تسع سنوات على اعتقال الشيخ سلطان القاسمي
تمر اليوم الذكرى التاسعة لاعتقال السلطات الإماراتية الشيخ سلطان بن كايد القاسمي رئيس دعوة الإصلاح وأحد أبرز رجال البلاد.
ولا يزال القاسمي معتقلا مع عشرات الأكاديميين ورجال الدولة والمجتمع، على خلفية مطالبتهم بالإصلاح الديمقراطي وإطلاق الحريات العامة، بعد توقيعه على عريضة 3 مارس.
والشيخ القاسمي أكاديمي وشيخ قبلي بارز، سليل أسرة القواسم العريقة، وابن عم حاكم إمارة رأس الخيمة، لم يأبه باعتقال وهو يذكر نظرائه من أبناء الشيوخ والحكام وقيادات الدولة أن البلاد تنجرف أسرع مما يتوقعون نحو الهاوية، ويبدو أنّ ذلك ما يحدث بالفعل منذ اعتقاله في 20ابريل/نيسان2012.
تبنى القاسمي “كرامة المواطن”، مدافعاً عن “حقوق المواطنة”، نضال الشيوخ والحكام ومسؤوليتهم منذ تأسيس الدولة، ومنذ تبني الآباء المؤسسون منهج الدولة الاتحادية كشكل للدولة ونظام حكم.
إنها عودة إلى أسس الدستور ومبادئ الدولة الأساسية أنّ يقف الشيوخ في صف الشعب محافظين على تطلعاته، المواطنة تعني الوطن “وإن اللحظة التي نفرط فيها بواحد من البشر من إخواننا مواطني هذه الأرض الطيبة، لا تختلف عن اللحظة التي نفرط فيها بقطعة من أرض الوطن.
فمن يحمي أرض الوطن إلا الرجال الذين عشقوه وأيقنوا أن (من مات دون أرضه فهو شهيد)”، كمال قال الشيخ القاسمي في مقاله الذي كتبه قبل اعتقاله بعنوان “من أجل كرامة المواطن”.
والشيخ القاسمي هو رئيس جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي برأس الخيمة، وهو من المؤسسين الأوائل لها وأصحاب الدور الواضح في مسيرتها الاجتماعية والخيرية والثقافية والشأن العام.
وهذه الجمعية هي نفسها التي تتعرض لحملة أمنية شرسة بدأت بعد اعتقال القاسمي بأيام، وليست الأولى بل منذ تسعينات القرن الماضي وهي تتعرض لحملات متعددة يُستهدف أعضاءها من الوظائف الحكومية وحتى في الحياة العامة.
ونشأت الجمعية في السبعينات بدعم من حُكام الإمارات، وكان الشيخ القاسمي من بين المتقدمين لطلب ترخيص هذه الجمعية للشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم عام 1974، والتي لم يمنحها الترخيص فقط، وإنما قدم لها كل دعم وتشجيع متبرعا بالمقر الرئيس لها في دبي إلى جانب تكفله بتشييد فرعين آخرين على نفقته الخاصة.
الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، كان دائماً ما يقف مع الشيوخ والحُكام مقدماً ولاء لا تشوبه شبه، وحتى وهو في قاعة المحكمة يدافع عن عشرات المعتقلين المطالبين بالإصلاح كان يردد أنّ الاتهامات باطلة بحقهم وحقه، وأن “الحُكام خط أحمر” بالنسبة لدعوة الإصلاح ولقادتها وأعضائها.
ولم تكن لتمر مناسبة وطنية أو دينية دون أنّ يقدم الشيخ القاسمي تهانيه ومباركته للحكام والشيوخ مجدداً الولاء وكذلك فعل رفقاءه في النضال والتضحية.
ولم يتغير ذلك حتى مع دخول العام السابع على اعتقاله، ومحاكمته. وما تغير كان جهاز أمن الدولة واستشارات الأجانب بخلق عدو وهمي بعد الأحداث التي عصفت بالوطن العربي ضد الحكام المستبدين في عام 2011.
وكانت المطالبة بالإصلاحات السياسية وتقديم عريضة موقعة من مثقفين وأكاديميين وشيوخ ومستشارين وناشطين ورجال أعمال ومدونيين وصحافيين، تطالب بمجلس وطني كامل الصلاحيات ينتخبه كل المواطنين هي ما تسببت بالحملة الأخيرة على دعوة الإصلاح، بالرغم من أنّ هذه المطالب جاءت بناءً على برنامج “التمكين السياسي” الذي كان رئيس الدولة قد أطلقه قبل ذلك بِخمس سنوات.
وفي 2 يوليو/تموز2013، أقرت محكمة أمن الدولة بمنطوق حكم واحد لا يقبل الاستئناف، بسجن الشيخ القاسمي 10 سنوات إلى جانب العشرات من الأكاديميين والمثقفين، في القضية التي عُرفت دولياً بـ”الإمارات 94″.
كان الشيخ سلطان بن كايد القاسمي قد رفض عروضاً عديدة بضرورة بالتخلي عن المعتقلين السياسيين والخروج من السجن.
كان الهدف من اعتقال الشيخ القاسمي أن يضعوا من قدره ويخيفوا أعضاء دعوة الإصلاح، فسقطوا في حفرتهم فما زاده الاعتقال إلا رِفعة وشرفاً للإماراتيين وإظهاراً لصِدق حجته، فدعوات الإصلاح التي كانت قبل اعتقاله ورفاقه تنحصر المطالبة بين المثقفين والنخبة أصبحت اليوم مطلّب كل إماراتي.
وفيما يلي نص المقال الذي كتبه القاسمي قبل اعتقاله:
نص المقال الذي كُتب في ابريل/نيسان2012
من أجل كرامة المواطن..
إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله
عليه توكلت وإليه أنيب
تشهد دولة الامارات هذه الايام حراكاً فكرياً حقوقياً اعلامياً غير مسبوق، وذلك منذ صدور مرسوم إسقاط جنسية ستة من مواطني الإمارات، والسابع الذي قبلهم. وهؤلاء السبعة من المعروفين بخدمتهم لوطنهم والمنادين بالإصلاح الاجتماعي. ولعل أبرز الساحات التي يتضح فيها هذا الحراك هي ساحة الانترنت، التي تحولت إلى ميدان التحرير الافتراضي لشباب الامارات للدفاع عن حقوقهم المدنية.
وقد انقسم الحراك على جبهتين متضادتين، جبهة ترى عدم جواز إسقاط الجنسية عن هؤلاء السبعة، ويقود هذه الجبهة مجموعة من رجالات المجتمع من أطياف فكرية متنوعة ومن ضمنهم دعاة الاصلاح السبعة. وجبهة أخرى ترى وجوب الانصياع التام للمرسوم وأن هؤلاء السبعة يستحقون هذه العقوبة وإن كانت قاسية، ويقود هذه الجبهة مجموعة على رأسها جهاز أمن الدولة وخاصة المسؤولين عن محاربة التيارات الفكرية المجتمعية.
إن وقفة متأنية أمام هذا الحدث تبين فداحة خطره على واقع ومستقبل دولتنا الغالية، فالوطن بالمعنى المجرد يتكون أساساً من أرض وبشر، وإن اللحظة التي نفرط فيها بواحد من البشر من إخواننا مواطني هذه الأرض الطيبة، لا تختلف عن اللحظة التي نفرط فيها بقطعة من أرض الوطن. فمن يحمي أرض الوطن إلا الرجال الذين عشقوه وأيقنوا أن “من مات دون أرضه فهو شهيد”.
إن الموت أهون على الإنسان من أن تسقط جنسيته، ثم يتبع ذلك بحملة إعلامية شعواء لتشويه صورته، وأي جانب من الصورة؟ إنها ولاءه لوطنه، وطنه الذي يفديه بالغالي واعلى أمن الوطن وكرامة المواطن. وإن الظلم الذي أصاب هؤلاء السبعة يمكن أن يتوسع وتتعدد أشكاله ولا يسلم منه أحد، كبيراً كان أو صغيراً.
وحينها، لا قدر الله، سيقول القائل: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”. فليس للظلم حدود، وكلما اغتصب قطعة زادت شراهته لاغتصاب قطعة أخرى. وإذا استمر تقديس القرارات الخفية لهذا الجهاز فسيأتي غداً على جميع مكتسبات الوطن في حرية الإنسان وكرامته.
لعل قضية المواطنين السبعة الذين أسقطت جنسياتهم هي التي طفت على السطح هذه الأيام وأصبحت قضية رأي عام، ولكن الحقيقة أنها حلقة واحدة ضمن سلسلة من إجراءات التضييق والظلم الذي يمارس على جميع المؤسسات الأهلية والرسمية، ومن ضمنها دعوة الاصلاح المعروفة لدى الجميع بمنهجها الوسطي في التعامل مع شؤون الدين والدنيا، وذلك بدءاً بإغلاق جمعية الاصلاح والتوجيه الاجتماعي عام 1994 ومروراً بإبعاد أعضائها عن وظائفهم الحكومية ومنع أبنائهم من البعثات وإغلاق شركاتهم ووقف تسجيل بيوتهم الخاصة إلى غير ذلك من الأساليب التي يضيق المقام هنا على ذكرها.
وكان موقف دعوة الاصلاح في الامارات تجاه هذه الممارسات هو تجرع الألم والصبر عليه والتواصل مع المسؤولين، أملاً في إعادة المياه إلى مجاريها وبناء صيغة للتفاهم مع المسؤولين وإبعاد أثر دسائس الحاقدين وكيد الشياطين. ولكن يؤسفنا أن جميع محاولات التواصل قد أوصدت أمامها الأبواب، واستمر مسلسل التضييق حتى وصل اليوم إلى سلاح إسقاط جنسية المواطنين وقذفهم بعدم الولاء لوطنهم.
إن إسقاط جنسية المواطن بهذه الصورة لا يؤذي المواطنين السبعة فحسب، بل يهدد بنية الدولة وتماسك المجتمع بأكمله، ويهين كرامة المواطن أمام الجاليات الوافدة التي تجد خلفها دولاً تحافظ على حقوقها وكرامتها.
فجنسية المواطن وولاءه لوطنه لا بد أن يبقى خطاً أحمر أمام تدخل أي مسؤول في الدولة ولا تستخدم في تصفية الحسابات بين الأطراف المختلفة، فإن الخلاف بين البشر أمر طبيعي وسيستمر إلى يوم الدين، ولذلك أكد الدستور على أن “المساواة والعدالة الاجتماعية وتوفير الأمن والطمأنينة، وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دعامات المجتمع”.
لقد تغير الزمان، وشعوبنا لم تعد بسيطة بدائية، وأصبح وعيها بحقوقها ليس كما كان في زمن الآباء والأجداد، وانكسر حاجز الخوف وانتهى، فلا نكسر حاجز الحب والاحترام بأيدينا، والامارات ليست كوكباً مستقلاً عن المحيط العربي الذي حولها، ولذلك لزم التناصح والتفاهم الناضج الجريء بين الراعي والرعية، “وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، هذا إذا أردنا بحق لوطننا الخير في الحاضر والمستقبل.
إنني بكلمتي هذه أخاطب:
أصحاب السمو حكام الامارات أعضاء المجلس الأعلى وأولياء العهود حفظهم الله ورعاهم جميعاً،
وعلى رأسهم صاحب السمو الوالد الشيخ خليفة بن زايد رئيس الدولة، صاحب القلب الأبوي الحليم والعقل الحكيم، صمام الأمان في هذه الدولة المباركة، حفظه الله وسدد خطاه إلى كل خير،
وإلى جميع العقلاء المخلصين الذين يصلون إلى مجالس أصحاب السمو ويثقون في حكمتهم،
أن يكون في هذا الحدث الجلل، حداً فاصلاً بين مهانة المواطن وبين كرامته، إننا بحاجة الى وقفة جادة عاجلة تعيد الحق الى نصابه، ومبادرة حكيمة توازن بين هيبة الدولة من جهة وكرامة المواطن من جهة أخرى. مبادرة تعيد جنسية المواطنين السبعة الذين اسقطت جنسياتهم، وترد اعتبارهم،
كما أنها لابد أن تتضمن علاجاً ناجعاً جريئاً لسبب المشكلة لكي لا تتكرر مرة أخرى في هذه الصورة أو صور أخرى، وذلك “بتحرير الحياة المدنية من الهيمنة الأمنية” والحد من الصلاحيات المطلقة لجهاز الأمن. كما لابد من وضع الأنظمة المحكمة التي تضبط هذا الجهاز المهم والرقابة عليه، واخضاعه للمساءلة القضائية النزيهة المستقلة، وذلك صيانة لكرامة الانسان في الدولة وحفظه من الظلم والمهانة.
وبمناسبة تلك الذكرى الأليمة فإن العديد من النشطاء الإماراتيون غردوا على وسم #القاسمي_الشيخ_السجين مطالبين بضرورة الإفراج عنه ومذكرين بإرثه الطيب الذي تركه خلفه ..