النفوذ الصيني في الإمارات

النفوذ الصيني في الإمارات

يتضح من الوهلة الأولى عند الوصول إلى مطار دبي الدولي أن المخاوف التي لدى العديد من الدول الغربية حول شركة الاتصالات الصينية Huawei ليست موجودة في دولة الإمارات العربية المتحدة، فالإعلانات عن منتجات Huawei منتشرة في جميع أنحاء المطار باللغتين الإنجليزية والعربية

ومن المعروف للجميع أن لكلتا الدولتين تطلعات واستراتيجيات إقليمية مختلفة للحفاظ على نفوذيهما. إذ تسعى أبوظبي للتعاون مع جهات فاعلة سياسية استبدادية وتمكينها تحت ستار الأمن والإنسانية. على عكس الصين، التي قد تتحمل مباشرةً العواقب السياسية لأي تغييرات في نظام الحكم الديمقراطي؛ مما قد يثير دعوات إلى إجراء إصلاحات داخل الإمارات نفسها.

في الواقع، إن وجود الصين في دبي، أكثر الدويلات رواجاً بالتجارة من بين الإمارات السبع، مرئي في كل مكان. ففي دبي، يرى الجميع مدى سرعة نمو المشاركة الصينية في الاستثمار، والزراعة، والتجارة، والتعليم، والسياحة، والتمويل، كما يقول تقرير لمجلة The Diplomat الأمريكية.

تشابه الصين والإمارات

تقول الصحيفة إن العلاقة بين البلدين لم تخلُ من النقد. ففي مقال افتتاحي «عاطفي» في صحيفة The National، وهي صحيفة يومية تصدر باللغة الإنجليزية في أبوظبي، في 30 مايو/أيار الماضي، استخدم السفير الصيني لدى الإمارات، ني جيان، حججاً قوية ومراجع تاريخية للدفاع عن طبيعة ورفاهية العلاقة بين الإمارات وجمهورية الصين الشعبية.

تجدر الإشارة إلى أن الروابط التاريخية بين البلدين قديمة، فطريق الحرير القديم جمع بين التجار من كلتا المنطقتين معاً للعمل بالتجارة ومجالات أخرى. حتى اليوم، يمكن رؤية تراث التفاعل الإنساني بين التجار الصينيين والعرب على طول الجزء الصيني من طريق الحرير.

وتفتخر مدينة شيان، موطن محاربي الطين، بوجود العديد من المعالم التي تجعلك تشعر أنك في بغداد أو بيروت أكثر من كونها مقاطعة شمال وسط الصين. ويشير السفير ني: «لكن هذه العلاقات التاريخية أصبحت الآن أداة لإبرام المعاملات مع الصينيين أكثر من كونها إحساساً قوياً بـ»الأخوة».

النفط كلمة السر

لكن، يعد اهتمام الصين بدولة الإمارات ودول الخليج غير مختلف عن اهتمام الدول الأخرى بالمنطقة منذ عقود: النفط.

يعد الحفاظ على مصدر ثابت وموثوق للنفط وحمايته، بالنظر إلى تعطش الصين النهم له الآن، أمراً ضرورياً للتنمية المستمرة لاقتصاد الصين. وتستورد الصين حصةً كبيرة من نفطها من الشرق الأوسط. ففي عام 2018، من أصل 240 مليار دولار قيمة النفط الذي استوردته الصين، جاءت حصة من الواردات النفطية بقيمة 103 دولارات، أي ما يقرب من 43%، من ست دول شرق أوسطية فقط.

 

وتقول إدارة معلومات الطاقة الأمريكية: «مضيق هرمز هو أهم نقطة نفط في العالم بسبب الكميات الكبيرة من النفط التي تتدفق عبر المضيق. ففي عام 2018، بلغ معدل التدفق اليومي للنفط 21 مليون برميل في اليوم، أو ما يعادل حوالي 21٪ من الاستهلاك العالمي لسوائل البترول».

وتقع دولة الإمارات على الطرف الغربي من تلك النقطة. ومن خلال بناء علاقات مع دول الخليج مثل الإمارات من خلال آلية الحزام والطريق للاستثمار في البنية التحتية والخدمات اللوجستية، تأمل الصين في تعزيز حصتها المستمرة في غنائم المنطقة الغنية بالنفط.

كيف تستفيد الصين من هذه العلاقة؟

تقول المجلة الأمريكية، أن قدرة الصين على استخدام هذه العلاقة، لتعزيز القدرات اللوجستية التي تدعم استثماراتها السياسية والاقتصادية في إفريقيا، تعد بمثابة ميزة إضافية.

في مقابلة لقناة CCTV الصينية في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني مع محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي. قال الشيخ: «منذ أكثر من 10 سنوات قلت إن الصين ستقود الاقتصاد العالمي.. هناك العديد من نقاط التقارب بين الصين والإمارات العربية المتحدة، ولهذا السبب نعتبر الصين نموذجاً مثالياً».

وأضاف: «أنا أحترم الرئيس الصيني، لقد قابلته أكثر من مرة وأراه نموذجاً مثالياً للقيادة، إذا أراد بعض القادة التعلم منه. بفضله، لدى الصين اليوم العديد من الأصدقاء، وهو الذي يقود هذا الانفتاح».

وميَّزَ العديد من الأشخاص الرئيس الصيني شي جين بينغ بالعديد من الأشياء، سواء كانت جيدة أو سيئة، لكن لم يكن «الانفتاح» من بين تلك الأشياء.

الديكتاتورية هي ما تجمعهما أيضاً

تقول مجلة «ذي ديبلومات» الأمريكية: لسوء الحظ، فإن بعض السمات التي تشترك فيها الصين والإمارات هي تلك التي تميِّزهما عن مساحات شاسعة من المجتمع الدولي. فكلا البلدين ليس لديهما حكومة منتخبة ديمقراطياً. في دولة الإمارات، يعد تشكيل الأحزاب السياسية محظوراً؛ وفي الصين، هناك حزبٌ واحد فقط يشتغل بالسياسة.

وفي يوليو/تموز 2019، شكرت الصين دولة الإمارات العربية المتحدة لدعمها سياساتها القمعية تجاه سكان الإيغور المسلمين في منطقة شينجيانغ بشماليّ غرب الصين.

وتحاول الصين وضع إطار لسياسة عدم التدخل في أعمال الدول ذات السيادة الأخرى كنهج «أخلاقي للدبلوماسية». في الواقع، غالباً ما تشير الصين صراحةً وأحياناً إلى أن هذا الأمر يعد معياراً أخلاقياً يميزها عن بعض الدول الغربية، وتعني بذلك عادةً الولايات المتحدة.

لكن سياسة عدم التدخُّل التي تنتهجها الصين هي في الواقع مظهر من مظاهر النهج السلبي المشاكس للدبلوماسية التي تسعى إلى الاستفادة الاقتصادية من العلاقات الاقتصادية الثنائية والإقليمية، وعندما تنشأ مشاكل سياسية تكون تلك العلاقات الاقتصادية مبعثاً للتدخل.

 

وباستخدام ذريعة مكافحة الإرهاب لاستهداف أقلية الإيغور المسلمة، تتطابق سياسات الصين بشكل ما مع سياسات الإمارات في حملتها الإقليمية ضد جماعة الإخوان المسلمين؛ ولذلك أيدت الإمارات حملة الصين ضد الإيغور المسلمين، ووجه الرئيس الصيني الشكر للإمارات على دعمها لسياسات بكين في إقليم شينجيانغ، في حين قال ولي عهد أبو ظبي إن الإمارات مستعدة للاشتراك مع الصين في ضرب القوى الإرهابية المتطرفة.

العلاقات الاقتصادية هي الأهم دوماً

ويمكن أيضاً أن يُنظَر إلى هذه السياسة بطريقةٍ ساخرة. فمن خلال إظهار نفسها بعدم التدخُّل في شؤون الآخرين، تتوقع الصين مطالبة الدول لها بالتدخل. وفي هذا الصدد، فإن الصين لديها حليف مثالي في الإمارات العربية المتحدة.

ومما يؤكد على ترحيب دولة الإمارات بالصين ارتفاع الرنمينبي كعملة الدين في الإمارات والعديد من جيرانها. ويلاحظ المجلس الأطلسي في تقرير أن «قيمة إصدار الرنمينبي (RMB) في الخليج بلغت رقماً قياسياً في عام 2018.. ضمن هذه التدفقات، أصبحت الإمارات أكبر مصدر لدين الرنمينبي، تليها قطر».

يمضي تقرير المجلس إلى القول إن «البنوك الإماراتية البارزة، وتحديداً بنك الإمارات دبي الوطني وبنك أبوظبي الأول، قد قادت إصدار سندات الرنمينبي. ومؤخراً في عام 2018، أصدرت إمارة الشارقة سنداً دولياً مقوماً بالرنمينبي، مما يقترح المزيد من التدفقات في المستقبل». ويشير التقرير، إلى أن مثل هذه السندات «تسعى إلى إرضاء بكين».

علاقة المنفعة المتبادلة

وبينما تراقب الولايات المتحدة ودولٌ غربية أخرى بحذرٍ دور معاهد كونفوشيوس في الجامعات العالمية، فتحت الإمارات ذراعيها لاثنين منها. بالإضافة إلى ذلك، هناك «مبادرة مستمرة لتدريس اللغة الصينية في 200 مدرسة إماراتية» جارية، كما تقول المجلة الأمريكية.

السياحة الصينية، وفقا لأحد الفنادق ذات العلامات التجارية الغربية في منطقة بر جمان في دبي، تتزايد بسرعة. يمكن للمواطنين من كلا البلدين التنقُّل بحريةٍ بين البلدين، وذلك بفضل اتفاق متبادل لإلغاء التأشيرة بين البلدين. يتعاقد منظمو الرحلات السياحية الصينيون مع الفنادق لتزويد مجموعات من الغرف بعدد متزايد من المجموعات السياحية الصينية

قد يكون من السهل التشكيك في مستوى «الإخلاص» في العلاقة بين الصين والإمارات. لكن ما لا يمكن التشكيك فيه في الوقت الحالي أن كلا الجانبين يسعى إلى الحصول على شيءٍ ما من الآخر

من عدم اليقين المتزايد لدول مجلس التعاون الخليجي بشأن مسار علاقاتها مع الولايات المتحدة خاصة بالنظر إلى التوتر المتزايد بين واشنطن والرياض بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وبعد توجه إدارة "أوباما" تجاه آسيا وتأييدها الأولي للثورات في الدول العربية. وفي حين أن العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي قد تحسنت بشكل كبير في عهد الرئيس "دونالد ترامب"، فإن بنية "النفط مقابل الأمن" غير المكتوبة التي تقوم عليها العلاقات أصبحت أكثر تعقيدًا وفي بعض الأحيان متناقضة. وأعطت طفرة النفط الصخري في النهاية الفرصة لأمريكا لإنهاء اعتمادها على واردات النفط من الخليج.

على المستوى الإقليمي، تشعر دول الخليج العربية -وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات- بالقلق من أن اتفاقا جديدا بين الولايات المتحدة وإيران سيجعل طهران أكثر حزماً حيث أن القضية الأخرى التي تقلقهم هي فشل واشنطن في وقف برنامج طهران النووي. وأصبحت مخاوف دول الخليج من أن تنفصل الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط، أو حتى تتخلى عنه، أصبحت حقيقية تحت حكم "ترامب" أكثر مما كانت تحت حكم سلفه.

في هذا السياق، فإن لدول مجلس التعاون الخليجي مصلحة في تجنب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة. وبالتالي تعمل دول الخليج العربية وخاصة السعودية والإمارات على مسارات متوازية تشكل تعزيز قدراتها العسكرية المستقلة وتنويع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع لاعبين خارجيين رئيسيين، مثل الصين. على المدى الطويل، قد يدفع هذا بعض دول الخليج العربية إلى تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية مع الصين أو استضافة منشآت عسكرية صينية، بما في ذلك القواعد البحرية.

الكاتب