نتائج انتخابات إدارة المرحلة الانتقالية في ليبيا تعزيز لنفوذ تركيا على حساب الإمارات ومصر
على الرغم من بيانات الترحيب الصادرة عن عدد من العواصم العربية خاصة أبوظبي والقاهرة، بانتخاب السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا، ضمن العملية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة، وانتهت بفوز القائمة التي ضمت محمد المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وموسى الكوني وعبد الله اللافي نائبين له، وعبد الحميد دبيبة رئيساً للوزراء، إلا أن هناك تحركات من جانب تلك العواصم، في محاولة لاحتواء الموقف، بعد خسارة القوائم التي راهنوا عليها لتأمين مصالحهم في ليبيا.
وتثير هذه النتائج السؤال حول المكاسب أو المخاسر التي لحقت بالأطراف الفاعلة في الملف الليبي خاصة تركيا و الامارات و مصر، حيث يتصدر هذا السؤال مناقشات مراقبي الشأن الليبي منذ إعلان مندوبة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة "ستيفاني وليامز"، يوم الجمعة الماضي، فوز القائمة الثالثة في المرحلة الثانية من الجولة الثانية لانتخاب أعضاء السلطة التنفيذية في ليبيا، ليصبح "محمد يونس المنفي" رئيسا للمجلس الرئاسي، و"عبدالحميد الدبيبة" رئيسا للحكومة المقبلة.
وخسرت القائمة الرابعة، التي ضمت الوزير "فتحي باشاغا" لرئاسة الحكومة و"عقيلة صالح" لرئاسة المجلس الرئاسي، التصويت، ما اعتبره مراقبون خسارة لمصر والإمارات.
فـ"عقيلة صالح" تحديدا مدعوم من مصر، وسبق أن دفعت القاهرة باتجاه تسميته بديلا للجنرال المتقاعد "خليفة حفتر"، قائد قوات حكومة شرق ليبيا، التي نازعت حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، السلطة منذ عام 2014.
كما أن "باشاغا" اقترب من القاهرة بشكل كبير في الآونة الأخيرة، خاصة مع دخوله في صدامات مع المجموعات المسلحة المتحالفة مع حكومة الوفاق غربي ليبيا، وهو التوجه الذي تؤيده مصر.
أما أبوظبي فقد شجعت انخراط "الشريف الوافي"، حليف "حفتر"، في الانتخابات النهائية، لكنه خسر التصويت في النهاية، بينما يرتبط "المنفي" و"الدبيبة" بعلاقات جيدة مع تركيا.
فـ"المنفي" شغل منصب سفير حكومة الوفاق السابق في اليونان، قبل أن تطلب منه الحكومة اليونانية مغادرة أثينا في نهاية 2019، بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس، أما "الدبيبة" فهو رجل أعمال له استثمارات في تركيا.
ولذا فإن نتيجة التصويت جاءت بمثابة مفاجأة لكل من مصر والإمارات وإن لم تبديا استنكارا رسميا لها، حسبما نقل موقع "العربي الجديد" عن أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية "المبروك الشاوش".
في السياق ذاته، نقلت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن مفاجأة نتيجة التصويت خلفت صدمةً سادت دوائر صناعة القرار في مصر والإمارات، لكونِ "المنفي" و"الدبيبة" محسوبَيْن على التيار الإسلامي أيضا.
لماذا رحبت القاهرة وأبوظبي إذن بنتيجة التصويت عبر بيانين رسميين عن وزارتي خارجيتهما؟ يعود ذلك إلى طبيعة السلطة الانتقالية الجديدة، باعتبارها مؤقتة ومليئة بالتحديات الصعبة أمام "المنفي" و"الدبيبة" من جانب، وكونها تحظى بشرعية دولية متينة ودعم أمريكي من جانب آخر.
فالنظام الانتقالي الجديد في ليبيا مسؤول عن تشكيل الحكومة المؤقتة واختيار الوزراء في فترة أقصاها 21 يوماً قبل الحصول على موافقة البرلمان؛ وفي حال تعذُّر ذلك، تحصل الحكومة حينها على ثقة "ملتقى الحوار السياسي" المسؤول بدوره عن مراقبة كل من الحكومة والمجلس الرئاسي.
ويحظى الملتقى بدعم كامل من الأمم المتحدة، وأصبح بمثابة "شرعية جديدة" للنظام في ليبيا، وستكون أي محاولة للقفز عليه بمثابة تصادم مباشر مع الإجماع الدولي.
وترتبط متانة الشرعية الدولية للسلطة الانتقالية الموحدة في ليبيا بظرف التغيير الذي طرأ على الإدارة الأمريكية، بتولي "جو بايدن" السلطة رسميا، وإعلانه صراحة عن توجهات مختلفة في السياسة الخارجية، عن إدارة سلفه "دونالد ترامب".
ويرى مراقبون أن الدعم الأممي لتشكيل السلطة الانتقالية في ليبيا يرتبط بدور أمريكي متنام خلف الكواليس، يهدف بالأساس إلى إبعاد حلفاء موسكو عن مراكز التحكم والسيطرة في ليبيا.
ومن هنا يمكن قراءة مسارعة واشنطن، إلى جانب حلفائها: المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا، إلى تحذير "من يهددون الاستقرار أو يقوضون العملية السياسية في ليبيا"، بحسب بيان مشترك صدر يوم الجمعة الماضي.
وطالب البيان جميع الأطراف الليبية بـ"دعم السلطة التنفيذية الجديدة في أداء واجباتها تجاه الشعب الليبي، والتنفيذ الكامل لحظر الأسلحة، ودعم الانسحاب الفوري لجميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب".
وإزاء ذلك، فإن أي معارضة رسمية من جانب القاهرة أو أبوظبي للسلطة الجديدة يعني عزلة دولية لمصر والإمارات، بخلاف الحال في زمان إدارة "ترامب"، التي قدمت ضمنيا ضوءا أخضرا لمختلف القوى الإقليمية للانخراط في الحرب الليبية على مدى السنوات الماضية.
زاوية أخرى تفسر الموقف الرسمي للقاهرة وأبوظبي، وهي أن السلطة الانتقالية يُفترض أن تُشرِف على انتخابات عامة لسلطة دائمة بنهاية العام الجاري (24 ديسمبر/كانون الأول المقبل)، وهي الانتخابات الأهم بالنسبة لكافة القوى الإقليمية ذات المصالح في تحديد مستقبل ليبيا.
كما أن السلطة الانتقالية ستواجه عمليا مشكلات جمّة على أرض الواقع، خاصة في ظل عداوات كثيرة اكتسبتها مُقدَّماً، من رئيس مجلس النواب (عقليلة صالح)، الذي خسر الانتخابات ولكنّه لم يُقدِم على الاستقالة من منصبه، ومن وزير الداخلية في حكومة الوفاق (فتحي باشاغا)، الذي يمتلك سيطرة فعلية على قطاع واسع من القوات العسكرية.
يدفع ذلك إلى احتمال حصول مواجهة في الفترة المقبلة بين السلطة الجديدة والمرشّحين الخاسرين الذين رفضوا الاستقالة من مناصبهم قبل الترشُّح.
كما لا يُتوقّع أن يكون رئيس مجلس الدولة الليبي قادرا على إزاحة "حفتر" من قيادة الجيش، رغم صلاحياته الواسعة، لما يمكن أن يخلفه ذلك من صدام ميداني، فضلاً عن عرقلة نقطة توحيد المؤسسات التي ستكون على رأس أولويات الحكومة الانتقالية.
وبإضافة فشل "حفتر" في تحقيق أي حسم عسكري منذ بداية صراعه على السلطة مع حكومة الوفاق في عام 2014، يمكن التوصل إلى استنتاج مفاده أن اللواء الليبي المتقاعد ليس رهانا رابحا كزعيم للبلاد، لكنه قد يكون معوقا ناجحا لأي سلطة لا ترتضيها مصر والإمارات.
وفي هذا الإطار، فإن موقف القاهرة وأبوظبي من نتيجة التصويت بملتقى الحوار الليبي يتبنى نهجا "واقعيا" في ضوء مستجدات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، انتظارا لتقييم سياسات السلطة الانتقالية الجديدة.
وفي حال كانت تلك السياسات نسخة جديدة من سياسات حكومة الوفاق المتحالفة بشكل وثيق مع تركيا، فمن المتوقع أن تبدأ القاهرة وأبوظبي في إعاقة حملها باستخدام الأوراق ذاتها، وفقا لما نقله موقع قناة الحرة الأمريكية عن المحلل السياسي الليبي "حسين مفتاح".
أما إذا عبرت السلطة الانتقالية الليبية عن سياسة متوازنة من مختلف القوى الإقليمية، فسينصب تركيز القاهرة وأبوظبي بالأساس على التأثير على نتائج انتخابات ديسمبر/كانون الأول المقبل.
السيناريو الأخير يرجحه المحلل السياسي الليبي "عبدالله الكبير"، الذي يتوقع أن تحاول السلطة الانتقالية الجديدة أن تقنع جميع الأطراف الإقليمية المتنازعة في ليبيا بإخراج القوات الأجنبية التابعة لكل منها، حسبما أرود موقع القناة الأمريكية.