تقرير:الإمارات في اليمن.. من الطفرة إلى إعادة التموضع

تقرير:الإمارات في اليمن.. من الطفرة إلى إعادة التموضع

ترجمة: الخليج الجديد
جذبت النزعة الحازمة للسياسة الخارجية لدولة الإمارات الكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة، كما يتضح من اتفاقها في أغسطس/آب 2020 لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

كما كانت الإمارات واضحة بشكل خاص في اليمن.. فقد لعبت دورًا بارزًا في التحالف الذي تقوده السعودية والذي تدخل في عام 2015 بناءً على طلب حكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي"، المعترف بها دوليًا، والذي طرد من العاصمة من قبل جماعة الحوثيين المتحالفة مع إيران.

كما ورد في مقال حديث في "سرفايفل"، يمكن للإمارات أن تدعي بشكل معقول أنها جنت فوائد كبيرة من تدخلها في اليمن حيث أقامت موطئ قدم قوي في الجنوب وتعلمت الكثير عن إبراز القوة في بلد مزقته الحرب ولا يشترك معها في حدود برية؛ وحتى الآن، أدارت معظم علاقاتها الثنائية مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، ثبت أن الاستثمار الإماراتي في اليمن مكلف، ما دفعها إلى سحب قواتها جزئيًا في عام 2019.

يتمثل الهدف الرئيسي لدولة الإمارات في اليمن في إدارة أهم أولوياتها في السياسة الخارجية، وهي علاقاتها التي غالبًا ما تكون صعبة مع المملكة العربية السعودية.

قرر ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات، "محمد بن زايد"، أن العمل الجماعي مع جارتها الأكبر يمكن أن يكون بمثابة عامل مضاعف للقوة، فهو يسمح لدولة الإمارات بخلق مساحة إلى جانب السعودية لتحقيق أهدافها الخاصة.

تعد إدارة العلاقات مع واشنطن أولوية أساسية أخرى لدولة الإمارات، حيث حقق الإماراتيون توافقًا أكبر مع إدارة "ترامب"، لا سيما فيما يتعلق بسياسة إيران، ولكن بعد الحماس المبكر، أصيب القادة الإماراتيون بخيبة أمل من سياسات "ترامب" غير المنتظمة وغير الموثوقة، لاسيما تعهده بفك الارتباط عن الشرق الأوسط.

كما أدركت الإمارات بسرعة أكبر من السعودية أنه على الرغم من الدعم الثابت من إدارة "ترامب"، فإن التدخل في اليمن يواجه انتقادات متزايدة من الكونجرس ووسائل الإعلام الأمريكية.

كانت الإمارات تدرك تمامًا أن هذا التحدي في العلاقات العامة يمكن أن يشتد، حتى لو كانت بارعة في تحويل التغطية الصحفية السلبية تجاه السعودية.

تتلاقى التهديدات الرئيسية التي تتصورها الإمارات على أمنها في اليمن.

أولاً، يعد أحد الدوافع الرئيسية للسياسة الخارجية الإماراتية هو معارضتها لجماعة "الإخوان المسلمون".

تخشى الإمارات، على وجه الخصوص، المخطط البديل لجماعة "الإخوان المسلمون" لسلطة الدولة المستمدة من الإسلام السياسي والتحدي الذي يشكله على الملكيات الوراثية.

في اليمن، تُرجم هذا إلى جهود منهجية لإضعاف "حزب الإصلاح"، الفرع اليمني لجماعة "الإخوان المسلمون" تقريبًا والشريك الرئيسي لحكومة "هادي".

كما أن الإمارات قلقة أيضًا من تصرفات قطر، التي تدعم الجماعات الموالية لـ"الإخوان" في جميع أنحاء المنطقة، بما فيها "الإصلاح".

ازداد قلق الإمارات والسعودية بشكل متزايد في عامي 2014 و 2015 مع توسع الحوثيين في قوتهم.

ومثل السعودية، تنظر الإمارات إلى الحوثيين كشركاء مقربين لإيران، لكن في حين تضخم السعودية النفوذ الإيراني على الحوثيين، فإن الإمارات لديها وجهة نظر أكثر واقعية تعترف بأن الحوثيين ليسوا مجرد دمى إيرانية.

من خلال معارضتها للحوثيين، تنوي الإمارات إرسال رسالة إلى إيران بأنها تعارض نفوذها في الشؤون العربية، لكنها لم تتدخل في اليمن بشكل أساسي لمواجهة إيران؛ إنه مصدر قلق، لكنه ليس السبب المهيمن.

تريد الإمارات أيضًا معارضة تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية  و"الدولة الإسلامية" (الأضعف) في اليمن، وتعتبر مواجهة "القاعدة" في جزيرة العرب غاية في حد ذاتها، ولكنها أيضًا وسيلة.

الميليشيات المحلية التي حشدها الإماراتيون لمحاربة "القاعدة" في جزيرة العرب هي أصول مفيدة لإبراز نفوذها في جنوب اليمن.

علاوة على ذلك، نجحت الإمارات في وضع نفسها كشريك محلي لا غنى عنه للولايات المتحدة في عمليات مكافحة الإرهاب.

أخيرًا، يرتكز نموذج التنمية الاقتصادية لدولة الإمارات على مكانتها كمركز لوجستي للتجارة الإقليمية.

وبالتالي، فإن الأمن البحري هو مصلحة حيوية، لا سيما في المنطقة التي تشمل الخليج والبحر العربي وبحر عمان وخليج عدن والبحر الأحمر.

في اليمن، تُرجم هذا إلى سعي الإمارات لنفوذها على الموانئ والمناطق المحيطة على السواحل الجنوبية والغربية للبلاد.

استندت استراتيجية الإمارات إلى علاقاتها مع الجهات الجنوبية، وخاصة المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو تحالف من الانفصاليين، كما قامت الإمارات بتعبئة وتدريب وتجهيز الميليشيات الجنوبية، وهذا ليس من منطلق التعاطف مع تطلعاتهم، بل هو نتاج الضرورة.

تعارض الجماعات الجنوبية "حزب الإصلاح" لأسباب تاريخية، مما يجعلهم شركاء طبيعيين للإمارات، وتجمعهم الجغرافيا أيضًا، حيث تسعى الإمارات إلى التواجد على الساحل الجنوبي.

بحلول عام 2019، أصبحت الإمارات تعتقد أن تكاليف مشاركتها في اليمن تفوق الفوائد، وأن نسبة التكلفة إلى الفائدة السلبية قد تتفاقم في المستقبل.

لذلك أعلنت في يونيو/حزيران 2019 انسحابًا جزئيًا لقواتها من اليمن.

ومع ذلك، فقد حافظت على وجودها في الجنوب، وركزت في الغالب على مكافحة الإرهاب، وتواصل دعم بعض الجماعات الجنوبية.

كانت تلك المكاسب السابقة مهمة.

كان لدولة الإمارات نفوذ كبير في جنوب اليمن، وقد حافظت على الكثير منه حتى أثناء سحب قواتها، كما أصبحت ماهرة في تعبئة وتدريب وتجهيز الميليشيات غير الحكومية واستغلالها لإبراز قوتها إقليمياً، وهو أحد الأصول القيمة التي احتكرتها إيران إلى حد كبير في الخليج حتى وقت قريب.

كما تعلمت الإمارات الكثير من خلال العمل عن كثب مع الولايات المتحدة في تصعيد عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن.

لكن بالرغم من هذه النجاحات الحقيقية، كانت الحرب في اليمن مكلفة، حيث أدركت القيادة الإماراتية أن الطريق إلى الأمام ستزداد صعوبة إدارته على الأرجح.

أدت الحرب إلى زيادة التوترات داخل الإمارات، حيث يمكن أن يكون التوازن بين الإمارات السبع هشًا.

جاءت خسائر القتال، على وجه الخصوص، في المقام الأول من الإمارات الأصغر والأكثر فقراً التي تهيمن عليها تقليدياً أبوظبي ودبي الأغنى، في حين أن الإمارات الأكثر توجهاً نحو التجارة (خاصة دبي) كانت قلقة بشكل متزايد من مخاطر الصراع نتيجة لوجود أجنبي حازم.

كانت السياسة مدفوعة في المقام الأول من قبل أبوظبي.

كان التورط الإماراتي المكثف في اليمن يخلق حالة من عدم اليقين في العلاقات الإماراتية السعودية.

بالرغم من الجهود الناجحة حتى الآن لإدارة هذه الاختلافات، تعمل السعودية والإمارات على أرض الواقع في كثير من الأحيان على أغراض متعارضة؛ حتى أن الجماعات المدعومة من السعودية والإمارات اشتبكت في عدة مناسبات.

كما شهدت الإمارات، بقلق متزايد، معارضة متزايدة للحرب من جانب الولايات المتحدة.

أخيرًا، أثبتت بعض الجماعات الإماراتية في جنوب اليمن أنها يمكن أن تنطوي على مخاطر ويمكن أن تصبح أكثر تكلفة في المستقبل.

دعمت الإمارات، على وجه الخصوص، - بشكل مباشر وغير مباشر - مجموعة من الجماعات والميليشيات، بما في ذلك السلفيون المرتبطون بـ"القاعدة" في شبه الجزيرة العربية.

ستشهد العملية السياسية النهائية ظهور هذه التناقضات.

في أفضل السيناريوهات، يمكن للرياض وأبوظبي إيجاد أرضية مشتركة في نهاية المطاف لدعم الحل الفيدرالي، ما يسمح للإمارات بتعزيز نفوذها في جنوب يتمتع بالحكم الذاتي، بالرغم من أن هذا السيناريو - للأسف - لا يزال بعيد المنال.

في غضون ذلك، بالرغم من أن الإمارات بذلت جهودًا لتقليل واحتواء خسائرها في اليمن، فإن التزامها المستمر لا يزال محفوفًا بالمخاطر.

والوضع في الجنوب، على وجه الخصوص، متقلب.

وخلاصة القول إن تدخل الإمارات في اليمن يواجه طريقا صعبا، وكذلك أهم نجاح لها.. شراكتها مع السعودية.

الكاتب