تحركات للإمارات لتوسيع نفوذها في الجزائر

تحركات للإمارات لتوسيع نفوذها في الجزائر

تواصل الإمارات تحركاتها لتوسيع نفوذها وهيمنتها على الجزائر لا سيما بعد الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ووفاة قائد الجيش الجزائري قايد صالح الذي كان يعتبر من الشخصيات المقربة لأبوظبي،  فيما يمثل الاقتصاد البوابة الأبرز للإمارات في توسيع نفوذها في هذا البلد.

 

وتصاعدت الاتهامات من شخصيات جزائرية للإمارات بالوقوف ضد تطلعات الشعب الجزائري، وسط استمرار محاولات اختراقه بشكل أو بآخر، وهو ما فطن إليه الجزائريون الذين رفعوا لافتات تندد بالتدخل الإماراتي، مطالبين بإبعادها عن شؤونهم الداخلية، محذرين من مخططها للهيمنة على القرار السياسي في الجزائر.

 

ويشير سياسيون جزائريون إلى أن الإمارات متغلغلة ضمن النظام القائم في الجزائر إبان وجود الرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان مستشاراً لدى الإماراتيين في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، خاصة أنهم أدوا دوراً كبيراً جداً إلى جانب السعوديين لقدومه على ظهر دبابة.

وظهرت المطامع السياسية الأخرى لأبوظبي في الجزائر، من خلال البدء بإقامة قاعدة عسكرية لها في منطقة استراتيجية قريبة من الحدود بين موريتانيا ومالي من جهة، وبين موريتانيا والجزائر من جهة أخرى.

 

والشهر الماضي نشرت صحيفة «الوطن» (خاصة صادرة بالفرنسية) في الجزائر تقريراً اعتبرت فيه أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان إلى الجزائر أعادت طرح التساؤل حول طبيعة العلاقات الجزائرية ـ الإماراتية، حتى وإن كان هناك تشاور بين البلدين بخصوص الملفات الدولية ذات الاهتمام المشترك، وفي مقدمتها الملف الليبي، بالإضافة إلى التعاون الاقتصادي، في ظل استثمارات تصل إلى 10 مليارات دولار وحديث إماراتي عن رفع الاستثمارات إلى 20 مليار دولار.

 

وأشارت الصحيفة إلى أن زيارة وزير الخارجية الإماراتي للجزائر جاءت غداة زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مما طرح الكثير من التساؤلات، خاصة في ضوء التوتر الشديد في علاقات البلدين، ودعم الإمارات للمشير حفتر في ليبيا، وفي المقابل دعم تركيا لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

 

وذكرت الصحيفة أنه بصرف النظر عن الاعتبارات السابقة، فإن الإمارات في المخيال الشعبي لها صورة مختلفة، وأن اسم هذه الدولة كان حاضرا في المظاهرات والحراك الشعبي، بدليل أن الجماهير التي كانت تنزل إلى الشارع كانت تهتف «اذهبوا لإجراء انتخابات في الإمارات »، وأن اسم هذه الدولة ارتبط بكلمات مثل « الغموض » و “الثورة المضادة ” و « اللوبيهات المشبوهة »، وأن هناك اتهامات للإمارات بالسعي لخنق الحراك الشعبي في الجزائر، وبتمويل الذباب الالكتروني.

 

وذكرت الصحيفة بمساهمة نشرها الباحث في الشؤون الجيو سياسية علي بن ساعد أن الإمارات في الجزائر غير الظاهر للعلن، يتم تسييره بنوع من الغموض بين عصب السلطة، لأنه يتضمن ترتيبات مشبوهة، وأنه من بين التأثيرات الخارجية الأكثر أهمية وفاعلية، وأن هذا التأثير يعود للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

 

وسعت أبوظبي للدخول إلى الساحة الجزائرية من البوابة الاقتصادية  عبر السيطرة على عدد من القطاعات الحيوية والاستراتيجية في الجزائر،  كالموانئ والمصانع والتحكم فيها من خلال عقود تمت خلال حكم بوتفليقة، وصولاً إلى الصناعات العسكرية،  حيث يعتبر الموقع الإستراتيجي للجزائر محورًا مهمًا في البحر الأبيض المتوسط، باعتبارها معبرًا إلى أوروبا شمالًا، وإلى الساحل الإفريقي جنوبًا المتصل بالمحيط الأطلسي، إضافة إلى كون الجزائر من الدول المجاورة لليبيا التي تواصل أبوظبي تدخلها العسكري فيها عبر حليفها الجنرال خليفة حفتر، وسط استمرار المساعي الإماراتي للحصول على دعم جزائري لتحركاته.

 

وكان من مظاهر هذا النفوذ الإماراتي في الجزائر أن أحكمت سيطرتها على الشركة العمومية للتبغ والكبريت، وتقاسمت أسهمها مع الحكومة الجزائرية، هذا بخلاف احتكارها ميناء "جنجن" من خلال شركة "موانئ دبي العالمية"، إذ تحصل على 70% من موارد الميناء، وهو ما دفع الجزائريين بعد انتهاء حكم بوتفليقة إلى استرجاعها.

 

يذكر أن هذا الميناء أحد أكبر موانئ الجزائر ويقع بالطاهير في ولاية جيجل، قرب مطار فرحات عباس، وطاقته الاستيعابية 4.5 مليون طن سنويًا، ويستجيب لكل التقنيات الحديثة في مجال النقل البحري، كما يحتوي على أرضية يصل عمقها إلى 18.2 متر، وهو موصول بأهم محاور الاتصالات، لا سيما المنفذ شمال جنوبي جيجل - سطيف، وخط السكك الحديدية، وهو ما يجعله المحور المفضل للنقل الأورو/إفريقي بحسب ما أورده تقرير لموقع " نون بوست".

 

وكان الصحفي الفرنسي نيكولا بو، أشار في مقال له بصحيفة "لومند أفريكا" إلى مظاهر تغلغل الإمارات في مفاصل الدولة الجزائرية ومنها أن أثرياء الجزائر أودعوا ثروات بمئات الملايين من الدولارات في بنوك الإمارات، من بينهم علي حداد، أغنى رجل في الجزائر، الذي يوصف بأنه "حصالة عائلة بوتفليقة"، ويعرف بتردده كثيرًا على الإمارات.

 

الأمر ذاته - بحسب الصحفي الفرنسي - ينطبق على الإخوة كونيناف، شركاء سعيد بوتفليقة، والمخلصين لعائلة نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح والمقربين منه أيضًا، إذ أوجدوا لأنفسهم جذورًا في هذه "الجنّة الضريبية الإماراتية"، مختتمًا مقاله بأن "ما نُسج من روابط مالية مشبوهة في كل من دبي وأبو ظبي يفسر الحلف الصلب الذي نشأ بين عائلة بوتفليقة وأحمد قايد صالح في مواجهة التحركات الشعبية منذ اندلاعها، في فبراير الماضي".

 

 

لم يتوقف النفوذ الذي حققته أبو ظبي في عهد الرئيس المتنحّي، على الاستثمارات المالية فحسب، حيث نجحت الإمارات في بسط نفوذها داخل المؤسسة العسكرية الجزائرية وذلك من خلال حصولها على صفقات تزويد الجيش الوطني الشعبي بأسلحة متطوّرة، وهو ما أشار إليه الصحفي الجزائري، بوبكر بلقاسم الذي يرى أن الإمارات رغم أنها لا تمتلك تقاليد عريقة في ميدان صنع السلاح وتسويقه، باتت على قائمة مزودي الجزائر بالسلاح، بل أكثر من ذلك تشتري الجزائر من الإماراتيين أسلحة تمّ صُنعها في دول أخرى، عوض التوجّه مباشرة للبلد المصنّع وعقد صفقات معه.

 

 

وعدد الصحفي الجزائري في مقال له أوجه هذا التغلغل، ففي عام 2012، وقعت الجزائر عقد شراء سفينتين حربيتين من نوع "ميكو" من المصنع الألماني "تي.كا.إم .إس"،  بقيمة 2.2 مليار يورو، لكن الشراء لم يكن صفقة مباشرة بين الجزائر والمجمّع الألماني، بل كانت بواسطة شركة إمارتية هي "أبو ظبي مار" التي باعت السفينتين واستقبلت أموال الصفقة في حساباتها دون أن يكون لها أي دور في صنع السفينتين ماديًا أو تقنيًا.

 

وعن تفاصيل تلك الصفقة أشار إلى أنها تعود إلى زيارة المستشارة الأمريكية أنجيلا ميركل إلى الجزائر في يناير 2008، حيث تفاوضت شخصيًا مع بوتفليقة بخصوص بيع السفينتين للجزائر، في غضون ذلك تفاوضت الإمارات على الدخول بنسبة في رأس مال الشركة الألمانية، والتحكّم في صفقات السلاح التي تعقدها الشركة الأم مع الدول العربية، لتصبح أبو ظبي لاعبًا أساسيًا في عملية التسلح في المنطقة، والمتحكمة في سوق السلاح الذي سيؤدي حتمًا إلى التوغل في عمق الأنظمة التي تبيع وتشتري.

 

ولم تكتف الإمارات بالهيمنة على الموانئ والمصانع في هذا البلد الإفريقي، بل تكشفت مؤخرًا أطماع أخرى تحمل صبغة سياسية في الأساس، وذلك من خلال البدء بإقامة قاعدة عسكرية لها في منطقة إستراتيجية قريبة من الحدود بين موريتانيا ومالي من جهة، وموريتانيا والجزائر من جهة أخرى.

 

وجاء مشروع إنشاء القاعدة العسكرية الإماراتية، في وقت يعاني فيه حليف أبو ظبي بليبيا، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، عثرات سياسية وعسكرية، وقد سبق الحديث عن إنشاء هذه القاعدة العسكرية الإماراتية تحذيراتٌ من المنصف المرزوقي، الرئيس التونسي الأسبق، من وجود ثورة مضادة تقودها الإمارات والسعودية ومصر، تستهدف كلًا من الجزائر وتونس والمغرب.

 

وأشار الدبلوماسي الجزائري السابق، محمد العربي زيتوت، إلى أن الوجود الإماراتي والنفوذ في الجزائر ليس جديداً، ولكن هدفه "إحداث خراب بها إلى جانب الدول العربية والإسلامية وتدميرها؛ كما فعلت في اليمن وليبيا والعراق وسوريا".

 

 

 

وأردف بالقول: "أمراء الإمارات أشرفوا على الانقلاب في أكبر دولة عربية شهدت ديمقراطية ناشئة؛ وهي مصر، حيث إنهم يستفيدون، ونظرتهم هي أنه يجب السيطرة على الشعوب والبلدان".

 

فيما الباحث السياسي الجزائري، علي لخضيري، أن محاولات الإمارات التأثير في منطقة شمال إفريقيا، خاصةً الجزائر، ليست جديدةً خاصة بعد الربيع العربي، والردة على الثورات من خلال الانقلاب عليها إلى جانب السعودية والبحرين، لافتًا إلى أن: "هناك محاولات إماراتية للتأثير في الجزائر وصنّاع القرار بها خاصة خلال الحراك الشعبي، وعلاقاتها مع قيادات الجيش الجزائري وبوتفليقة".

 

 

ويؤكد لخضيري أنه على الرغم من العلاقة الوطيدة بين بوتفليقة والسلطات الإماراتية، حيث عمل في السابق مستشارًا للشيخ زايد في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، فإنه بعد الحراك الشعبي وما أفرزه من سلطة جديدة، تعثر الوجود الإماراتي رغم محاولات أبو ظبي تثبيت وجودها في هذا البلد المهم من الناحية الإستراتيجية وامتداد الجغرافيا السياسية.

 

ولجأت الجزائر إلى أساليب أخرى للضغط على الجزائر كدعم قضايا حساسة ضد الجزائر، منها المغرب في مسألة الصراع المتعلق بالصحراء الغربية، على حد قول الباحث الجزائري، موضحًا أن الإمارات عملت كذلك على دعم قادة موريتانيا، إضافة إلى ما تقدمه للواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا والمساهمة في استمرار الصراع بها الذي تؤيد فيه الجزائر حكومة الوفاق المعترف بها دوليًا.

 

وأكدت صحيفة "لومند أفريكا" الفرنسية أن الهدف الوحيد الذي تسعى الإمارات إلى تحقيقه في الجزائر هو إيقاف الحراك الشعبي، والعمل على إرساء نظام "ذي عضلات"، تمامًا كما فعلت في مصر، مستعرضة العلاقات المتينة بين بوتفليقة وأسرة ولي عهد أبو ظبي، التي تعود بداياتها إلى ثمانينيات القرن الماضي، عندما استقبله الإماراتيون وساعدوه على تخطي المصاعب المالية التي مر بها في تلك الفترة.

 

الصحيفة الفرنسية رأت أن الرئيس المتنحي لم ينس ذلك (مساعدة الإمارات له)، وما كاد يصل إلى الحكم سنة 1999 حتى ترجم عرفانه بالجميل لحكام الإمارات إلى أفعال"، لكنه حافظ على استقلالية واضحة مع كل دول الخليج رغم قربه من أبو ظبي، بحسب كاتب المقال.

 

وفي المجمل فإن المساعي الإماراتية لبسط نفوذها داخل الجزائر وإن كانت في عهد بوتفليقة حققت نجاحات عدة، فإن الوضع الآن ربما يكون مختلفًا في ظل تغير المعطيات وأدوات التنفيذ، خاصة مع الوعي الشعبي لدى الجزائريين بخطور الدور الإماراتي في بلادهم.

الكاتب