رباعية بافوس.. تحالف اماراتي اسرائيلي لإستهداف تركيا وايران وفلسطين
جاءت إستضافة قبرص الجمعة لوزراء خارجية كل من إسرائيل والإمارات واليونان والذي أجريت خلاله محادثات وصفت بأنها تعكس "الوجه المتغيّر" للشرق الأوسط، لتكشف عن تحالف جديد في المنطقة يستهدف في جوهره عدة دول في المنطقة من بينها تركيا وإيران، والفلسطينيين، وذلك بعد فشل الرهانات على دعم الأنظمة العسكرية والمحاولات الانقلابية، كان آخرها هزيمة مشروع حفتر في ليبيا.
وعزز من هذا المؤشر توصيف وزير الخارجية الإسرائيلي "جابي أشكنازي" لاجتماع بافوس بأنه كان بمثابة "اجتماع استراتيجي"، ما يعني تجاوز التنسيق الإماراتي مع إسرائيل واليونان وقبرص لحدود المصالح المتعلقة بثروة الغاز في البحر المتوسط إلى مستوى التنسيق المشمول بالأبعاد الأمنية والعسكرية.
هذا ما أوردته وسائل إعلام عبرية لاحقا، حيث أكدت أن اجتماع وزراء الخارجية الأربعة ناقش القضايا الإقليمية والتعاون المشترك، مع التركيز على القضايا الاقتصادية والسياحية و"الأمنية"، والحرب المشتركة ضد فيروس "كورونا".
تصريحات "أشكنازي" أيضا أكدت بلوغ العلاقات بين رباعي: الإمارات وإسرائيل واليونان وقبرص، مستوى التعاون الاستراتيجي، وهو ما عبر عنه بالتأكيد على أن مواجهة "سياسة إيران العدوانية" كانت على رأس ملفات قمة بافوس، مشددا على أن إسرائيل "ستفعل كل ما في وسعها لمنع النظام (الإيراني) المتطرف من امتلاك أسلحة نووية وتسليح مبعوثيها".
وحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية؛ فإن تعاون إسرائيل واليونان وقبرص يشمل أيضا التنسيق ضد تركيا، التي تحاول تعزيز وجودها في شرق البحر المتوسط.
وفي هذا الإطار، تعمل الإمارات وإسرائيل واليونان وقبرص على توطيد العلاقات العسكرية فيما بينها عبر مناورات بحرية الشهر الماضي.
آلية هذا التنسيق بدأت منذ سنوات مضت، لكنها لم تصل إلى مستوى استراتيجي سوى في الشهور القليلة الماضية، تزامنا مع تقارب إسرائيلي حثيث مع أنظمة الثورة المضادة في العالم العربي، وعلى رأسها النظام الإماراتي.
روجت إسرائيل لضم دول عربية معتدلة إلى معاهدات "سلام" إقليمية تقوم على تطبيع شامل للعلاقات، وهو ما وقعت عليه الإمارات والبحرين بالفعل في 15 سبتمبر/أيلول الماضي، وتبع ذلك عملية دمج تدريجي للإمارات في تنسيق استراتيجي قائم بالفعل بين إسرائيل واليونان وقبرص.
وفي هذا السياق؛ يشارك سلاح الجو في كل من الإمارات وإسرائيل وقبرص واليونان حاليا بمناورات "إينيوهوس" (Iniochos) الدولية السنوية، التي تجرى في قاعدة "إندرافيدا" اليونانية.
ويُعد سلاح الجو الإسرائيلي ضيفاً دائماً في هذه المناورات، كما أن مشاركة الإمارات في "إينيوهوس" ليس جديدا، إذ سبق أن شاركت بها في 2018 و2019، وكذلك في مناورات (العلم الأحمر) للقوات الجوية الأمريكية في أغسطس/آب من سنة 2016، لكن هذه المشاركة كانت محدودة ولم تسمح الإمارات بالنشر عن مشاركتها فيها رسميا.
الوجود العلني والكامل لسلاح الجو الإماراتي هو جديد مناورات هذا العام، والتي تركز على "السعي لتحقيق تفوق جوي مشترك، والتدريب على استهداف مواقع أرضية تُشبه مطارات العدو، والتدريب على مهمات البحث والإنقاذ ومساعدة للقوات البرية والبحرية، وتصوير وجمع المعلومات الاستخباراتية".
ولذا أشار تحليل أوردته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية إلى أن "لدى إسرائيل وقبرص واليونان بالفعل شراكة إقليمية"، وأن جديد قمة بافوس تمثل في "توسيع" هذه الشراكة للمرة الأولى لتشمل الإمارات.
"أنور قرقاش" المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات وممثلها بقمة بافوس، عبر عن هذا الانتقال النوعي بالقول إن الروابط مع الدولة العبرية ترقى إلى مصاف "نظرة استراتيجية بديلة"، ترمي إلى تعزيز الأمن الإقليمي.
ويعكس تصريح "قرقاش" نمو العلاقات الدفاعية بين الإمارات من جانب واليونان وإسرائيل وقبرص من جانب آخر، خاصة بعد نشرها طائرات من طراز "إف-16" بجزيرة كريت اليونانية في أغسطس/آب الماضي، وسط توترات متزايدة بين اليونان وتركيا بسبب نزاعاتهما المتعلقة بالحدود البحرية في شرق البحر المتوسط.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقّعت الإمارات واليونان شراكة استراتيجية تدعو، من بين أمور أخرى، كل دولة إلى مساعدة الطرف الآخر في حالة تهديد وحدة أراضيه.
ويشير المحلل المختص بالشؤون العسكرية "بول إيدون"، في هذا الصدد، إلى أن اليونان أشادت بالاتفاق مع الإمارات إلى حد وصفه بأنه "الأهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية"، ما قدم مؤشرا على مستوى الأهمية الاستراتيجية للاتفاق.
ولذا اعتبر "أشكنازي" أن اجتماع بافوس بمثابة "خطوة أولى حقيقية في توسيع الأثر الإيجابي للاتفاقيات الإبراهيمية"، واصفا إياه بأنه يشكل مؤشرا إلى "الوجه المتغيّر للشرق الأوسط".
والاتفاقات الإبراهيمية، هي اتفاقات تطبيع وقعتها إسرائيل برعاية واشنطن مع دول عربية لم تكن مرتبطة معها بعلاقات دبلوماسية، كالإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
علق الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" آمالا كبيرة على تحالف إقليمي مع دول شمال المتوسط، وخصوصا، اليونان وقبرص، في إطار تمثيل اتفاقات إبراهيم لعملية توسيع نطاق الدول المطبعة مع إسرائيل، لكن واقع الأحداث لم يمض في هذا الاتجاه.
فحكومات قبرص واليونان وإسرائيل انفردت، في مارس/آذار الماضي، بتوقيع اتفاق لمد أطول وأعمق كابل كهرباء تحت الماء يقطع قاع البحر المتوسط بتكلفة نحو 900 مليون دولار، ويربط الشبكات الكهربائية للأطراف الثلاثة، ما قدم مؤشرا على "استبعاد مصر" من مخطط إقليمي تبدو الإمارات داعمة له، وفقا لما أوردته إذاعة "مونت كارلو".
وجاء الاتفاق بعد نحو عام من توقيع مشروع "إيست ميد" بين قبرص واليونان وإسرائيل في 3 يناير/كانون الثاني 2020، لمد أوروبا بالغاز بدون مصر أيضا، في يوم اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" يوما تاريخيا لإسرائيل التي باتت بلدا متينا جدا على مستوى الطاقة.
ولذا أشارت الإذاعة الفرنسية إلى أن استبعاد مصر من مشاريع غاز وكهرباء مع قبرص واليونان، فضلا عن اهتمام اجتماع بافوس بشأن ترسيم الحدود البحرية الليبية مع تركيا، هو السبب وراء تسريع الاتصالات الجارية حاليا بين أنقرة والقاهرة.
وفي هذا السياق، يشير الخبير في الشأن الإسرائيلي "صالح النعامي" إلى أن ليبيا كانت العنوان الأساسي في ملفات الجانب الأمني والعسكري في اجتماع بافوس، مشيرا إلى وجود "خيبة أمل في إسرائيل وقبرص واليونان من توجهات الحكومة الجديدة في ليبيا وعدم استعدادها لإلغاء اتفاق ترسيم الحدود المائية مع تركيا".
وحسبما أورد "النعامي"، عبر "تويتر"، فإن الاتفاق منح تركيا مناطق مائية تدعي قبرص واليونان ملكيتها إياها، ومناطق يفترض أن يمر فيها أنبوب الغاز الذي سينقل غاز تسطير عليه إسرائيل إلى أوروبا، وهو الأنبوب الذي تستفيد منه أيضا قبرص واليونان، ما يعني أن تصدير هذا الغاز سيخضع لإرادة أنقرة.
ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي أن التقارب المصري التركي الجاري حاليا قد يحرم إسرائيل والإمارات من مشاركة القاهرة في التأثير على الواقع الليبي.
فيما يشير المحلل السياسي "سيث فرانتسمان"، الحاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من الجامعة العبرية بإسرائيل، إلى إرهاصات خارطة تحالفات جديدة في المنطقة، تقوم على التغيرات الكبيرة التي شهدتها الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية، وفقا لما أوردته وكالة "بلومبرج" الأمريكية.
وإذا ما استمرت هكذا مؤشرات، فإن تقاربا أكبر بين القاهرة وأنقرة مرشح للتحقق، مقابل مزيد من الانخراط الإماراتي في تحالفات إسرائيل الإقليمية.. فهل يستمر اتجاه تلك المؤشرات على حاله؟ الإجابة رهن مستقبل العلاقات المصرية التركية من جانب، ومستقبل التعاون الاستراتيجي بين الإمارات وإسرائيل واليونان وقبرص من جانب آخر.