مخاوف في دول الخليج من ردات فعل ايرانية بعد انفجارات مجهولة في منشآتها

مخاوف في دول الخليج من ردات فعل ايرانية بعد انفجارات مجهولة في منشآتها

أدت سلسلة من الانفجارات والحرائق التي لحقت بالعديد من المنشآت العسكرية والتجارية في إيران خلال الأسابيع الأخيرة إلى تعزيز احتمال تورط قوات خارجية في سلسلة مستمرة ومنسقة من الهجمات منخفضة الكثافة والمصممة لكي تضعف، وربما تستفز إيران.

 

المتهمون المرجحون في هذه الهجمات هم (إسرائيل) والولايات المتحدة، ورجح العديد من المحللين وجود حملة منسقة ضد إيران.

ورغم أن دول الخليج قد تشعر بدرجة من الرضا بانتكاسات خصمها اللدود، إلا إن رد فعلهم هذا يجب أن يمتزج بالقلق من الاحتمالات التي قد تجعلهم في مرمى تبادل إطلاق النار إذا شعرت إيران بالحاجة إلى الانتقام.

 

وتشمل الحوادث الأخيرة انفجارًا في قاعدة عسكرية لتطوير الأسلحة جنوب طهران في 26 يونيو/حزيران، وانفجارًا في عيادة طبية في طهران قتل فيه 19 شخصًا في 30 يونيو/حزيران؛ وانفجارًا وحريقًا في موقع "نطنز" النووي في 2 يوليو/تموز؛ وحريق كبير في شيراز في 3 يوليو/تموز، وحريقا وانفجارا في محطة كهرباء في الأحواز في 4 يوليو/ تموز؛ وتسربا لغاز الكلور في مصنع للبتروكيماويات في ماهشهر وحريق وانفجارا في منطقة صناعية جنوب مشهد في 13 يوليو/تموز، وحريقا في مصنع للألمنيوم في لامارد في 14 يوليو/تموز؛ وحرائق على متن 7 سفن على الأقل في ميناء بوشهر في 15 يوليو/تموز.

 

ولم يتضح أي من هذه الحوادث كان نتيجة حوادث عادية، وأيها كانت نتيجة حملة تخريبية منسقة.

 

ومع ذلك، فلا يمكن أن تكون هذه المجموعة المكثفة من الانفجارات والحرائق في المرافق الاستراتيجية والعسكرية والمرافق ذات الاستخدام المزدوج في مثل هذه الفترة الزمنية القصيرة، صدفة.

 

ويبدو أن انفجار "نطنز" كان بمثابة ضربة قوية لإمكانيات إيران لإنتاج سلاح نووي بسرعة إذا قررت في أي وقت محاولة القيام بذلك، وربما يضيف ذلك ما يصل إلى عامين إلى الجدول الزمني.

 

وأعلنت جماعة "فهود الوطن" (غير المعروفة حتى الآن) مسؤوليتها عن الهجوم على الموقع النووي، وهم يزعمون أنهم أعضاء منشقون في قوات الأمن الإيرانية، ولكن يبدو من المرجح أن تكون الولايات المتحدة و/أو (إسرائيل) مسؤولة، في ظل ربط الجزء السيبراني في العملية بنظيره في هجوم "ستوكسنت" المشترك عام 2009 على أجهزة الطرد المركزي الإيرانية.

 

ألقى قائد فيلق القدس "إسماعيل قاآني" بالتهمة على الولايات المتحدة، حيث قال إن "الأمريكيين لا يجب أن يبحثوا عن شخص ما لإلقاء اللوم عليه واتهام الآخرين. هذه نار أشعلوها بأنفسهم".

 

ومع ذلك، يبدو أن الهجوم يحمل بصمات العمليات الإسرائيلية سابقة ضد المنشآت النووية الإيرانية والضربات الأخيرة ضد الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا.

 

إن هجوم "نطنز" على وجه الخصوص، ونمط الحرائق والانفجارات بشكل عام، يشيرون إلى وجود إجراء معقد للغاية ومخطط له منذ فترة طويلة من قوة أجنبية رئيسية واحدة على الأقل.

 

ووفقًا للتقارير الأخيرة، فقد أذن الرئيس "دونالد ترامب" لوكالة المخابرات المركزية بإطلاق سلسلة من الهجمات الإلكترونية السرية ضد إيران بتوجيه رئاسي في عام 2018، وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن هجومًا إلكترونيًا إسرائيليًا تسبب في فوضى 9 مايو/أيار في ميناء "شهيد رجائي" الإيراني، فيما كان ربما أحد الإجراءات المبكرة في الحملة الحالية.

 

وزعم العديد من المحللين الإسرائيليين والمسؤولين السابقين أن هذا كان انتقامًا لهجوم إلكتروني إيراني على مرافق المياه والصرف الصحي الإسرائيلية في أواخر أبريل/نيسان.

 

وتأتي هذه الهجمات التخريبية بشكل مباشر في سياق الضغط على حملة "المقاومة القصوى" الإيرانية، حيث شنت طهران هجمات في مايو/أيار 2019 بعد عام من التوترات المتزايدة التي أثارها انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة وفرض واشنطن لعقوبات ضمن إطار حملتها لـ"أقصى ضغط".

 

وتُوجت سلسلة الهجمات الانتقامية المتبادلة بضربة من طائرة مسيرة أمريكية في 3 يناير/كانون الثاني أسفرت عن مقتل القائد السابق لفيلق القدس؛ اللواء "قاسم سليماني" وزعيم مجموعة ميليشيات موالية لإيران في العراق من بين آخرين. وفي 8 يناير/كانون الثاني ردت إيران بهجوم صاروخي باليستي على قاعدة جوية عراقية تستضيف قوات أمريكية.

 

وستتعرض إيران لضغوط شديدة داخليًا وضغوط من بعض وكلائها الإقليميين الأكثر نشاطًا، للرد بطريقة ما متناسبة أو رادعة.

ومع ذلك، ستود جميع الفصائل تقريبًا في إيران توخي الحذر من إثارة دوامة من الانتقام الكبير الذي يؤدي إلى حرب صريحة مع الولايات المتحدة، خاصة بالنظر إلى مشاكل "ترامب" السياسية المكثفة في الداخل، وبالتالي قد يكون مستعدًا لتحمل مخاطر دراماتيكية على المسرح الدولي لمحاولة زيادة احتمالاات إعادة انتخابه في نوفمبر/تشرين الثاني.

 

لهذا؛ إذا وجهت إيران ضربة انتقامية، فمن غير المرجح أن تستهدف المصالح الأمريكية أو حتى الإسرائيلية بشكل مباشر.

ستتمثل مسارح الرد الأكثر ترجيحًا بالتأكيد في العراق أو دول الخليج أو مياه الخليج نفسها، حيث وقعت جميع هجمات "المقاومة القصوى" الإيرانية تقريبًا في العراق عبر مجموعات الميليشيات الموالية لإيران، وخاصة "كتائب حزب الله" أو على مصالح دول الخليج، بما في ذلك الشحن والموانئ، وعلى الأخص الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على منشآت النفط السعودية في 14 سبتمبر/أيلول 2019.

 

وكما هو الحال دائمًا في الأمور المتعلقة بإيران، ستتبنى دول الخليج العربية مجموعة متباينة من وجهات النظر، لكن ردود الفعل بقيت مكتومة حتى الآن.

من المرجح أن تكون عمان منزعجة بشكل خاص من التوترات المتزايدة، نظرًا لعلاقاتها الدافئة مع طهران والدور الذي اختارته لنفسها كوسيط بين طهران من ناحية والغرب ودول الخليج من ناحية أخرى.

 

تخشى الكويت أيضاً من التوترات الإقليمية، لاسيما عندما يتعلق الأمر بفتنة طائفية بين السنة والشيعة داخل البلاد.

أما السعودية والبحرين والإمارات، فسيكونون ممزقين بين الرضا عن انتكاسات خصمهم الإقليمي، والقلق العميق من تعرضهم للاستهداف في هجوم انتقامي.

 

ربما تكون قطر هي الأكثر انزعاجًا على الإطلاق، نظرًا لعلاقاتها القوية وطويلة الأمد مع الولايات المتحدة وتنامي تعاونها مع طهران.

فقد أُجبرت قطر بعد حصار من السعودية والبحرين والإمارات ومصر، على الاعتماد أكثر من أي وقت مضى على العلاقات الجيدة مع إيران، حيث تعتمد الدوحة الآن على طهران في حقوق تحليق الخطوط الجوية القطرية بعد أن حظر جيرانها من دول الخليج وصولها إلى مجالهم الجوي.

 

ومع ذلك، يمكن أن تتعرض قطر أيضًا للانتقام الإيراني بسبب القاعدة الجوية الأمريكية الرئيسية في العديد، والتي تزعم أنباء أنه أُطلقت منها غارة الطائرة المسيرة التي قتلت "سليماني".

 

تعكس هذه المعضلة بشكل أساسي مدى محدودية قدرة دول الخليج على حماية أمنها، حيث لا تزال هذه الدول خاضعة فعليًا لقرارات تتخذ في واشنطن وطهران وأماكن أخرى.

كما تؤكد الزحداث على هشاشة دول الخليج مما يدفعها لمحاولة التخفيف من ذلك بتوسيع علاقاتها الاستراتيجية، وتعزيز العلاقات مع روسيا والصين وفرنسا والهند، في محاولة لكسب خيارات إضافية تتجاوز الاعتماد التاريخي والحصري إلى حد كبير على دعم واشنطن.

 

هناك الكثير مما يمكن لكل دولة خليجية القيام به للتأثير على وضعها الاستراتيجي، ولكن على ما يبدو يأمل الجميع أن تترأس واشنطن وطهران شخصيات أكثر اعتدالًا، وهذا شئ يمكنهم ويتوجب عليهم فعله، لكن في النهاية لا يمكنهم ضمان ذلك.

الكاتب