في الإمارات عواقب عريضة ١٩٧٩م وعريضة ٢٠١١م

في الإمارات عواقب عريضة ١٩٧٩م وعريضة ٢٠١١م

جاسم راشد الشامسي - إيماسك

في عام ١٩٧٩ قامت ثلة من الأولين  يمثلون أحرار شعب الإمارات بمخاطبة حكام الإمارات بأهمية وحيوية عقد انتخابات حرة لاصطفاء أعضاء المجلس الوطني الاتحادي"مجلس الشعب"لمواجهة مخاطر استراتيجية تواجه مستقبل الوطن منها الهوية والتركيبة السكانية والتراخي في تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية بين أبناء الشعب، وبعد ثلاثين عاما من تجاهل ذلك الخطاب وبالتحديد في عام ٢٠١٠ نشرت صحيفة "الإمارات اليوم" التابعة للحكومة استطلاعا للرأي عبر أحد مراكز البحث وأشار الاستطلاع أن نسبة  ٧٢٪ من الشعب تطالب بصلاحيات أكبر للمجلس الوطني الاتحادي وانتخابات حرة نزيهة لاختيار أعضاء المجلس،مما شجع شباب الجيل الثاني من أحرار الإمارات على رفع عريضة اخرى تعزز من التطلعات الشعبية في المشاركة السياسية عبر انتخابات حرة نزيهة شاملة.

العريضة رفعت في عام ٣/٣/٢٠١١ في ظل أجواء ساخنه شهدتها المنطقة العربية وتمثلت في ثورات الربيع العربي التي منها من نال حريته ومنها مازال في أوج الصراع مع سلطته المستبدة وهذا ما يعكس طبيعة المشهد الإماراتي.

تضمنت العريضة الثانية الرغبة في نقلة نوعية تتطلب تعديلات دستورية جوهرية تفتح الباب لمشاركة سياسية شعبية في صنع القرار ومحاسبة آداء وخطط وبرامج الحكومة.

في عام ١٩٧٩م حكومة الجيل الأول المؤسس كانت تعي معنى الشعب فقدرت تلك المطالبة فوعدتهم خيرا ثم تجاهلت الموضوع، بينما حكومة الجيل الثاني  لم تقدر شعبها ولم تتجاهل ما تضمنته العريضة ومن وقع عليها فلجأت إلى المساومة والإغراء فالترهيب فسحب الجنسيات فالاعتقال فالتعذيب فأحكام قاسية لم تشهدها الإمارات من قبل.

كان هدف المواطن الاماراتي في الجيلين مزيدا من الوعي والمشاركة في صنع قرار بلدهم بينما كان هدف الجيل الثاني من حكام الإمارات مزيدا من القمع والترهيب والاستبداد واحتكار السلطة.

من المجدي أن نشير أن غالبية  الجيل الأول من شعب الإمارات ـ١٩٧٩م ـ لم يكن متعلما بل غالبية الشعب من الأميين فلم يتمكن من إكمال دراسته ولم يكن منه ـإلا ماندر ـ مهندسا أو طبيبا أو قاضيا ولاحتى مدرسا،وأيضا حكامهم آنذاك غالبيتهم أميون لا يفكون خطا ولا يجيدون القراءة لكنهم تعاملوا بحكمة عربية أصيلة مع مطالبات شعبهم،بينما خلّفوا جيلا ثانيا من الحكام أضحوا أكثر تعليما وتنظيما فتعاملوا مع جيلهم ذو الغالبية المتعلمة بجهل الاستبداد.

 من العوار في فكر الجيل الثاني من حكام الإمارات أنهم لم يتفهموا التطور السريع الذي تشهده الامارات في جميع النواحي ومن ضمنه العقل والإبداع الإماراتي  وتطلعات شعب الإمارات،وكأنهم أرادوا بهذا الفكر القاصر أن يسرّعوا من التطور والانفتاح إلا العقل الحر فإنه يبقى مغلقا حتى إشعار آخر.

 المشهد الإماراتي خطير جدا يواجه أزمات ضخمة بحجم الجبال ويتطلب ذلك مزيدا من المشاركة الشعبية واصطفاء العقول الوطنية المستقلة التي تسهم في كبح تهور بعض صناع القرار في الإمارات، وهذا ما يخشاه صقور نظام الإمارات الذين عكفوا على تشويه صورة المشاركة الشعبية وتكريس مبدأ عسكرة الدولة.

وصمة عار في تاريخ الجيل الثاني من حكام الإمارات حينما اعتقلوا نخب الجيل الثاني من أساتذة الجامعات والكتاب والأطباء والمحامين والمفكرين الإسلاميين والقضاة، فجردوهم من أبسط الحقوق التي كفلها الدستور،ثم راحوا يحتكرون كل شئ :الثروات والإعلام والأمن والقضاء وإصدار أوامر التجنيس لمن لا يستحق من أصحاب الفساد والفتن ، واستضافوا مخلفات دول الربيع العربي فاستضافوا أحمد شفيق وانقلبوا على مرسي ، واستشاروا دحلان وحاصروا حماس، ودعموا حفتر وتجسسوا وقصفوا ثوار ليبيا، واستضافوا أقارب بشار وأيدوا القصف الروسي على شعب سوريا!،وباتت أذرعهم الأمنية تتفنن في إيذاء خصومهم السياسيين، وإيذاء أبناء وأقارب كل صاحب كلمة حرة في هذا الوطن.

رُفِضت العريضة ، والعذاب لم ينتهي في الإمارات  فلقد قسم مجتمع الإمارات إلى قسمين شعب خصم معادي يريد حريتة،وشعب طيب مطيع يدافع عن انتهاك السلطة ويواحه كت من ينتقد تصرفات الجيل الثاني من الحكام ،وحسبه أنه يتمتع بالسعادة التي تجهها السلطة.

الجيل الثاني من حكام الامارات ذاق السلطة وهبش من نعيمها، ومارس السياسة وعزف جميع ألوانها،فعرف أهميتها فاحتكرها ويئس أن يشاركه بها أحد حتى شعبه،ذلك لأنه يرتكب من الأخطاء والخطايا ما لا يبررها دستور ولا يتجاهلها مجلس وطني حر منتخب.

نشير إلى المقدمة لماذا يمنع ويقاوم الجيل الثاني من نظام الإمارات تلك المطالبات وصحفهم القومية المملوكة تشير بأن ٧٢٪ من شعب الإمارات مع المشاركة السياسية والرغبة في انتخابات كاملة للمجلس الوطني الاتحادي؟

السؤال يحرج هذا الجيل المستبد فيدعي كما ادعي حسني مبارك والسيسي بأن الشعب غير مهيأ لانتخابات حرة شاملة وشفافة لكن الرؤية الثاقبة لحكام الجيل الثاني ستعكس ذلك عبر التدرج الذي يحافظ على خصوصية شعب الإمارات!!

ما يتجاهله هذا الجيل المستبد أن خصوصيات شعب الإمارات تعرضت في عهدهم لكمّ هائل من الخسف والقصف في مجالات الثقافة واللغة والتعليم والقضاء والهوية والتركيبة السكانية وثروات الوطن والأمن القومي.

قضايا الحريات والمشاركة السياسية شغلت السلطة والشعب فأضحت الإمارات معتقل كبير رواده سكان الإمارات مواطنين ووافدين تديره سلطة أمنية تعد أنفاس وخطوات وهمسات والتفاتات البشر.

من اللفتات الجميله خلال ٤٥ عاما من قيام الإمارات الحديثة أن رصيد الجيل الأول ـ الحكام والمحكومين ـ من العلم والمعرفة والثروات والتحضر قليل بيْد أنهم حققوا نجاحا  باهرا في تفاهمهم وتوادهم مع أن مطالب الحرية لم تتحقق! بينما جيلنا الثاني جيل العلم والمعرفة والثروات والانفتاح لم يستطع أن يتجاوز أزمته فلم يتفاهم أبناؤه ولم يقدّروا حجم المخاطر التي يتعرض لها الوطن،ليس بسبب ضعف القواسم المشتركة ووفرة المعرفة ولكن لغياب العدالة وسيطرة ثقافة الاستبداد.

مازال طريق الاحرار شاقا ولكنهم ماضون نحو اقتناء حرياتهم واسترداد حقوقهم الدستورية،ومازال أبناء الجيل الثاني من الحكام يمارسون هواياتهم بحق الشعب حتى حين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الكاتب