تواصل الإتهامات الموجهة للإمارات باعتباراها ملاذاَ لرؤوس الأموال الجزائرية المهربة

تواصل الإتهامات الموجهة للإمارات باعتباراها ملاذاَ لرؤوس الأموال الجزائرية المهربة

تتواصل الاتهامات الموجهة للإمارات باعتبارها ملاذًا آمنًا لرؤوس الأموال الجزائرية المهرّبة، ومقراً لكبار رجال الأعمال المتهمين بالفساد ونهب مقدرات الجزائر ممن كان لهم دور كبير في أن يبسط الإماراتيون نفوذهم في العديد من المرافق الحيوية في الجزائر ومنها مؤسّسة مهمّة كالجيش، ومنه ينتقل هذا النفوذ إلى مؤسّسات سيادية أخرى. خاصّة وأن المؤسّسة العسكرية أصبحت اليوم المتحكّم الوحيد في دواليب السلطة. 

 

وعرفت العلاقات الجزائرية الإماراتية طفرة كبيرة منذ قدوم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للحكم في أبريل/نيسان 1999، وبدأ يظهر نشاط للاستثمار الإماراتي في مجالات مختلفة داخل النسيج الاقتصادي الجزائري.

 

وكان وزير الاقتصاد في دولة الإمارات سلطان بن سعيد المنصوري، قد تحدّث في 2008 عن أن حجم الاستثمارات الإماراتية في الجزائر سيفوق 50 مليار دولار في السنوات الخمس القادمة، ولكن بعد أكثر من عشر سنوات لم يتجاوز سقف 5 مليارات دولار.

 

وخلال فترة حكم بوتفليقة، ارتبط جزء خفي من علاقة الإمارات بالجزائر باسم يُتداول بكثير من الحيطة والحذر داخل أوساط الحكم والطبقة السياسيّة وفي مجال المال والإعلام، وذلك بسبب قرب الرجل من الدائرة الضيقة لبوتفليقة، وبالأخص سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس ومستشاره الشخصي، الموقوف حاليا على ذمّة العدالة في قضايا فساد.

 

أحمد حسن الشيباني، رجل الأعمال الإماراتي الذي يقف وراء العديد من الشركات الكبيرة في الجزائر، على غرار الشركة الجزائرية الإماراتية للترقية العقارية (أميرال)، وشركة التبغ الجزائرية الإماراتية (ستيم)، ومؤسسة "إمارات-جزائر ستيل" المتخصصة في إنتاج الحديد والصلب، بحسب تقرير لموقع " الجزيرة نت "

 

بعد قدوم هذا الملياردير الإماراتي إلى الجزائر في 2004، صار واحدا من أقوى قوى الضغط في البلاد عبر نفوذه الواسع، فإلى جانب حجم أعماله الكبير في عدّة قطاعات مهمة على مدى سنوات، كان يتمتع بشبكة علاقات قوية مع دوائر الحكم.

وجعلته أمواله وأعماله وعلاقاته الواسعة يحظى بمعاملة خاصة، فقد ظل 13 عاما يسكن جناحا خاصا في فندق الشيراتون بالعاصمة الجزائرية، وسط حماية تؤمن سكنه، كما أنه لا يمرّ إلا عبر القاعة الشرفية لمطار "هواري بومدين الدولي"، لدى مغادرته أو دخوله الجزائر، حيث كان يستقل طائرة خاصة.

 

وارتبطت بأعمال الشيباني شبهات فساد كبيرة، مستغلا في ذلك شبكة علاقاته في الجزائر وصلاته بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

 

أولى الشبهات التي حامت حول نشاط الشيباني، كانت عمليّة تفكيك "شركة الوطنيّة للتبغ والكبريت" "سنتا" (SNTA) في 2005، وهي شركة مملوكة للدولة، وكانت شركة رابحة توفّر مداخيل مهمّة للخزينة العامة، وأسس تبعا لذلك شركة أطلق عليها اسم "الشركة الجزائرية الإماراتية للتبغ" (STAEM) تنشط في تصنيع سجائر من العلامات التجارية العالمية في الجزائر.

 

وبموجب هذه الشراكة، أصبحت للشركة الوطنيّة للتبغ والكبريت الجزائرية نسبة 49%، وللمستثمر الإماراتي "يونيون توباكو كومباني" 49%، أما نسبة 2% المتبقية فآلت لشركة مالية تابعة لوزارة المالية الجزائرية.    

 

وقامت الجهة الإماراتية بعد ذلك باستغلال ثغرات في العقود والتلاعب بالإجراءات، لتصبح حصّتها تمثّل الأغلبية في الشركة المختلطة، بنسبة 51% من أسهمها، وكشفت عدّة جهات إداريّة ونقابيّة جزائريّة هذا التلاعب، كما تم تداوله في الإعلام.

 

وكان حزب العمّال الجزائري ورئيسته لويزة حنون، قد ندّدا منذ بداية الحديث عن الصفقة بالشبهات التي تحوم حولها، وأصدر الحزب بيانات تحدّث فيها عن غياب الشفافيّة والتلاعب بالمال العام والفساد الذي يحيط بعمليّة بيع "الشركة الوطنيّة للتبغ والكبريت" لمستثمر أجنبي.

 

كما استهجن الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحّابي، بيع الدولة لثاني أهمّ مصدر مموّل لخزينة الدولة بعد عملاق الطاقة "صوناتراك" بحسب وصفه، متسائلا عن خفايا الصفقة والمستفيدين الحقيقيين منها.

 

مشروع وهمي

وتحدثت مصادر إعلاميّة عديدة أيضا عن استغلال الشيباني نفوذه للحصول على قطعة أرض في منطقة سيدي فرج، قبالة مركز الراحة العسكري بالناحية الأولى، تبلغ مساحتها 24 ألف متر.

 

وتم الاستحواذ على قطعة الأرض بالدينار الرمزي (أي بسعر رمزي)، وكانت تحتضن فندقا يعتبر تحفة معمارية وإرثا تاريخيّا للعاصمة الجزائر.

 

وفي عام 2008، تدخّل سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق ومستشاره، لصالح الشيباني -بصفته مالكا لشركة "أميرال" للتطوير العقاري والفندقي- وأمر بإعطائه الموافقة على هدم فندق المنتزه السياحي، لإنجاز قرية سياحية فاخرة بشاطئ "موريتي" غربي العاصمة الجزائر، على مساحة تصل إلى 16.5 هكتارا.

 

وتجاوزت كلفة المشروع 500 مليون دولار، ولم يكن استثمارا مباشرا بل قروضا من البنوك الجزائرية، ولكن تم الإخلال ببنود العقد وبناء أبراج سكنية فقط تم بيعها بأسعار مضاعفة لجني أرباح سريعة، ثم الاستغناء لاحقا عن إنجاز بقية مكونات المشروع. وهذا الملف معروض الآن أمام القضاء الجزائري باعتباره قضية فساد كبرى.

 

وذكرت محاضر الجلسات -بحسب ما ورد في إفادة عدة مسؤولين، على رأسهم رئيسا الوزراء السابقين عبد المالك سلال وأحمد أويحيى- أنّهم كانوا ينفّذون تعليمات عليا عندما كانوا يوافقون على تمرير بعض القرارات المخالفة للقانون.

 

وذلك في إشارة إلى الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه سعيد، الذي رفض الإجابة عن كل الأسئلة الموجّهة له في إطار التحقيقات بخصوص التسهيلات التي كان يقدّمها لدائرة معارفه، وأوّلهم الشيباني، مستغلا سلطاته للضغط على المسؤولين.

 

هروب مع الثورة

 

ومع اندلاع الاحتجاجات في الشارع الجزائري ونجاحها في دفع نظام بوتفليقة للرحيل، علت الأصوات المطالبة بمحاسبة الفاسدين، وبدأ اسم الشيباني بالتردد نتيجة لارتباطه بشبهات فساد تورّط فيها عدد من المسؤولين البارزين في الدولة، ممن وصفهم قائد الأركان الراحل أحمد قايد صالح بالعصابة، وهم يحاكمون الآن في قضايا فساد له علاقة بها.

 

وخشية الملاحقة، أكد ضابط في الأمن الجزائري -رفض الكشف عن هويته- أنّ الشيباني هرب بداية مارس/آذار 2019 عقب اندلاع الحراك الشعبي بالجزائر، حاملا معه مبالغ ماليّة ضخمة عبر القاعة الشرفية لمطار "هواري بومدين الدولي"، حيث صدرت حينها أوامر عليا للسماح له بالسفر دون تعطيلات.

 

من جهة ثانية، أكدت مصادر من داخل الشركة الجزائرية الإماراتية للتبغ -للجزيرة نت- أنّ الشيباني كان يحوّل شهريا مبالغ مالية ما بين 7 ملايين و20 مليون يورو، يسحبها من حسابات الشركة، وقد تمكن من تحويل مبالغ طائلة إلى حساباته في إمارة دبي، كما ارتبطت هذه التحويلات بعمليات تبييض أموال عن طريق بنوك خاصّة، من ضمنها فرع مصرف السلام الإماراتي بالجزائر.

 

حرج للسلطات

وصرحت مصادر مطلعة وقريبة من دائرة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون أنّ شبهات الفساد المتعلّقة بالشيباني تأتي من جملة الملفّات العالقة والمسكوت عنها بين الجزائر والإمارات، والتي تسبّب حرجا كبيرا للسلطة على مستوى الرأي العام في الشارع الجزائري.

 

وأكدت نفس المصادر أنّ ملف الشيباني كان من جملة الملفّات التي نوقشت في زيارة وزير الخارجيّة الجزائري صبري بوقادم إلى الإمارات في 15 يناير/كانون الثاني الماضي، وعلاقته بالقضايا المتهم بها بعض رموز حكم عبد العزيز بوتفليقة.

 

ويشير المصدر إلى أن حساسيّة طرح هذا الموضوع عند الإماراتيين أتت على خلفيّة ارتباط الشيباني بحكّام أبو ظبي ونشاطهم المالي الدولي، فهو لم يكن إلاّ أحد أذرعهم الماليّة في المنطقة، وأنّ عدم تجاوز هذا الخلاف سيؤثّر على استثماراتهم في الجزائر وعلاقاتهم بالحكومة الجزائريّة الحاليّة.

 

إن الفائدة الوحيدة من هذه الصفقات مع الإمارات، هي تغطية نظام العمولات وتضخيم الفواتير، وتقديم الرشاوى مقابل الحصول على امتيازات، وهي التهمة الأبرز في قضايا الوزراء والمسؤولين الموجودين رهن الحبس الاحتياطي.

 

الاستثمار الذي ثارت حوله الشكوك واعتبره الكثيرون محاباة أو ميلًا للإمارات العربية المتّحدة، هو حصولها على صفقات تزويد الجيش الوطني الشعبي بأسلحة متطوّرة، حيث قفزت الإمارات التي لا تمتلك تقاليد عريقة في ميدان صنع السلاح وتسويقه إلى قائمة مزودي الجزائر بالسلاح، بل أكثر من ذلك تشتري الجزائر من الإمارات أسلحة تمّ صُنعها في دول أخرى، عوض التوجّه مباشرة للبلد المصنّع وعقد صفقات معه. فما هي خلفية هذه التحرّكات؟

 

في عام 2012، أمضت الجزائر عقد شراء سفينتين حربيتين من نوع "ميكو" من المصنع الألماني "تي.كا.أم .أس"،  بقيمة 2.2 مليار يورو، لكن الشراء لم يكن صفقة مباشرة بين الجزائر والمجمّع الألماني، بل كانت بواسطة شركة إمارتية هي "أبو ظبي مار" والتي قامت ببيع السفينتين واستقبال أموال الصفقة في حساباتها دون أن يكون لها أي دور في صنع السفينتين ماديًا أو تقنيًا.

قصّة هذه الصفقة، تعود إلى زيارة المستشارة الأمريكية أنجيلا ميركل إلى الجزائر في جويلية/ تمّوز 2008، حيث تفاوضت شخصيًا مع بوتفليقة حول بيع السفينتين للجزائر، في غضون ذلك تفاوضت الإمارات على الدخول بنسبة في رأس مال الشركة الألمانية، والتحكّم في صفقات السلاح التي تعقدها الشركة الأمّ مع الدول العربية، لتصبح أبو ظبي لاعبًا أساسيًا في عمليّة التسلّح في المنطقة، والمتحكّمة في سوق السلاح الذي سيؤدّي حتما إلى التوغّل في عمق الأنظمة التي تبيع وتشتري.

 

في تلك الزيارة أيضًا، تمّ الاتفاق على فتح وحدات صناعية لشركات ألمانية في الجزائر، على غرار كل من "مرسيدس بنز" و"دوتزه"، وكان بعضها موجّهًا إلى صناعة مركبات الجيش الوطني الشعبي، لكن من أجل تنفيذ تلك المشاريع، رأت وزارة الدفاع حينها ضرورة إدخال رأسمال أجنبي للمساهمة في ذلك في كلّ من وحدات رويبة بالعاصمة، تيارت، عين سمارة والخروب، فوقع الاختيار على المجمّع الإماراتي "أبار" من خلال ثلاثة شركات مختلفة تنضوي تحت لوائه.

أما في خنشلة شرقي البلاد، فلقد ساهم صندوق الاستثمار الإماراتي  "توازن هولدينغ"، في مصنع ستكون مهمّته صناعة المسدّسات، وكذلك مركبات مدرّعة للجيش الوطني الشعبي، أطلق عليها اسم "نمر".

الكاتب