالتحضير لاستقبال المعرض التجاري الدولي إكسبو 2020، واستمرار العقوبات أو سياسة أبوظبي الإلزامية على الدوحة وطهران قد يدمر جهود الاستضافة. في نفس الوقت تظل إمارة الفجيرة، أهم مراكز نقل النفط في العالم، والتي تأثرت عقب استهداف سفن النفط قبالة ميناءها.

تأثر العلاقة بالسعودية

تسعى الإمارات لإحياء العلاقة مع إيران صلة تربطها بإيران دون أن تتخلى عن علاقتها القوية بالسعودية التي تسير أبو ظبي في اتجاه معاكس لها، مستخدمة في ذلك أمن مياه مشتركة مليئة بالتوترات.  لكن التحركات الأخيرة للإمارات أثارت اتهامات بالخيانة من بعض السياسيين في السعودية، وخاصة أولئك الذين في الدائرة الخارجية لصنع القرار - الذين يلومون التحالف السعودي الإماراتي على سياسات بلدهم الخارجية العدائية والتي لا تتزحزح.

وليس ذهاب الإمارات نحو إيران هو المسبب الوحيد الذي قد يغضب الرياض فقد خلقت حدثان رئيسيان الانطباع بأن الخليج ربما وصل إلى نقطة تحول رئيسية. الأولى حدثت في أواخر أغسطس/آب، عندما هاجمت الطائرات الحربية الإماراتية الجيش اليمني المدعوم من السعودية في عدن. وجاء الثاني بعد أسابيع قليلة، عندما أفادت وسائل الإعلام في الخليج أن الرياض والدوحة قد تبادلتا الرسائل (حسب الروايات الكويتية) لأول مرة منذ شهور.

وجرى الحديث عن اتفاقات إماراتية مع إيران بشأن الخروج من اليمن، فعقب الزيارة الإمارتية قامت الدولة بتقليص دورها في اليمن فأوضح إشارة حتى الآن إلى أنها تعيد تقييم تورطها في صراعات الشرق الأوسط على خلفية المواجهة الأمريكية الإيرانية التي هددت بدفع الخليج العربي إلى حرب إقليمية. ويشير هذا التراجع إلى اشتباك عميق داخل المحور الذي بناه الرئيس دونالد ترامب للحد من النفوذ الإيراني بعد أن تخلى عن الصفقة النووية لعام 2015: بعض دول الخليج الأصغر قد تدعم سياسة "الضغط الأقصى" لترامب من الناحية النظرية، لكن اقتصاداتها - وأمنها - عرضة لمواجهة طويلة.

كما أن بعض التحليلات عن مخاوف الإمارات من الهيمنة السعودية حيث تعتقد إن أي تراجع في الوجود الإيراني سيعزز بالضرورة النفوذ السعودي، وبالتالي، تعمل السلطات الإماراتية على تحقيق التوازن بين أكبر قوتين على جانبي منطقة الخليج. على هذا النحو، فإن الإمارات العربية المتحدة ليست على استعداد لتأييد تحالف إيراني سعودي، لكنها لا تريد أن تشهد اندلاع حرب إيرانية سعودية، من ناحية أخرى.

ولعل الخروج من اليمن دون توقع سعودي ترك الرياض بمفردها فيما يتعلق بمتابعة المهام الصعبة للغاية المتمثلة في طرد الحوثيين من صنعاء وأجزاء كبيرة من الشمال، والأهم من ذلك بالنسبة للرياض، تأمين الحدود الجنوبية للمملكة مع اليمن، من جانبها، شددت طهران على استعدادها لإجراء المحادثات، في حين أن دول الخليج تميل إلى الإصرار على أن الحوار لا يمكن أن يذهب بعيدا ما لم تبدأ إيران بالتصرف "كبلد طبيعي"، ما يعني أنه ينبغي عليها التوقف عن زعزعة استقرار المنطقة من خلال دعمها للجماعات المسلحة غير الحكومية.

قراءة التحول

انعدام الدراسة: من الواضح أن أبوظبي تتصرف دون اعتبار لوضع دبي وباقي الإمارات الشمالية وتأثر اقتصادها وتضمينه ضمن تداعيات سياستها الخارجية، لذلك ترتكب أخطاء وعثرات وعند التراجع عنها تظهر فشلاً في التعامل معها مع خسارات دائمة من الصعب تصحيحها أو تعويضها. ما يظهر أبوظبي تجرّ معها الإمارات الأخرى نحو سياسة خارجية دون استراتيجية واضحة المعالم بل تكتيكات معظمها فشلت خلال السنوات الماضية.

الجزر الثلاث: في ذروة الحديث عن التفاهمات وعودة العلاقات تبقى مأساة الجزر الثلاث المحتلة خارج التنديد الرسمي عند الاجتماع مع الإيرانيين، فعلى السلطات الضغط من أجل استعادتها، أو مواجهتها إقليمياً.

يبدو أن حرب اليمن والأزمة المتصاعدة مع إيران، أشعرت القيادة الإماراتية أن البلاد أصبحت على مقربة من مصادر النيران حيث تصاعدت التحولات الإقليمية باتجاه صراع إقليمي واسع ستدفع الإمارات ثمنه الأعلى على أرضها وفي اقتصادها ويبدو أن النيران التي تشعلها في البلدان الأخرى بدأت تؤثر في الإمارات من زوايا اجتماعية واقتصادية وسياسية أكثر من كونه تأثير عسكري أو أمني.

لم تُقدم السلطات تفسيرا واضحا لتحولاتها الجيوسياسية المفاجئة، لكن من المحتمل أنها تنبع من تقييم لاستراتيجيتها على مدى السنوات الماضية المليئة بالعنف والسياسة الخشنة، وتعود إعادة التقييم إلى أمرين: أولاً، كان لسياستها الخارجية تأثير في تقليص مكانتها السياسية وسمعتها في الولايات المتحدة والعالم. ثانياً، حتى في ظل شروطها الخاصة، كانت الاستراتيجية التي اتبعتها أصعب بكثير من أن تتمكن الدولة الإماراتية من تنفيذها. في تعبير مختلف حاولت أن تبتع أكبر من حجمها، وهي سياسة سيئة للإمارات حيث لا تعرف الطرق لإنفاذ سياستها الخارجية بأقل التكاليف.

من الملاحظ أن السلطات لا تقدم أي مبررات منطقية سواء لقطع العلاقات وتأثر الاقتصاد الإماراتي، أو لإعادتها بل تستمر في وضع الإماراتيين في الظلام ليبحثوا عن المعلومات من الخارج. ويعود ذلك إلى انعدام وجود آلية لإشراك المواطنين في الشأن السياسي، حيث المجلس الوطني الاتحادي الذي يفترض بكونه الهيئة التشريعية للدولة وممثل الإماراتيين بدون أي صلاحيات دستورية وقانونية، ويجعله هيئة داعمة للسلطة لا يناقش ولا يعترض على السياسات الخارجية أو الداخلية. لذلك فإن "الظلام" حيث يعيش الإماراتيون يسيء لدولة الإمارات وشيوخها ولمنهجية الآباء المؤسسين.

هذه التصرفات والتناقضات في السياسة الخارجية خلّقت سمعة سيئة للغاية لدولة الإمارات. وانعكست "السياسة الخشنة" على تعامل الدولة مع مواطنيها فحظرت الانتقاد وأسست القوانين سيئة السمعة لمحاربة "حرية الرأي والتعبير" وعرّضت عشرات المواطنين للتعذيب والاعتقال التعسفي والأحكام السياسية بسبب ممارستهم الحق في تصحيح العثرات والعودة إلى منهجية الآباء المؤسسين بالاستماع للمواطنين وسياسة أكثر مرونة ولين مع الدول والشعوب وفي نفس الوقت أكثر حزماً فيما يتعلق بالأمن القومي للدولة.

تصرفات السلطات يأتي خارج إرث الآباء المؤسسين وهو الإرث الذي مكّن الإمارات من تحقيقها نهضتها المالية والاقتصادية، حيث يعتقد كثيرون بأنه تبدد في السنوات الأخيرة، لتحل محله نظرة للدولة الثرية بوصفها "اسبرطة العصر الحديث"، تقاتل وتتدخل في العديد من الساحات والميادين القريبة والبعيدة.

من الواضح أن الإمارات لم تنسق خطواتها بشأن إيران مع الرياض، رغم حديث السلطات أن ذلك جرى بتنسيق مع السعودية. حيث تشعر أبوظبي أن ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" يفتقر إلى الاستراتيجية، في اليمن وفي التعامل مع إيران. وتتناقض العديد من أنشطة الإمارات بشكل مباشر مع النهج الذي تتبعه السعودية تجاه إيران، وفي الوقت الذي تتسع فيه هذه الفجوة، فإن التحالف الاستراتيجي بين البلدين لم يتم تقويضه بعد. لكن يبدو أن هذا التحالف في طريقة إلى النهاية، وفي حال حدث ذلك ما الذي ستفعله أبوظبي لتلافي غضب الرياض؟!

في حين تعاونت أبوظبي والرياض بعمق منذ عام 2015 بشأن اليمن وإيران على نطاق أوسع، كانت دبي ترى دائمًا أن المقاربة المتشددة للغاية بشأن إيران تصنع مشاكل في عالم التجارة والأعمال، حيث تعد الإمارات هي أهم شريك تجاري لإيران في الخليج، ما يجعل من الصعب للغاية على أبوظبي التعامل مع العقوبات ضد إيران. وتعاني دبي بالفعل كثيرا نتيجة العقوبات الأمريكية على إيران، وتشير الأدلة إلى أن الإمارات لم تكن صارمة في تطبيق العقوبات على المعادن والصلب، كما أرادت واشنطن.

يكشف التعاون بين الدولة وإيران عبثية مقاطعة قطر وهي دولة جارة بتهمة التعاون مع الإيرانيين والتواصل معهم.

تشعر الإمارات بالخوف من أن المواجهة مع إيران يمكن أن تقوض كل شيء راكمته دولة الإمارات على مر السنين، من حيث التجارة والعلاقات التجارية والسياحة والضغط السياسي، وحتى جيشها، وإن كان فعالاً بالنسبة لحجمها، فإن إيران تتفوق عليه بالكامل. وتعرف أبوظبي أنها لا تستطيع أن تقاتل إيران بدون مساعدة أمريكية، لكن مع تردد "ترامب"، أصبح لديها يقين أن استمرار العداء مع إيران سيجعلها تعاني بشكل أكبر من قدرتها على التحمل.

خاتمة

من حق الإمارات حماية مصالحها، وتأمين مخاوفها بناءً على ما يستجد من تهديدات إقليمية ودولية لكن ذلك لا يعني أن تتخلى عن الثوابت الأساسية للمجتمع في الجزر الثلاث المحتلة أو عدم تضمينها في كل لقاء سياسي ودبلوماسي مع إيران أو مع الدول الأخرى. كما أن على السلطة بناء استراتيجية واضحة في سياسة الخارجية لا تعالج مخاوف أبوظبي وحدها بل تحمي الإمارات من تداعياتها.

إن اتخاذ سياسة خارجية معتدلة، تحافظ على إرث الآباء المؤسسين سيكون محل إعجاب وتقدير الإماراتيين، وبما أن السياسة الخارجية هي انعكاس للسياسة الداخلية فيجب على السلطات وقف الاعتقالات والأحكام السياسية والإفراج عن المعتقلين وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وقيام مجلس وطني كامل الصلاحيات يكون محطة دراسة تلك الاستراتيجيات الداخلية والخارجية ويقوم على انتقادها وتوجيهها بما يحفظ مصالح الإمارات والإماراتيين.

الكاتب