ماذا وراء الاهتمام الاستراتيجي المتزايد لدولة الإمارات بمنطقة شرق المتوسط؟

ماذا وراء الاهتمام الاستراتيجي المتزايد لدولة الإمارات بمنطقة شرق المتوسط؟

ايماسك:
تواصل الإمارات تحركاتها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً والتي كان آخرها انضمامها لمنتدى غاز المتوسط بدعم إسرائيلي، وتعزيزها للتحالف مع اليونان في مواجهة النفوذ التركي.

 

ويعد الاهتمام الاستراتيجي المتزايد لدولة الإمارات في المنطقة مدفوعًا بهدفين أساسيين؛ الأول هو السعي خلف المصالح الاقتصادية والتجارية مع الشركاء المحتملين الرئيسيين، والثاني هو احتواء صعود تركيا الإقليمي.

 

ويمكن النظر لهذا التحدي في سياق التوترات التي نمت بين أبوظبي وأنقرة بشكل مطرد منذ عام 2011، لتصل إلى تنافس مرير يجري في جميع أنحاء الشرق الأوسط والدول المجاورة.

 

وتضع التطورات الأخيرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، دول اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر وفرنسا في مواجهة طموحات تركيا المتوسطية. 

وتوفر هذه التطورات لأبوظبي فرصة لتجنيد تلك الدول في جبهة إقليمية معادية لأنقرة.

 

وقد تجلى ذلك عندما نشرت تركيا وحدات بحرية لمرافقة سفينة التنقيب عن المواد الهيدروكربونية والعاملة في المياه الغنية بالموارد التي تطالب بها كل من أثينا وأنقرة. 

ففي وسط تصاعد التوترات بين اليونان وتركيا، أرسلت الإمارات 4 طائرات مقاتلة من طراز "F-16" بهدف إجراء تدريبات مشتركة مع القوات العسكرية اليونانية.

 

كما قامت الإمارات بتسريع العلاقات الدبلوماسية الثنائية مع قبرص، في الوقت الذي أدى فيه التوسع في أنشطة التنقيب التركية إلى تصاعد التوترات الإقليمية.

ومن خلال زيادة التعاون مع حلفائها الأوروبيين الجدد في شرق البحر المتوسط، تأمل أبوظبي في ثني أنقرة عن أنشطتها المتزايدة في المنطقة وتعزيز صورتها في الاتحاد الأوروبي، وقد أسهم كلا الهدفين بالتأكيد في قرارها باستضافة أول اجتماع ثلاثي بين الإمارات واليونان وقبرص.

 

وكانت فرنسا هي الأعلى صوتًا من بين الدول المؤثرة في الاتحاد الأوروبي في انتقاد السياسة الخارجية لتركيا في شرق البحر المتوسط، ​​وفي دعم أثينا ونيقوسيا ضد طموحات أنقرة البحرية.

وتجدر الإشارة إلى أن شركة الطاقة الفرنسية العملاقة "توتال" تحتفظ بحقوق تنقيب مهمة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، كما أظهرت باريس استعدادها لنشر أصول عسكرية مهمة في المنطقة لمواجهة تركيا. 

 

وهكذا تعزز مثل هذه الظروف التعاون الإماراتي الفرنسي ضد أنقرة، وهو التعاون القوي بالفعل في الملف الليبي.

 

في يناير/كانون الثاني 2020، وافقت اليونان وقبرص وإسرائيل على البدء في بناء خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط​​، وهو مشروع من المقرر أن يلبي حوالي 10% من إجمالي طلب الاتحاد الأوروبي على الغاز الطبيعي المسال - في حالة اكتماله - وتأمل اليونان وقبرص وإسرائيل أن تساعد أبوظبي في تعويض النقص المالي المحتمل الناجم عن جائحة فيروس "كورونا".

 

ويقدم مشروع "إيست ميد" من منظور دولة الإمارات، الفرصة لتقليل أهمية خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول، مما يقوض موقع تركيا الحالي كمركز لتصدير الغاز الطبيعي المسال.

 

وبحسب تقرير  لمنتدى الخليج الدولي فإن لدى الإمارات وإسرائيل مصالح متوافقة في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، بحيث تهدف اتفاقيات أبراهام إلى زيادة تعزيز تنمية العلاقات الثنائية في قطاع الطاقة، كما إن صعود إسرائيل كمصدر للغاز الطبيعي يتيح للإمارات فرصة تنويع وارداتها من الغاز الطبيعي بعيدًا عن قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم وأقرب حليف لتركيا.

 

وتشترك كل من إسرائيل والإمارات في هدف مشترك يتمثل في السعي نحو أهداف طموحة للطاقة المتجددة.

 

لا يقتصر الأمر على الطاقة، إذ إنه من المتوقع أن يحقق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل حوالي 4 مليارات دولار من التجارة الثنائية سنويًا في غضون 3 إلى 5 سنوات، حيث تراجعت الإمارات عن مقاطعتها الاقتصادية لإسرائيل وفتحت الأبواب أمام الفرص التجارية والتعاون في العديد من القطاعات، بما في ذلك السياحة والتكنولوجيا والطب.

 

ويؤكد العرض المشترك الذي قدمته شركة موانئ دبي العالمية و"دوفر تاور" الإسرائيلية لتطوير ميناء حيفا في شمال إسرائيل الاهتمام الثنائي القوي بتوسيع التجارة والتعاون في شرق البحر المتوسط.

 

كما تركز الإمارات أيضًا على مناطق الصراع في ليبيا وسوريا، والجدير بالذكر أن المياه الوطنية لكلا البلدين تقع في شرق البحر المتوسط ​​أو متاخمة له.

 

وتلقى الجنرال "خليفة حفتر" منذ عام 2019، الدعم من الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا في صراعه ضد حكومة الوفاق الوطني التي تدعمها تركيا وقطر من بين دول أخرى.

ويتجاوز تعاون تركيا مع حكومة الوفاق البعد العسكري ويؤثر على النزاعات المستمرة في شرق البحر المتوسط، حيث وقعت طرابلس وأنقرة اتفاقية بحرية تهدف إلى إنشاء منطقة اقتصادية حصرية من ساحل تركيا الجنوبي على البحر الأبيض المتوسط ​​إلى الساحل الشمالي الشرقي لليبيا، ليقطع المنطقة الاقتصادية الخالصة المعترف بها دوليًا لأثينا، مما أثار غضب اليونان ومصر وقبرص.

 

وساعد الدعم السياسي والعسكري المشترك لـ"حفتر" في تعزيز التعاون القوي الحالي بين القاهرة وأبوظبي، وكانت الإمارات أنشط عسكريا بشكل أكثر علانية، حيث نفذت غارات جوية نيابة عن قوات "حفتر"، ومع ذلك، فقد تمكن الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" في الآونة الأخيرة في يونيو/حزيران 2020، من التهديد بالتدخل العسكري المصري في ليبيا ضد حكومة الوفاق والقوات العسكرية التركية، على الرغم من الوضع الاقتصادي غير المستقر في مصر، بعد التأكد من أن أبوظبي مستعدة لتمويل مثل هذه العملية.

 

وكان توجه الإمارات لتطبيع علاقاتها مع النظام السوري، الذي تجلى بإعادة فتح سفارة أبوظبي في دمشق في عام 2018، مدفوعًا إلى حد كبير بالأمل في تعزيز "دور عربي" أقوى لمواجهة نفوذ تركيا المتزايد.

وتعتبر سوريا هي المرشح المثالي للانضمام إلى الجبهة المناهضة لأنقرة بقيادة الإمارات لسببين على الأقل، أولاً، تصاعد العداء بين تركيا والنظام السوري منذ مارس/آذار 2020، بعد مواجهة عسكرية بينهما في محافظة إدلب شمال غرب سوريا؛ آخر معقل متبقي للمعارضة السورية المدعومة من أنقرة.

 

وثانيًا، تشترك دمشق وقيادة أبوظبي في عداء قوي تجاه جماعة "الإخوان المسلمين" والجماعات المرتبطة بها والتي تدعمها تركيا في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

كما يعكس تقارب أبوظبي مع دمشق وجود فرص مستقبلية متاحة للمستثمرين الإماراتيين.

وقد اجتمعت بالفعل وفود أعمال سورية وإماراتية في أبوظبي في يناير/كانون الثاني 2020 لمناقشة الاستثمارات في "التجارة والبنية التحتية وقطاعات الطاقة المتجددة".

 

ومع ذلك، فإن هذه المناقشات ما تزال في مرحلتها الأولية، حيث تخضع أي تحركات حقيقية نحو الاستثمار في سوريا للتطورات الجديدة في الصراع ورد فعل واشنطن، حيث يمكن للولايات المتحدة بموجب قانون قيصر لعام 2019، فرض عقوبات على الأطراف المتعاونة مع نظام "الأسد"، الذي يرتكب انتهاكات جسيمة ضد مواطنيه.

 

ومن المتوقع أن تحتفظ السياسة الخارجية لدولة الإمارات في شرق البحر المتوسط ​​بتركيز واضح على معاداة أنقرة، مع السعي لمواصلة التجارة والمصالح الاقتصادية الأخرى.

 

ويمكن القول إن أبوظبي تهدف أيضًا إلى تجنيد الدول الأخرى التي لها مصالح مهمة في شرق البحر الأبيض المتوسط​​، مثل إيطاليا، أو تلك التي تحرص بشكل متزايد على مواجهة تركيا، مثل السعودية، لحشد الدعم الدولي خلف أجندتها الإقليمية.

 

لكن وضع تركيا كونها أنسب طريق والأكثر أمنا لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا يتطلب من دول مثل مصر وإسرائيل - التي لديها كميات كبيرة من احتياطات الغاز الطبيعي - التعاون مع تركيا.

 

ومن شأن هذا إضعاف العلاقات بين المحور الإماراتي السعودي وحلفائه الأكثر أهمية - مصر وإسرائيل - لأن توقيع اتفاقات خطوط الأنابيب يمكن أن يخلق فترات طويلة الأمد من التعاون والاعتماد (المشترك) بين البلدان الموقعة.

 

وقد تؤدي المبادرات الدبلوماسية والعسكرية التي طورتها تركيا إلى طمس تأثير المحور الإماراتي السعودي على القضايا الإقليمية وأسواق الطاقة العالمية، إذا تم نقل احتياطات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط إلى دول أوروبية عبر خطوط أنابيب تعمل بالفعل، كـ"خط أنابيب الغاز عبر الأناضول (تاناب)" و "السيل التركي".

 

ومن خلال إلقاء نظرة فاحصة على الأدوار الدبلوماسية والعسكرية التي يرغب المحور الإماراتي السعودي في لعبها في الأزمات في بلدان، مثل سوريا وليبيا، التي ليس لها أولوية أساسية لسياساتها الإقليمية، فمن الواضح أن المحور يتبع سياسات الإقصاء ضد تركيا، في محاولة لمنعها من أن تصبح قوة مركزية في ديناميات الطاقة العالمية.

الكاتب