ميدل ايست: التقارب الإماراتي الإسرائيلي محكوم عليه بالفشل
اعتبرت صحيفة " ميدل إيست آي" البريطانية أن طموحات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد تتجاوز تدمير التنظيمات الإسلامية وتتوق إلى جعل الإمارات (إسرائيل) أخرى في الشرق الأوسط على حد وصفه ، و أن تقارب أبوظبي الحميم مع (إسرائيل) محكوم عليه بالفشل، وكلما تبين حلفاؤه العرب ذلك سريعا كان أفضل.
وبحسب الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقال له بعنوان Mohammed bin Zayed’s mission impossible بموقعه الإلكتروني "ميدل إيست آي" (Middle East Eye)، فإن الثورة المضادة التي أطلقها محمد بن زايد عندما أطاح بالرئيس المصري الراحل محمد مرسي عام 2013 أنتجت دكتاتوريين محددين: محمد بن سلمان في السعودية، وعبد الفتاح السيسي في مصر، وخليفة حفتر في ليبيا، وكلهم يسخرون من الانتخابات الحرة، ويعيشون مثل الفراعنة، وجميعهم مدين له إما بتمويل صعودهم إلى السلطة أو تسليحهم أو توجيههم.
ويستمر الكاتب في وصف محمد بن زايد قائلا إنه مدبر الانقلاب في مصر، واللاعب الرئيسي في الحرب الأهلية في ليبيا، ويستفيد من موانئ بلاده ليصبح لها وجود في القرن الأفريقي، ودفع السعوديين إلى الحرب في اليمن للترويج لابن الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، ثم يتخلى عن هذه الإستراتيجية لتشجيع الانفصاليين الجنوبيين، وكان كان له دور فعال في إطلاق الحصار على قطر، وقدم أميرا سعوديا غير معروف (محمد بن سلمان) لعشيرة ترامب.
وإضافة لذلك، يرى الكاتب بشكل واضح -مثل أي شخص آخر- أن الولايات المتحدة تنهار كقوة قائدة في الشرق الأوسط. إنه يعرف كيف يتلاعب بالقرارات في البيت الأبيض، لأنه قادر على قراءة جهلهم وغطرستهم وجشعهم الشخصي ويصب المال مباشرة إلى جيوبهم. ويمكنه اللعب بمهارة في فوضى صنع القرار في الوقت الحقيقي في المكتب البيضاوي.
ولذلك، لا بد أنه قد حدث له أن فكّر في أن الشرق الأوسط بحاجة إلى حاكم جديد. فلماذا لا يكون هو؟ لقد حان الوقت، للخروج من الظلال والإعلان عن نفسه في وضح النهار.
إذن ما هي المهمة؟ يتساءل هيرست. ويجيب بأن المقال -الذي كتبه السفير الإماراتي يوسف العتيبة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية باللغة العبرية- يشي ظاهريا بتحذير (إسرائيل) من أن ضم المزيد من الأراضي الإسرائيلية هو جسر بعيد جدا.
ونفي أن يكون العتيبة مهتم في مقاله ذلك بالفلسطينيين، أو بالرأي العربي أو مصالح الأردن، بل اتضح أن ما كتبه رسالة من يهود ليبراليين في أميركا إلى يهود يمينيين في (إسرائيل)، والعقل المدبر لهذه العملية هو الملياردير الأميركي الإسرائيلي حاييم سابان، وفقا لتقرير في شبكة "أكسيوس" للإعلام، وقد وصفت كارولين غليك المستشارة السابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقال العتيبة بأنه من بنات أفكار سابان.
ويستمر المقال فيشير إلى أن فقرتين في رسالة العتيبة تكشفان المهمة، إذ يقول الأخير "مع وجود أكثر الجيوش قدرة في المنطقة، والمخاوف المشتركة بشأن الإرهاب والعدوان، والعلاقة العميقة والطويلة مع الولايات المتحدة، يمكن للإمارات و(إسرائيل) تشكيل تعاون أمني أوثق وأكثر فعالية".
ويضيف العتيبة "بصفتهما أكثر اقتصادين تقدما وتنوعا في المنطقة، فإن العلاقات التجارية والمالية الموسعة بين الإمارات و(إسرائيل) يمكن أن تسرّع النمو والاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
ويعلق هيرست بأن الإمارات لا تدعي في هاتين الفقرتين أن لديها جيشا أقوى من مصر والسعودية فحسب، بل تدعي أيضا أنها تمتلك الاقتصاد الأقوى والأكثر تنوعا في العالم العربي، مضيفا أن الإمارات في ذهن محمد بن زايد "أسبرطة الصغيرة" ذات الطموحات الكبيرة.
ويقول إن الإمارات، بمقارنة قوتها العسكرية بـ(إسرائيل)، فإنها تهمّش حلفاءها في الجيوش السعودية والمصرية، مستدركا بأن هذا ليس له أهمية تذكر، إذ إن بن زايد يريد تحويل دولته إلى (إسرائيل) أخرى. فكلا البلدين صغير في الحجم وعدد السكان، ويمكنه خدمة المصالح الغربية. كما أن لديهما أعداء مشتركين من الإسلاميين، ولديهما إستراتيجية مشتركة للسيطرة على المنطقة، وأكبر تحديين إقليميين للإمارات و(إسرائيل) هما تركيا وإيران على التوالي.
وعلى الصعيد الإقليمي -يستمر هيرست- تعمل الإمارات و(إسرائيل) جنبا إلى جنب، ويغطي كل منهما ظهر الآخر "لكن هذا لا يعني أن المشروع نفسه مستقر أو طويل المدى". فقد تجد (إسرائيل) بالفعل أنه من المفيد اللعب على "أنا" محمد بن زايد لخدمة مصالحها الخاصة في إبقاء الفلسطينيين تحت الاحتلال الدائم.
لكن مصالح (إسرائيل) تأتي أولا، ولا يمكن أن يكون هناك سوى شرطي واحد على المنطقة، ولا تنوي (إسرائيل) مشاركة هذا الدور مع عربي لديه أفكار أعلى من حجمه.
والمشكلة الثانية في مهمة محمد بن زايد هي حلفاؤه العرب السنة. فعندما يدرك السعوديون والنخب العسكرية المصرية أن مصالحهم الوطنية والتجارية تعاني، فسيبدؤون في النظر إلى مغامرات الألعاب النارية لولي عهد الإمارات بشكل مختلف.
وعلى سبيل المثال، يمنح الاتفاق البحري -الذي وقعته تركيا مع الحكومة الليبية (الوفاق الوطني) المدعومة من الأمم المتحدة- مصر وصولا أكبر للثروات البحرية مما كان يمكن أن يكون في صفقة مع قبرص واليونان، ومع ذلك نددت القاهرة بالصفقة التركية الليبية باعتبارها غير قانونية.
وبالمثل، يشير الكاتب إلى أن تقسيم الإمارات لليمن، واحتلالها الآن لجزيرة سقطرى، ودعمها الانفصاليين الجنوبيين في عدن، ليس من مصلحة الرياض التي تهتم أساسا بالحفاظ على الأمن على طول حدودها الجنوبية، وتنصيب نظام دمية لها بصنعاء.
يقول هيرست إن التاريخ لا يبشر بالخير لمشروع بن زايد. فكل دولة عربية عملت مع (إسرائيل) أو اعترفت بها أصبحت اليوم أضعف وأكثر انقساما نتيجة لذلك. هذا ينطبق على مصر والأردن اللذين وجدا أن السلام مع (إسرائيل) مجرد فجر كاذب.
كما أن المعجزة الاقتصادية، وفقا للكاتب، والتي وُعد بها البلدان في ذلك الوقت، لم تتحقق قط، والصراع الفلسطيني مستعص، وفلسطين التاريخية أضعف وأصغر من أي وقت مضى.
وحركة "فتح" التي اعترفت بـ(إسرائيل) تطرح على نفسها الأسئلة ذاتها: لماذا فعلنا ذلك في أوسلو؟ ما الفائدة منها؟ هذا النقاش يجعلهم أقرب إلى منافسيهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ويضيف هيرست بأن التقارب والود بين (إسرائيل) والإمارات محكوم عليه بالفشل، وأنه عمل أفراد وليس الشعوب، وأن مخططات ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وحيله هي ملكه الشخصي وليست ملك أمته، والشارع العربي يعارض بشدة الاعتراف بـ(إسرائيل) حتى يتم إيجاد حل عادل للفلسطينيين، حل يتعلق بأرضهم وحقهم في العودة. ومشروع أبوظبي لتكون كـ(إسرائيل)، كما يضفه الكاتب، هو سم للمنطقة، و(إسرائيل) لا تتصالح مع جيرانها، بل تتعامل معهم كأغبياء.
ويختتم المقال بالتأكيد على أن مهمة بن زايد مستحيلة، وكلما رأى حلفاؤه العرب ذلك بشكل أسرع تمكنوا من منع عقد ثانٍ من الحرب الإقليمية.