تصاعد التوتر بين الصومال والإمارات.. وأبوظبي تعوّل على انتخابات الرئاسة المقبلة

تصاعد التوتر بين الصومال والإمارات.. وأبوظبي تعوّل على انتخابات الرئاسة المقبلة

تشهد العلاقات الصومالية الإماراتية توترا متزايدا، وصل حد اتهام مقديشو لأبو ظبي بالسعي لإثارة الفوضى ومحاولة جعل البلاد مثل ليبيا واليمن.


وبدأ التوتر بين الجانبين مع اندلاع الأزمة الخليجية، في حزيران/ يونيو2017، نتيجة موقف الصومال المحايد منها، وهو ما شكل صدمة سياسية لـ"دول حصار" قطر، وبينها الإمارات، وحرص بعضها على ثني مقديشو عن موقفها، عبر ضغوط سياسية على شتى المحاور.

 


وفي 19 شباط/ فبراير الجاري، شهدت مقديشو مواجهات مسلحة بين القوات الحكومية وأخرى موالية لمرشحين في سباق الرئاسة.


ودخلت الإمارات على الخط، بوصفها الحكومة الصومالية بـ"المؤقتة"، متهمة إياها بـ"اللجوء للعنف واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين".


وظلت العلاقات بين البلدين متزنة، خاصة بعد مرور الصومال من المرحلة الانتقالية إلى المرحلة الرسمية المعترف بها دوليا عام 2014.


وتحديدا، منذ انتخاب الرئيس السابق، حسن شيخ محمود (2012-2017)، إذ اتسمت فترة رئاسته بسياسة "صفر مشاكل"، حيث كان يوازن بين التحديات الداخلية والخارجية، خاصة في التعاطي مع ملفات شائكة، منها الصراع مع كينيا على منطقة بحرية غنية بالنفط، والنشاط والنفوذ الدبلوماسي الإماراتي المتزايد في الصومال آنذاك.

 


وقال محمد ابتدون، باحث في مركز الصومال للدراسات، للأناضول؛ إن "دور الإمارات كان يقتصر على النشاط الإنساني خلال الفترة الانتقالية، حتى ظهر دورها السياسي، بعد تعيينها سفيرا فوق العادة لدى الصومال، بعدها بدأ الدور الإماراتي يتزايد سياسيا واقتصاديا في منطقة القرن الأفريقي (الصومال من بينها)".

 


"ومنذ ذلك الوقت، كانت الإمارات تدعم الصومال عبر تدريب عناصر الجيش وصرف رواتبهم، فيما تنسج علاقات مع الأقاليم (الفيدرالية) من دون علم السلطة المركزية ولا الرجوع إليها"، وفق أبتدون.

 


واستطرد: "لكن السياسة المرنة التي كانت تنتهجها الحكومة السابقة، كانت كفيلة لتبقى العلاقات شبه هادئة، مع توجس حكومي من تدخل إماراتي في ملفات صومالية داخلية".

 


وعزا أبتدون الهدوء الذي كان يسود العلاقات بين البلدين آنذاك إلى اختلاف الأجندات من رئيس صومالي إلى آخر في كيفية إدارة ملف العلاقات الخارجية، الذي لا يستند إلى أسس ومبادئ، بقدر ما هو مبني على رؤية القيادة في استعداء دولة والاقتراب من أخرى.

 


في 2017، اتخذ الصومال موقفا محايدا حين بدأت السعودية والإمارات والبحرين ومصر فرض حصار سياسي واقتصادي على قطر، بزعم دعمها للإرهاب، وهو ما نفته الأخيرة، حتى الإعلان عن مصالحة خليجية في كانون الثاني/يناير الماضي.

 


وبالرغم من أن أزمة الخليج كانت بداية تدهور العلاقات بين الصومال والإمارات، إلا أن محللين يرون أن هناك عاملا آخر ساهم كثيرا في توسيع هوة الخلافات بينهما.

 


وهذا العامل هو التزامن بين فترة رئاسة محمد عبد الله فرماجو للصومال، منذ 2017، الذي يرفع شعار "الصومال الكبير"، مع صعود النفوذ الإماراتي وتوسعه في مناطق ساحلية استراتيجية بالقرن الأفريقي، بدءا من "عصب" الإريترية وجيبوتي وإقليم "صوماليلاند" (أرض الصومال) المتمتع بشبه حكم ذاتي (شمال) والمطالب بالانفصال.

 


ووفق أنور أحمد، باحث ومحلل سياسي، فإن "موقف مقديشو المحايد تجاه أزمة الخليج كان مغايرا تماما لسياستها الخارجية المعهودة، التي غالبا ما كانت تتوافق مع سياسة العواصم الخليجية، وكان بمنزلة رمي الحجر في المياه الراكدة للعلاقات مع الإمارات، التي كانت تؤدي الدور القيادي في تلك الأزمة".

 


وتابع أحمد للأناضول أن "محاولة الإمارات الضغط على الصومال للعدول عن موقفه، من خلال تجييش الولايات الفيدرالية ودفعها لتبني مواقف مناوئة للحكومة المركزية، صبت الزيت على النار في خضم التوتر السياسي بين الجانبين، وهو ما أدى إلى تصعيد لغة التصريحات السياسية بين الجانبين".

 


وأردف أن "توسع الإمارات وهيمنتها على موانئ القرن الأفريقي، بعد فسخ جيبوتي عقدا مع شركة دبي العالمية، من خلال إبرام اتفاقيات من دون مراعاة الجهات المعنية بهذا الشأن، كانت من العوامل التي أثرت أيضا على العلاقات بين البلدين".

 


ومرارا، اتهم الصومال قوى أجنبية بالتدخل في شؤونه الداخلية، عبر نسج علاقات مشبوهة مع رؤساء الأقاليم الفيدرالية، التي تعترض غالبا على مواقف مقديشو فيما يخص السياسة الخارجية.

 


وحول أسباب توتر العلاقات، قال أويس عدو، أكاديمي ومحلل سياسي، للأناضول؛ إن جذور النزاع، حسب رؤية مقديشو، هو موقفها المحايد من الأزمة الخليجية واتفاقية ميناء بربرة الثلاثية بين إقليم صوماليلاند وإثيوبيا وشركة دبي العالمية، وهو ما أزم العلاقات لدرجة أن الصومال تقدم بشكوى للجامعة العربية والمحافل الدولية، باعتبار الاتفاقية انتهاكا لسيادته.

 


وأضاف "عدو" للأناضول أن الاتفاقية واجهت رفضا محليا، داخل النخب السياسية والمؤسسات التشريعية، حيث صوت البرلمان ببطلان تلك الاتفاقية، التي قوضت أيضا جهود استئناف المفاوضات بين صوماليلاند ومقديشو، برعاية تركية، وهو ما أعطى الأزمة زخما تصاعديا بلغ حد التراشق الإعلامي بين مسؤولين في البلدين العربيين.

 


ودائما، ينظر الصومال إلى التعامل الخارجي المباشر مع رؤساء الأقاليم الفيدرالية كجهة مستقلة، بعيدا عن الحكومة المركزية، كنوع من التدخل في شؤونه الداخلية واستقواء بالخارج.


وبشأن طبيعة العلاقات الراهنة بين مقديشو وأبوظبي، قال محمد شيخ، صحفي ومحلل سياسي، للأناضول؛ إنه منذ 2018 باتت العلاقات الدبلوماسية شبه مقطوعة، بعد توقف تام لجميع أشكال الدعم الإماراتي للصومال، على خلفية مصادرة مقديشو 9.6 ملايين دولار تعود للإمارات في مطار مقديشو، بذريعة التحقيق بشأنها.


وأضاف أنه بغض النظر عن التصريحات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، من دون مراعاة المصالح المشتركة، ستبقى العلاقات باردة وفي أدنى مستوياتها في المرحلة الراهنة، بحكم المسائل الخلافية العالقة.

 


هذا الجفاء السياسي مرشح للاستمرار، وفق محللين، ما لم يختر البلدان خوض مرحلة جديدة من المحادثات والتعاطي مع المسائل الخلافية لإذابة التوتر بينهما.


وقال محمد الهاجر، باحث في مركز القرن للاستشارات والبحوث، للأناضول؛ إن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عاشت مرحلة الشد والجذب، طيلة السنوات الأربع الماضية، بحكم ملفات داخلية وخارجية أضرت بعقود من التعاون السياسي والإنساني.


وأضاف الهاجر أن عودة الحرارة إلى الهاتف بين مقديشو وأبوظبي مرهونة بما ستتمخض عنه الانتخابات الرئاسية المقبلة، فالإمارات تراهن على تغيير قد يطرأ في القصر الرئاسي، علها تجد من يتفهم مصالحها السياسية والاستراتيجية في المنطقة.


وتابع: "الصومال وقيادته المقبلة سينتهج سياسة أكثر مرونة من سابقتها لضبط السياسة الخارجية، من خلال تصفير المشاكل مع الدول المجاورة والإقليمية، لتعزيز الجهود المحلية، وإيصال البلاد إلى انتخابات رئاسية.


وجراء خلافات بين مقديشو والأقاليم بشأن العملية الانتخابية، يعجز الصومال عن إجراء انتخابات، بالرغم من انتهاء ولاية الرئيس في 8 شباط/ فبراير الجاري، وولاية البرلمان بغرفتيه (الشيوخ والشعب)، في 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي.

الكاتب