العلاقات الإسرائيلية بالإمارات ودول الخليج أعمق من أي وقت مضى
بين الحين والآخر، تتكشف المزيد من الخيوط الخاصة بعلاقات التطبيع الخفية، والتي تربط بين الإمارات بشكل خاص وعدد من دول الخليج من جهة، والكيان الصهيوني من جهة أخرى، وذلك في مجالات أمنية وسياسية و اقتصادية وحتى رياضية.
أبرز هذه الخيوط المتكشفة خلال الفترة الماضية كان الإعلان عن افتتاح ممثلية إسرائيلية في أبوظبي، بحجة تمثيل الكيان في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا"، لكن الحقائق تتوالى لتؤكد أن هذا المكتب ليس هو الحلقة الأولى في سلسلة العلاقات التطبيعية بين الجانبين، وعلى ما يبدو أنه لن يكون الأخيرة.
من بين هذه الملفات التي تم الكشف عنها مؤخراً، هو الملف الذي كشف النقاب عنه المحلل الإسرائيلي للشؤون الأمنية والعسكرية في صحيفة معاريف الصهيونية يوسي ميلمان، والمعروف بأنه أحد أكثر المقربين من الدوائر الأمنية الصهيونية ويبني تقاريره من خلال معلومات يحصل عليها عبر قنوات رسمية عالية المستوى، والذي أكد فوز شركة AGT السويسرية بعقد بملايين الدولارات في الإمارات، بهدف بناء مشاريع للحفاظ على الأمن الداخلي للدولة وجيرانها في الخليج.
شركة AGT تتخذ من سويسرا مقراً لها، لكنها فعلياً قد تم إنشاؤها وتدار حالياً من قبل رجل الأعمال الإسرائيلي ماتي كوفاخي، كما أن الجنرال إيتان بن إلياهو القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي كان واحداً من أبرز العاملين فيها، إلى جانب عدد من كبار قادة الشاباك الإسرائيلي وشعبة الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، ويؤكد ميلمان أن أكثر من 10 شركات أمنية إسرائيلية خاصة تتبع بشكل مباشر لوزارة الأمن، قد تمكنت خلال الفترة الماضية من تكثيف عملها وتغلغلها في دول عربية وإسلامية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
المعلومات التي كشفها ميلمان لم تتوقف عند هذا الحد، بل أكد أن العديد من المؤسسات العربية والمسؤولين العرب في كل بقاع الوطن العربي، باتو يتعاملون مع شركة أمن تسمى G4S، وهي شركة أمن إسرائيلية باتت تحقق وفق آخر الدراسات نمواً كبيراً في أعمالها في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ، ومن بين أبرز العقود التي حظيت بها هذه الشركة عقد مطار دبي وعقود أمنية أخرى في مصر والأردن والمغرب والعراق، وذلك على الرغم من وجود أدلة قاطعة على دعم هذه الشركة المباشر للاحتلال الإسرائيلي وتوليها المسؤولية عن سجون أمنية يتم احتجاز الأسرى الفلسطينيين فيها.
واعترفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) ضمنًا في تقرير نشرته مؤخرًا بعمل شركة أمن إسرائيليّة في بعض دول الخليج لتدريب وتأهيل مقاتلين وحراس لآبار النفط ومواقع حساسة أمنيًّا، ونشرت الصحيفة صورًا لمدربين إسرائيليين تحت أسماء أوروبيّة وغربيّة مستعارة، خشية انكشاف هويتهم الإسرائيليّة وتعريض حياتهم للخطر. وقالت الصحيفة إنّ المدربين هم من خريجي الوحدات القتالية في جهاز الأمن العام (شاباك) ووحدات النخبة القتالية في الجيش الإسرائيلي وتبلغ أعمارهم حوالي الـ25 عامًا.
وذكرت الصحيفة أنّ المدربين يصلون إلى إحدى دول الخليج العربية من مطار بن غوريون في اللد مرورًا بعمان أوْ أنطاليا، لافتةً إلى أنّ عمل الشركة كان بمعرفة ومصادقة وزارة الأمن الإسرائيليّة، وأنّه تمّ إنهاء هذا التعاقد مع الشركة الإسرائيليّة نهاية العام الماضي في ظلّ انتقادات شديدة لها، خشية من أدوار تجسسية لها، فيما قالت صحيفة (كالكلاليست) الاقتصاديّة الإسرائيلية إنّ حجم الأعمال التي تنفذها الشركة في الدول العربيّة وفي دول أخرى في العالم بلغ في عام واحد (عام 2009) حوالي سبعة مليارات دولار.
وفي شكل آخر من أشكال العلاقات التطبيعية، بات ما يعرف بـ"طريق الحرير" أحد الركائز الأساسية للعلاقات بين إسرائيل ودول الخليج، بعد أن تحولت الموانيء الإسرائيلية إلى ممر رئيسي للبضائع الأوروبية المتوجهة إلى الأسواق الخليجية، وفقاً لما ذكرته صحيفة جيروزالم بوست الصهيونية، والتي أكدت في تقرير لها أن هذا الأمر يأتي كواحد من أكبر الفوائد العائدة على إسرائيل نتيجة استمرار الحرب في سوريا.
ونقلت الصحيفة عن أيوب قرا وزير التعاون الإقليمي في دولة الاحتلال قوله إن الدولة العبرية لا تكتفي بالواقع القائم، بل تعمل على توسعة محطات شحن البضائع الإسرائيلية باتجاه الخليج بسبب زيادة الطلب على الشحن من إسرائيل باتجاه الدول الخليجية. وتابع نائب الوزير الإسرائيلي قائلاً إنه بسبب الحرب الأهلية في سورية، باتت إسرائيل في السنوات الأخيرة الجسر البري الرئيسي بين بعض دول أوروبا والعرب.
وكشفت الصحيفة أن البضائع الأوروبية تصل أولاً إلى ميناء حيفا، ثم تصدر إلى العراق والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي، فيما كانت سورية وموانئها في الماضي، قبل الحرب السورية، هي الممر الطبيعي لهذه البضائع إلى الدول العربية، مبينة أن تحول إسرائيل إلى ممر للبضائع باتجاه الخليج، يعود بالفائدة الاقتصادية على إسرائيل، إلى جانب تعزيز العلاقات، خاصة أنها تتقاضى رسوم ترانزيت عن كل شاحنة تدخل إلى الأراضي الإسرائيلية وتخرج منها، مشيرة إلى أن أعداد الشاحنات تسجل تزايداً متواصلاً خلال العامين الأخيرين.
من ناحيته قال المتحدث باسم الوزارة رافي شامير، إن هذه المعلومات تشير إلى أن الدول الأوروبية والعربية على حد سواء تنظر إلى إسرائيل باعتبارها الممر الأفضل لـ"ترانزيت" البضائع والأكثر أمنًا، ما يعني أنه في حال انتهاء الحرب السورية، ستبقى الموانئ الإسرائيلية فعالة في هذا الاتجاه.
هذه التقارير التي تواصل نشرها المصادر العبرية، تأتي للتأكيد بين الحين والآخر على ما ذكره رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بأن علاقته مع الدول العربية والخليجية على خير ما يرام، وهو ما يعطي إشارات واضحة على انحراف البوصلة العربية عن القضية الفلسطينية التي باتت في طي النسيان.
التطبيع العربي بشكل عام والإماراتي بشكل خاص بات مكشوفاً ومفضوحاً في الاتجاهات، وأصبح من الواضح توجه أبوظبي إلى تعزيز علاقتها بالكيان الصهيوني يوماً بعد الآخر، طمعاً في كسب ود الجانب الأمريكي الراعي الرسمي لإسرائيل، وأملاً في الحصول على أدوار إقليمية أكبر لتنفيذ أجندتها الخاصة في المنطقة، والتي حادت عن مسارها الصحيح وباتت موجهة إلى محاربة المطالبين بالحريات والعدالة، وملاحقة التيارات الإسلامية المعتدلة باعتبارها تشكل الخطر الأكبر على الحكومات الديكتاتورية، ويلعب في هذا الأمر العميل الفلسطيني محمد دحلان دوراً كبيراً بصفته مستشاراً أمنياً للحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد.