فايننشال تايمز: الهجوم على غزة كشف عن محدودية تأثير دول التطبيع على إسرائيل وعدم أهميتها
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا لمراسلتها في القاهرة هبة صالح، ومراسلها في دبي سايمون كير، قالا فيه إن القصف الإسرائيلي لقطاع غزة هزّ عمليات التقارب بين دول عربية وإسرائيل.
وأضافا أن ثلث الدول العربية تقريبا تقيم علاقات مع الدولة اليهودية، ولكن العنف أظهر أن العلاقات هذه ليست مهمة في حل النزاع، وأنها لم تعط الدول العربية ورقة نفوذ للضغط على إسرائيل.
فعندما صدمت الإمارات العالمَ العربي وطبعت علاقاتها مع الدولة اليهودية، قالت إن التحرك جاء من أجل المساعدة في حل النزاع العربي- الإسرائيلي المستعصي. وبعد تسعة أشهر، وجدت الدولة الخليجية الثرية نفسها في وضع صعب تراقب حليفتها الجديدة وهي تقصف قطاع غزة الفقير.
ويقوم الطيران الإسرائيلي بدكّ غزة، في وقت تواصل حركة حماس التي تسيطر على القطاع إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وقُتل حتى الآن 176 فلسطينيا من فيهم 76 طفلا وامرأة، حسب أرقام وزارة الصحة في القطاع. في المقابل قُتل عشرة أشخاص في إسرائيل بمن فيهم طفلان.
وتعلق الصحيفة بالقول إن سفك الدماء هذا الأسبوع لم يعط الدول العربية التي وقّعت اتفاقيات مع إسرائيل خاصة العام الماضي ضمن ما عرفت بـ”اتفاقيات إبراهيم” أي نفوذ، ولم تفعل العلاقات شيئا لتخفيف السبب الرئيسي وراء هذه المشكلة المستعصية.
وقالت سينزيا بيانكو، الزميلة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “من الواضح أنهم (الإماراتيون) في وضع صعب، فمن ناحية، علاقات الإمارات مع إسرائيل طويلة واستراتيجية ويجب ألا تتزحزح. وفي الوقت نفسه، زعمت الإمارات ان اتفاقيات إبراهيم ستعطيها النفوذ لدعم الفلسطينيين والحد من العدوان الإسرائيلي ضدهم”.
وحتى هذا الوقت، رفضت إسرائيل محاولات الخارج لوقف الغارات والقصف على غزة، لكن بيانكو تعتقد أن أبو ظبي يمكنها استخدام نفوذها ودفع إسرائيل للحد من عملياتها. إلا أن هذا التدخل قد يؤثر على التقدم في المشاريع الاستراتيجية المهمة للإمارات. ومن المشاريع المقترحة، برنامج مشترك لإنتاج نظام مواجهة الطائرات المسيرة.
وتبع التطبيع الإماراتي علاقات أخرى بين البحرين والسودان والمغرب مع إسرائيل، وهو تحول عن الموقف العربي المعروف من الدولة العبرية. وكان الموقف العربي قبل الاتفاقيات الأخيرة هو أن الاعتراف سيكون تابعا لتسوية عادلة مع الفلسطينيين تقود لإنشاء دولة فلسطينية.
وكانت الاتفاقيات التي غلبت عليها الصفة التجارية والتبادلية ورعتها إدارة دونالد ترامب التي لم تخف دعمها الكامل لإسرائيل، سببا في شعور الفلسطينيين بالخيانة والعزلة.
ويرى نقاد الدول العربية أنها تخلت عن أداة مقايضة بمقابل زهيد، وحذروا من أن التحرك ستستغله المنظمات الفلسطينية. وكعضو في الجامعة العربية، دعمت الإمارات دعوة إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق بجرائم حرب ضد الفلسطينيين.
وقال المستشار الدبلوماسي الإماراتي أنور قرقاش، إن الإمارات تقف مع حقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل الدولتين بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، مؤكدا أن هذا موقف تاريخي ومبدئي لا يتغير. وسارعت وزارة الخارجية الإماراتية الشهر الماضي لشجب خطط إسرائيل طرد فلسطينيين من بيوتهم في حي الشيخ جراح، والتي يدعي المستوطنون أنها بنيت على أرض يهودية في القدس الشرقية.
وتقول الصحيفة إن موقف الإمارات الواضح منح الدولة المستبدة وسكانها غطاء لشجب الأفعال الإسرائيلية والتعبير عن دعم الفلسطينيين بعد قمعها أي غضب محلي على قرارها تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وخلافا لبعض الناشطين الإماراتيين الذين عبّروا عن دعمهم لإسرائيل، كان الرد ومن بعض الوزراء داعما للفلسطينيين. وقال عبد الخالق عبد الله المحلل السياسي المقيم في دبي: “التطبيع لا رجعة عنه ولكن من الصعب الدفاع عنه أو حتى الحديث عنه في هذه الظروف”.
وكان من المتوقع أن تتبع السعودية خطى الإمارات، وهي مثل جارتها الخليجية تتعاون سرا مع إسرائيل في الشؤون الاستخباراتية ضد إيران، لكن الهجوم الأخير على غزة وأحداث الأقصى جعلت من هذا أمرا بعيدا.
وقال وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان يوم الأحد، إن المملكة “ترفض بشكل قاطع انتهاكات إسرائيل ضد الفلسطينيين” ودعا لوقف فوري لإطلاق النار. وفي المغرب الذي وافق على التطبيع مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية، قالت وزارة الخارجية إنها تراقب الوضع “باهتمام عميق”.
وفي عام 2014 أثناء الهجوم على غزة، خرج الآلاف من المغاربة بمن فيهم وزراء في تظاهرة بالرباط احتجاجا على القصف الإسرائيلي، وهذه المرة فرقت الشرطة تظاهرة صغيرة من مؤيدي فلسطين. وقرر المجلس التجاري المغربي- الإسرائيلي الذي شُكل حديثا إلغاء لقاء افتراضي.
ويرى أتش إي هيلير، الزميل البارز في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، أن المشاعر المؤيدة لفلسطين لا تزال قوية في العالم العربي و”غياب الاحتجاج ليس دليلا على غياب الرغبة به، بل غياب الإذن للاحتجاج”.
ويقول هيلير إن القيود على حرية التعبير تجعل من الصعب قياس حجم الغضب، لكن المشاركات على منصات التواصل الاجتماعي والتغطيات التلفزيونية تكشف أن المسألة الفلسطينية لا تزال قريبة من قلوب العرب. وقال: “نصف الرسائل التي تلقيتها يوم الخميس للتهنئة بنهاية رمضان وضعت صور قبة الصخرة في القدس”.