أكاديميون إماراتيون بين مطرقة "الاختفاء القسري"وسندان "التهميش المجتمعي"
خاص - شؤون إماراتية
غانم حميد
تعاني الإمارات من تدني نسب التوطين في كادر الهيئات التدريسية في جامعاتها الحكومية بنسبة لا تزيد عن 9%، فضلا عن إنعدامها في الجامعات الخاصة، ورغم ذلك تصر القيادة التنفيذية في الإمارات عض أصابعها بالإبقاء على نخبة من العلماء والأكاديميين الإماراتيين المختلفين سياسيا مع النظام القائم في الإمارات في السجون، رغم ندرة هذه النوعية في المجتمع وحاجته الماسة إليهم، ورغم دعاوى "التسامح" و"السعادة" التي رصدت لهما الحكومة الإماراتية أخيرا؛ وزيران جديدان.
وفي الوقت الذي تشتكي الدولة فيه من غياب الأكاديميين الإماراتيين عن جامعاتها، تتناسى أن العشرات من كفاءات الإمارات وخبراتها العالمية المتمثلة في "أحرار الإمارات"، تم تغييبهم خلف السجون لغيرتهم على بلدهم ومطالبتهم بالإصلاح، وإعلانهم عن آرائهم، مما يشكل بحسب مراقبين؛ عامل خوف لدى المجتمع من أن أساتذة الجامعات في مرمى جهاز أمن أبوظبي وبالتالي فهم في بؤرة الأحكام القاسية والرقابة على الأفكار.
ويخضع المعتقلون إلى سجون انفرادية لأشهر، واتهم معظمهم سلطات أبوظبي – حيث مواطن سجون السياسيين- بتعذيبهم أثناء ذلك، وتحدثوا عن أشكال وأنواع من التعذيب المُجرم دولياً، والذي يضع الإمارات في كماشة محاكمة دولية حقيقية، لهؤلاء المسؤولين عن التعذيب.
ومن بين 204 معتقلا من 13 دولة يتصدر القائمة 13 من أبناء الإمارات من الأكاديميين تمنحهم سلطات محمد بن زايد عقوبات مشددة بين (7-10-15) عاما، كثيرون منهم من الأكاديميين المرموقين في مجالات القانون والإدارة والعلم الشرعي.
تحذيرات "صديقة"
وتصر الحكومة في الإمارات على عدم التسامح مع الأكاديميين الإماراتيين المنتمين والموالين لجمعية الإصلاح، لتتحمل وحدها عواقب ذلك والمتمثلة في ما كشفه أعضاء في لجنة التربية والتعليم والشباب في المجلس الوطني الاتحادي، من تراجع نسبة أعضاء الكادر التدريسي المواطن في الجامعات الحكومية الثلاث (زايد، والإمارات، والتقنية العليا)، إذ لا تتجاوز 9% من أعضاء الهيئة التدريسية، وهي نسبة كشفتها تقارير رسمية تلقتها اللجنة في فبراير الماضي.
وكشف نائب مدير جامعة الشارقة محمد إسماعيل لصحيفة "الإمارات اليوم" أن عدد الأساتذة في الجامعة بلغ في 2008، نحو 497 أستاذاً، بينما وصلت نسبة المواطنين منهم إلى 7%، وهي من أكبر الجامعات توطينا.
ونوّه الدكتور في كلية العلوم، خالد أميري، لنفس المصدر الصحفي، إلى أن الأعداد في تناقص قائلا:"عندما دخلت الجامعة كان هناك نحو 160 معيداً والآن أصبح عددهم أقل بكثير بسبب التسرب من الجامعة، الأمر الذي له أثر سلبي في التوطين بالجامعة".
وكشف أستاذ الثقافة الإسلامية ومجتمع الإمارات في الجامعة الكندية في دبي، الدكتور سيف الجابري، في تصريحات صحفية أن "هناك مئات من المواطنين حاملي رسائل دكتوراه اضطروا إلى تغيير مساراتهم الوظيفية، وتركوا الجامعات واتجهوا إلى وظائف تنفيذية مختلفة، سعياً وراء حوافز مالية، وأعباء عمل أقل".
وأضاف الجابري، إن "الدولة لديها المئات من حملة الدكتوراة، جالسين بلا عمل مبدع في تخصصاتهم، تحولوا إلى موظفين تنفيذيين في جهات حكومية مختلفة، ولو أجري حصر لجميع حَمَلَة الماجستير والدكتوراه على مستوى الدولة، وهل هم موجودون في أماكن طبيعية (أكاديمية)، سنجد أنهم مهمشون في جامعات خاصة، وهي جهات لا تسعى إلى تعيين المواطنين في السلك التدريسي إلا بصعوبة بالغة".
وكشف أستاذ الفلسفة الإسلامية أن "أصحاب الشهادات فوق الجامعية، لا تسند إليهم مهام تتوافق مع ما درسوه، ويضطرون ــ بدافع الاحتياج إلى وظيفة ــ لأن يقبلوا بالعمل موظفين في جهات حكومية وخاصة، في بيئات غير تخصصاتهم أصلاً".
وأكد الجابري أن "المواطنين من حملة الشهادات فوق الجامعية غير مرحب بهم في الجامعات الخاصة، لأسباب نجهلها فعلاً، ولو طلبت وزارة التعليم أسماء المواطنين العاملين لدى جامعات خاصة في الدولة، ستجد أن هناك فجوة كبيرة في وجودهم وتأثيرهم، وأنا شخصياً أحمل دكتوراه، ولولا جهدي الخاص لما كنت في الجامعة الكندية في دبي".
سيطرة "الأمنيين"
رغم أن 16 مواطنا يشكلون 30% من أساتذة المعهد البترولي بأبوظبي، بحسب تقرير نشرته صحيفة الخليج في أول أكتوبر 2012، إلا أن وزير الطاقة سهيل المزروعي لم يجد منهم من يحاضر للطلاب قبل أيام في الدورة الثالثة لمنتدى الرواد الإماراتي الذي انطلق برعايته للطلبة الإماراتيين المبتعثين في لندن، تحت شعار "كن جزءا من مستقبل الإمارات" وحضره نحو ألف طالب إماراتي مبتعث في إنجلترا، إلى جانب 30 طالبا بريطانيا، حسب تقرير لقناة الشارقة.
ووفق تدوينات بعض الطلاب المشاركين في المنتدى؛ غاب الجانب العلمي وحضر الأمني والسياسي، كأحد أهم المضار الإجتماعية لتغييب الأكاديميين المواطنين خلف القضبان، فكان أول المحاضرات؛ كلمة مسجلة لمحمد بن زايد ، ثم سفير الدولة في لندن عبد الرحمن المطيوعي، الذي سبق أن أهان وسائل إعلام بريطانية وناشطين إماراتيين وخليجيين ومنظمات حقوقية فضحت انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات، تبعه بعد عدة فقرات أكاديمية، الأمني المعروف د.علي النعيمي الذي تولى مؤخرا رئاسة مجلس أبوظبي للتعليم بعد دوره في مركز "هداية" المزعوم ومركز "صواب" الذي يزعم أنه يحارب دعاية تنظيم الدولة.
وفي محاضرتين أخريين لم يرشح عنهما سوى أن المحاضر الأول ممثل عن وزارة الداخلية، والثاني ممثل عن المجلس الأعلى للأمن الوطني وهو أعلى جهة أمنية في الدولة، وغاب أسمي المحاضرين وعنوان المحاضرة، في حين أن المنتدى مناسبة إدارية وأكاديمية، بحسب منظموه.
استغناء مبكر
ومبكرا تعاملت أبوظبي مع الإسلاميين؛ بمنطق الإستبعاد من التعامل مع الطلاب والإحالة للتفرغ الأكاديمي، كما حدث مع أغلب الأثنى عشر أكاديميا، ولعل حالة الدكتور سعيد حارب، نائب مدير جامعة الإمارات لشؤون المجتمع، من أبرز الحالات، حيث أوقفه الأمن عن التدريس في الجامعة في 2007، دون إبداء أسباب، وإن كان ضمنا معروف بإنتمائه السابق للإصلاحيين.
وتجاهلت الأجهزة الأمنية حصوله على دكتوراة في العلاقات الدولية الإسلامية، وخبراته العلمية والأكاديمية، والمناصب التي تقلدها داخل المؤسسات الثقافية والاجتماعية الإماراتية، والمؤلفات والبحوث لا سيما في مجال التعليم، وحالت صداقته بحاكم دبي وتخليه عن التعامل مع الإعلام من إعتقاله في يوليو 2012.
ومن بين أبرز المعتقلين من الأكاديميين المواطنين :-
1- الدكتور محمد الركن : وهو أستاذ القانون الدولي والمحامي البارز المدافع عن حقوق الإنسان، وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الامارات سابقا، بعدما أحيل للتفرغ بسبب نشاطه الحقوقي، وبالرغم من مؤلفاته من الكتب والمقالات الأكاديمية حول حقوق الإنسان وحرية التعبير وقوانين مكافحة الإرهاب، إضافة لكونه عضوا بالجمعية الدولية للقانون الدستوري (IACL)، وعضو الجمعية الأمريكية للقانون الدولي (ASIL)، وينفذ حاليا حكما بالسجن 10 سنوات.
2- الدكتور عيسى خليفة السويدي: وهو من الوجوه الأكاديمية المرموقة، احتجز في 17 يوليو 2012 بالتزامن مع اعتقال الركن ويقضى نفس مدة حبسه، وحكمت عليه المحكمة بعشر سنين، وهو زميل دراسة لولي عهد أبوظبي الحالي، ومدير منطقة أبوظبي التعليمية سابقا، ورئيس اللجنة التأسيسية لجامعة الحصن، وسبق له أن شغل منصب الأمين العام للهلال الأحمر في الإمارات خلال الفترة من 1996 إلى 1998، إضافة لكونه خبيرا تربويا، ومديرا عاما سابقا لمدارس الاتحاد الخاصة، ورئيس مؤسسة ياس للاستشارات التعليمية، والرئيس التنفيذي لمجموعة تعلم في قطر، واعتقلت الجهات الأمنية شقيقاته الثلاث بعد سعيهن للإفراج عن شقيقهن الدكتور عيسى السويدي، أحد المتهمين في قضية “الإمارات 94″، من خلال تغريدات تتهم المحاكمة بالجائرة، وتكشف ما تعرض له من انتهاكات حقوق الإنسان داخل السجون الإماراتية، غير أنه أطلق سراحهن قريبا.
3- الدكتور محمد المنصوري: وهو القانوني الشهير احتجز في 16 يوليو2012، وحكم بالسجن 10 سنوات، وهو رئيس مركز الامارات للدراسات والإعلام، والمستشار الشرعي والقانوني لحاكم رأس الخيمة سابقا، ومدرس ومدير لمدرسة ثانوية سابقا، ومدرس لمادة الفكر الإسلامي (دبلوم المعلمين) سابقا، كما كان مؤلفا لمنهج التربية الإسلامية للمرحلة الإعدادية سابقا.
4- الدكتور هادف العويس: وهو المحامي والأستاذ الجامعي ونائب رئيس اللجنة التنفيذية لمركز دبي للتحكيم الدولي، وعضو محكمة التحكيم الدولية, وأحد المحامين المدافعين عن المعتقلين وذلك بعد يوم واحد من اعتقال النظام الإماراتي لمجموعة من القضاة.
5- د.أحمد الزعابي: أستاذ القانون والقاضي السابق والذي اعتقل من أبوظبي في 26 مارس 2012، وحوكم بالسجن عشر سنين، وهو قاض بالمحاكم الشرعية سابقا، ورئيس دائرة التفتيش القضائي سابقا، وعمل محاضرا متعاونا بكلية الشريعة بجامعة الشارقة، وكلية القانون بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا سابقا.
6- الدكتور سيف العجلة: وهو خبير تربوي يحمل الدكتوراة في السلوك القيادي لمديري المدارس من جامعة ويلز بكاردف في المملكة المتحدة، احتجز في 24 يوليو 2012، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات.
7- الدكتور سلطان بن كايد القاسمي: والشيخ الدكتور سلطان بن كايد من كبار أفراد الأسرة الحاكمة في رأس الخيمة؛ ابن شقيق حاكم الإمارة الشيخ صقر القاسمي، وابن عم الحاكم الحالي المتهم بالتحرش بعاملة بأحد الفنادق الأوروبية، احتجز في 20 ابريل 2012، وحوكم بالسجن 10 سنوات، وهو رئيس جامعة الاتحاد بالإمارات، ورئيس مجلس إدارة مدرسة الهجرة (بريطانيا).
8- الدكتور ابراهيم الياسي: وهو أمين عام في المجلس التنفيذي لإمارة عجمان سابقا، ومحاضر في كلية المجتمع بجامعة الشارقة لمدة عام، وصاحب مركز الحوار للبحوث والدراسات، وصاحب مركز رؤى للدراسات، احتجز في 16 يوليو2012، ويقضى عقوبة السجن10 سنوات.
9- الدكتور علي الحمادي: أحد السبعة المسحوبة جنسيتهم، وألقي القبض عليه في أبو ظبي في 9 أبريل 2012، وهو مدير ومؤسس مركز التفكير الإبداعي، ورئيس مجلس إدارة قناة حياتنا، ورئيس مركز التدريب والاستشارات القيادية (LTCC)، ويقضي عقوبة السجن 10 سنوات بسجن الشهامة في أبو ظبي.
10- الدكتور شاهين الحوسني: وهو أحد السبعة المسحوبة جنسيتهم، وهو من إمارة دبي، اعتقل منها في 9 أبريل 2012، وهو استشاري معلومات ومكتبات بكلية الدراسات الإسلامية بدبي سابقا، وكبير أخصائيين ( تدريب ومعلومات ) جامعة الامارات سابقا، ويعتقل بسجن الشهامة في أبو ظبي.
11- الدكتور أحمد صقر السويدي: وهو من إمارة عجمان، اعتقل في 30 يوليو 2012، وعمل مدير المعهد الإسلامي سابقا، رئيس لجنة المسابقات وعضو اللجنة المنظمة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، وهو خطيب سابق، وعمل مدرسا بالمعهد العلمي بعجمان ثم وكيل للمعهد ثم مديرا له.
12- الدكتور محمد عبدالرزاق الصديق: ويعمل محاضرا في كلية الشريعة بجامعة الشارقة، وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو مؤسس برابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون، احتجز في 20 مارس 2012، وحكم عليه بالسجن 10سنوات، بالإضافة لسحب الجنسية.
13- الدكتور ناصر بن غيث: أكاديمي إماراتي محاضر في جامعة السوربون فرع أبوظبي، خبير اقتصادي ويحمل شهادة الدكتوراة في التكتلات الاقتصادية من بريطانيا، وهو تخصص نادر ليس في الإمارات والخليج فقط بل في العالم العربي أجمع، تعرض للاختفاء القسري على يد عناصر أمن الدولة الإماراتي، على خلفية تغريدات له انتقد فيها بناء معبد هندوسي في الدولة، وحديثه عن مجزرة رابعة في مصر، وما يزال مكانه ومصيره مجهولين.