صندوق الـ10 مليارات دولار.. لماذا تستثمر الإمارات في إسرائيل؟
مفارقة دالة تلك التي أثارها إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة، يوم الخميس الماضي، بتخصيص صندوق للاستثمار في إسرائيل بقيمة 10 مليارات دولار، في ضوء تراجع مستمر لتمويل أبوظبي لجميع مؤسسات دعم الشعب الفلسطيني بعد توقيع إسرائيل والإمارات اتفاقا لتطبيع العلاقات بينهما، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، في خطوة لاقت انتقادات حادة من الفلسطينيين.
دفع ذلك عديد المراقبين للتساؤل حول الأهداف الاستراتيجية من صندوق الاستثمار الجديد، ودلالة الإعلان عنه بعد ساعات من حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" عنه للصحفيين الإسرائيليين.
وبحسب ما أوردته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام)، فإن "الإمارات ستقوم من خلال هذا الصندوق بالاستثمار في إسرائيل ضمن قطاعات استراتيجية تشمل الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية وغيرها".
كما سيركز الصندوق على "مبادرات التنمية وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين". وسيتم تمويل الصندوق من مخصصات الحكومة ومن مؤسسات القطاع الخاص.
وبدا واضحا من تصريحات "نتنياهو" أن الخطوة الإماراتية سبقها تنسيق ثنائي على أعلى مستوى، إذ قال خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده في القدس مع نظيريه التشيكي "أندريه بابيش" والهنغاري "فيكتور أوربان"، أنه أجرى اتصالات مع ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، اتفقا فيه على مشاريع مختلفة للاستثمار في دولة الاحتلال وبوسائل متنوعة.
وسبق الخطوة الإماراتية موجة من الاتفاقيات الموقّعة بين الجانبين في مجال الإعفاء من التأشيرات والسياحة والمال وغيرها، إضافة إلى اتّفاقيّات لاحقة كجواز السّفر الأخضر بين الدولتين.
وفي مقابل سخاء الإمارات مع تل أبيب، هناك تراجع حقيقي في دعم الفلسطينيين، إذ تقاطع أبوظبي المؤسسات الفلسطينية فعليا منذ عام 2010، وهو ما نوه إليه تقرير نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، جاء فيه أن "إسرائيل والإمارات العربية المتحدة تعملان معاً للقضاء على وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)"
وأشار التّقرير، إلى أنّ السّبب وراء ذلك هو إصرار إسرائيل على أنّ وكالة الأونروا تعرقل السلام من خلال رعاية اللاجئين الذين يحلمون بالعودة إلى الأراضي التي طرد آباؤهم منها عام 1948.
لكن الأمر من زاوية الإمارات يبدو مختلفا، إذ تبدو أبوظبي عازمة على "تعميق" حالة التطبيع إلى أبعد مدى ممكن، والوصول بها إلى مستوى سياسي واقتصادي واجتماعي واسع النطاق. فما هو سبب هذا التوجه؟ الإجابة تنطوي على شقين، أحدهما سياسي – أمني، والآخر اقتصادي، وفق تصور لولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" لمستقبل الإمارات في ضوء التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة.
شرق أوسط جديد
على المستوى السياسي، يسهم تعميق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي في التبشير بـ"إعادة تنظيم كبرى لشرق أوسط جديد" تتحد فيه الدول العربية المحورية مع دولة الاحتلال في مواجهة إيران، حسبما يرى الخبير في الشرق الأوسط، "توماس فريدمان" في مقال نشره بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
ويرى "فريدمان" أن الإمارات لا تريد تكرار نماذج التطبيع السابقة بين إسرائيل من جانب ومصر ومسيحيي لبنان والأردن من جانب آخر، إذ بقت تلك النماذج محصورة في السلطات العليا لتلك البلدان "دون إدماج المجتمعات".
وأضاف أن الانفتاح بين الإمارات وإسرائيل، والإصرار على تعميق التطبيع بينهما "بدأ من الأعلى لبناء تحالف ضد إيران، ويتم دفعه الآن بشكل أكبر من الأسفل من قبل السياح والطلاب والشركات".
وتلعب الإمارات دور "العراب" في هذا المشروع، وتحاول ترويجه لدى الدول العربية، خاصة الخليجية منها، حسبما يرى "فريدمان"، مشيرا إلى أنه "إذا ازدهرت اتفاقيات التطبيع واتسعت لتشمل السعودية فإننا نتحدث عن واحدة من أهم عمليات إعادة الاصطفاف في تاريخ الشرق الأوسط الحديث".
وفي هذا الإطار، اختارت الإمارات الوصول بمستوى التطبيع إلى مستوى "الاندماج" حسب تعبير "جيدي جرينشتاين"، رئيس معهد "رويت" الاستراتيجي الصهيوني.
أما عن الدوافع الاقتصادية لتعميق التطبيع الإماراتي مع إسرائيل، فيمكن اعتبار هذه الخطوة جزءا من مخطط ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" لمستقبل الدولة في ظل توقعات باقتراب عصر النفط من فصله الأخير.
هذا ما عبر عنه رئيس الوزراء القطري الأسبق "حمد بن جاسم آل ثاني"، عبر تويتر، مؤكدا أن "صناديق الاستثمار وتكديس الاحتياطيات المالية، رغم ما له من مزايا جيدة، ربما لن يكون كافيا لبناء قوة اقتصادية حقيقية وفاعلة في دول مجلس التعاون (الخليجي)".
وحث المسؤول القطري السابق دول الخليج على التوجه نحو "الزراعة التكنولوجية المتطورة" و"صناعة الخدمات الداخلية" و"السياحة" و"الخدمات المالية" و"الصناعة البتروكيماوية الدقيقة المتخصصة "down stream"، و"التعليم" و"الصحة" و"تكنولوجيا المعلومات" وغيرها.
في هذا السياق، يمكن قراءة مجالات الاستثمار الإماراتية في إسرائيل، وبلوغ عدد السياح الإسرائيليين في فترة جائحة كورونا أكثر من 130 ألف زائر، وهو ما أشار إليه "فريدمان" في مقاله، معتبرا أنه أحد أهم أسباب إنقاذ صناعة السياحة في الإمارات من الانهيار خلال مواسم العطلات.
الأمر ذاته أشار إليه "جرينشتاين" في تحليله، مشيرا إلى أن الإمارات بصدد الانتقال من عقود من وفرة النفط إلى عصر ندرة النفط عبر "بناء نظامها البيئي للابتكار وريادة الأعمال في نفس المجالات مثل إسرائيل".
ويتطلب هكذا انتقال - من وجهة نظر حكام أبوظبي - تبني الإمارات استراتيجية للنمو قائمة الانفتاح على إسرائيل بشكل كامل، عبر تقديم نفسها كنموذج خليجي للحداثة والاقتصاد المتنوع والعولمة والتسامح بين الأديان، خاصة في ظل وجود 9 ملايين أجنبي على أراضيها.
ومن هذه الزاوية، يقرأ "جرينشتاين" إعلان الإمارات، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عن تعديل كبير لقوانين الأحوال الشخصية الإسلامي، بما يسمح لغير المتزوجين بالعيش معاً، وتنظيمها لفعاليات بدت أكثر قبولاً للمثليين؛ وسماحها بشرب الخمور فيها.
ما وراء صفقة الـ10 مليارات دولار مخطط متكامل لشرق أوسط جديد تحتل فيه الإمارات دورا إقليميا فاعلا، ويعد التطبيع مع إسرائيل ركيزة أساسية فيه. وسوف تكون الجائزة الكبرى في هذا المخطط هي انضمام السعودية إلى ركب المطبعين، وهو ما تدفع أبوظبي بكل ثقلها لضمان حدوثه في أقرب فرصة ممكنة.