ستراتفور: قانون التجنيس في الإمارات سلاح ذو حدين
يتواصل الجدل حول قانون التجنيس في الإمارات وتوسيع فرص الحصول على الجنسية الإماراتية وما يتضمنه من تمييز ، حيث من المرجح أن يؤدي برنامج المواطنة الجديد في الإمارات، الذي يتيح الحصول على الجنسية الإماراتية للعمال الأجانب المهرة، إلى مزيد من تآكل السيطرة طويلة المدى للقبائل الأصلية على السياسة الاقتصادية، وذلك عبر جلب لاعبين جدد وديناميكيات جديدة إلى عملية صنع القرار.
وفي 30 يناير/كانون الثاني، أعلنت الإمارات تغيير قوانين الجنسية رسميا للسماح للأجانب ذوي المهارات العالية بالتقدم بطلب للحصول على جوازات سفر إماراتية. وتسمح القوانين الجديدة للمستثمرين والأطباء والعلماء والمثقفين وغيرهم من الأجانب المهرة المطلوبين بشدة بالحصول على الجنسية الإماراتية من خلال ترشيحهم من قبل العائلات الحاكمة أو المحاكم أو الوزارات الإماراتية.
ولم يتم الإعلان عن الإجراءات المطلوبة بالتفصيل حتى الآن، ولكن يبدو أن العملية تخضع لسيطرة إماراتيين رفيعي المستوى. ولن يضطر المواطنون الإماراتيون الجدد إلى التخلي عن جوازات سفرهم الخاصة ببلدانهم الأصلية.
وفي ظل عدم اليقين بشأن مستقبلها الاقتصادي، تعمل الإمارات على تسريع إصلاحات سوق العمل لتشمل منح الجنسية للأجانب. وتمثل القوانين الجديدة إضافة إلى إصلاحات سوق العمل السابقة المصممة لتحرير تجربة التوظيف في البلاد. ومع ذلك، فشلت تلك الإصلاحات حتى الآن في جذب الحجم المستهدف من المواهب والاستثمار، خاصة بعد فرار المغتربين من البلاد خلال عمليات الإغلاق والتسريح التي سببتها جائحة "كوفيد-19" عام 2020، بحسب تقرير لموقع "ستراتفور".
وبالإضافة إلى تحفيز هجرة العمالة الأجنبية، أدى إغلاق "كوفيد-19" خلال عامي 2020 و2021 إلى تدمير صناعتي السياحة والبناء في الإمارات، إلى جانب سوق العقارات في الدولة.
وكان نموذج النمو في الإمارات يتحول بعيدا عن الاعتماد على العمالة الرخيصة وغير الماهرة نحو بناء ما يسمى بـ "اقتصاد المعرفة"، مع جلب مقيمين ومواطنين من ذوي المهارات العالية قادرين على تحويل الإمارات إلى اقتصاد ما بعد النفط، الذي يركز على التقنية العالية والتصنيع والخدمات الذكية، مثل التكنولوجيا المالية.
ومنذ عام 2018، بدأت الإمارات في تقديم تصاريح إقامة طويلة الأجل للعمالة الماهرة في العلوم والتكنولوجيا والمستثمرين للمساعدة في زيادة جاذبية الحياة في الإمارات، كما بدأت خفض تكلفة المعيشة والضرائب كقوة جذب اقتصادية للبلاد.
ومنذ ذلك الحين، أدت جائحة "كوفيد-19" إلى تقويض الجاذبية الاقتصادية للبلاد، حيث غادر آلاف الأجانب البلاد بسبب عمليات التسريح الناجمة عن الإغلاق والاضطرابات الاقتصادية العالمية.
وفي مايو/أيار 2018، قدمت الإمارات إقامة جديدة لمدة 10 أعوام للعمال ذوي المهارات العالية والمستثمرين الذين أضافت استثماراتهم مبلغا كبيرا إلى اقتصاد الدولة. وكان على المستثمرين امتلاك نحو 2.7 مليون دولار في أنواع مختلفة من الاستثمارات في البلاد. وفي نفس العام، عرضت الإمارات أيضا إقامة لمدة 5 أعوام للمستثمرين في عقارات تبلغ قيمتها 1.3 ملايين دولار، إلى جانب تأشيرات التقاعد للمقيمين الأثرياء. وفي السابق، كانت معظم التأشيرات تستمر لمدة عامين فقط، ولم يكن يُسمح للأجانب بالبقاء بدون "كفيل".
وستكون العائلات الحاكمة في الإمارات قادرة على استخدام المجموعة الجديدة من المواطنين لتسريع التحول الاقتصادي للبلاد وتقويض الضوابط القبلية التقليدية على جهود الإصلاح. ومن المرجح أن يأتي العديد من العمال المهرة الجدد من جنوب آسيا وأوروبا ومناطق أخرى خارج الخليج العربي. ويعني هذا أن معظم هؤلاء لن يكون لهم أي صلة بالهياكل الاجتماعية الموجودة مسبقا في الدولة، ما يقوض فعالية القبائل الإماراتية الأصلية في صد الإصلاحات الاقتصادية.
وحدت حصص التوطين تاريخيا من قدرة العمالة الأجنبية على الصعود في اقتصاد البلاد. لكن ذلك سيتغير الآن في ظل القوانين الجديدة، حيث ستتاح الفرصة للعمال الأجانب الذين حصلوا على الجنسية لتولي وظائف كانت محفوظة في السابق للإماراتيين المرتبطين بالقبائل. ومع ذلك، سيظل المواطنون الجدد معتمدين على حسن نية القادة الإماراتيين، الذين سيظلون قادرين على تجريدهم من جوازات سفرهم. وبالتالي من غير المرجح أن يعارض أفراد هذه الطبقة الجديدة من المواطنين الإصلاحات الاقتصادية.
ويعتمد النظام السياسي لدولة الإمارات على الدعم والمشورة من قبل القبائل والأسر غير المالكة لتنفيذ وصياغة بعض السياسات، لا سيما تلك المتعلقة بظروف العمل والإصلاحات الاقتصادية التي تؤثر على الإماراتيين.
وكانت هذه الهياكل التقليدية في بعض الأحيان بمثابة رقيب على عملية الإصلاح، لا سيما من خلال تشجيع الحكومة الإماراتية على الحفاظ على الإنفاق المرتفع على برامج الرعاية الاجتماعية حتى أثناء فترات الانكماش الاقتصادي، الأمر الذي يجعل من الصعب إعادة هيكلة دولة الرفاهية لتشجيع الإنتاجية وتدريب الإماراتيين بشكل أفضل من أجل وظائف ذات جودة عالية.
وتعمل العديد من الشركات الأكثر نجاحا في الإمارات بقيادة مديرين ومسؤولين تنفيذيين أجانب، وسيصبح من يحمل الجنسية منهم قادرا على تجاوز لوائح العمل الحالية التي تقصر وظائف معينة على الإماراتيين فقط كجزء من برامج التوطين في الدولة.
على سبيل المثال، فإن رئيس شركة طيران الإمارات "تيم كلارك" هو مواطن بريطاني، ما يجعل من المستحيل عليه تولي منصب رئيس مجلس إدارة الشركة. ولكن من خلال الحصول على الجنسية، سيتمكن "كلارك" ومن هم من أمثاله من قيادة الشركات رفيعة المستوى التي يعملون بها بشكل مباشر.
يشار إلى أنه منذ الربيع العربي، كانت هناك تقارير مختلفة عن قيام السلطات الإماراتية بتجريد الناشطين والمعارضين الإماراتيين من جنسياتهم بسبب اتهامات بالتحريض على الفتنة. وأُجبر بعض الإماراتيين على أخذ جوازات سفر من جزر القمر.
وبالرغم أن التوزيع الدقيق للعمالة الماهرة في الإمارات غير معروف، إلا أن إجمالي السكان الأجانب المقيمين يهيمن عليهم القادمون من جنوب آسيا وشرق آسيا والأوروبيين وغيرهم من غير العرب. وتأتي معظم العمالة الماهرة أيضا من أوروبا وجنوب آسيا وشرق آسيا والأمريكتين.
ولتعويض استياء الإماراتيين الأصليين من إضعاف سلطتهم، قد يكون حكام الإمارات أكثر استعدادا لتوسيع حقوقهم السياسية والاجتماعية. ولمنع تدهور العلاقات بين المواطنين الجدد والإماراتيين الأصليين، قد تمنح أبوظبي حقوقا جديدة للإماراتيين الأصليين، مثل السماح لهم بحمل جوازات سفر متعددة، وتعزيز حقوق المرأة في التملك والميراث، بل وحتى تخفيف بعض القيود المفروضة على حرية التعبير بما في ذلك السماح بمزيد من النقاش العام حول دور ومستقبل المواطنين الجدد في الإمارات.
لم تكن الجنسية الإماراتية تمنح في السابق للأجانب. وكان القانون صارماً تجاه حفظ الهوية الوطنية فيشترط أن يكون عربياً، ومكث في الإمارات وخدم لعقود طويلة ويجبره القانون على التخلي عن جنسيته السابقة. على عكس التعديل الجديد الذي يمنحه بالتزكية الحكومية وشروطها الأخرى المتعلقة بإنجازات داخلية أو خارجية تعترف بها أي مؤسسة من مؤسسات الدولة.
وكان هذا "التجنيس" وفق قانون الجنسية السابق نادر لأسباب سياسية واقتصادية في أساسها، ولم يكن مؤثراً على الهوية الوطنية للإماراتيين. فالهوية في أبسط تعبيراتها: الخصائص التاريخية والثقافية واللغوية التي تأتي نتاج تفاعل بين تقاليد وموروثات تراكمت عبر التاريخ. وهو ما لا يتوفر في "المجنسين الجُدد".
منذ 2011م زادت الفجوة تدريجياً بين السلطة والمجتمع الإماراتي، بعد أن طالب الشعب بتمثيل برلماني بصلاحيات كاملة ومنتخب من كل أفراد الشعب. وتُثبت قرارات السلطة منذ ما قبل تقديم عريضة الإصلاحات الحاجة لهذا البرلمان –واشتدت الحاجة خلال العقد الماضي- الذي يجعل الشعب شريكاً في مستقبله وشروط اندماج مواطنين جُدد إليه.
ونتيجة لتلك المطالب السلمية والمشروعة شن جهاز أمن الدولة حملة على الإماراتيين المطالبين بالإصلاحات، واعتقل عشرات منهم وأودعهم السجون السرية ثم الرسمية وعرضهم على محاكمات سياسية أودت ببعضهم إلى السجن لمدة أكثر من عشر سنوات.