لماذا تنفق الإمارات المليارات لإجهاض الربيع العربي وتقطر على شعبها؟

لماذا تنفق الإمارات المليارات لإجهاض الربيع العربي وتقطر على شعبها؟

خاص - شؤون إماراتية

غانم حميد

لماذا توضع المدرعات العسكرية والأسوار الأسمنتية والأسلاك الشائكة حول سفارات الإمارات وقنصلياتها دون غيرها في دول الربيع العربي؟ الإجابة باختصار هي : بسبب تشوه صورتها في نظر الشعوب هذه البلدان بشكل كبير، بعدما أجهضت حلمهم في ديمقراطية حقيقية تخلعهم خلع من على ممالكهم الهشة .

أواخر يناير الماضي 2016، رصدت صحيفة "فايننشال تايمز" في تقرير بعنوان "الإمارات تضخ أموالًا لتهميش دور الإسلام السياسي في المنطقة"، بعض مليارات الامارات لإجهاض الربيع العربي.

حيث أشارت – بالأدلة – لأخر حلقات تورط الإمارات في مخطط إسقاط الثورة اليمنية، عبر إنفاق مليارات الدولارات، كما فعلت في مصر ويجري التنسيق له الان في ليبيا.

قبل هذا وفي أوائل ومنتصف العام الماضي 2015، بثت قناة "مكملين" عدد من التسريبات من مكتب اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي، تضمنت مكالمة مع الوزير الإماراتي سلطان الجابر، وتصريحات للسيسي كان أبرزها تأكيد السيسي حصوله على 30 مليار دولار من الامارات والسعودية.

كما كشفت التسريبات ضخ أموال لحركة "تمرد" عبر حسابات المخابرات الحربية المصرية، للتمهيد للانقلاب العسكري علي الرئيس مرسي، ما دفع تقدم المحامي أحمد عبد السلام لتقديم بلاغ إلى النائب العام يطالب فيه بإدراج حركة "تمرد" وحكومة الإمارات، ضمن "الكيانات الإرهابية" في مصر، وهو ما تم رفضه.

خسائر الربيع وكلفه اجهاضه

وحينما أصدر مركز تابع للإمارات (المنتدى الاستراتيجي العربي) 15 ديسمبر الماضي 2015، تقريرا قدر فيه كلفة (خسائر) الربيع العربي بنحو 833.7 مليار دولار، رصد خبراء وسياسيون – بالمقابل – تكلفة أكبر لإفساد والتآمر علي الربيع العربي عبر الانقلابات والثورات المضادة التي قادتها الامارات.

وقالوا إن خسائر الانقلابات التي دعمتها الامارات، لا تقدر فقط بالأموال، لكنه تقدر بأثار سياسية وامنية خطيرة تجعل الحرية أرخص تكلفة، أبرزها مساهمة قمع الاسلاميين المعتدلين في الظهور العنيف لـ "داعش".

وقال مركز الإمارات للدراسات ‏(إيماسك) تعقيبا على هذه الدراسة إن "الإمارات تخوف الشعوب العربية من كلفة الثورة"، فيما رصد موقع "الإمارات 71"، تكلفة باهظة تقدر بـ "مئات مليارات الدولار"، وملايين الضحايا جراء إفساد الربيع العربي، منها 25 مليار دولار حصل عليها السيسي وحده.

لماذا الانفاق على الانقلابات؟

وبرغم الأزمة المالية التي تشهدها دول الخليج ومنها الإمارات، في ظل الانخفاض الحاد لأسعار النفط وعوائده، والتي دفعت نحو التقشف وترشيد الإنفاق في ظل العجز في الموازنة العامة، فقد استمرت الامارات في ضخ الاموال للانقلابيين ودعم إعلامهم (حسبما كشف النائب المقال توفيق عكاشة)، ما يطرح السؤال عن سر التمسك بهذه السياسة؟!

هنا يمكن أن نرصد الاسباب التالية:

أولا: الإمارات تعتبر الربيع العربي "تهديدا وجوديا" لها، لأن الديمقراطية التي جاء بها الربيع العربي، أثبتت شعبية الإسلاميين وصعودهم بصناديق الانتخابات للسلطة، وهناك توجس وقلق خليجي، وإماراتي خصوصا من الاسلاميين، ومن انتقال شرارة الثورات الي دبي وأبو ظبي، ما يعني نهاية حكم الامراء، ويجعل إنفاق المليارات لإفساد الربيع العربي ثمنا للحياة بالنسبة لهم.

ونشير هنا لأن أجهزة الامن الاماراتية يديرها بالكامل ضباط من جهاز "أمن الدولة" المصري، وعقب ثورة يناير ناقش البرلمان المصري طلبات عاجلة تتضمن قائمة بأسماء ضباط برتب عالية في جهاز أمن الدولة سافروا للعمل في دبى كمستشارين أمنيين للحكومة هناك.

وعقب الانقلاب الذي دعمته الامارات في مصر، كشفت تقارير صحفية عن عودة أكثر من 1138 من ضباط جهاز أمن الدولة المصري المنحل ، كانوا يعملون في الإمارات إلى مصر مرة أخري، وأعلنت الصحف لاحقا عودة 35 أخرين بقرار رسمي من وزارة الداخلية.

ثانيا: الامارات تعتبر مصر "مصدر دخل قومي" لها في المستقبل، وأن ما تصرفه اليوم في صورة مشاريع يصل عائدها مباشرة لقيادات الجيش الذين دعمت انقلابهم، ستحصد المليارات منه غدا، في المشاريع ذات العائد الضخم المرتفع طويلة الاجل.

فالمشاريع التي تديرها تنفذها وتشرف عليها القوات المسلحة بنفسها، مثل مشاريع الاسكان والجلالة والعاصمة الإدارية وطريق محمد بن زايد ومطار سيوه وغيرها، ومن ثم فهي نوع أخر من التغلغل والتأثير في العمود الفقري للسياسة المصرية عبر الاقتصاد.

ثالثا: في نوفمبر 2015، كشفت وثيقة استراتيجية حصل عليها موقع "ميدل إيست آي"، أن الامور وصلت لحد التحكم في النظام المصري بأموال الامارات، وأن محمد بن زايد وصل به الامر للقول صراحة أنه بعدما أنفقت الإمارات ما يقرب من 25 مليار دولار لدعم مصر، عليها أن تكون صاحبة القرار في السياسة المصرية.

فالوثيقة شديدة السرية التي كتبها حاكم أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان بتاريخ 12 أكتوبر 2015 أشارت بوضوح إلى الرغبة في حكم مصر عبر اموال الامارات، وهو ما لخصته عبارة: "إذا كنا سنعطيك مجددًا فسيكون بشروطنا الخاصة، إذا أعطينا، فنحن من سنتحكم"، كما جاء في الوثيقة.

رابعا: تربط الامارات أمنها بغطاء حماية أمريكية، وتسعي عبر ضج أموال ضخمة في مراكز الابحاث والتفكير الامريكية – كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز العام الماضي – للتأثير في السياسة الامريكية، لقناعتها بدور واشنطن في المنطقة العربية، ومن ثم أهمية ضمان دعمها لما تفعله الامارات.

خامسا: كان هناك قلق إماراتي واضح من خطط الاسلاميين في مصر خصوصا لجهة مشروع تنمية قناة السويس وإنشاء مشاريع كبرى هناك أو تطوير ميناء عدن، بما يمكن أن يؤثر على هيمنة دبي على صناعة الشحن والموانئ في المنطقة، وظهر هذا في عدم تعاون الجيش المصري مع الرئيس محمد مرسي.

أما السبب الأهم والأقوى لاستمرارهم في دعم حكومات الانقلاب ، فهو سماعهم صفارات مراجل البخار التي يمكن أن تفجر في أي وقت ، وانطلاق ثورات الربيع العربي مرة أخري بصورة ستكون أكثر جذرية ومقلاعية وعنفا.

وقد اعترف بهذا مستشار بن زايد «عبد الخالق عبد الله»، حين قال: "ثورات الربيع العربي ستتكرر في حال بقيت أبواب الإصلاح مغلقة" .

 

الكاتب