محمد بن زايد متوسّلاً الامريكان: “نحن الأفضل!”

محمد بن زايد متوسّلاً الامريكان: “نحن الأفضل!”

سامي الجلولي - وطن

في سبيل تحقيق أهدافه من أجل الاستيلاء باكرا على السلطة في الإمارات ولضمان رضا وتأييد أمريكي، ما انفكّ محمد بن زايد يتقرّب من دوائر القرار الأمريكية طالبا الصداقة والدعم والحماية فأبرم عقدا عسكريا بقيمة 6 مليار دولار لشراء أسلحة متطورة للإمارات وقد فهم الشيخ خليفة الأمر فسارع إلى إعلان رفضه لهذه الصفقة نظرا لكونها مريبة من جهة ونظرا للضائقة المالية التي عرفتها الإمارات في ذلك الوقت إلا أن الشيخ خليفة فشل في ذلك، الشيء الذي أدّى به إلى محاولة البحث إقليميا لتوطيد علاقاته بنيّة توثيق وتقوية حكمه وحفاظا على مصالحه، خاصة مع بعض الدول المجاورة، فتصالح مع سلطنة عمان فيما يعرف بمشكلة الحدود مقابل منحة بحوالي 200 مليون دولار قابلها غضب محمد بن زايد رئيس الأركان وقيامه بطرد آلاف العمال العمانيّين بالإمارات إضافة إلى محاولاته المتكررة كبح جماح شقيقه خليفة رئيس الإمارات من سياسة الجهود المشتركة لبناء وحدة دفاع خليجية.

اليوم، يسوّق محمد بن زايد نفسه للأمريكان على أنه القادر على حفظ مصالح أمريكا بالمنطقة وأنه يمكنه أن يكون البديل الخليجي بالجهة خاصة بعد اهتراء البديل القطري وتراجع دور المملكة العربية السعودية وانحسار ثقلها السياسي والإقليمي ممّا جعلها غير قادرة على لعب دورها الأمني بالمنطقة والظهور كشريك ندّي للولايات المتحدة الأمريكية.

لم يكن محمد بن زايد في طرح نفسه للأمريكان صائبا من ناحية انتقاده المتواصل للسعودية معتمدا في ذلك على بعض الفتور الذي أصاب العلاقات الأمريكية السعودية خلال حكم الرئيس الحالي Obama نتيجة التقارب الأمريكي الإيراني والذي ينظر إليه السعوديون على أنه يمثل إهمالا أمريكيا لحليف تقليدي بالمنطقة إضافة إلى أنه تهديد للمنطقة برمتها مما جعل رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي ”عبد الله العسكر“ يعرب عن تخوفه قائلا: “أخشى من وجود شيء مخفي… في حال توصلت أمريكا وإيران إلى تفاهم، قد يحصل هذا الأمر على حساب العالم العربي ودول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية”.

لكن ما يقلل من هذه المخاوف وما قد يكبح من طموحات محمد بن زايد السريعة أنه تاريخيا استطاعت كل من واشنطن والرياض تخطي فترات من الخلافات أسوأ بكثير من هذه الأزمة، لعل أخطرها الحظر النفطي بين العامين 1973 و1974 عهد الملك فيصل وكذلك في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. لقد فات محمد بن زايد أن العلاقات الأمريكية السعودية لا تربطها مصالح ظرفية أملتها الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط بل إن مصالح مشتركة على مستويات عدة تربط بين هذين البلدين بدءا من التعاون المشترك لمكافحة الإرهاب ووصولا إلى احتواء نفوذ إيران الإقليمي الذي لا تخفي المملكة السعودية تخوفها الكبير منه وقد يتطور هذا التحالف في المستقبل القريب بعد تولّي الملك سلمان الحكم في السعودية في ظلّ التوترات الأمنية والأزمات السياسية في المنطقة.

إنّ الأهم من ذلك كله في العلاقات الثنائية بين المملكة السعودية والولايات المتحدة وجود شعور قوي ينتاب كلا الجانبين أنّه مهما كان أحدهما غير مرتاح مع الآخر، إلا أنّه ما من شريك بديل أفضل منه مثلما يذهب إلى ذلك Gregory Gause الباحث في Brookings.

لقد ذهب محمد بن زايد للأمريكان حاملا معه رسائل غير مرتبة لكنها في نظره مهمة: لن يكون بإمكانكم الاعتماد على السعودية كحليف دائم وتقليدي لعدة أسباب منها تواجد القاعدة على أبواب المملكة إضافة إلى التهديد الخطير للحوثيين باليمن دون نسيان القيادة المسنّة وصراع الخلافة الدائر داخل العائلة الحاكمة (قبل وفاة الملك عبد الله) وتهديدات طائفية يقصد بها الطائفة الشيعية التي تتمركز في المنطقة الشرقية من المملكة خاصة بمحافظات القطيف والإحساء وكيف أنّ ولاء هؤلاء لإيران أكثر منه ولاء للسعودية.

لقد حاول إقناع الأمريكان أن التهديدات الطائفية ليس مهددا للمملكة السعودية فقط بل للمصالح الأمريكية بالمنطقة وأن هذه الطائفة ستثور ضد النظام السعودي حالما تتوفر الظروف المناسبة مستدلا في ذلك على ما يعرف بانتفاضة محرم سنة 1979 وأحداث البقيع سنة 2009 وصولا إلى اضطرابات مارس 2011 التي تأثرت بموجات الاحتجاجات التي حدثت بالمنطقة.

رغم سلوك محمد بن زايد المقرّر الفعلي والوحيد للسياسة الخارجية الإماراتية وإجادته سياسة الضرب تحت الحزام إلا أن أبو ظبي كثيرا ما تتظاهر دون صدق بأنها حليف دائم للمملكة العربية السعودية وليس منافسا لها.

لا يخفي الأمريكان إعجابهم بالاندفاع الكبير لمحمد بن زايد ومحاولاته المتكررة الارتماء في أحضانهم وذلك قبل ما يعرف “بالربيع العربي” حيث ورد في احدى وثائق ويكيليكس الصادرة من السفارة الأمريكية في أبو ظبي إلى الخارجية الأمريكية وتحمل رقم ABUDHABI86209: “محمد بن زايد خاطر بنفسه وبمستقبل بلاده من أجل خدمة مصالحنا ومن أجل دعمنا في أفغانستان… يعتقد محمد بن زايد أن الشراكة مع الولايات المتحدة مسألة جوهرية من أجل نجاح دولة الإمارات، لكنه يعلم في نفس الوقت أن هذه العلاقة مسألة جدلية في أوساط شعبه، ولذلك فإنه في حال كانت الولايات المتحدة حامي غير كاف له فإن سلطته وقوته ستتآكل…”.

لقد كشفت هذه الوثيقة العلاقة السرية بين محمد بن زايد والأمريكان التي برزت مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 حيث أراد محمد بن زايد دعم الولايات المتحدة في احتلالها لأفغانستان وذلك عبر تكوينه لقوة عربية مشتركة إلا أن هذا الاقتراح قابله رفض قوي من الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي والملك المغربي محمد السادس.

ورغم اعتراض كل من تونس والمغرب على تشكيل هذه القوة إلا أنه حسب نفس الوثيقة لم يكن ذلك ليمنع محمد بن زايد من أن يدعم ماليا وسياسيا أصدقاء أمريكا من الأفغان وأن ينشر قوات خاصة في أفغانستان لمد يد المساعدة للأمريكيين الذين كانوا يحضّرون لغزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين.

لم يقف دعم محمد بن زايد حدّ أصدقاء أمريكا من الأفغان بل كذلك أصدقاء أمريكا من الباكستانيين حيث قام بدعم رجل الأعمال والسياسي الباكستاني Asif Ali Zardari (زوج الراحلة Benazir Bhutto الذي كان يعيش في منفاه بين أمريكا والإمارات) في وصوله للحكم في سبتمبر 2008.

كما تذهب نفس الوثيقة إلى القول: “إنّ الإمارات هي الشريك الأهم لواشنطن في المنطقة في مجال الاستخبارات حيث تمكنت خلال السنوات الأخيرة من جمع عدد كبير من الخلايا الاستخباراتية التابعة لواشنطن، وبفضل العمليات الاستخباراتية التي تقوم بها الإمارات لصالح الولايات المتحدة تم القبض على سفينة أسلحة تابعة لكوريا الشمالية وأخرى تابعة لإيران…” وأنّ “محمد بن زايد يعتبر نفسه أحد أقرب شركائنا في المنطقة كما يعتبر أن أهم شيء في حياته العملية هو بناء علاقة جيدة مع الولايات المتحدة…”.

يظهر أن جل الأعمال والخدمات التي قدمها محمد بن زايد إلى الأمريكان كانت تعبّر عن خوفه الداخلي من ردّة فعل المجتمع الإماراتي لو علم بذلك، ففي وثيقة أخرى بتاريخ 24 جانفي 2007، مسرّبة من ويكيليكس فإن محمد بن زايد قال لمساعد وزير الخارجية الأمريكي Nicholas Burns خلال اجتماع في أبو ظبي: “إن الإماراتيين لو علموا ما أفعل فإنهم سيرجمونني بالحجارة”.

خاصة في ظلّ التهديدات التي تعصف بالأنظمة العائلية الحاكمة والمستبدة بالإمارات التي تسعى إلى الحفاظ على ملكها أكثر من المحافظة على حقوق شعوبها.

الجنرال الأمريكي المتقاعد  James Mattis وصف الإمارات بـ”اسبرطة الصغيرة” Little Sparta التي استطاعت أن تهزم الفرس رغم نظامها الاستبدادي وثمّن مشاركتها الفعّالة في محاربة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية. لكن ما لا يعرفه الناس عن اسبرطة (التي كما تقول الأسطورة حطّم 300 من جنودها المذهلين تحت قيادة   Eurybiade & Thémistocle أسطول الفرس في معركة Salamine البحرية سنة 480 قبل الميلاد)، أنّها كانت مكانا بائسا وكئيبا وكان معظم السكان يتكوّنون من العبيد الذين كانوا يخشون ثورتهم وهذا ما تتفق فيه اسبرطة الجديدة (الإمارات) مع اسبرطة القديمة. فالإمارات تضم أكبر جالية مهاجرة من العمال الذين يعاملون في ظروف تشبه العبودية ويخشى النظام هناك ثورتهم في أي لحظة.

 إقليميا، لم يقف نشاط محمد بن زايد على استغلال الوضع الجديد بالمنطقة المتمثّل في مشاركة قواته في محاربة الدولة الإسلامية والتراجع النسبي للدور القطري وتوتر علاقات الولايات المتحدة مع حلفاءها التقليديين مثل السعودية وتركيا وتراجع علاقاتها مع الأردن ومصر نتيجة الأوضاع الداخلية غير المستقرة، بل شبك العديد من العلاقات القوية مع المحافظين الجدد الذين بدورهم يكنّون عداء شديدا للعرب والذين يعملون على حماية المصالح الأمريكية بطريقة لا أخلاقية يكتنفها الغموض والتربص. لقد ترجم السفير الإماراتي بالولايات المتحدة يوسف العتيبة Yossef Al Otaiba في تصريحه لصحيفة Washington Post هذه العلاقات بقوله: “نحن نختلف عن غيرنا، ونحن أفضل الأصدقاء لكم في هذا الجزء من العالم”. (في إشارة إلى تراجع نفوذ المملكة العربية السعودية).

الكاتب