مفاوضات تجريها الإمارات والسعودية مع روسيا لإقناعها بتخفيض امدادات النفط

مفاوضات تجريها الإمارات والسعودية مع روسيا لإقناعها بتخفيض امدادات النفط

كشفت مصادر لرويترز، عن مفاوضات أُجرتها السعودية والإمارات مع روسيا لإقناع الأخيرة بالموافقة على مزيد من تخفيض إمدادات النفط، قبل إعلان أوبك خفض إنتاجها في 6 كانون الأول/ ديسمبر.

ولجأت السعودية إلى حليفتها الإمارات عندما احتاجت إلى مساعدة لإقناع روسيا بالموافقة على تخفيضات أكبر في إمدادات النفط خلال اجتماع أوبك هذا الشهر.

واستضاف الشيخ محمد بن زايد، الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، محادثات مهمة بين السعودية وروسيا في أبوظبي، حيث توصلت الدول الثلاث إلى ما سيصبح واحدا من أكبر التخفيضات في الإمدادات خلال عقد من الزمان، حسبما أبلغت أربعة مصادر مطلعة على المفاوضات رويترز.

ولم تُكشف سابقا تفاصيل المفاوضات التي جرت قبل إعلان أوبك والمنتجين من خارجها رسميا عن الخفض يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر.

ويمثل دور الإمارات في المحادثات تغييرا عن السنوات الماضية ويبرز نفوذ روسيا المتزايد في المنطقة. ومنذ بدأت روسيا التعاون مع أوبك بشأن اتفاقات الإمدادات في عام 2016، قادت الرياض وموسكو قرارات إمدادات النفط قبل اجتماعات أوبك دون تدخل يذكر من المنتجين الآخرين. وقال مصدران إن الرياض هذه المرة أرادت من أبوظبي أن تساعد في زيادة الضغط على موسكو للموافقة على التخفيضات.

ورأت روسيا في الاتفاق وسيلة لتعزيز العلاقات الحيوية في المنطقة.

وقال أحد المصادر "الرسالة التي أرادت روسيا إرسالها هي أنها تدعم السعودية في لحظة حاسمة وأن التحالف قوي. دور الإمارات ليس مفاجأة. لروسيا علاقات قوية للغاية مع الإمارات".

وروسيا والسعودية هما أكبر مصدرين للنفط في العالم، حيث يمثلان معا 20 في المئة من الإنتاج العالمي. وقالت ثلاثة من المصادر إن مشاركة الإمارات التي تنتج ثلاثة في المئة من إمدادات النفط العالمية جاءت بعد أن لمحت موسكو إلى معارضتها لتخفيضات جديدة في الامدادات قبل اجتماعات أوبك في فيينا يومي 5 و 6 كانون الأول/ ديسمبر.

وامتنع صندوق الاستثمار المباشر الروسي ووزارة الطاقة الروسية اللذان يلعبان دورين رئيسيين في محادثات أوبك عن التعليق. ولم يرد مركزا التواصل الإعلامي الحكوميان في السعودية والإمارات على طلبات للتعليق.

 

ورتب وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان التخفيضات العميقة وأخذ يناقشها مع المسؤولين الروس منذ تشرين الأول/ أكتوبر، عندما زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرياض، وفقا لثلاثة من المصادر. ومنذ ذلك الحين، قام مسؤولون سعوديون وروس برحلات مكوكية بين الرياض وموسكو وأبوظبي للتفاوض على صفقة إمدادات النفط. وفي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في الإمارات.

وذكر مصدران أن السعوديين أطلعوا الشيخ محمد بن زايد في ذلك اليوم على اقتراح إجراء تخفيضات أكبر وعرضوا تفاصيل التخفيضات التي سيتم توزيعها بشكل أساسي بين السعودية وروسيا والإمارات والكويت والعراق.

وأبلغت المصادر الأربعة رويترز أنه في الأول من كانون الأول/ ديسمبر، التقى ولي العهد السعودي وشقيقه وزير الطاقة الأمير عبد العزيز مع كيريل دميترييف، وهو مستشار يتمتع بنفوذ مؤثر في الكرملين ويرأس صندوق الثروة السيادية الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، على هامش سباق الجائزة الكبرى في أبوظبي ضمن بطولة العالم لسباقات فورمولا 1 للسيارات. وقال أحد المصادر إن دميترييف طار إلى الرياض في اليوم التالي لإخبار ولي العهد السعودي وشقيقه بأن روسيا موافقة على التخفيضات.

وذكر أحد المصادر أن السعودية كانت بحاجة إلى تخفيضات في الإنتاج لدعم ارتفاع أسعار النفط قبيل الطرح العام الأولي لأسهم في شركة النفط المملوكة للدولة أرامكو السعودية. وإضافة لذلك تحتاج الرياض إلى سعر يزيد عن 80 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن بميزانيتها، بحسب صندوق النقد الدولي. وتحتاج موسكو لسعر 42 دولارا فقط للوصول إلى ميزانية لا عجز فيها، وفقا لأرقام ميزانية 2019 ووزارة المالية الروسية.

والإمارات حليف وثيق للسعودية ولها مصلحة أيضا في مضي الطرح العام الأولي على ما يرام. وأفادت رويترز في تشرين الثاني/ نوفمبر بأن جهاز أبوظبي للاستثمار يستثمر أكثر من مليار دولار في طرح أرامكو بعدما اتجهت الرياض لحلفائها لدعم الطرح.

كان لروسيا أسباب كافية لمقاومة التخفيضات، فقد عارض الكثير من شركات نفط الروسية لوقت طويل كبح الإنتاج لأنها تخشى خسارة حصة سوقية لصالح الإنتاج المتزايد في الولايات المتحدة التي لا تتعاون مع أوبك. وتصاعدت الضغوط على الحكومة الروسية في الأسابيع الأخيرة إذ قالت شركات من بينها شركة روسنفت العملاقة المملوكة للدولة وشركة لوك أويل الخاصة علانية إن تخفيضات الإنتاج السابقة أخرت بالفعل ولوقت أطول من اللازم بدء العمل في مشروعات ناشئة لتطوير حقول نفط جديدة.

وأشار بوتين إلى تردده في إجراء مزيد من الخفض يوم 14 تشرين الثاني/ نوفمبر عندما قال إن تبني السعودية "موقفا متشددا" إزاء تخفيضات الإنتاج بسبب الطرح العام الأولي لأرامكو "ليس سرا".


وقالت عدة مصادر في أوبك إن مندوبي المنظمة كانوا قلقين في الأيام السابقة لاجتماع فيينا من أن موسكو قد تخرج من الاتفاق وترفع إنتاجها قبل منتصف 2020.

وبحسب مصادر أوبك وتقديرات محللين مثل شركة إنرجي أسبكتس فإن أسعار النفط العالمية كانت ستهبط على الأرجح بدون مشاركة روسيا. وموسكو طرف رئيسي في تخفيضات إمدادات النفط العالمية من قبل أوبك والمنتجين من خارجها المتحالفين مع روسيا، الذين يعرفون معا بأوبك+. ودعمت التخفيضات الأخيرة أسعار النفط لتقترب من 65 دولارا للبرميل.

التوصل إلى حل وسط

تحقق موسكو نفوذا متزايدا في الشرق الأوسط منذ 2015 بإرسالها قوات إلى سوريا، حيث تعد روسيا وإيران داعمين رئيسيين للرئيس بشار الأسد في الحرب السورية، بينما وقفت السعودية في صف مقاتلي المعارضة وانسحبت الولايات المتحدة من الصراع.

وتمكنت روسيا من تعزيز علاقاتها بكل من إيران والسعودية، اللتين تخوضان نزاعا منذ عقود على النفوذ مما أثار قلقا من اندلاع صراع مفتوح بينهما بعد هجمات في الآونة الأخيرة على أصول نفطية سعودية. واتهمت الرياض وواشنطن طهران بالمسؤولية عن الهجمات. وتنفي إيران أي ضلوع فيها.

وساعد دميترييف في التفاوض على الاتفاق الأولي بين روسيا والسعودية في 2016، مع وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك.

وكان أحدث اتفاق لأوبك+ بمثابة حل وسط. فقد وافقت روسيا على زيادة تخفيضات النفط لكن للأشهر الثلاثة المقبلة فقط. ووافقت السعودية على القيام بأكبر تخفيضات جديدة للإمدادات.

وأبقى المسؤولون السعوديون والروس التفاصيل المهمة للاتفاق الذي توصلوا إليه في أبوظبي طي الكتمان حتى يوم الاجتماع بغرض مفاجأة السوق، التي توقعت مجرد الاتفاق على تمديد اتفاق الإنتاج الحالي. وصعد خام برنت اثنين بالمئة إلى أكثر من 64 دولارا للبرميل بفعل النبأ.

ويدعو اتفاق أوبك+ إلى خفض جديد للإمدادات قدره 500 ألف برميل يوميا زيادة على التخفيضات السابقة التي تبلغ 1.2 مليون برميل يوميا. ووافقت السعودية على خفض إنتاجها متطوعة بمقدار 400 ألف برميل يوميا دون حصتها المقررة في أوبك، مما يصل بإجمالي التخفيضات الفعلية إلى 2.1 مليون برميل يوميا، أو اثنين بالمئة من الإمدادات العالمية. وتنتج دول أوبك+ أكثر من 40 بالمئة من النفط العالمي.


وقال أحد المصادر إنه بالنسبة لروسيا كان قبولها خفض الإنتاج لثلاثة أشهر يستحق المكسب السياسي الذي غنمته بإظهار الدعم للرياض وأبوظبي.

وأضاف "إجمالا، أصبح التحالف بين الثلاثة أقوى" بفضل هذه الخطوة.

الكاتب