الحاجة إلى "الشفافية" ومراقبة "المال العام"

الحاجة إلى "الشفافية" ومراقبة "المال العام"

المحرر السياسي - إيماسك

تجتاح الدولة مخاوف كبيرة من التأثر بشكل كبير من انهيار أسعار النفط العالمية التي انخفضت إلى دون 30$ دولار للبرميل لأول مرة منذ 12 عاماً، وبالرغم من أن الإمارات خففت من اعتمادها على النفط حسب ما أعلنته الحكومة بنسبة 30%، إلا أن المستقبل لا يعطي مؤشرات إيجابية مع بداية العام الحالي، فتظهر التقارير عمليات سحب غير منتظمة من الصندوق السيادي للدولة، وبمبالغ مهولة، تفتح الباب واسعاً للسؤال عن الأسباب وتضع "الشفافية" ومراقبة "المال العام" في صدارة اهتمامات الإماراتيين .

تشير التقارير إلى أن أصول الصندوق السيادي (جهاز أبوظبي للاستثمار) تراجعت من 502 مليار دولار عام 2014 إلى 475 مليار دولار مع نهاية العام 2015م. ما يعني الحاجة إلى اللجوء لسحب ما يقرب من 27 مليار دولار لسد عجز الموازنة. فيما تأثرت "الأصول الأجنبية" للبنك المركزي انخفضت بنحو 12 مليار دولار، خلال يناير عن الشهر السابق، (ديسمبر)، وانخفضت أرصدة البنك وودائعه لدي البنوك في الخارج بنحو 30% لتصل إلى 122.2 مليار درهم (33.3 مليار دولار).

وليس ذلك فقط وإنما هناك تكهنات أن الإمارات ستدفع لخفض قيمة عملتها أمام الدولار، خصوصاً أن قيمة العقود الآجلة لـ 12 شهرا الخاصة بالدرهم الإماراتي، والتي تستخدم بشكل جزئي للمضاربة على خفض قيمة العملة، ارتفعت بنحو 325 نقطة الشهر الماضي، وهو المعدل الأعلى منذ عام 2009م، وهو بالتأكيد يعزز تلك التكهنات.

لا يعتقد الخبراء أن تعود أسعار النفط إلى مجدها السابق، لذلك، ستضغط كل تلك المؤشرات باتجاه الأسوأ، ومالم يتم استثمار أصول الصندوق السيادي في بناء اقتصاد (مستدام)، فستكون كارثة قادمة تحل بـ"مستقبل الدولة"، وستلقي بظلالها على المواطنين الإماراتيين، أما الأجانب والمقيمين ففي أسوأ الأحوال سيغادرون البلد إلى بلادهم، وهو ما سيزيد الطين بله فاستثمار الحكومة في العقار والسياحة التجارية مبالغ فيه لدرجة كبيرة تجعل من انهيار هاذين القطاعين أمراً محسوماً في ظل بوادر أزمة اقتصادية عالمية مقابل عدم بناء الاقتصاد الوطني المستدام المنشود.

ويبدو أن تبعات كل هذا التراجع قد بدأ في سياسة تقشف تتضمن مواطني الدولة ولا يشمل تقشف نفقات الحكومة، مقارنة بما قامت به "الكويت"، فقد رفع الدعم عن "البنزين"، وبات المواطنون يدفعون فواتير الماء والكهرباء، فيما يستمر المسؤولون الحكوميون والعسكريون والأمنيون في السياسة القديمة بلا فواتير و"بنزين" مجاني، وهؤلاء المسؤولون ليسوا قيادات الصف الأول فقط بل وحتى الصف الخامس، دونما قلق من تأثيره على اقتصاد الدولة التي تتأثر بالنفقات الحكومية بكل الأحوال، ولا يشمل "القلق" إلا المواطنين على مستقبل أبنائهم واستشعارهم بالغبن، وتكثر تساؤلاتهم حول المستقبل المجهول.

لذلك من أجل تطمين المواطنين، والعمل من أجل "الشفافية"، على الحكومة أن تشرع في إصلاحات دستورية، تضمن مبدأ المساءلة والمحاسبة ومراقبة المال العام من العبث، فبالتأكيد أن عشرات المليارات من الدولارات تذهب إلى نفقات "السياسة الخارجية" التي لا تجني الإمارات منها سوى الشوك، ولا "ثمار" عدا العداوة وانهيار الاقتصاد، والأولى بتلك المليارات أن تكون لبناء مشاريع جديدة من أجل "مستقبل" الدولة.ويستثنى من ذلك ما هو لمصلحة الأمن القومي للدولة التي يقدرها الخبراء الوطنيون المخلصون لا مستشاروا الارتزاق والأهواء الشخصية .

يحتاج المواطنون إلى فتح "الشفافية" عبر مجلس وطني منتخب يمثله تمثيل حقيقي وكامل، يراقب أداء الحكومة في هذه المرحلة الحساسة من مستقبل الدولة، ليس "تخويناً" أو "استنقاصاً" كما سيحاول البعض من النفوس التي تعودت الهجوم بلا عقل، ولكن هكذا تدار "الدول" وهكذا تتقدّم وتتجاوز مراحل الزمن الحساسة للعبور إلى المستقبل، وبدون ذلك ستتابع الانهيارات بصمت، فعندما تخرق السفينة من أي مكان فيها-بعمد أو بدون عمد- فمصير جميع راكبيها واحد، فإما ان يقوم كل راكب بمسؤوليته تجاه السفينة، وإلا اتسع الخرق فيطبع كل من فيها.

الكاتب