بين تصريحات عبد الله بن زايد وتهديدات الحشد الشعبي .. تجاهل الإعلام الرسمي
بشكل واضح وصريح، تجاهلت وسائل الإعلام الإماراتية الرسمية نشر تصريحات وزير الخارجية عبد الله بن زايد ضد ميليشيات الحشد الشعبي العراقية، وما تبع ذلك من غضب حكومة بغداد الطائفية وتهديدات الحشد للإمارات.
وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية المحسوبة على التيار الحكومي، تعمدت فيما يبدو عدم نشر تصريحات عبد الله بن زايد بنصها الكامل، مكتفية بنشر مقتطفات عامة من حديثه في المؤتمر الصحفي رفقة سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، واستمر هذا التجاهل لما ورد في أعقاب هذه التصريحات من حالة غضب في بغداد، واستدعاء السفير الإماراتي هناك من قبل وزارة الخارجية وإبلاغه احتجاجاً رسمياً على هذه التصريحات، بالإضافة إلى استنكار مكتب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لما قاله بن زايد، والأخطر كان التهديد الصريح الذي أطلقه أوس الخفاجي الأمين العام لميليشيات "أبي الفضل العباس" ضد الإمارات ودول الخليج بشكل عام.
القصة بدأت بما قاله بن زايد في تصريحاته بأن إيران "تدعم الجماعات الإرهابية وتعكف على نشر التطرف الطائفي وعدم احترام سيادة الدول"، مبيناً أنه "لا يمكن أن يكون هناك أي تلكؤ من أي طرف حول الإرهاب، وللقضاء على الإرهاب لا بد أن نبحث كل ما يؤدي إلى الإرهاب ونقضي عليه، لا يمكن أن نفرق بين داعش والنصرة من جهة، والجماعات المدعومة من قبل إيران، سواء كانوا من كتائب أبو فضل العباس أو جماعة بدر أو الحشد الشعبي، فهم يفعلون ما يفعلون في سوريا والعراق".
ومن الواضح أن وزير الخارجية الإماراتي قد "شطح" في تصريحاته هذه بعيداً عن الإطار المسموح له، فالواقع يقول أن العلاقات بين أبوظبي والحكومة الطائفية العراقية تبدو وثيقة ومتينة، وقد قدمت أبوظبي ملايين الدولارات والأسلحة لدعم هذه الميليشيات التي هاجمها عبد الله بن زايد، بحجة دعمها في مواجهة الإرهاب وداعش، فجاءت تصريحاته خارج النص تماماً هذه المرة.
كذلك بات واضحاً في الفترة الأخيرة أن التوجه الإماراتي يبدو سائراً بتنسيق عالي مع التيار الإيراني في العديد من الملفات الساخنة، وأبرزها الملف السوري، حيث أشارت تقارير متعددة إلى أن الإمارات تمول العملية الروسية في سوريا، بهدف القضاء على التيارات الإسلامية المعتدلة كأولوية، والحفاظ على نظام بشار الأسد الدموي، وهو ما يعني التقاء مصالحها مع المصالح الإيرانية بشكل واضح.
المثير للاستغراب هو أن التجاهل لم يتوقف عند زلة لسان وزير الخارجية، بل تواصل إلى تجاهل تبعات هذه الزلة، فاستدعاء السفير في بغداد، والتهديدات التي أطلقها الخفاجي ضد الإمارات وهجومه القاسي عليها، كلها أمور غابت عن ساحة الإعلام الرسمي الإماراتي.
ولا تعد هذه السابقة الأولى لعبد الله بن زايد في الخروج عن النص المحدد له، فقد كانت له سقطة أخرى إبان حادثة إسقاط سلاح الجو التركي لطائرة روسية، فخرج بتصريح مثير للجدل وصف فيه ما قامت به تركيا بأنه "عمل إرهابي"، الأمر الذي أدى إلى إشعال فتيل العلاقة المتأزمة أصلاً بين الإمارات وتركيا، وحاول وقتها الإعلام الرسمي إخفاء هذه التصريحات في البداية، قبل أن يحاول أن يحرفها عن سياقها الحقيقي في عملية تجميلية فاشلة لسقطة بن زايد.
توالي هذه الحوادث مع وزير الخارجية الإماراتي يبدو عائداً لحماسته الزائدة وقلة خبرته في هذا المجال، فبات بين الحين والآخر ينطق بغير المسموح به، وهو الأمر الذي يسقط حكومته بين الحين والآخر في مشاكل عويصة تفضح حقيقة توجهاتها، وتحاول وسائل الإعلام التابعة لها أن تخفي أو تحرف هذه التصريحات وتزينها، لكن الواقع بأن الشمس لا تغطى بغربال، ولا تنجح هذه المحاولات في مرادها والتصريح الصحيح ينتشر كما هو دون محسنات.
المتتبع لوسائل الإعلام الرسمية الإماراتية يعلم تماماً حرصها على نقل كل حرف ينطق به سادتها وشيوخها أينما حلوا وارتحلوا، وطريقة التعامل مع تصريحات وزير الخارجية هذه المرة، لا يمكن تفسيرها إلا بأنه قد انحرف عن المسار المحدد، وإلا فلماذا التجاهل ؟!