فايننشال تايمز: الإمارات تحول استراتيجيتها إلى الدبلوماسية الاقتصادية بسبب كورونا وبايدن

فايننشال تايمز: الإمارات تحول استراتيجيتها إلى الدبلوماسية الاقتصادية بسبب كورونا وبايدن

سلطت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية على ما وصفته باتجاه دولة الإمارات إلى تحويل استراتيجيتها المتبعة منذ عقد والمتمثلة في استغلال ثرواتها النفطية وقوتها العسكرية لدعم الحلفاء وإضعاف الخصوم، إلى الدبلوماسية الاقتصادية.

وذكرت الصحيفة أن هذا التحول يأتي بعد أن ضربت تداعيات فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد-19) اقتصاد الدولة الخليجية وأكد ارتباطها بالتجارة العالمية، وأيضا بعد تولي الرئيس الأمريكي "جو بايدن" مقاليد الأمور في البيت الأبيض.

ونقلت الصحيفة عن مصدرين مطلعين على هذا التحول الاستراتيجي قولهما إن نتيجة لذلك، يتم الحكم على الدبلوماسيين والسفارات الإماراتية بشكل أكبر بناءً على قدرتهم على جذب الاستثمار إلى الدولة المعتمدة على النفط.

وقال مسؤول إماراتي رفيع لصحيفة "فايننشال تايمز": "لقد فكرنا في الأفضل بالنسبة للإمارات.. سيكون هناك تركيز أكبر بكثير على الاقتصاد".

واعتبرت الصحيفة أن اجتماع تداعيات "كورونا" وتولي "بايدن" رئاسة أمريكا بمثابة أحدث علامة لتغيير ديناميكيات الشرق الأوسط وتوليد تحرك مبدئي نحو وقف التصعيد بعد السنوات المضطربة لرئاسة الرئيس السابق "دونالد ترامب" الذي كان حليفا قويا للإمارات.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بالتوازي مع التوجهات الجديدة، ستسعى الإمارات إلى دور أكثر فاعلية في التوسط في النزاعات، مثل تلك التي بين السودان وإثيوبيا وحتى الهند وباكستان، حسبما تفيد المصادر.

تحول كبير

تمثل الاستراتيجية المعدلة تحولًا كبيرًا لدولة برزت تحت إشراف "محمد بن زايد آل نهيان"، ولي عهد أبوظبي والزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، باعتبارها القوة الأكثر حزمًا في العالم العربي في أعقاب الانتفاضات الشعبية عام 2011.

وأضافت الصحيفة أن النهج العدواني لولي العهد الإماراتي أدى إلى نشر الإمارات آلاف القوات في الحرب في اليمن حيث أصبحت الشريك الرئيسي للسعودية في تحالف عربي تدخل في الصراع عام 2015 لمحاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

كما كان "بن زايد" أحد الداعمين الرئيسيين لزعيم الحرب الليبي "خليفة حفتر".

وفي عام 2017، كانت أبوظبي في طليعة الحظر الإقليمي على قطر، الذي فرضته الإمارات والسعودية بعد اتهام الدوحة بدعم الإسلاميين والتقرب الشديد من إيران.

عززت التدخلات من مكانة أبو ظبي وتأثيرها، حيث إن الدولة الصغيرة الغنية بالنفط – وهي شريك مهم للغرب - تجاوزت ثقلها. لكن لا شيء انتهى بنجاح كبير، بل ألحق ذلك ضرر كبير بسمعة الإمارات على الصعيد الدولي.

في اليمن، حازت أبوظبي على استحسان واشنطن لحملتها ضد متشددي "القاعدة".

لكن التحالف الذي تقوده السعودية فشل في طرد الحوثيين وسحبت الإمارات معظم قواتها في 2019 مع تصاعد التوترات الإقليمية مع إيران وتصاعد الانتقادات الدولية لحرب تسببت في كارثة إنسانية.

في ليبيا، عانى "حفتر" من سلسلة من الهزائم العام الماضي بعد أن تدخلت تركيا - الخصم اللدود للإمارات - عسكريا لدعم الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة وإنهاء قوات "حفتر" ضد طرابلس الذي استمر لأكثر من عام.

تركيز على التعافي الاقتصادي

ونقلت الصحيفة البريطانية عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن الإمارات سحبت في الأشهر الأخيرة أصولها العسكرية من ليبيا. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، اتبعت أبو ظبي خطى المملكة العربية السعودية في رفع الحظر الإقليمي على قطر، مشيرين إلى أن الدولة الخليجية تهدف للتركيز على التعافي الاقتصادي وتقليل تعرضها للانتقادات الدولية.

ووفق "إميل حكيم"، خبير الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، فإن الإمارات العربية المتحدة أدركت أنه "لا يمكنها تحقيق أي فوز صعب في أي مكان في الوقت الحالي".

وأضاف "حكيم "أنه كان من المنطقي أن تركز قيادتها (الإمارات) على التعافي الاقتصادي وتضع نفسها في وضع يمكنها من الاستفادة من عالم ما بعد الوباء - وهو موضوع كرره المسؤولون الإماراتيون".

قال حكيم: "لقد اختبروا (الإماراتيون) الاقتراح القائل بأن القوة العسكرية يمكن أن تجلب عوائد صعبة، لكن اتضح أن الأمر ليس كذلك بالفعل، ولذا فهم يتأقلمون على الوضع الحالي".

ومضى قائلا: "لا أحد يعرف ما إذا كان هناك تحول في عقلية القيادة في الدولة الخليجية".

وعقب: لكن ما تراه بوضوح هو تقليص الإمارات لتدخلها العسكري، وتقليل تعرضها للانتقادات والتركيز على ما هو أكثر إستراتيجية من حيث أمنها الكلي وازدهارها ".

أكثر ذكاءً

من جانبها قالت "إلهام فخرو" المحللة الخليجية في (Crisis Group)، إن الإمارات أدركت أن الحالة المزاجية في المنطقة قد تحولت نحو الدبلوماسية مع انتخاب إدارة بايدن،

وأشارت "فخرو" إلى القيادة الإماراتية اعتقدت أن الوقت قد حان للاستفادة من ذلك.

وقالت "فخرو": "لا تريد الإمارات أن يُنظر إليها على أنها تتدخل علانية في النزاعات الإقليمية مثل ليبيا، أو تسلح الجهات المتحالفة معها".

وعقبت "لكنني لا أعتقد أنهم يبتعدون عن نهجهم الأكثر تصادمًا، فهم يريدون فقط أن يكونوا أكثر ذكاءً في ذلك وهذا يعني توسيع جهودهم في الدبلوماسية والوساطة أيضًا".

وقال مسؤول إماراتي للصحيفة إن بلاده الإمارات "فخورة" بـ"إنجازاتها" في اليمن، مستشهدا بما حققته من نجاحات ضد عناصر القاعدة ووقف تقدم الحوثيين في الجنوب.

قال المسؤول: "النهج العسكري، لم نستخدمه كثيرًا من قبل ورأينا الآن مدى فعاليته، وأحيانًا لا يمكن أن يكون".

وأضاف: "لقد فهمنا التكاليف – وأن هناك أشياء خارجة عن سيطرتنا".

وساطات وحد من توترات

ووفق مصدر آخر مطلع على التحول بالدولة الخليجية فإنه بالإضافة إلى وجود محادثات مع إيران، أجرت الإمارات مؤخرًا مناقشات للحد من التوترات مع تركيا.

وأضاف المصدر: "نريد أن نكون أصدقاء مع الجميع - من إسرائيل إلى إيران"، مستشهدا بقرار الإمارات تطبيع العلاقات مع إسرائيل العام الماضي.

وقال مسؤول إماراتي إن المملكة العربية السعودية تقود التواصل مع تركيا، مضيفًا أن "نهجنا هو رؤية وانتظار ما يحدث هناك" في إشارة إلى التقارب السعودي التركي.

والشهر الماضي، أجرى وزير الخارجية التركي زيارة المملكة العربية السعودية في إطار جهود لحل القضايا بين الرياض وأنقرة.

الأسبوع الماضي، قال الرئيس "رجب طيب أردوغان" إنه يريد تعزيز علاقات تركيا مع مصر ودول الخليج.

لكن "حكيم" حذر من أن التحرك الواضح نحو خفض التصعيد في المنطقة "هش للغاية".

وأضاف: "كل المشاكل لا تزال قائمة، وكما رأينا حدود التدخلات القسرية والعنيفة في عهد ترامب، سنواجه الآن حدود الدبلوماسية".

الكاتب