تقرير: المرأة في عهد محمد بن زايد .. اختفاء قسري ومحاكمة قُصر وسحب جنسيات
الحديث عن مسيرة تمكين المرأة الإماراتية كان الشغل الشاغل للإعلام الإماراتي خلال الفترة الماضية، خاصة بعد استحداث وزارات جديدة وإعادة تشكيل الحكومة، وتواصل ترديد المقولات والعبارات الرنانة التي تمدح المرأة، مثل "المرأة الإماراتية الرقم الأهم في معادلة البناء ومسيرة التنمية.. المرأة الإماراتية أيقونة التميز.. وشريك فاعل في مسيرة البناء"، وغيرها من العبارات المستهلكة إعلاميًا، والمتجاهلة لواقع المرأة الحقوقي في الإمارات.
فالإعلام الإماراتي قادر على إبراز ما يود تسويقه، وبارع في التعتيم على ما يود دفنه وتجاهله وتهميشه، ففي الوقت الذي تتغنى فيه الإمارات بدور المرأة ومكانتها، تحاكم السلطات إماراتية عمرها 17 عامًا، وهي بحسب القوانين الإماراتية تعتبر "قاصراً"، وبحسب تعريف الأمم المتحدة للطفولة تعتبر "طفلة"، وذلك على خلفية نشرها تغريدات عبر حسابها بتويتر.
ورغم أن المحكمة لم تعلن اسم الفتاة، إلا أن ناشطين حقوقيين رجحوا أن تكون موزة العبدولي، ابنة الشهيد محمد العبدولي، "موزة" المختفية قسرًا مع شقيقتها وشقيقين آخرين منذ نوفمبر الماضي، حيث كانت موزة وأختها قد كتبتا تغريدات يستذركن أباهن الشهيد.
وبحسب صحيفة "الخليج تايمز" الإماراتية الصادرة باللغة الانجليزية، فإن القاصر تحاكم بتهمة إنشاء وإدارة حساب إلكتروني باسم "الجنان" على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر". وزعمت المحكمة والصحيفة أنها "نشرت من خلاله معلومات من شأنها الإضرار بسمعة الإمارات ومؤسساتها".
وردًا على سؤال القاضي، وبحسب "الخليج تايمز"، أكدت أنها قد "كتبت هذه المعلومات عن غير قصد وبدون قصد إهانة أي أحد، ولا أي مؤسسة حكومية أو كيان". محامي الدفاع، حمدان الزيودي طلب من المحكمة تأجيل الجلسة لدراسة ملفات التحقيق. وقد أجلت المحكمة الجلسة إلى (2 - 5) المقبل.
الإمارات تواصل انتهاكاتها الحقوقية
وتواصل الإمارات انتهاكاتها بحق عائلة "العبدولي"، بداية من اعتقال نجله الأصغر، مرورًا باعتقال بناته، وصولًا لاعتقال نجله الأكبر، حيث ألقت قوات أمن الدولة الإماراتية القبض على وليد، نجل الشهيد العقيد محمد العبدولي، نهاية العام الماضي، وبعد 10 أيام فقط من اعتقال شقيقتيه موزة وأمينة وشقيقه مصعب من منزلهم، وإخفائهم قسرًا حتى الآن.
فقد تم اعتقال ثلاثة من الأشقاء أبناء محمد العبدولي، أولاً في 19 نوفمبر 2015، بينهم امرأتان "موزة وأمينة" وأخيهم مصعب، ومن ثم تم اعتقال شقيقهم الأكبر وليد في 29 نوفمبر 2015، كما أجرت الشقيقتان موزة وأمينة مكالمة هاتفية استغاثية مع والدتهما، دون تحديد مكانهما.
وجاء اعتقال وليد العبدولي، نتيجة كلمة ألقاها عقب صلاة الجمعة، معترضًا على الاعتقال الظالم لأختيه أمينة وموزة، وأخيه مصعب، وفقًا لمصادر مقربة من أسرته.
وكشفت حساب المواطنون السبعة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، أن اعتقال نجل العبدولي الأكبر جاء في 29 نوفمبر الماضي.
وتعد محاكمة "موزة" نموذجًا من نماذج الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة الإماراتية في عهد محمد بن زايد، حيث يعد جديدًا ومعيبًا بالنسبة للمجتمع الإماراتي المحافظ، إلا أن هذا لم يوقف السلطات الإماراتية، عن مواصلة الانتهاكات، حيث تعاني المرأة أيضًا من سحب الجنسيات، فقد سحب جهاز أمن الدولة الجنسية عن (أسماء 29 سنة متزوجة - دعاء 25 سنة خريجة - عمر 23 سنة خريج) أبناء، عضو اتحاد علماء المسلمين الدكتور محمد الصديق، المعتقل في السجون القمعية، ضمن قائمة "الإمارات 94" المطالبين بالإصلاح، والصديق هو أحد سبعة آخرين، سحبت منهم الجنسية عقب التوقيع على عريضة تطالب بانتخاب مجلس وطني "برلمان" كامل الصلاحيات.
وتم سحب الجنسيات بدعوة هؤلاء إدارة الجنسية والإقامة بالشارقة، وحيث سحب (جواز السفر - خلاصة القيد - بطاقة الهوية - رخصة القيادة - البطاقة الصحية)، دون وجود أمر قضائي أو إيجاد مبررات لهذا الانتهاك الصارخ لكل القيم الإنسانية والإماراتية والقانونية والدستورية.
إدانات حقوقية شديدة اللهجة للإمارات
وأثارت قضة بنات العبدولي استياء المنظمات الحقوقية، حيث تساءل الائتلاف العالمي للحريات والحقوق، قائلًا: "هل التهم التي وجهت إلى ابنة العبدولي تستحق 138 يومًا من الإخفاء القسري؟".
وأشار إلى أن اسم موزة العبدولي ظهر للعيان أخيرًا بعد إخفاء قسري دام 138 يومًا، في مكان مجهول داخل السجون الإماراتية، واقترن ظهور اسمها بمثولها أمام المحكمة الاتحادية العليا، التي لا تقبل أي استئناف على أحكامها، فيما جاءت التهم الموجهة لموزة ذات الـ 18 ربيعًا كالمعتاد "تغريدات محرضة على الدولة وهيبتها".
واشار إلى أن المواقع الإماراتية المحلية تداولت نص التهم التي وجهت إلى موزة، ومنها "نشرها من خلال حسابها على تويتر معلومات غير صحيحة تسيء إلى سمعة الدولة ومؤسساتها، ومهاجمتها لحكومة الإمارات وقياداتها وسياستها ومؤسساتها، وفقاً لما ورد في عريضة الاتهام".
وكان الائتلاف العالمي للحريات والحقوق قد أصدر بيانًا شديد اللهجة لاستمرار إخفاء بنات العبدولي قسرياً، حيث أشار الائتلاف إلى أن اختطاف أبناء العبدولي "ينم عن نهج قمعي ووحشي تستخدمه سلطات الأمن الاماراتية بحق أسر وأهالي مطلوبين لديها"، مؤكداً على أنه "من غير المقبول أن تستخدم سلطات الأمن الإماراتية ذوي الأشخاص واعتقالهم وإخفائهم قسرياً، لجعل المطلوبين لديها يقومون بتسليم أنفسهم أو تقديم معلومات".
وبدورها، أبدت منظمة "هيومن رايتس فيرست" تخوفها من تعرض الفتاتين الإماراتيتين وشقيقهن للتعذيب، بعد اختطافهن من قبل جهاز أمن الدولة، وذلك على لسان مدير برنامج المدافعين عن حقوق الإنسان فيها "بريان دولي".
وقد دعت المنظمة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الضغط على ولي عهد أبوظبي للإفراج، عن الأختين بنات العبدولي، والإدانة علناً للتعذيب الذي يمارسه جهاز أمن الدولة، الذي يترأسه الشيخ محمد بن زايد.
وأكد الائتلاف العالمي للحريات والحقوق أنه: "لا توجد أي اتهامات لاختطاف الاختين"، مُشيراً إلى أن والدهم الراحل كان سجيناً سياسياً قبل عقد من الزمن، ويبدو أن أمن الدولة يُعاقب أفراد العائلة، لأن والدهم كان أحد المعارضين السياسيين، موضحاً أن "هذه الحوادث ليست نادرة في الإمارات".
فيما دعا المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان السلطات الإماراتية، إلى الإفراج الفوري عن الشقيقتين "بنات العبدولي" دون قيد أو شرط، بالإضافة إلى كافة معتقلي الرأي. معتبراً اختطافهن وشقيقهن غير مبرر، وسط مخاوف حقيقية على سلامتهم الجسدية والنفسية.
وأضاف المركز أنه "لا يجد مبرر لاعتقال ثلاثة أفراد من أسرة واحدة، بسبب والدهم، بينما هم أنفسهم لم يرتكبوا مخالفة أو جريمة، ولا علاقة لهم بنشاط والدهم المتوفي"، مشيراً إلى "مخاوف حقيقية على سلامتهم الجسدية والنفسية، إذ هناك العديد من الأدلة التي تؤكد استعمال التعذيب الممنهج في السجون السرية، فقد أكدت العديد من الشهادات ذلك".
تاريخ الانتهاكات بحق المرأة
وتعود بداية تلك الانتهاكات إلى اعتقال النظام الإماراتي لـ"عائشة راشد الزعابي"، في يناير 2014، بسبب أنها زوجة الناشط الحقوقي محمد يوسف الزعابي، وذلك أثناء تواجدها عند نقطة حدودية مع دولة عُمان، المقيم حاليًا في بريطانيا، وذلك دون إذن قضائي أو توضيح أسباب اعتقالها.
واتهم "الزعابي" السلطات حينها باعتقال زوجته، على خلفية نشاطه في حقوق الإنسان، وتوثيق قضايا معتقلي الرأي في الإمارات، خلال المدة الماضية.
وتواصلت تلك الانتهاكات، حيث قامت السلطات الإماراتية فبراير الماضي، باعتقال الشقيقات الإماراتيات الثلاث "أسماء ومريم والبازية"، شقيقات سجين الرأي د. عيسى السويدي، المعتقل منذ منتصف عام 2012 بتهمة الانتماء لتنظيم سري، وهو مدير منطقة أبوظبي التعليمية سابقًا.
وانضمت مؤخرًا بنات الشهيد العقيد محمد العبدولي لقائمة انتهاكات الإمارات، حيث اعتقلت السلطات الإماراتية وأخفت قسرًا، ابنتي العبدولي، والذي قتل في عام 2013، أثناء قتاله في سوريا بجانب المعارضة السورية، التي تصنفها الحكومة الإماراتية على أنها إرهابية.
وتتهم المعارضة الإماراتية السلطات باعتقال بنات العبدولي، انتقامًا من والدهم الراحل، والذي يعد من أبرز رموز جماعة الإصلاح المحظورة بالإمارات.
(شؤون خليجية)