هآرتس العبرية: توقيع التطبيع ثمرة للعلاقات السريّة بين أبوظبي وتل أبيب

هآرتس العبرية: توقيع التطبيع ثمرة للعلاقات السريّة بين أبوظبي وتل أبيب

كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تفاصيل مثيرة حول عقود من العلاقات السرية بين أبوظبي وتل أبيب والتي تم تتويجها باتفاق التطبيع الخميس الماضي بما يمهد لعلاقات دبلوماسية كاملة بين الطرفين.

وأشارت الصحيفة إلى حادثة اغتيال القيادي البارز في حماس "محمود المبحوح" في يناير/كانون الثاني 2010 في دبي من قبل عملاء جعاز الموساد الإسرائيلي، في وقت كان فيه الدبلوماسي الإسرائيلي "بروس كشدان" موجودا أيضا في الإمارة.

ولم يكلف رئيس الموساد في ذلك الوقت "مئير دجان"، نفسه عناء إبلاغه مسبقا، لذلك علم بالاغتيال في وسائل الإعلام.

وفي وقت لاحق، قال الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" لـ"كشدان"، إنه يعلم أنه لم يكن على علم بالعملية.

 

ويوضح هذا المثال الثقة الكبيرة التي تراكمت على مدى الأعوام الـ25 الماضية بين "كشدان"، الذي يعمل بموجب عقد خاص ولقبه الرسمي "مستشار"، وقادة الخليج. ويعد "كشدان" شخصا متواضعا لا يسعى للدعاية، ويعمل بعيدا عن الأضواء.

 

ويستغل بعض الناس هذا بصورة سيئة، مثل رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، ولا يأخذون "كشدان" في الرحلات والاجتماعات التي يعمل بجد من أجلها.

وبدلا من ذلك، يجني رئيس الموساد "يوسي كوهين"، وإلى حد ما مستشار الأمن القومي "مئير بن شبات"، كل الثناء.

وهذه المرة أيضا، عندما تم الإعلان عن تطبيع العلاقات بين الإمارات و(إسرائيل)، تم نسيان "كشدان". وجاء هذا الاختراق بعد أن وعد "نتنياهو" الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" و"بن زايد"، بأن تكون فكرة فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية خارج جدول الأعمال، وأن يلتزم بتجميد البناء في المستوطنات.

وكما هو معتاد، سارع "نتنياهو" إلى خلق وهم بأن الضم لا يزال ممكنا، في الغالب لتخفيف الصدمة بين الناخبين اليمينيين بشأن تحول موقفه.

ويستحق "نتنياهو" الثناء داخل (إسرائيل) على خطوته التاريخية مع الإمارات. وإذا نجحت، فمن المتوقع أن تؤدي إلى تطبيع العلاقات مع البحرين وعُمان والمغرب وربما السعودية لاحقا.

 

مع ذلك، لم تأتِ المبادرة في الوقت المناسب لـ"نتنياهو"، رغم أنه وقت مناسب تماما لـ"ترامب" ومستشاريه، حيث يريد "ترامب" تحقيق إنجاز دبلوماسي مثير لإعجاب ناخبيه الإنجيليين، وربما اليهود أيضا، قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.

 

وتشير الأدلة إلى أنه، على عكس اتفاقيات السلام السابقة، لم يسبق الخطوة مع الإمارات عمل الموظفين لوضع ملاحق حول أمور مثل الأمن والتأشيرات وعلاقات الطيران.

كما تم استبعاد مجلس الوزراء الأمني ​​ووزيري الدفاع والخارجية، "بيني جانتس" و"جابي أشكنازي"، وعلموا بالاتفاق فقط في وسائل الإعلام.

والافتراض هو أنه إذا سارت الأمور على ما يرام، فسيتم في غضون أسابيع قليلة إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية وسياحية رسمية بين البلدين.

 

ودون التقليل من أهمية الحدث، كان لـ(إسرائيل) والإمارات تاريخ طويل من العلاقات السرية. ويذكرنا رفع عباءة السرية بالتوقيع المطاطي عام 1994 الذي أطلق علاقات دبلوماسية كاملة مع الأردن. وكانت العلاقات بين البلدين مستمرة لما يقرب من 3 عقود، بما في ذلك الاجتماعات السرية بين القادة الإسرائيليين والملك "حسين".

 

وعلى غرار ما حدث مع دول الخليج الأخرى، بدأت علاقات (إسرائيل) مع الإمارات في الستينيات. وكان رئيس الموساد ومعاونيه هم المسؤولون عن العلاقات السرية.

كما قام مسؤولو الموساد تحت قيادة "ناحوم أدموني"، الذي أصبح فيما بعد رئيس الموساد، بزيارة عُمان كجزء من هذه العمليات.

 

مواجهة إيران 

 

ومن الناحية العملية، التقى كل رئيس للموساد منذ نهاية الستينيات بقادة الخليج ونظرائهم من هذه الدول، بما في ذلك السعودية، وليس لمرة واحدة فقط.

وتشعر دول الخليج بحاجتها إلى (إسرائيل) بسبب خوفها من إيران، بما في ذلك تطلعاتها النووية وخططها للهيمنة الإقليمية.

وفي هذا المجال، دعمت (إسرائيل) دول الخليج أكثر بكثير مما تلقته في المقابل. وفي عام 2017، شارك سلاح الجو الإماراتي في مناورة في اليونان مع عدد من القوات الجوية، بما في ذلك القوات الجوية الإسرائيلية. 

 

لكن العلاقة مع الإمارات، وفي الواقع مع معظم الدول العربية، هي أيضا أحد تجليات القضية الفلسطينية. وحتى لو سئم معظم القادة العرب وتعبوا من هذا العبء، فهم مجبرون على التشدق بالكلام حول القضية خوفا من أن تثور الجماهير ضدهم.

 

لهذا السبب، في كل مرة يتم فيها إحراز تقدم بشأن اتفاقية إسرائيلية فلسطينية، يمتدحها القادة العرب ويتوسطون ويقترحون مبادرات ويعززون علاقاتهم في المقابل مع (إسرائيل).

 

ووصلت هذه العملية إلى ذروتها في التسعينيات بعد اتفاقيات "أوسلو" وإنشاء السلطة الفلسطينية كخطوة على طريق إقامة الدولة الفلسطينية.

وقامت عشرات الدول في آسيا وأفريقيا، بما في ذلك دول عربية، بتجديد أو إقامة علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل) على شرف هذه الاتفاقيات.

 

وفي غضون ذلك، طار رئيس الوزراء "إسحاق رابين" مع "شافيت" وعدد من مساعديه إلى دول من بينها عمان والمغرب وإندونيسيا.

وفي عام 1996، فتحت (إسرائيل) مكاتب لمصالحها في قطر، وتفاوضت معها على شراء الغاز الطبيعي. وتم افتتاح مكتب مماثل في عُمان، لكنه أُغلق مع اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000.

 

أما قطر، التي عمقت منذ ذلك الحين علاقاتها مع تركيا و"حماس" و"الإخوان المسلمون"، وبعد ذلك مع الجماعات المقربة من "القاعدة"، فقد طردت المسؤولين الإسرائيليين عام 2009 بعد حرب غزة التي استمرت 3 أسابيع.

 

وفي المقابل، لم تتضرر العلاقات السرية مع دول الخليج بسبب تقلبات العلاقات الإسرائيلية مع الفلسطينيين. وفي وثيقة أمريكية سربتها "ويكيليكس"، افتخر الحاكم البحريني عام 2005 بأنه سمح للموساد بفتح مكتب في المملكة.

 

وفي وثيقة أخرى، تعود لعام 2009، نقل دبلوماسي أمريكي عن حاكم الإمارات قوله إن بلاده تتمتع بعلاقات جيدة مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت "تسيبي ليفني".

وتسبب اغتيال "المبحوح" في الكثير من التوتر مع الإمارات، التي ألغت حتى صفقة أسلحة كبيرة مع شركة "إيرونوتكس" الإسرائيلية المحدودة لصناعة الطائرات بدون طيار. وبسبب هذا، وعد الموساد بأن (إسرائيل) لن تفعل شيئا كهذا مرة أخرى على أراضيها، وتم إصلاح العلاقات.

 

وبعد عامين من الاغتيال، التقى "نتنياهو" وحاكم الإمارات على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. وعلى عكس الساحة الدبلوماسية والاستراتيجية، كان لقطاعي الأعمال والأمن الإسرائيلية علاقات عميقة مع الإمارات لأعوام.

ويُسمح لمئات من رجال الأعمال وتجار الأسلحة والخبراء الإلكترونيين الإسرائيليين بدخول الإمارات وممارسة الأعمال التجارية في الإمارات السبعة.

 

وتبلغ قيمة هذه المشاريع مليارات الدولارات، ومعظمها في مجال الاستخبارات والأمن والحرب الإلكترونية.

ولا يزال المسؤولون السابقون في الموساد وجهاز الأمن العام "الشاباك" والجيش الإسرائيلي يصلون إلى الإمارات غالبا بجوازات سفر أجنبية وإسرائيلية في دور مستشارين وخبراء. وقد قدموا نصائح حول كيفية حماية قصور الحكام والفنادق والمؤسسات العامة الأخرى ماديا وإلكترونيا.

 

المراقبة والأمن

 

خذ على سبيل المثال، "ماتي كوخافي"، الذي وظفت شركته "الصناعات اللوجستية" رئيسا سابقا للاستخبارات العسكرية، وهو "عاموس مالكا"، وقائدا سابقا للقوات الجوية، وهو "إيتان بن إلياهو"، وكبار المسؤولين التنفيذيين من شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية.

 

وعملت شركة "كوخافي" في إنشاء أنظمة الأمن الداخلي لحماية مرافق الغاز الطبيعي في الإمارات، وتم تركيب نظام "فالكون آي" للمراقبة والأمن هناك. كما أبرم "كوخافي" صفقة لبيع طائرتي استطلاع بريطانيتين قبل أن يفقد حظه لدى قادة الإمارات.

 

وتم الاستغناء عن "كوخافي" واستبداله بـ"آفي لئومي"، أحد مالكي شركة الطيران المحدودة سابقا، و"ديفيد ميدان"، الذي ترأس عددا من الوحدات في الموساد.

 

كما وافق رجل أعمال أوروبي يحمل الجنسية الإسرائيلية على منح مكتبه في دبي لشركة "البيت سيستمز" الإسرائيلية، ووصل اثنان من موظفيه في بروكسل إلى دبي بجوازات سفر إسرائيلية وأجنبية.

 

وحاولت شركة "رافائيل للصناعات الدفاعية المتقدمة" أيضا القيام بأعمال تجارية في الإمارات.

وحصلت جميع صفقات التصدير الدفاعي مع الإمارات على موافقة وتشجيع وزارة الدفاع والموساد، ما أدى إلى إنشاء قناة يتعرف من خلالها مسؤولو الدفاع على ما يجري في الخليج، ثم بعد تقاعدهم يقومون بأعمال تجارية هناك.

 

وفي حالات قليلة اندلعت نزاعات مالية بين أعضاء سابقين في الموساد وزملاء أمنيين آخرين. وهناك عدد من الدعاوى القضائية في المحاكم الإسرائيلية أو في التحكيم أو الوساطة بين هؤلاء.

 

وإلى جانب الفرحة الظاهرة في (إسرائيل)، يجب ألا ننسى أن العلاقات مع الإمارات أشبه بالأرجوحة. وكانت هناك حالات تم فيها إرسال مسؤولين دفاعيين باسم "نتنياهو" إلى دولة خليجية للتفاوض على خطة سلام مصممة للتخلي عن المفاوضات مع الفلسطينيين.

 

وفي المقابل، كان من المقرر إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية وسياحية مع هذه الدول العربية. وبارك "نتنياهو" الخطة كما فعلت معظم الدول العربية التي علمت بالاتصالات السرية. وكان كل ما تبقى هو أن يلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي والزعيم العربي المسؤول عن المفاوضات خطابيهما في الجمعية العامة للأمم المتحدة ويعلنان الاتفاق.

 

لكن قبل أسابيع قليلة من انعقاد الجمعية العامة، تراجع "نتنياهو". ولم يخفِ المسؤول العربي خيبة أمله، وقال لأحد المقربين منه أن "نتنياهو" ليس جديرا بالثقة.

 

وبسؤال "شافيت" إذا كان يمكن تكرار مثل هذا الحادث، قال: "مصالح نتنياهو قصيرة المدى. وإذا تغير الوضع واتضح له أنه لم يعد يخدمه، فلن يتردد في تغيير قراره".

 

لكن القرار بشأن الخطوة مع الإمارات لم يكن فقط لـ "نتنياهو"، وكانت هذه أيضا رغبة شديدة من "ترامب"، الذي يخطط الشهر المقبل لإقامة حفل في حديقة البيت الأبيض يضم قادة عربا آخرين، منهم قادة سعوديين.

 

ويمكن لـ"نتنياهو" التراجع عن وعوده لوزرائه، بما في ذلك "جانتس" أو "أشكنازي"، وحتى التراجع عن الاتفاقات مع القادة الأوروبيين، حيث وصفه الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي" بالكاذب، لكنه لن يجرؤ على فعل ذلك مع "ترامب". وإذا فعل، فإن الثمن الذي ستدفعه (إسرائيل) سيكون باهظا للغاية.

 

ن كان يتابع تحركات السلطات وعلاقتها مع المسؤولين "الصهاينة"، والعمل ضمن "صفقة القرن" التي تخدم الاحتلال، كان يعيّ أن تتقدم العلاقة بين الطرفين لكنه لم يكن يتوقع أن تصل الجرأة إلى إقامة علاقة دبلوماسية والاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي كدولة ضاربة عرض الحائط بواحد من أهم ثوابت الإماراتيين الخارجية، والاصطفاف مع العدو ضد أبناء جلدتنا وإخواننا الفلسطينيين.

 

طوال السنوات الماضية من السلطة الجبرية والسياسة الخارجية المسيئة للإماراتيين ولثوابتهم، تكرر الحديث في وسائل الإعلام أن السلطة تقوم بتنفيذ "وصايا الشيخ زايد مؤسس الدولة طيب الله ثراه"، فهل كان التطبيع مع الكيان الصهيوني أحد تلك الوصايا؟: أبداً، لا فهذا الموقف واضح وضوح الشمس في كبد السماء فلم يكن الشيخ زايد مطبعاً ولا خائناً لقضايا الأمة العربية والإسلامية ولا للقضية الفلسطينية بالذات. فهل تأكد للجميع أن كل تلك الشعارات عن تنفيذ وصايا الشيخ زايد محض دعاية رنانة هدفها استلاب عاطفة الإماراتيين المُحبة لمؤسس الدولة.

الكاتب