الذكرى السابعة لمحاكمة أحرار الإمارات
↵
يصادف اليوم 2 يوليو الذكرى السابعة للمحاكمة الجماعية الجائرة لمجموعة الإمارات 94 والتي أطلقت فيها الأحكام الجائرة جزافاً بحق أحرار الإمارات بعد توقيعهم لعريضة طالبوا فيها بإصلاحات سياسية.. وبهذه المناسبة سنسلط الضوء على معاناة المعتقلين، وأبرز ردود الفعل العالمية تجاه قضيتهم العادلة، و تعمد تجاهل الحكومة الإماراتية لهذه القضية .
في أكبر الجرائم الحقوقية التي عرفتها الإمارات، حكمت المحكمة الاتحادية العليا على العشرات من رموز الوطن الشرفاء، بينهم محامون وقضاة ومسئولون حكوميون وأكاديميون وخبراء ودعاة، حكمت عليهم الاتحادية العليا بالسجن لمددٍ تتراوح بين 7 و15 سنة بتُهمة الانتماء لتنظيم سري يهدف إلى قلب نظام الحكم، في القضية المعروفة إعلامياً باسم (الإمارات 94)، أحكاماً لا طعن فيها ولا استئناف، يقضونها في سجن الرزين سيء السمعة عربياً وإقليمياً!.
وكان ذنب هؤلاء فقط أنهم وقّعوا على عريضة الإصلاح الشهيرة باسم (عريضة 3 مارس)، وقدموها للحكومة، فانتفضت عليهم أجهزة الأمن الإماراتية وعلى كلّ مَن أيّد ودعم العريضة بالقمع والخطف والاعتقال والتعذيب والتنكيل وكل الانتهاكات الحقوقية التي وصلت حدَّ سحب الجنسية والنفي، ومصادرة الممتلكات وغرامات مالية وحرمان من أبسط الحقوق القانونية وهو توكيل محامي دفاع، ومنع الزيارات، وحرمانهم من ضوء الشمس والتهوية والرعاية الصحية الطبية وكل شيء إنساني.
ردود الفعل العالمية:
استنكرت كلّ الهيئات والمؤسسات الحقوقية المحلية والدولية، جرائم السلطات الإماراتية بحق العشرات من معتقلي الرأي خلال السنوات التالية لوقيعة الحكم الظالم للقضاء الإماراتي المأجور.
فقد صدر تقرير من الأمم المتحدة في مارس 2014م، يُطالب بالإفراج الفوري عن المعتقلين السياسيين المطالبين بالإصلاح السياسي في الإمارات.
وخلص قرار الفريق العامل في الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي إلى أنّ اعتقال 61 شخصاً في قضية الإصلاحيين "الإمارات 94"، جاء نتيجة ممارستهم لحقهم في حرية التعبير والرأي والتجمع وإنشاء الجمعيات المنصوص عليها في للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مطالباً السلطات بتعويضهم بما يتناسب مع حجم الضرر الذي لحقهم بهم.
وأضاف القرار إلى أنَّ "القيود المفروضة على هذه الحقوق في هذه القضية لا يمكن اعتبارها متناسبة ومبررة"، مؤكدا أنه لا يمكن تصنيف انتقاد البلاد وقادتها والتواصل مع فاعلين سياسيين آخرين بطريقة سلمية على أنه محاولة لإسقاط الحكومة!!".
ورأى قرار الأمم المتحدة أنه ما كان يجب إدانة المعتقلين على التهم الموجهة إليهم أو على أساس ممارسة حقوقهم في "حرية الرأي والتعبير".
قضاء غير مستقل
في حين قدمت "غابرييلا نول" مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، قدمت تقريراً نُشر في 2014م يشير إلى أنَّ النظام القضائي في دولة الإمارات "يخضع لسيطرة فعلية من قبل السلطة التنفيذية"، ودعت إلى استقلال القضاء الإماراتي عن نفوذ جهاز أمن الدولة.
وحذر التقرير أنه من دون إجراءات تحقيق في مزاعم التعذيب، سيتم تصوّر أن سلطات الإمارات تنتهك حقوق المواطنين، وأنها تقوض سيادة القانون وسلطة الأمة وتُضر بصورتها الدولية.
كما أضافت المقررة الأممية في تقريرها أنها حصلت على معلومات موثوق بها حول حالات تعذيب للمعتقلين في السجون الإماراتية، وقالت: (تم القبض على الأشخاص دون أمر قضائي في النهار والليل، وعصب أعينهم واقتيادهم إلى أماكن مجهولة، وظلوا محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي لأشهر عدة، وتعرضوا لوسائل تعذيب قوية، ومواقف صعبة، مثل درجة الحرارة الباردة جداً أو الساخنة جداً، في ظل تعرضهم لأنواع مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة).
لجنة الحقوقيين الدوليين
وكانت قبلها لجنة من الحقوقيين الدوليين في أكتوبر 2013م، قد نشرتْ تقريراً لها يوثق الانتهاكات في قضية "الإمارات 94،” وقالت أنَّ هناك خرقاً لكل القوانين الدولية والمحلية في الإمارات تضمنت محاكمة 94 إصلاحياً إماراتياً.
ووثقت اللجنة في تقريرها المتكوّن من "ديباجة و40 صفحة" انتهاكات خطيرة وجسيمة لحقوق الإنسان في محاكمة 94 من نشطاء الإمارات السياسيين، وأضافت اللجنة: (يجب أن تمتثل الإمارات لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، ووضع حد لهذه الحلقة المفرغة من الاعتقال التعسفي والاحتجاز والملاحقة القضائية والمحاكمات الجائرة ضدَّ جميع أولئك الذين يجرؤون عن التحدث. وطالبت اللجنة السلطات الإماراتية بوضع حد لهذه الحملة وضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن كل المعتقلين السياسيين الذين جرى الحكم عليهم والذين لا يزالون في السجون بلا محاكمات).
وقال "سعيد بن عربية" وهو المستشار القانوني الأقدم في الشرق الأوسط في تصريح على ديباجة التقرير: (شابت محاكمة قضية "الإمارات 94" سلسة من انتهاكات حقوق المحاكمة الدولية).
ونشر تحالف لمنظمات حقوقية التقرير الثاني والنهائي للمراقبة القضائية للمحاكمة، التي تعتبرها مجموعة المنظمات معيبة للغاية.
حيث قالت المنظمات الحقوقية إنها كلفت محامية حقوق الإنسان البريطانية "ميلاني غينغل" عضو المجلس الاستشاري لمركز الخليج لحقوق الإنسان بمراقبة المحاكمة.
أشار التقرير إلى أن المراقبة "غينغل" مُنعت من دخول ثلاث جلسات للمحاكمة رغم التزامها بالأنظمة والإجراءات والمتطلبات الرسمية.
ويستند محتوى التقرير إلى معلومات تمَّ جمعها من خلال مقابلات أجرتها "غينغل" مع أقارب حضروا الجلسات، ومع مدافعين محليين عن حقوق الإنسان ونشطاء، وكذلك وسائل الإعلام الدولية والمحلية.
وقد عنونت المنظمات تقريرها (الإمارات العربية المتحدة "تجريم المعارضة": محاكمة الإماراتيين 94 تشوبها ثغرات جسيمة).
ويوضح التقرير كيف شابت محاكمة (الإمارات 94) خروقات متكررة وجسيمة للمعايير المتعارف عليها دولياً للمحاكمة العادلة، وأدت إلى إدانات غير منصفة وفرض فترات مطولة بالحبس على المدعى عليهم، دون منحهم حق الطعن على الأحكام القاسية المُنزلة بهم.
وقال "كريم لاهيجي" رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان: (الإجراءات القضائية أدت إلى تجريم حقوق إنسانية أساسية مشروعة، مثل حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات، فهي إذن تعتبر غير عادلة، كل من أُدينوا لم يُدانوا إلا على أساس ممارستهم لهذه الحقوق، ويجب إخلاء سبيلهم وإسقاط الاتهامات المنسوبة إليهم).
وأشارت المنظمات الحقوقية في تقريرها إلى أن السلطات الإماراتية رفضت دخول المراقبين المستقلين والإعلام الدولي، كما استنكرت في تقريرها قمع عائلات المدعى عليهم الذين نشروا معلومات عن المحاكمة من خلال وسائط التواصل الاجتماعي، ففي 8 أبريل/نيسان 2013م، حُكم على عبد الله الحديدي نجل أحد المدعى عليهم بالحبس 10 أشهر بعد أن نشر تغريدات على موقع تويتر تُـفيد بوجود ادعاءات بوقوع أعمال تعذيب (في إطار المحاكمة) وأنه يجب التحقيق في هذه الادعاءات، كما اعتُقل أسامة النجار الذي دافع عن والده المعتقل "حسين"، وحتى بنات الشهيد العبدولي حين كتبوا تغريدات يفتخرْنَ بوالدهنَّ الذي قضى بطلاً دفاعاً عن الشعب السوري ضد بطش الأسد وزمرته، إضافة إلى حالات كثيرة لا مجال لحصرها أبرزها الناشط الحقوقي المميز "أحمد منصور" صاحب الجوائز الدولية لدفاعه عن حقوق الإنسان، والمحاميين الحقوقيين "الركن" و"المنصوري".
وأعلن "جمال عيد" المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: (إن التعتيم الكامل على المحاكمة، باستثناء ما خرج عنها من خلال الإعلام المحلي، وما تلا ذلك من حملة قمعية استهدفت أسر المدعى عليهم بعد أن نددوا بانتهاكات الحق في المحاكمة العادلة؛ هي أمور تناقلتها التقارير على امتداد فترة مداولات القضية، كما أن تغطية الإعلام المحلي الذي نشر سلسلة من الموضوعات الإعلامية المتحيزة تُظهر بوضوح وجود تدخلات سياسية في مداولات القضية).
وأكد تحالف المنظمات الحقوقية أن المعلومات التي جمعتها مراقبة المحاكمة أدت إلى الاستنتاج بأن المحكمة لم تكن مستقلة أو حُرة في تنظيم المحاكمة بالشكل الملائم، وأغلب المبادئ الأساسية وضمانات المحاكمة العادلة –كما وثّق التقرير– تعرضت للانتهاك.
وقال "خالد إبراهيم" مدير مركز الخليج لحقوق الإنسان: (عملية المحاكمة برمتها لا تستوفي المعايير الدولية الأساسية لحقوق الإنسان، ما أدى إلى محاكمة غير عادلة وأحكام جائرة).
فيما أدان تحالف خمس منظمات دولية في 2 يوليو 2013م، وهي "الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان" ومركز "الخليج لحقوق الإنسان" ومركز "القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" و"الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" و "هيومن رايتس ووتش"، جميعهم أدانوا منع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية من مراقبة المحاكمة ومنعها من دخول الجلسات والمحاكمات السياسية.
وأدانت منظمة الكرامة لحقوق الإنسان التي تتخذ من سويسرا مقراً لها الأحكام الصادرة على معتقلي الإمارات بوصفها ذات دوافع سياسية.
وأضافت: (إذا كانت دولة الإمارات تريد الاحتفاظ بصورتها دولة عضواً في المجتمع الدولي تلتزم بالقانون فيجب إلغاء هذه الإحكام والإفراج عن المتهمين فوراً).
ودعت منظمة المحامين الدوليين السلطات الإمارات إلى اتخاذ تدابير عاجلة لضمان إسقاط أحكام الإدانة من حواليْ 90 ناشطاً أُدينوا ضمن قائمة "الإمارات 94".
وفي بيان لها في 2 يوليو 2013م، طالب الإفراج فوراً دون قيد أو شرط عن كل المعتقلين، وسحب كل التهم المتبقية ضد الـ94 ناشطاً إماراتياً، مشيرة إلى أنَّ الأحكام اعتمدت بالأساس على محاكمة غير عادلة؛ وإن المحاكمة مشوبة بانتهاكات لمعايير المحاكمة العادلة قبل أن تبدأ أصلاً، بما في ذلك منع المتهمين من الحصول على مساعدة قانونية أثناء احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي على ذمة المحاكمة، مع وجود مزاعم تتعلق بالتعذيب، ولا يُمكن استئناف الحكم لأنه صدر عن أعلى محكمة في البلاد!.
وقال "جو ستورك"، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش": (إن إدانة نحو 80 شخصًا من منتقدي الحكومة هو نقطة سوداء في سجل حقوق الإنسان المتدهور في الإمارات العربية المتحدة وفي انتهاكها الخطير لحقوق سلامة الإجراءات، ويجب أن تكون هذه الأحكام الجائرة والجهود التي تبذلها الإمارات لإخماد الانتقادات بمثابة جرس إنذار إلى حلفاء الإمارات الدوليين).
فيما ندد تحالف من سبع منظمات دولية تتخذ من أوروبا مقرات لها بالأحكام السياسية المروعة في الإمارات، ودعت العالم للتنديد بانتهاكات حقوق الإنسان، وهذا التحالف مكون من: شبكة الخليج للحقوق والحريات، مركز الإمارات لحقوق الإنسان؛ الرابطة الدولية للدفاع عن الشعب العربي؛ منظمة الحقوق للجميع؛ المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان؛ منظمة صوت حر للدفاع عن حقوق الإنسان؛ منظمة هجرة الدولية لحقوق الإنسان.
وطالب التحالف، في 15يوليو 2013م، بالإفراج عن المعتقلين السياسيين المطالبين بالإصلاح، وتوالت الحملات الحقوقية الشعبية والدولية للإفراج عن المعتقلين السياسيين وتشير عريضة أطلقتها منظمة العفو الدولية تطالب بالإفراج الفوري عن المعتقل السياسي الدكتور محمد الركن إلى وصول عدد الموقعين إلى 12 ألف ناشط حول العالم.
وفي فبراير 2014م تضامن العشرات من كبار المحامين البريطانيين مع المحامين والقضاة الإصلاحيين المعتقلين في سجون دولة الإمارات، الذين حكمت عليهم السلطات بأحكام سياسية في الثاني من يوليو2013م.
وقالت الرسالة: (نعلن وقوفنا وتضامننا مع المحامين في دولة الإمارات، ونطالب السلطات في الوقت ذاته بالإفراج غير المشروط عنهم وإلغاء تلك الإدانات "المزعومة في حقهم، وعلى دولة الإمارات أنْ تفهم أنَّ اضطهادها لأعضاء المهنة القانونية وتلاعبها بالسلطة القضائية قد شوَّه سمعتها أكثر مما قام بتشويهه قول وفعل صادر من أي مخالف لها في الرأي).
وقالت منظمات حقوق الإنسان كلها إنَّ على مسئولي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية الضغط على السلطات الإماراتية، من أجل الإفراج دون شروط عن عشرات المُعارضين السلميين المحتجزين لمجرد تعبيرهم عن آراء تنتقد حكومة الإمارات العربية المتحدة أو للارتباط بمجموعات سلمية، لما تتمتع به الإمارات من علاقات تجارية واستثمارية وعسكرية واسعة النطاق مع كلا الدولتيْن (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) من شأنها الضغط على أصحاب القرار الإماراتيين.
التجاهل الرسمي للسلطات الإماراتية:
والعجيب أنَّ الحكومة الإماراتية لم تردَّ أبداً بشكلٍ رسمي ولا حتى غير رسمي، على كل هذه الاتهامات والمطالبات من الهيئات والمنظمات الحقوقية.
وضربت عرض الحائط كل القيم والأخلاق الإنسانية وأمعنتْ في التعذيب والتنكيل وانتهاك الحقوق البشرية، واستفزاز معتقلي الرأي حتى جعلتْهم يضربون عن الطعام في حرب الأمعاء الخاوية من أجل كرامة المعتقلين.
وبدلاً من التراجع عن مواقفها السيئة تجاه المواطنين، لحفظ ماء وجهها وكسب ما تبقى من مكانة لها، استمرت السلطات الإماراتية في القمع والتنكيل، وأجبرت المعتقلين على فك الإضراب بمساومتهم على زيارات ذويهم كما حصل مع الدكتور "ناصر بن غيث" الذي وافق على فك إضرابه بعد تهديدهم له بمنع الزيارات نهائياً، لكنهم نقضوا عهدهم بعد ذلك، والإنتهاكات المستمرة بحق أحمد منصور والذي يوضع في زنزانة انفرادية تخلو من مقومات الحياة، وبالذاكرة تبقى أيقونة الحرية علياء عبدالنور شاهد على اجرام الدولة بحق أحرارها وغياب العدالة.