ديفيد هيرست: الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي أعطى شرعية للإحتلال وسيفشل

ديفيد هيرست: الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي أعطى شرعية للإحتلال وسيفشل

قال ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع “ميدل إيست آي” في لندن، معلقا على تطبيع الإمارات العربية المتحدة مع (إسرائيل) بأنه صورة عن أزمة يواجهها كل من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي عهد أبوظبي محمد بنزايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

 

وأكد أن هذه النظرة القاتمة ستفشل أسرع من الاتفاقيتين المصرية والأردنية مع (إسرائيل)، لأنها تقوم على الرمال وستقود إلى مزيد من النزاعات في الشرق الأوسط.


وقال إن الرجال الثلاثة أنتجوا أول اعتراف عربي بإـ(سرائيل) منذ 26 عاما ويحتاج كل منهم إلى إنجاز.، مشيراً إلى أن الرئيس ترامب  كان يبحث عن طرق لوقف الأمريكيين من التصويت المنظم في تشرين الثاني/نوفمبر لأن عددا منهم لو صوت، بناء على الاستطلاعات الحالية، فسيخسر.

 

أما نتنياهو فقد واجه احتجاجات بسبب طريقة تعامله مع فيروس كورونا فيما شاهد ولي عهد أبو ظبي مشروعا محببا له يحترق أمام عينيه وراء الآخر، أولا الانقلاب في تركيا ثم حصار قطر وأخيرا فشل “ابنه بالتبني” أمام طرابلس.

 

ويقول الكاتب  "كان كل منهما بحاجة إلى انقلاب، أو شيء يمكن للإعلام وصفه بالتاريخي. وكل واحد منهم يعلم ماذا سيحدث لو خسروا السلطة، فلنتنياهو وترامب فهذا يعني السجن أما محمد بن زايد فيعني الموت أو المنفى. وبهذا الحس فالمصائر الشخصية متقاطعة بدرجة غريبة" على حد وصفه.


وكان محمد بن زايد بحاجة إلى سند إقليمي بديل بعدما أدرك أن استثماره في ترامب ليس دائما. فقد صنع لنفسه ما يكفي من الأعداء داخل المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) وداخل البنتاغون. وهو يعلم أنه في اللحظة التي يغادر فيها ترامب سوف تستعيد الدولة العميقة في الولايات المتحدة مكانتها، وتشرع في الانتقام لنفسها.

 

أما نتنياهو فهو بحاجة إلى استراتيجية يتخلص فيها من الاحتجاجات والانسحاب من ائتلاف مهلهل، وتأكيد سلطة لا يشاركه فيها أحد. فهو يخون مرة أخرى معسكره اليميني من خلال تجميده للضم (رغم أنه لم يتخل عنه تماما). وها هو “هوديني” الساحر يخرج من أغلاله مرة أخرى.

 

وفي شريط فيديو على حسابه بتويتر تباهى قائلا: “لأول مرة في تاريخ البلد، وقعت اتفاق سلام من موقع القوة – سلام مقابل السلام”. و”ذلك النهج الذي قدمته منذ سنين: يمكننا صناعة السلام دون التنازل عن الأراضي، ودون تقسيم القدس، ودون تعريض مستقبلنا للخطر. في الشرق الأوسط، يبقى القوي على قيد الحياة والشعب القوي يصنع السلام”.

 

أما ترامب فقد كان بحاجة إلى إنجاز في السياسة الخارجية يصبح معلما وشيئا بإمكانه أن يحصده من رأس المال السياسي الذي أنفقه على صهره جاريد كوشنر. نظرا لأن “صفقة القرن” كانت ميتة قبل وصولها، فقد احتاج ترامب إلى شيء ملموس.

 

إلا أن الصفقة التي حظيت بدعم كل من المغرب والبحرين وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، تختلف بشكل أساسي عن اتفاقيات السلام التي أبرمتها إسرائيل مع مصر أو مع الأردن، حيث بشرت كل واحدة منهما بمفاوضات أوسع وأملا في التوصل إلى تسوية عادلة للصراع الفلسطيني.

 

أما هذه فهي نهاية القضية، فلا مفاوضات حدثت خارج قصور اللاعبين الذين شاركوا في اللعبة. ولن تكون هناك انتخابات من أجل الحصول على تفويض شعبي. ولم يذهب أي فصيل أو حزب من الأحزاب الفلسطينية المشاكسة إلى أي مكان. وعمل هذا سيكون تخليا عن القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية والمفاوضات بناء على حدود 1967 وحق العودة. فهذه الصفقة ليست عن السلام.

 

وقد التقى قادة العرب مع قادة( (إسرائيل) بشكل منتظم. والتقى الملك عبد الله الأول قادة الصهيونية قبل 1948 وفعل حفيده الملك حسين. وقال كاتب سيرته أفي شلايم إنه التقى 42 مرة مع نظرائه الإسرائيليين. وفعل نفس الأمر الملك الحسن الثاني الذي استخدم الموساد للتخلص من أعدائه في المغرب. ولم تغير هذه اللقاءات مفهوم رفض الجماهير العربية لـ(إسرائيل).


وأضاف هيرست أن اعتراف الإمارات بـ(إسرائيل) لا علاقة له بالسلام ومحاولة إنهاء النزاع بل هو محاولة لإنشاء تحالف إقليمي بين الطغاة والمحتلين. فمع انسحاب أمريكا تبرز أطراف إقليمية مهيمنة وفي مقدمتها (إسرائيل) والإمارات. وستصبح التجارة والسياحة والاعتراف بين (إسرائيل) ودول الخليج الثرية هي “الواقع الجديد” على الأرض. ويرى المهندسون له أنه محاولة لتجنب الفلسطينيين كالطرق الالتفافية حول القرى الفلسطينية لحماية المستوطنات. ولا حاجة للمفاوضات فقط راية استسلام بيضاء.

 

أنا واثق، يقول هيرست، أن الفلسطينيين لن يلوحوا بالراية البيضاء مستسلمين، فقد كان بإمكانهم عمل هذا قبل سبعة عقود. ولن يتخلوا عن حقوقهم السياسية مقابل المال. فالخطة لكي تنجح لا تحتاج أقل من ذلك.

 

ومضى هيرست قائلا إن الانهيار الأخلاقي لو كان سيحدث في مكان لحدث في جيوب جوعتها إسرائيل لـ14 عاما، غزة. فلا مؤشرات عن انهيار المقاومة الشعبية ضد (إسرائيل)، ولن يحدث هذا في الضفة التي تتمتع بقدر نسبي من الحرية. فقد وصفت السلطة الوطنية التطبيع الجديد بالخسيس وخيانة للشعب الفلسطيني والأقصى.

 

وسيتردد الغضب الذي يسري في عروق الفلسطينيين في أوساط الجماهير العربية. وأي محاولة صادقة لرصد الرأي العام الشعبي حول الدعم العربي للقضية الفلسطينية ستظهر نتائج لا يحب نتنياهو ومحمد بن زايد وترامب سماعها أو مشاهدتها. فلم تتراجع نسبة رفض التطبيع مع (إسرائيل) خلال العقد الماضي. فحسب مؤشر الرأي العربي بلغت نسبة 84% للسلام مع إسرائيل عام 2011 وارتفعت إلى 87% بحلول عام 2018. وقال هيرست إن علينا مراقبة الرد وهناك طرق لمعرفة هذا فلسطينيا وعربيا.

 

فبين الفلسطينيين، ستجبر الصفقة كلا من حماس وفتح على دفن الخلاف المر منذ 2007. وبدأ هذا على مستوى الشباب منذ فترة، وها هو يحدث الآن على مستوى القيادات أيضا بسبب الشعور بالغضب والإحساس بالغدر في أعلى قمة الهرم القيادي داخل منظمة التحرير الفلسطينية.

 

وإذا كان نتنياهو وبن زايد على الخط يتحدثان عبر الهاتف، فالشيء ذاته ينطبق على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية. لقد رحبت حماس برد الفعل القوي من قبل السلطة الفلسطينية على الاتفاق الإماراتي.

 

وإن وجد شعور بالهدف المشترك بين أكبر فصيلين فلسطينيين -مع أن عباس لم يكن على استعداد في الماضي لقبول أي شريك له في حكم فلسطين- فإننا نشهد بداية نهاية إلقاء القبض على نشطاء حماس في الضفة الغربية على أيدي عناصر الأمن الوقائي الفلسطيني. وكان ذلك يتم في الماضي برئاسة جبريل الرجوب، الذي يحتل الآن منصب الأمين العام لحركة فتح. إلا أن الرجوب اليوم يحضر مؤتمرات صحافية مع نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري، في إشارة إضافية إلى أن التقارب الحاصل بين الفريقين يستجمع مزيدا من الزخم.

 

وقال الرجوب في المؤتمر الصحافي مع العاروري: “سوف نقود معركتنا معا تحت راية فلسطين لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على حدود 1967، وسوف نحل مشكلة اللاجئين على أساس القرارات الدولية”.

 

وكان هذا السيناريو في ذهن الدول العربية و (إسرائيل). والحل هو الترويج للقيادي السابق محمد دحلان وتقديمه كرئيس فلسطين المقبل. ويعلق هيرست أنه كشف عن هذه الخطة قبل أربعة أعوام وكتبت بالأسود والأبيض في وثيقة تلخص النقاشات التي جرت بين الإمارات العربية المتحدة وكل من الأردن ومصر.

 

وتنص الوثيقة على عودة دحلان إلى الوطن التي ترتبط بالتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل بدعم من الدول العربية. واللافت للنظر أن دحلان المقيم في أبو ظبي لم يصرح بشيء حول الاتفاق. إلا أن فصيله داخل فتح، الذي يسمي نفسه “حركة الإصلاح الديمقراطي”، أصدر بيانا يقول فيه إنه “تابع باهتمام كبير البيان الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي المشترك، الذي أعلن عن بدء مسار تطبيع العلاقات، والذي اشتمل على تجميد قرار ضم (إسرائيل) لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة”. وبدأ أنصاره بالحديث عنه مع نهاية الأسبوع بـ “القائد”. لكن ما جرى كان إحراق صوره في رام الله مع صور محمد بن زايد.

 

ويعلق هيرست أن دحلان لعب في الماضي وبدهاء على الانقسامات بين حماس وفتح. وجرى الحديث لفترة قصيرة عن تقارب بينه وحماس، وذلك بفضل علاقة قديمة أعيدت لها الروح بين يحيى السنوار، زعيم حماس داخل قطاع غزة، ودحلان. ويذكر أن الاثنين كانا ذات يوم في الماضي زملاء دراسة. وقد اجتمع الاثنان معا في مباحثات سرية عقدت في القاهرة.

 

لقد انتهى كل ما قام به من أعمال سابقة، بما في ذلك دفع تكاليف الأعراس في غزة وتجنيد الأنصار وتشكيل المليشيات في مخيم بلاطة. وبدعمه للاتفاق، أقدم دحلان على خطوة لا يمكنه التراجع عنها، وإن كان إدراك هذه الحقيقة سيستغرق وقتا.

 

ويعلق هيرست أن الأثر المباشر الثاني لهذا الاتفاق يتجلى في أرجاء الوطن العربي بشكل عام وهو أن مطالب الربيع العربي بالديمقراطية في العالم العربي ومطالب الفلسطينيين بالسيادة هي شيء واحد. وهناك أعداء مشتركون لهذه المطالب، أي الطغاة العرب الذين قاموا بسحق الديمقراطية وبوحشية لا مثيل لها. وكانت تهدف لحماية طبقة الأوليغارش التي هيمنت على السلطة، عسكريا واقتصاديا.

 

هل كان نتنياهو مبالغا عندما تحدث الخميس عن الاعتراف الصادر عن الإمارات؟ لا حيث أضاف: “هذا أمر مهم جدا لاقتصادنا ولاقتصاد المنطقة ولمستقبلنا”. وقال إن الإمارات العربية المتحدة ستستثمر أموالا من شأنها أن تعزز الاقتصاد الإسرائيلي. بالضبط، فبدلا من استثمار أمواله في الأردن أو في مصر، وكلاهما في حاجة ماسة إلى المال، سوف يبدأ صندوق الثروة السيادي الأغنى في منطقة الخليج بالاستثمار في إسرائيل، التي تعتبر بالمقارنة اقتصادا ضخما في قطاع التكنولوجيا المتقدمة.

 

ويقول هيرست إن الأمر ليس مقتصرا على احتقار محمد بن زايد للديمقراطية العربية (ومن هنا يأتي قمعه للحركات الديمقراطية الشعبية) بل واحتقاره لأبناء شعبه الذين يلقي بهم في بالوعات اقتصاد جديد في عصر ما بعد النفط. وينهي هيرست بالقول إنه سوف تفشل هذه الرؤية البائسة أسرع من معاهدات الأردن ومصر مع إسرائيل، والتي أقيمت هي الأخرى على الرمل، فهي لن تؤدي إلا إلى مزيد من الصراع.

 

والمفارقة كما يقول هيرست أن زعماء (إسرائيل) كانوا يتظاهرون بالماضي أنهم محاطون بجوار ديكتاتوري، يتم الآن ربطه بالدولة العبرية التي توافق على الاستبداد والقمع من حولها.


فلم يعد بإمكانهم الآن التظاهر بأنهم ضحايا “جوار جائر”، فقد باتوا عموده الأساسي. ويقول: “هذا الاتفاق ليس إلا واقعا افتراضيا سوف يتطاير في مهب الريح بفعل ثورة شعبية جديدة، ليس في فلسطين، بل وفي كافة أرجاء العالم العربي. وقد تكون تلك الثورة قد بدأت بالفعل”.

الكاتب