معهد الشرق الأوسط: فوز الديمقراطيين في أمريكا يهدد أجندة الإمارات في ليبيا

معهد الشرق الأوسط: فوز الديمقراطيين في أمريكا يهدد أجندة الإمارات في ليبيا

يتشارك القادة في مصر والإمارات والسعودية في التوجه المضاد لثورات الربيع العربي، التي هزت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بداية العقد.

ويعمل هذا المحور العربي المعادي للثورة، على إعادة المنطقة إلى نظام ما قبل 2011، ويعد جدول أعماله في ليبيا ما بعد "معمر القذافي" مثالا بارزا.

ومن خلال العمل بشكل وثيق مع فرنسا وروسيا، حاول هذا المحور توطيد الحكم الاستبدادي في شرق ليبيا تحت قيادة الجنرال "خليفة حفتر" وقواته المسماة بـ "الجيش الوطني الليبي".

 

وطوال فترة رئاسة "دونالد ترامب"، تراجعت الولايات المتحدة إلى حد كبير عن الدور القيادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ما أدى إلى ترك ملعب السياسة الليبية إلى مصر وروسيا وشركاء واشنطن في "الناتو" ومجلس التعاون الخليجي.

 

ومع ذلك، أصبحت المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية تشعر بالإحباط من الاضطرابات المستمرة التي تشهدها الدولة الواقعة في شمال أفريقيا، حيث ترى واشنطن بشكل متزايد أن مصر والإمارات تقوضان المصالح الأمريكية في ليبيا.

 

وفي الشهر الماضي، تناولت السفيرة الأمريكية السابقة في ليبيا، "ديبورا جونز"، التطورات الأخيرة في البلاد. وبعد أن حذر الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" من سيطرة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا على سرت، وإعلان المدينة "خطا أحمر"، ردت "جونز" بالإشارة إلى أن "السيسي" لم يعتبر سرت خطا أحمر عندما احتل تنظيم الدولة المدينة الساحلية منذ عدة أعوام.

 

وقالت إن الولايات المتحدة لديها مصلحة في ضمان عدم انزلاق ليبيا في مزيد من الفوضى، الأمر الذي قد يحدث حال تدخلت مصر عسكريا ضد القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني.

 

تقسيم ليبيا في الميزان

 

ويدرك صانعو السياسة في واشنطن، أنه إذا لم يكن هناك حل سياسي لأزمة ليبيا ما بعد "القذافي"، فقد تكون النتيجة هي تقسيم البلاد سواء بشكل رسمي أو غير رسمي.

وإذا استمرت الحرب الأهلية دون أن يحقق أي من الطرفين انتصارا عسكريا، فقد يؤدي الصراع إلى سيطرة الجماعات الموالية لحكومة الوفاق الوطني بحكم الأمر الواقع على غرب البلاد، بينما تحكم قوات "حفتر" الشرق، ما يعني غياب أي سلطة حكم مركزية.

 

ولعدد من الأسباب، من المرجح أن يكون التقسيم ضارا لليبيين أنفسهم، وكذلك للمنطقة الأوسع، بما في ذلك البلدان الأفريقية والعربية والأوروبية.

وأكد الرئيس التونسي "قيس سعيد" في مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي مؤخرا، أن ليبيا يجب أن تبقى موحدة. أما الموقف الرسمي للولايات المتحدة، وهو كذلك موقف تركيا وتونس وإيطاليا وقطر، بالإضافة إلى الأمم المتحدة، هو أن حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة الشرعية الوحيدة في ليبيا.

 

علاوة على ذلك، يوجد اتفاق عام بين الخبراء على أن الانتقال السلس إلى الاستقرار بعد الصراع، لا يمكن أن يحدث مع وجود "حفتر" في السلطة.

وفي الوقت نفسه، ربما لا يمكن التوصل إلى حل للحرب الأهلية من خلال قيام حكومة الوفاق الوطني بغزو الشرق الليبي بالقوى.

 

وبدلا من ذلك، يجب التفاوض مع البرلمان الليبي الذي يتخذ من طبرق مقرا له، الأمر الذي يثير تساؤلات حول هوية الشخص الذي يمكن أن يمثل الكتلة الشرقية بخلاف "حفتر" نفسه.

وكما ترى الحكومة التركية، الراعي الرئيسي لحكومة الوفاق، يمكن لرئيس مجلس النواب "عقيلة صالح عيسى" أن يكون شريكا في المفاوضات الهادفة إلى إيجاد حل دبلوماسي للحرب الأهلية.

 

وقال "أمر الله إشلر"، المبعوث الرئاسي التركي الخاص إلى ليبيا: "حفتر دكتاتور فاشل، ولم نعترف به قط كممثل شرعي. ولن يأخذ مكانا في مستقبل ليبيا".

وبغض النظر عما إذا كان "عيسى"، أو أي شخص آخر من الجانب الشرقي، هو من سيحل محل "حفتر"، فإن استبدال أمير الحرب الشرقي يبدو شرطا أساسيا لحل الصراع الكابوسي.

 

ومع اتهامه بارتكاب جرائم حرب وسط سعيه لإسقاط الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، فإن لدى "حفتر" الكثير من الديون في ليبيا، وخاصة في منطقة طرابلس وأجزاء أخرى من البلاد؛ ما يجعل من المستحيل تخيل أن يكون الوجه الذي يتصالح حوله الليبيون.

بخلاف ذلك، أثبت الرجل مرارا منذ عام 2014 أنه لا يفي بتعهداته؛ ما يجعله شريكا غير موثوق به لأي طرف.

 

نموذج تونس

 

إذا كان هناك أي أمل في تسوية في ليبيا يمكن أن تحقق السلام والاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي البلاد، فمن المرجح أن يكون "النموذج التونسي" هو الحل.

وبصفتها "قصة النجاح الوحيدة للربيع العربي"، قدمت تونس مثالا على كيفية انتقال الدول العربية من الاستبداد والديكتاتورية إلى الديمقراطية.

ومنذ عام 2011، نظرت المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية والعديد من المنظمات الدولية بشكل عام إلى النموذج التونسي باعتباره أفضل مثال للدول العربية لتحذو حذوه.

 

ومع ذلك، من الناحية الواقعية، سيعمل شركاء أمريكا العرب، الذين يتبعون أجندات معادية للثورة في ليبيا وأماكن أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على منع ليبيا من أن تصبح ديمقراطية شاملة على غرار تونس ما بعد الربيع العربي.

 

وينظر الحكام في مصر والإمارات والسعودية إلى الانتخابات الديمقراطية على أنها تهديد وجودي يمكن أن يؤدي إلى ظهور مراكز قوى إسلامية.

وتتماشى رعايتهم لـ "حفتر" في الحرب الأهلية الليبية مع رؤيتهم لجعل العالم العربي منطقة خالية من جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي رؤية تتصادم بشكل مباشر مع دعوة المؤسسة الدبلوماسية الأمريكية لتبني النموذج التونسي لليبيا.

 

رئاسة "بايدن"

 

وربما لن تضغط إدارة "ترامب" على هذه الدول العربية لإبداء المزيد من المرونة في أجندة سياستها الخارجية المناهضة للديمقراطية والإسلاميين في ليبيا، ناهيك عن التخلي عنها.

 

ومع ذلك، من الإنصاف أن نسأل كيف يمكن أن يتغير نهج واشنطن تجاه الأزمة الليبية إذا تم انتخاب نائب الرئيس السابق "جو بايدن" في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

ومن المرجح أن تتخذ إدارة "بايدن" نهجا أقل ودية تجاه هذه القوى العربية، ويمكن أن تمارس المزيد من الضغط على أنصار "حفتر" للامتثال لحظر الأسلحة المفروض على ليبيا.

ومع استطلاعات الرأي التي تظهر تراجع "ترامب" بشكل كبير وراء "بايدن"، قد تحاول مصر والإمارات والسعودية الاستفادة من الفترة الضيقة من الوقت التي لا يزال فيها الرئيس الأمريكي يستوعب جداول أعمالها في السلطة.

 

وفي ظل هذه الظروف، قد تسعى هذه الدول العربية إلى تعظيم مساعيها في ليبيا وأماكن أخرى خلال الفترة المتبقية من عام 2020.

ومع ذلك، فإن مثل هذا النهج يمكن أن يخلق مشاكل بين الكتلة السعودية الإماراتية المصرية وإدارة "بايدن" المحتملة، بشكل يذكرنا بالتوترات التي شكلت العلاقات الأمريكية الخليجية خلال رئاسة "باراك أوباما".

 

وعلى النقيض من ذلك، من المرجح أن ترحب تركيا وقطر وإيطاليا برئاسة "بايدن" التي تتحدى المحور المعادي للثورات في المنطقة العربية، حيث تنظر هذه الدول لـ "حفتر" وسعيه لإسقاط الحكومة الليبية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة كتهديد.

وتحاول أنقرة على وجه الخصوص جلب حلفائها في الناتو، وبشكل رئيسي الولايات المتحدة، نحو أجندة أكثر تأييدا لحكومة الوفاق الوطني من شأنها أن تواجه جدول أعمال أبوظبي والرياض والقاهرة في ليبيا.

 

بعد دخول "ترامب" إلى المكتب البيضاوي عام 2017، بدأ بعض شركاء واشنطن العرب، بما في ذلك الإمارات، في لعب دور أكبر من أوزانهم الحقيقية سعيا لتحقيق أهدافهم الطموحة، كما يشهد الوضع في جنوب اليمن، والسودان ما بعد "عمر البشير"، والحصار المفروض على قطر.

 

وعند النظر في الآثار المحتملة لرئاسة "بايدن"، سيكون أحد الاعتبارات الرئيسية هو النجاح المحتمل الذي يمكن أن تحققه القيادة الأمريكية الجديدة في كبح أجندات المحور المعادي للثورات في المنطقة العربية

الكاتب