فورين بوليسي: الإمارات تسعى لتطوير وتوسيع صناعاتها الدفاعية بالتعاون مع إسرائيل
سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الضوء على ما وصفته بتطور صناعة الدفاع في الإمارات، مشيرة إلى أن سنوات من التطور الهادئ بدأت تؤتي أُكلها أخيرا، وبات بمقدور أبوظبي الوقوف على قدميها إلى حد كبير، ويُعظم من ذلك مؤخرا اتفاق التطبيع الي أبرمته مع إسرائيل.
وأصبحت أذرع لوبي السلاح الإماراتي تمتد إلى دول يُفترض أنها متعادية، وتحولت شراكات تصنيع وتجارة السلاح إلى إحدى أبرز أدوات السياسات الخارجية الإماراتية ووسيلة فعالة لاختراق المؤسسات السياسية للدول الغربية.
وبدأت صناعة السلاح الإماراتية كأداة لتحقيق التوازن الاقتصادي من جهة، ولتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الدفاعي من جهة أخرى، ولكن توارى هذان الهدفان وأصبحت شركات الصناعة الدفاعية بمثابة لوبي السلاح الإماراتي الذي يحمي أبوظبي من العقوبات التي استهدفت على سبيل المثال حليفتها السعودية.
وذكرت المجلة، في تقرير مطول، أن الإمارات استخدمت النهج ذاته التي تتبعه منذ عقد باستثمار أموال النفط في فرق الكرة والمتاحف وشركات التكنولوجيا.. فيما يتعلق بالإنتاج الدفاعي، لكن إلى جانب إضافة الشعار والتركيز على تحقيق العائدات، تنقل كثيرا من عملية التصنيع إلى الداخل.
كما مكَّن لوبي السلاح هذا الإمارات من أن تصبح وسيطاً في صفقات سلاح بين أطراف مختلفة، وهي لا تحقق من ذلك فقط مكاسب مالية، بل مكاسب سياسية جمة.
وحسب أستاذة الأبحاث المساعدة في جامعة جورج واشنطن، "شانا مارشال"، فإن أبوظبي تتحول إلى حلم منشود للمسؤولين التنفيذيين في مجال الدفاع؛ لأنها تدفع بسرعة وسخاء ودون إشراف بيروقراطي.
وذكرت تقرير "فورين بوليسي" أنه، بفضل الاتفاق الأخير مع إسرائيل لتطبيع العلاقات الدبلوماسية، فقد تصبح الدولة الخليجية بمثابة القلب النابض لصناعة الدفاع الجامحة عاجلا وليس آجلا.
ولفت التقرير إلى أن هؤلاء، الذين يعملون على حظر نقل الأسلحة والتكنولوجيا إلى البلدان غير الصديقة، سيجدون أن جهودهم ذهبت سُدى، حسب ترجمة موقع "ساسة بوست".
فى المقابل، سيتعرف أولئك الذين يتطلعون إلى الربح المادي من الصناعات العسكرية على قطب جديد خارج الولايات المتحدة والصين؛ قطب يرى نفسه في قلب العالم حرفيا.
وأشار التقرير إلى أن أبوظبي جمعت في عام 2014 صندوقي "توازن" و"مبادلة" ليصبحا تحت إشراف شركة الإمارات للصناعات العسكرية، والتي اندمجت بعد ذلك مع أكثر من 20 فرعا آخر للشركة العام الماضي لتشكل مجموعة "إيدج" للاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة والدفاعية.
ويدير الرئيس التنفيذي للشركة ميزانية قدرها 5 مليارات دولار لتطوير ما يسميه "القدرة المهيمنة"، وهذا يعني من الناحية العملية الشراكة مع شركات دفاع أجنبية كبرى، وشراء شركات صغيرة، وتوظيف شركات متوسطة الحجم لفتح مكاتب في أبوظبي مسجلة تحت اسم محلي. وما دامت الملكية الفكرية مملوكة للإماراتيين؛ فضوابط التصدير للحد من تبادل المعرفة التكنولوجية لا تنطبق عليها في هذه الحالة.
وألمح التقرير إلى أن ترسانة الإمارات الكاملة بقيت سرية، إلا أن الحرب على اليمن –التي تسببت في حدوث أسوأ كارثة إنسانية في العالم- أعطت نظرة عامة عنها.
إذ رصد مراقبو الحرب أيضا صواريخ وطائرات من دون طيار ومدافع رشاشة وعربات مدرعة تحمل علامة التصنيع الإماراتية. وربما لا تكون هذه الأسلحة هي الأفضل من حيث الجودة، لكنها تؤدي المهمة في المعركة، وتُختبر الآن ويُعلن عنها وتُطرح في الأسواق للتصدير.
في الوقت الذي تكافح فيه شركات الدفاع التقليدية العملاقة المشكلات داخل بلدانها، تتطلع الدول الأصغر إلى الشراء من مكان آخر. ومن بين أكبر عملاء الإمارات جمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي ونيجيريا والأردن والجزائر وجنوب السودان ومصر، التي قد تواجه صعوبة في الحصول على أسلحة معينة من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية.
وتتميز المنتجات الإماراتية بأنها تلبي احتياجات هذه الدول بأسعار أقل ومميزات أفضل كالقدرة على التكيف مع المناخ الصحراوي وحقول الألغام.
ووفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، تبيع الإمارات بالفعل لما يقرب من 20 دولة، ولديها مشاريع مشتركة مع قوى دولية مثل روسيا والسعودية.
كما ترسل معدات بالمجان إلى الدول التي تحظر الأمم المتحدة عليها الأسلحة، بما فيها الصومال وليبيا.
وصرح الرئيس التنفيذي لشركة "إيدج"، مؤخرا، أنه على الرغم من تباطؤ الاقتصاد العالمي، فإن المجموعة تُجهز طلبا لدولة الجزائر يتضمن مركبات مدرعة، وتناقش مشاريع جديدة مع عديد من البلدان الأخرى، وقال إن إسرائيل واحدة من هذه الدول.
وحتى قبل تطبيع العلاقات بين البلدين، ذكر تقرير "فورين بوليسي" أن البلدين تعاونا في مجال الدفاع، خاصة في طائرات المراقبة من دون طيار، فيما أعلن البلدان في يوليو/تموز الماضي أن شركات الدفاع والاستخبارات الخاصة بهما ستتعاون لمكافحة جائحة كوفيد-19؛ وهو التعاون الذي ربما يتضمن تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ولفت التقرير إلى أن التوافق بين إسرائيل والإمارات مثالي؛ فكلا البلدين صغيرين حجما ومختصين في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. والآن وبعد أن أصبح لدى البلدين قناة اتصال مباشرة، يمكنهم بيع التقنيات التي حظرتها الولايات المتحدة ومشاركتها.
وعلى الأرجح لن تعترض وزارة الدفاع الإسرائيلية على هذه الشراكة الوثيقة؛ لأن هناك توافقا في استراتيجيات البلدين التي تسعى لمواجهة إيران، وكبح جماح جماعة الإخوان المسلمين، وتحسين المراقبة الداخلية.
وتطمح شركات الدفاع هذه لعقد صفقات غالية الثمن، والتي من شأنها أن تمول تجارب إسرائيل في التقنيات المتقدمة وتعزز مكانة الإمارات في السوق.
ووفقا للطريقة التي تسير بها الأمور، تأمل الإمارات أن تصبح مركز ثقل هذه الصناعة التي تحتاج إلى استثمارات وأموال ضخمة.
ولا تحتاج لتسلك طريق الولايات المتحدة نفسه لتثبت نجاحها.
وفى هذا الإطار، تقول "فلورنس جوب"، من معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية: "يجد الإماراتيون الأجواء ملائمة لأنهم يعرفون أنهم صغار، فإذا أرادوا أن يكتسبوا أهمية، يجب عليهم ألا يلعبوا اللعبة وفقا لقواعد الآخرين".
وحسب التقرير، تستهدف الصناعات الدفاعية التي تدعمها الإمارات قليلا في مجال الحروب البرية والبحرية، وكثيرا في مجال الفضاء الإلكتروني والمجال الجوي الحضري.
ومن المتوقع لهذا السوق أن ينمو، وهو مجال يتعلق على نحو خاص بنظام ملكي عازم على التمسك بالسلطة.
وهذا يعني أن نخبة المهندسين والضباط المتقاعدين والمرتزقة ومديري الأسهم الخاصة ومقاولي الدفاع ومستشاري العلامات التجارية من المرجح أن يواصلوا النزوح صوب أبوظبي.
الشراكة مع شركات السلاح العالمية، وتسويق منتجاتها كذلك، ينتجان تأثيراً إيجابياً مهماً على الأداء الدبلوماسي الإماراتي، ويجيبان عن تساؤلات طرحها مراقبون كثر حول الكيفية التي تنجو بها الإمارات بعد انتهاكها الحظر المفروض على تزويد أطراف الحروب الأهلية العربية بالسلاح.
هذه الشراكات تجعل من شركات السلاح، التي لا تنتعش بطبيعة الحال إلا في حال ازدهار الحروب، شريكاً للإمارات فيما تقترفه من جرائم بإغراق الأطراف المتحاربة بالسلاح الغربي، وهو ما يمثل كابحاً لقدرة الحكومات الغربية على الضغط على الإمارات لوقف تسليح الأطراف المتقاتلة.
كما تركز الإمارات على الشراكة مع شركات السلاح، ليكون هناك نصيب لأبوظبي من رأس المال في هذه الشركات، وهو ما يجعل هذه الشركات تباشر ضغوطاً على حكوماتها لصالح أبوظبي، وهو ما نجحت الإمارات بموجبه في عرقلة صدور قرارات مماثلة لحظر توريد السلاح إليها.
كما نجحت في تحجيم توجه حكومات أوروبا نحو إصدار حظر مماثل، ونجحت كذلك في رفع الحظر المفروض على السعودية.
على جانب آخر، تفيد صفقات الفساد الإمارات في بناء شبكة مصالح مع القيادات السياسية المستبدة والفاسدة، وهو ما يرسخ علاقاتها بهذه القيادات، كما أنه يمكِّنها من السيطرة على هذه القيادات.