فايننشال تايمز: تعاظم نفوذ طحنون بن زايد وتوسع إمبراطوريته الاقتصادية والأمنية
سلطت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية الضوء على قصة صعود مستشار الأمن الوطني الإماراتي "طحنون بن زايد"، خلال العقد الماضي، وكيف ساعدته أدواره المتداخلة في الأمن والتجارة لكي يصبح ثاني أهم شخصية بعد شقيقه ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، الحاكم الفعلي للإمارة.
وقالت الصحيفة إن توسع الملفات الأمنية والتجارية التي يديرها "طحنون" (51 عاما) على الصعيدين التجاري والأمني، يقدم صورة عن آلية العمل الداخلي للحكم المطلق للعائلة الحاكمة في أبوظبي، وكيف يتم طمس الحدود بين الدولة والشركات الخاصة على نحو متزايد.
"طحنون" الذي يوصف برجل "الظل"، ومعه ولي العهد "محمد بن زايد" هما ضمن ستة من أبناء الشيخ "زايد" رحمه الله، يعرفون بـ "أبناء فاطمة الستة" (الزوجة الثالثة).
وتضم قائمة أبناء فاطمة الستة "منصور بن زايد" مالك نادي "مانشستر سيتي" و"عبدالله بن زايد"، وزير الخارجية.
وعندما كان الشيخ "زايد بن نهيان" على قيد الحياة عندما تولى "طحنون" مسؤولية "الدائرة الخاصة" بالعائلة.
وأنشأ "طحنون" بنك الخليج الأول الذي اندمج مع بنك أبوظبي الوطني لتأسيس بنك أبوظبي الأول. وبعد وفاة الشيخ "زايد" عام 2004 بات أبناؤه يبحثون عن فرصهم التجارية الخاصة مثل "منصور"، أبرز الوجوه المالية للأسرة.
ووفق الصحيفة البريطانية فإن مصالح "طحنون بن زايد" تمتد إلى قطاع واسع من المؤسسات التجارية الكبرى. فهو مدير شركة "إي دي كيو" القابضة التي أُنشئت العام الماضي والتي أصبحت من أهم الشركات في البلاد.
ويترأس "طحنون" أيضا بنك أبوظبي الأول، أكبر مقرض في الإمارات والذي تملك فيه الحكومة والعائلة الحاكمة أسهما كبيرة. كما يرأس أيضا مجموعة "رويال جروب" والشركة الدولية القابضة وهي مجموعة أخرى تعمل في قطاع الصيد والصحة ضاعفت أرصدتها أربع مرات منذ تولى "طحنون" إدارتها.
وفي يناير/ كانون الثاني، جرى تسميته كرئيس مجلس إدارة "جروب 42"، وهو كيان متخصص في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية أنشئ عام 2018 في أبوظبي.
ونشأت المجموعة المذكورة من دور "طحنون" الأمني وكان راعيها منذ تدشينها.
وقالت الصحيفة إنه كدليل على تداخل المصالح الاستراتيجية والوطنية بمصالح العائلة المالكة والدولة، فقد كانت "جي 42" أول شركة تفتح لها مكتبا في إسرائيل.
وأضافت أن "جي 42"، تعاونت مع شركة "بي جي أي" الصينية لفتح مختبر في أبوظبي للقيام بتجارب على لقاح كورونا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الوباء يوجه تركيز أبوظبي إلى مجالات الصحة والتكنولوجيا والأمن الغذائي.
وقامت شركات مرتبطة بطحنون بتوقيع عدة عقود في مجال المصالح الوطنية، وحصلت شركة "إي دي كيو" على نسبة 45% من شركة "لوي دريفوس" لتوفير البضائع الزراعية.
ووفق الصحيفة البريطانية، فإن هذه العقود جزء من توجه جعله أكثر أعضاء العائلة الحاكمة نشاطا حيث تتداخل مصالحه التجارية مع مصالح الدولة.
وتقول "كريستين فونتنروز"، مسؤولة شؤون الخليج بمجلس الأمن القومي بإدارة "دونالد ترامب"، إن الشيخ "طحنون" هو "الرجل الذي يراقب كل شيء وهو الموثوق به.. فهو هادئ وموجود في كل مكان، يوما تراه في الولايات المتحدة وفي المرة التالية تراه في طهران ".
ويقول مسؤولون غربيون سابقون إن الشيخ "طحنون"، يدير على مستوى السياسة الخارجية أهم ملفات الدولة الحساسة: ملف علاقة الإمارات مع إيران واليمن وكذا التعاون الأمني مع الولايات المتحدة وروسيا وهو حاضر أيضا في جهود مكافحة فيروس كورونا في البلد.
ويعتبر طحنون مقربا من شقيقه محمد وهو "أول الأشخاص في حلقة مقربة من ولي عهد أبوظبي يتحدث معهم في كل شئ”، حسبما يقول دبلوماسي غربي.
وأشارت الصحيفة إلى أن تداعيات حضور العائلة الحاكمة في التجارة تضيق من المساحة المتاحة للقطاع الخاص في اقتصاد تسيطر عليه الدولة.
وقال مدير تنفيذي أجنبي: "لو كان لديك رجل يلعب القمار ولديه ورقتان فمن الأفضل ألا تلعب أمامه. كذلك لا يمكنك التنافس مع العائلة المالكة عندما تكون كل الأعمال الكبيرة ملكا للدولة".
وتشير الصحيفة إلى أن الخطوط الغامضة بين الدولة ومصالح العائلة الحاكمة كانت سمة في دول الخليج ولكنها أصبحت أكثر وضوحا في الإمارات والسعودية، في وقت بات فيه حكام البلدين أكثر استبدادا وهوسا بالأمن وراغبين في تطوير قطاعات جديدة، ذات علاقة بالتكنولوجيا.
وقال "ستيفن هيرتوج"، الخبير بشؤون الخليج بمدرسة لندن للاقتصاد، إن القيادة أصبحت الآن متركزة بسيطرة أكثر وسلطة أقل توازنا بين الأبناء والأعمام وأبناء الأعمام.
وقالت "فاينانشيال تايمز" إن الخطوط الفاصلة بين العائلة والتجارة في أبوظبي باتت غير واضحة ويبدو أنها غير موجودة الآن ومن الصعب الحديث عن حدود القطاع الخاص، حيث لا يوجد لاعبون من القطاع الخاص في القطاعات الاستراتيجية.
ويرى مسؤولون أجانب أن "طحنون" رجل براجماتي وتحليلي وكان أول من تحدث عن سحب القوات الإماراتية من اليمن لأن الحرب لا يمكن الانتصار فيها.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أمريكي سابق قوله إن "طحنون" كان أيضا أول من أبدى قلقه من دعم الإمارات للجنرال "خليفة حفتر"، وأنه ليس "زعيما سياسيا قابلا للبقاء" وأنه أقرب إلى "رجل عسكري متقلب".
وشوه التدخل في ليبيا سمعة أبوظبي، وطالما اتهمتها الأمم المتحدة بخرق قرار حظر تصدير السلاح إلى ليبيا.
وقدرت وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية أن الإمارات ربما قدمت دعما لمجموعة فاجنر الروسية التي نشرت ألفي مرتزق في ليبيا لدعم "حفتر"، حسبما جاء في تقرير المفتش العام للبنتاجون في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.
وفي نفس الشهر كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش أن شركة إماراتية "بلاك شيلد" قامت بتجنيد سودانيين للعمل كحراس أمن ثم أرسلتهم للقتال في ليبيا.
وقالت المنظمة الحقوقية إن هذا مثال واحد من “التورط الخبيث للإمارات في النزاعات الخارجية".
ويقول مراقبون إن إنشاء شركات مثل" جي 42" هو امتداد لأهداف الإمارات الاستراتيجية حيث باتت تعتمد على قطاعات التكنولوجيا والصحة.
وستكون علاقتها مع إسرائيل متركزة على هذين المجالين بالإضافة لتكنولوجيا الزراعة ومن خلال كيانات مرتبطة بالعائلة المالكة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول تنفيذي قوله: "لو أردت الحصول على صفقة تجارية مع العائلة فما عليك إلا التواصل مع الشيخ طحنون".
وطالما كان "طحنون" مهتما بالتجارة. ويقول مستشار مخضرم في المنطقة إن التداخل بين ما هو اقتصادي وأمني في أدواره جعله ثاني أهم شخصية بعد "محمد بن زايد".
وأضاف أنه ربما وصل إلى ذروة تأثيره بالتزامن مع ظهور أبناء "محمد بن زايد"، خاصة "خالد بن محمد" الذي بات يتولى مناصب أمنية واقتصادية.