صحف غربية: المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تحرج دول التطبيع العربي
تسبّب العدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين في إحراج كبير للحكومات العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل مؤخراً وفي مقدمتها الإمارات.
وتصدرت آخر التطورات المتصلة بالمواجهات الجارية في فلسطين والاحتلال الإسرائيلي معظم الصحف الغربية، التي تناولتها بالخبر والرأي والتحليل.
فقد رأت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، أن المواجهات الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين تحرج الدول العربية الشريكة الجديدة لإسرائيل.
وقالت: "عواصم الدول الشريكة الجديدة لإسرائيل، ينبغي على المرء أن يدرك آثار التوتر الأخير، في ضوء المزاج العام المؤيد للفلسطينيين في تلك الدول أيضا، والضغوط التي تتعرض لها حكوماتها بسبب ذلك".
وهذا ما يبرر برأي الصحيفة مسارعة هذه الدول إلى التحرك، حيث أدان وزير الخارجية الإماراتي اقتحام الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وطالب إسرائيل بوقف التصعيد. في حين وصف وزير الخارجية السوداني تصرف إسرائيل بالقمعي، كما أعرب المغرب عن قلقه "العميق" من التصعيد والعنف.
من جهتها، نشرت صحيفة "لوموند" مقالا وصفت فيه واقع حلفاء إسرائيل العرب الجدد بأنه على حبل مشدود بسبب عودة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، رأى فيه كاتبه بانجمان بارث أن الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان، التي اعترفت بإسرائيل ووقعت اتفاقيات معها العام الماضي أمام موقف لا تحسد عليه في ظل التطورات الأخيرة التي طالت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعليها اتباع استراتيجية توازن دقيقة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني.
ويضيف الكاتب: "هذه الدول لا تريد خسارة المكاسب الاستراتيجية التي حققتها بتطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية، وفي الوقت نفسه هي في مواجهة يومية لمشاعر الغضب التي تجتاح شعوبها تجاه القصف الإسرائيلي للفلسطينيين".
مخاوف الحرب الأهلية
صحف غربية أخرى حذّرت من أن يأخذ الصراع منحى جديدا لجهة إمكانية اندلاع حرب أهلية بين اليهود والعرب.
فقد أشارت صحيفة "ليبيراسيون"، إلى وجود مخاوف في إسرائيل من اندلاع حرب أهلية، وأكدت أن ما يحدث داخل إسرائيل بين اليهود والعرب، سابقة من نوعها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في القرن الحالي.
ولفتت إلى أن ما يحدث فوضى منظمة، حيث يتمركز رجال الشرطة الإسرائيلية في أماكن معينة دون أخرى، وأن انعدام خطة للسيطرة على هذا العنف من قبل الدولة يخدم مصالح السلطة الحالية في تل أبيب.
أما صحيفة "لاكروا"، فقد حذّرت من أن التعايش بين العرب واليهود أصبح مهددا، وأشارت إلى أن الاشتباكات داخل إسرائيل أدت إلى العديد من التساؤلات بين الإسرائيليين وعرب إسرائيل، الذين لم يخفوا صدمتهم مما يحدث من أعمال عنف.
وهو نفسه ما ذهبت إليه صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية التي حذّرت بدورها من أن المدنيين في إسرائيل وقطاع غزة، هم من يتعرضون للهجمات الصاروخية والغارات الجوية القاتلة.. وأكدت أنه وسط أسوأ أعمال عنف بين إسرائيل والنشطاء الفلسطينيين منذ سنوات، اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي لمناقشة توسيع عملية غزة. وقال نتنياهو؛ إن إسرائيل رفضت طلبات حماس للتفاوض على وقف إطلاق النار، وقدرت أن عملية غزة ستستمر أسبوعا آخر على الأقل.. الرئيس بايدن قال إنه تحدث مع نتنياهو وأكد "دعمه الثابت" لـ "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وتضيف الصحيفة: أدت التوترات إلى اندلاع أخطر فورة خلال عقدين من الاحتجاجات للمواطنين العرب في إسرائيل.
وفي بريطانيا، بالإضافة للتقارير الإخبارية التي تغطي تفاصيل التطورات الجارية في المواجهات العربية ـ الإسرائيلية، فقد تم نشر جملة من المقالات التحليلية للمآلات المتوقعة للصراع الجاري.
وبينما انشغلت صحيفة "التايمز"، بمتابعة تطور المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من بوابة العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، فقد ركزت صحيفة "الغارديان" على متابعة هذه الأحداث من الزاوية الدينية اليهودية، فيما ركزت "الأندبندنت على الجانب السياسي الدولي الذي لا يتذكر الوضع في الشرق الأوسط إلا بعد اندلاع أزمة جديدة.
وقد استبعد ريتشارد سبنسر في مقال تحليلي نشرته صحيفة "التايمز" بعنوان: "آمال وتوقعات، لكن لا ضمانات بعد مكالمة بايدن مع نتنياهو"، ونقلته إلى العربية هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أي تحول جوهري في الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، وأكد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يرغب في تحويل انتباهه بعيدا عن الشرق الأوسط، ولكن كما هو الحال مع أسلافه الذين كان لديهم الفكرة نفسها، أجبرته الأحداث الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين على "إجراء المكالمة المنتظرة" مع نتنياهو الليلة الماضية.
من جانبه رأى ليائير ولش، كبير المحاضرين في الدراسات الإسرائيلية ورئيس مركز الدراسات اليهودية في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، في مقال له بصحيفة "الغارديان"، بعنوان: "أعمال العنف التي بدأت في الأماكن المقدسة القديمة في القدس مدفوعة بحماسة مستجدة"، أن المواجهات التي حدثت الاثنين في الموقع الذي يسميه المسلمون المسجد الأقصى، ويطلق اليهود عليه اسم جبل الهيكل، ليست بأمر جديد.
وأكد أن "الاعتقاد بأنّ الرغبة بالانتقام، متعلقة فقط بموقع حجري قديم، أمر مضلل. وذلك لأن الأهمية السياسية لهذه الأماكن ومعناها تغير بشكل كبير خلال القرن الماضي، وخاصة بالنسبة لليهود الإسرائيليين".
وقال: "اليهودية هي دين شكله غياب الهيكل ـ بعدما دمره الرومان في عام 70 ميلادية". ويضيف أن الصلوات اليهودية تتحدث عن التوق لإعادة تأسيسه. كما أنّ "حائط المبكى عند اليهود مقدس؛ لأنه أثر باق يرمز للدمار الذي شكل اليهودية".
ويقول ولش؛ إنه بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967 تم تحويل حائط المبكى إلى نصب تذكاري قومي يهودي. وتحوّل من جدار مخفي، لا يُرى إلا من مسافة قريبة إلى مسرح ضخم، لا يستخدم فقط للصلاة، ولكن أيضا للاحتفالات الرسمية والعسكرية.
ويقول الكاتب؛ إنه في السنوات القليلة الماضية، "برزت إيديولوجية الاستبداد اليهودي كإيديولوجية مهيمنة تضفي الشرعية على السيطرة الإسرائيلية على الدولة بأكملها، من النهر إلى البحر". ويضيف: "بالنسبة لليمين الإسرائيلي الراديكالي، فإن عدم قدرة إسرائيل أو عدم استعدادها للسيطرة الكاملة على الحرم"، هو أحد أعراض "السيادة الضعيفة".
ومن ثم، فإن "الوجود الفلسطيني المستمر في المسجد الأقصى يبدو وكأنه آخر عقبة كبيرة أمام الهيمنة الإسرائيلية، فالموقع لديه قوة تعبئة هائلة بين الفلسطينيين العاديين الذين يأتون للدفاع عنه بالآلاف في مثل هذه الأوقات".
وهكذا، فإن المسجد الأقصى يمثل تحديا رمزيا للهيمنة اليهودية الإسرائيلية أهم بكثير من صواريخ السلطة الفلسطينية الضعيفة أو صواريخ "حماس".
ويعتبر الكاتب أن ذلك "قد يفسر عنف الشرطة الإسرائيلية في اقتحام المسجد، وارتفاع عدد الإصابات بين المصلين المسلمين هذا الأسبوع، تماما كما يفسر حشد الشباب الإسرائيليين الذين يغنون أغاني إبادة جماعية للانتقام، بينما اشتعلت النيران في حرم المسجد".
أما دونالد كاينتاير، فقد رأى في مقال له بصحيفة "الأندبندنت" أن التصعيد الأخير بين الفلسطينيين والإسرائيليين كان من الممكن تفاديه ومنعه.
وقال؛ "إنّ الزعماء الغربيين لم يعلقوا على تسارع وتيرة التعدي الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، التي حددتها كل الحكومات الديمقراطية الأجنبية تقريبا، على أنها أراض لدولة فلسطينية مستقبلية، في تحدّ للقانون الدولي".
ويضيف: "هذا لا يعني إطلاقا التغاضي عن أو تبرير استخدام حماس للصواريخ خلال التصعيد الحالي". لكنه بمنزلة "تذكير بأن العالم يتجاهل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حتى تخرج الأمور عن السيطرة بالكامل".
واعتبر أنّ هناك حاجة ملحة لوقف الأضرار التي خلفتها سنوات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في المنطقة، قائلا إن "هناك سببا عاجلا للرئيس الأمريكي جو بايدن والقادة الأوروبيين للتدخل الآن".