التطبيع الاقتصادي للإمارات مع (إسرائيل) يهدم حلم مصر بالتحول إلى «مركز طاقة»
تتوالى الاتفاقيات الإماراتية الإسرائيلية للتعاون في مجال الطاقة، التي بات واضحا أنها على حساب قناة السويس، وتقضم شيئا فشيئا حلما طالما سعت مصر إلى تحقيقه، بأن تكون وصلة نقل الطاقة من المنابع في الشرق الأوسط إلى أسواق الاستهلاك في أوروبا.
ومن بين سيل من الاتفاقيات الاقتصادية وقعتها الإمارات وإسرائيل حتى الآن، رغم مضي شهر ونصف فقط على توقيع اتفاق التطبيع بينهما، برز اتفاق "تطوير استراتيجية مشتركة" في قطاع الطاقة.
ففي 24 سبتمبر/ أيلول الماضي، التقى وزيرا الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي والإسرائيلي يوفال شتاينتز، عبر اتصال مرئي، بحثا خلاله العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها في مجال الطاقة والبنية التحتية، خاصة الطاقة المتجددة.
لكن، تبين أن الطرفين يمضيان إلى أبعد من مجرد التعاون في مجال الطاقة المتجددة، ليكشفا عن مخطط من شأنه قلب تحالفات الطاقة في المنطقة، التي تشكل مصر وإسرائيل قطبيها، في وقت تسير فيه تركيا بشكل مستقر في مشاريع مرور الغاز عبر أراضيها إلى أوروبا.
في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كشف النقاب عن اتفاق ثلاثي أميركي إسرائيلي إماراتي "لتطوير استراتيجية مشتركة" في قطاع الطاقة، تشمل تطوير بنى تحتية لنقل الغاز والنفط من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.
أحد مكونات البنى التحتية القائمة فعلا، للبدء بتنفيذ الاتفاق، أنبوب إيلات جنوبي إسرائيل على البحر الأحمر، وعسقلان على البحر المتوسط.
وعلقت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية على الاتفاق بالقول: "إسرائيل على وشك أن تلعب دورا أكبر بكثير في تجارة الطاقة وسياسة البترول بالمنطقة، بعد أن عزز اتفاق الإمارات معها خط أنابيب تم بناؤه سرا بين إسرائيل وإيران في ستينيات القرن الماضي".
على إثر الاتفاق بين الإمارات و(اسرائيل)، وقعت شركة "خطوط أوروبا- آسيا" الإسرائيلية، وشركة "أم إي دي- ريد لاند بريدج ليمتد" الإماراتية، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال نقل النفط الخام بين دول الخليج.
هدف الاتفاق إلى تطوير بنية تحتية قائمة وجديدة، لنقل نفط دول الخليج إلى أسواق الاستهلاك في أوروبا، والذي يمر معظمه حاليا عبر قناة السويس.
وأنبوب "إيلات- عسقلان" طوله 254 كليومترا، ويشمل خطين أحدهما للنفط وآخر للغاز؛ إذ يصل طول الأنبوب إلى 254 كيلومترا وقطره 42 إنشا لنقل الغاز.
بينما يوازيه خط نفط، آخر بقطر 16 بوصة لنقل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل، وتصل طاقته التصديرية إلى 1.2 مليون برميل يوميا، وتم تجهيزه بمضخات عكسية، تسمح بنقل النفط بين مينائي إيلات وعسقلان في الاتجاهين.
ويضم ميناء عسقلان خزانات للنفط بسعة 2.3 مليون برميل، ويستقبل ناقلات للخام بحجم 300 ألف طن، بما يفوق قدرة قناة السويس على استيعاب هذا النوع من الناقلات.
ومنذ قيام (إسرائيل) في 1948، لم تنقطع عن التفكير في بدائل لقناة السويس، التي تشكل أحد أهم الممرات في العالم لنقل النفط إلى أوروبا، بدلا من دوران السفن حول أفريقيا، وهي ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية لمصر بعد السياحة.
وافتتحت القناة بطول 193 كليومترا في عام 1869 في حفل بعهد الخديوي إسماعيل، بينما في 2015 افتتحت في عهد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، تفريعة بطول 72 كليومترا، بكلفة 64 مليار جنيه (حوالي 8.2 مليارات دولار في ذلك الوقت) بهدف تقليص فترة انتظار السفن والسماح بمرورها في الاتجاهين طوال الوقت.
ورغم أن هدف شق التفريعة، زيادة إيرادات قناة السويس بما يزيد عن 250 في المائة، إلا أن الإيرادات تناقصت بمقدار 32 مليون دولار لتسجل في العام المالي 2019/2020 المنتهي في يونيو/ حزيران الماضي، 5.72 مليارات دولار.
وفقا لـ"فورين بوليسي" الأميركية، فإن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17%، مع تشغيل أنبوب "إيلات-عسقلان" بموجب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
وعلى مدى شهرين، لم تتوقف التقارير الإسرائيلية عن الحديث في مشاريع أخرى بمجال الطاقة يتيحها اتفاق الإمارات وإسرائيل، كبناء شبكة أنابيب لنقل النفط والغاز عبر الأراضي السعودية والأردن إلى الموانئ الإسرائيلية.
ووفق بيان لموانئ دبي العالمية الشهر الجاري، فقد تم الاتفاق مع جهات حكومية إسرائيلية، على تطوير ميناء حيفا أحد أبرز الموانئ في شرق المتوسط، باستثمارات إماراتية، وهي مشاريع تعد البديل الأفضل والأقل كلفة لنقل النفط والغاز من الخليج وشرق المتوسط إلى أوروبا.
ومنذ اكتشاف إسرائيل للغاز في شرق المتوسط، تشكل مسألة النقل أهم العوائق أمام تصديره إلى أوروبا، إذ يشكك خبراء بجدوى بناء أنبوب "ايست –ميد" المتفق عليه بين إسرائيل وإيطاليا واليونان لأسباب سياسية؛ خصوصا بعد الاتفاق التركي – الليبي على ترسيم الحدود البحرية، ما جعل بناء هذا الأنبوب رهنا بموافقة تركيا.