سباق النفوذ.. كيف استغلت أبوظبي الوباء لتعزيز مكانتها أمام دبي
يبدو أن ظهور جائحة "كوفيد-19" قد أشعلت نوعا جديدا من المنافسة بين مركزي القوة الرئيسيين في دولة الإمارات، أبوظبي ودبي. وفي الوقت الحالي، يتمحور السباق حول من يصبح المركز اللوجستي الأول على مستوى العالم لتوزيع لقاحات "كوفيد-19".
وفي هذا السباق، تتصدر العاصمة أبوظبي السباق بشكل واضح، مع إطلاق مبادرة "ائتلاف الأمل"، وهي شراكة بين القطاعين العام والخاص سهلت بالفعل نقل 20 مليون جرعة منذ إطلاق المبادرة في الخريف الماضي.
وأشاد رئيس دائرة الصحة في أبوظبي بالمبادرة باعتبارها "استمرارا لتعاون جميع اللاعبين في شراكة بين القطاعين العام والخاص في دولة الإمارات تمتد عبر العالم". ومع ذلك، فإن إحدى الملاحظات اللافتة للنظر هي أن المبادرة لا تشمل أي كيان في دبي. وتؤكد هذه الحقيقة، إلى جانب التحركات الأخيرة الأخرى من الحكومة الإماراتية، أن تلك الأيام التي كانت فيها أبوظبي راضية عن العيش في ظلال النجاح التجاري لدبي قد ولت، وكانت الأخيرة هي الإمارة الأولى التي تضع دولة الإمارات على الخريطة.
ويتكون "ائتلاف الأمل" من 5 كيانات، دائرة الصحة في أبوظبي، وشركة أبوظبي للموانئ، و"رافد" الشركة الجديدة لمشتريات الرعاية الصحية التي أطلقتها شركة أبوظبي التنموية القابضة، و"الاتحاد" للشحن، وأخيرا "سكاي سيل" لنقل المنتجات الصيدلانية. ويعد هذا التطور مثيرا للاهتمام، بمعنى أنه قبل استقلال الإمارات عام 1971 بفترة طويلة، كانت دبي قد رسخت مكانتها بالفعل كمركز للدعم اللوجستي في المنطقة. ومر أكثر من 50 عاما على إنشاء أول ميناء حاويات في المنطقة، ميناء "راشد"، من قبل أمير دبي آنذاك الشيخ "راشد بن سعيد آل مكتوم".
ولا يزال ميناء "جبل علي"، الذي تم تشييده قبل 40 عاما، أكبر ميناء صنعه الإنسان وتاسع أكثر الموانئ ازدحاما في العالم. ومع ذلك، أعلنت "موانئ دبي العالمية"، التي تأسست عام 2005 وتدير 48 ميناء في جميع أنحاء العالم، عن شراكة مع اليونيسف لتوزيع اللقاحات على البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
المعركة تدور في السماء
وكما تتحدث صحيفة محلية عن موانئ أبوظبي التي تمتلك أكبر سعة في الشرق الأوسط لسلسلة التبريد والتخزين شديد البرودة، يفتخر مطار دبي الدولي بمساحة تخزين مبردة تبلغ 15 ألف متر مربع. وقد عمل مع شركة "فايزر" منذ أواخر العام الماضي لمواجهة التحدي اللوجستي المتمثل في شحن لقاحها، والذي يتطلب التخزين عند درجة حرارة -70 درجة مئوية لتحقيق الفعالية المثلى. وحتى الآن، سلمت شركة "طيران الإمارات"، الناقل الرئيسي في دبي، ملايين الجرعات من لقاحات "كوفيد-19" إلى أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا ومصر.
لقد كان عاما كارثيا بالطبع لصناعة الطيران على مستوى العالم. ومع ذلك، قبل بدء الوباء، سجلت شركة "الاتحاد"، الناقل الوطني لدولة الإمارات في أبوظبي وعضو مبادرة "ائتلاف الأمل"، بالفعل خسارة قدرها 4.8 مليارات دولار على مدى 3 أعوام.
أما بالنسبة لطيران الإمارات، فقد سجلت انخفاضا في الإيرادات بنحو 74% للأشهر الـ6 الأولى من العام المالي 2020-2021، بدءا من أبريل/نيسان. وفي ذروة الوباء، كثرت الشائعات عن اندماج محتمل بين الاتحاد للطيران وطيران الإمارات، بالرغم من دحض هذه الشائعات من قبل الرئيس التنفيذي لكل من الشركتين.
عقد دبي الطويل من الركود
ويُنظر إلى الصراع على النفوذ بين أبوظبي ودبي على أنه مسألة من الماضي. ونتيجة للانهيار المالي عام 2008، أصدر البنك المركزي لدولة الإمارات، الذي تمثل فيه أبوظبي أحد المساهمين الرئيسيين، عمليتي إنقاذ لدبي في الوقت المناسب بقيمة 20 مليار دولار. وتبلغ نسبة الدين الحالي المستحق على دبي 77% من الناتج المحلي الإجمالي.
وبالرغم من صدمة 2008، عادت دبي إلى الحياة في غضون عام مع سلسلة من العناوين الإيجابية التي تلفت الانتباه مثل الكشف عن أطول نظام مترو بدون سائق في الربع الأخير من عام 2009، والانتهاء من أطول مبنى في العالم "برج خليفة" عام 2010، والفوز بعرض استضافة "معرض إكسبو 2020" عام 2013.
لكن بعد أكثر من 10 أعوام، يبدو انهيار عام 2008 كما لو كان مجرد مقدمة لأزمة أسوأ بكثير سلطت الضوء على الحجم الحقيقي للخسارة التي تكبدتها دبي منذ عام 2008 نتيجة استقلاليتها المالية والسياسية. ومع انهيار أسعار النفط في عام 2014 وتزايد التوترات الجيوسياسية تجاه اليمن وقطر وإيران، أصبح سوق الأسهم في دبي الأسوأ أداء في الشرق الأوسط.
هل هذا هو الوضع الطبيعي الجديد؟
نظرا لأن أبوظبي ودبي اتبعتا دائما مسارات نمو متنوعة، لم تكن هناك منافسة مباشرة في أي قطاع أو تقويض مالي لأي من الإمارتين من قبل الأخرى. ومع ذلك، فإن هذا الوضع الراهن يواجه تحديات متزايدة منذ بداية أزمة "كوفيد-19".
ويأتي الإعلان عن لقاح "كوفيد-19" المنتج محليا "حياة فاكس"، في إطار محاولة الإمارات الانخراط في "دبلوماسية اللقاح". ويتم إنتاج اللقاح المحلي بالشراكة مع شركة "سينوفارم" الصينية، وهنا تحاول أبوظبي مرة أخرى الاستفادة من كياناتها المحلية. وفي المقدمة هذه المرة شركة "جي42"، للذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في أبوظبي. وستشهد مدينة خليفة الصناعية، المنطقة الصناعية لموانئ أبوظبي، مصنع لقاحات جديد تم بناؤه لهذا الغرض.
ويعد الكيان الوحيد الذي لا يوجد مقره في أبوظبي كجزء من هذا المشروع الإماراتي الصيني المشترك هو شركة الأدوية "جلفار"، المملوكة لإمارة رأس الخيمة، إحدى الإمارات الشمالية.
وفي مايو/أيار 2020، دعا نائب رئيس دولة الإمارات وأمير دبي، الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، الأمة إلى تحقيق أسرع انتعاش من الوباء. واقترح على المسؤولين تشكيل "فريق إماراتي" للقيام بالمهمة، وذهب إلى حد كتابة قصيدة لولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات، "محمد بن زايد"، تقديرا لقيادته خلال هذه الأزمة.
وبينما تواصل أبوظبي جني ثمار استراتيجية استثمار ثروتها الهيدروكربونية في الصناعات الثقيلة ومصادر الطاقة المتجددة، يُترك المواطن العادي في دبي للتأقلم مع الوضع المتدهور المستمر للمدينة خلال العقد الماضي، وهو المصير الذي حلّ بجميع العواصم المالية السابقة في الشرق الأوسط، مثل بيروت والمنامة، بسبب التطورات الجيوسياسية المتغيرة باستمرار في المنطقة.