ميون وسقطرى.. هكذا تدفع جزر اليمن ثمن الطموحات الإماراتية
بالرغم أن الإمارات انسحبت عسكريا من اليمن في عام 2019، إلا أنها لم تغادر البلاد بالفعل. وما تزال تحاول توسيع نفوذها من خلال استغلال نقاط ضعف اليمن؛ وذلك لإنشاء معاقل لها بما في ذلك جزيرتي ميون وسقطرى. ويهدد ذلك بإطالة الصراع المدمر في اليمن.
في البداية، تدخلت الإمارات بشكل مباشر في الحرب كشريك في التحالف الذي تقوده السعودية، لكنها سحبت جنودها من اليمن في عام 2019، في خطوة اعتبرها البعض مدفوعة جزئيا بالانتقادات الدولية المتعلقة بالتداعيات الإنسانية للحرب.
ومع ذلك، ما زالت الإمارات تحافظ على مجموعات مسلحة في اليمن وتدعم حوالي 90 ألف جندي يعملون على تقويض الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. وعلاوة على ذلك، تسيطر الإمارات على العديد من الموانئ الرئيسية والمطارات في اليمن.
عسكرة جزر اليمن
وحاليا، يتم بناء قاعدة عسكرية على جزيرة ميون اليمنية، وهي جزيرة بركانية قبالة اليمن تقع في نقطة اختناق بحرية لشحنات الطاقة الحيوية والبضائع التجارية.
وتوفر الجزيرة قاعدة انطلاق مناسبة لأي عملية في البحر الأحمر وخليج عدن وشرق أفريقيا. علاوة على ذلك، تسهل الجزيرة شن الغارات الجوية في البر الرئيسي من اليمن.
لكن بناء القاعدة ينتهك سيادة اليمن لأن الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة لم يتم إبلاغها بالبناء. وفي حين لا توجد دولة نسبت لنفسها القاعدة الجوية، إلا إن هناك روابط واضحة تشير إلى الإمارات.
وتسيطر الإمارات أيضًا على جزيرة سقطرى. وفي حين أن سقطرى تقع تحت حكم المجلس الانتقالي الجنوبي من الناحية الفنية، فإن الإمارات هي صاحبة السيطرة الفعلية.
وتقع الجزيرة بين البحر الأحمر وخليج عدن وشرق أفريقيا. ونظرا لموقعها الاستراتيجي بالقرب من طرق الشحن الرئيسية، فقد بنت الإمارات قواعد عسكرية على الجزيرة التي تستخدمها لجمع المعلومات الاستخباراتية حول حركة المرور البحرية ومراقبة قنوات تجارة النفط.
بسط النفوذ
غيرت القواعد العسكرية وغيرها من التأثيرات الإماراتية من إيقاعات الحياة اليومية في سقطرى بشكل كبير، بعد أن كان سكان الجزيرة (البالغ عددهم 60 ألفًا) يعيشون منذ آلاف السنين باتصال محدود بالعالم الخارجي.
وتمول الإمارات الآن مشاريع البنية التحتية الرئيسية في الجزيرة، بما في ذلك الموانئ والمستشفيات وشبكات الاتصال التي تصل سقطرى بالإمارات، وليس اليمن.
وتجري الإمارات إحصاءها الخاص للسكان وتدعو المؤثرين الاجتماعيين السقطريين للسفر إلى أبوظبي للحصول على رعاية صحية مجانية وتصاريح عمل خاصة. كما أن هناك أنباء بأن الإمارات تخطط لإجراء استفتاء على الانفصال عن البر الرئيسي لتصبح الجزيرة رسميا جزءا من الإمارات.
كما تجلب الإمارات السياح إلى الجزيرة دون إذن من الحكومة اليمنية المعترف بها من الأمم المتحدة. ورغم أن المسؤولين اليمنيين أرادوا ضمان سلامة الجزيرة عبر تحديد إجراءات سياحية بيئية، إلا إن الإمارات لا تلتزم بها.
ويتم حاليًا فك ارتباط تأشيرات الدخول إلى الجزيرة عن نظام الهجرة اليمني. وتقوم الإمارات بتسريع البناء على أجزاء من الجزيرة بالرغم من النظم الإيكولوجية الهشة.
ويصل السياح من الخليج وإسرائيل أسبوعيا للجزيرة خلال رحلات طيران تمتد لساعتين. وفي الوقت نفسه، تحرم الإمارت المواطنين اليمنيين من الوصول إلى الجزيرة.
تكلفة باهظة
وتعتبر سيطرة الإمارات على سقطرى أمرا مقلقا بشكل خاص لأن هذه الجزيرة هي واحدة من أكثر الجزر الغنية بالتنوع البيولوجي في العالم. وتضم عددا من الحيوانات المهددة بالانقراض، ويعد 70% من الجزيرة أرضًا محمية وتستضيف 700 نوع من الحيوانات.
وأعربت منظمات دولية متعددة عن مخاوف بشأن سلوك الإمارات في سقطرى وتأثيراته الضارة على السكان والبيئة، واستشهدت لجنة التراث العالمي لليونسكو بمخاوف بشأن التدهور البيئي في الجزيرة.
وتشمل هذه المخاوف التنمية غير المنضبطة، والاستخدام غير المستدام للموارد الطبيعية، وإدخال الأنواع الغريبة والمُقحَمة من الحيوانات، وتدهور بيئة الحيوان.
وفي الآونة الأخيرة، صنف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، سقطرى كمنطقة مثيرة للقلق بشكل كبير، فبعد أن كانت محمية بشكل جيد نسبيا قبل الحرب، جاءت التطورات المتسارعة في الجزيرة على حساب بيئتها الفريدة.
وبالنظر إلى أهمية الجزيرة، يجب أن تُحاسب الإمارات على تدمير النظم الإيكولوجية المتنوعة الموجودة في سقطرى، وهي النظم التي تعايش معها الشعب السقطري بسلام لقرون.
وقال الكاتب والناشط اليمني "فارع المسلمي"، وهو زميل غير مقيم في معهد "تشاتام هاوس": "لقد فاجأت الإمارات الجميع، وحتى نفسها بمدى نجاحها عسكريا في اليمن، وقد أصبح لها نفوذ واسع في أماكن متعددة، بما في ذلك موانئ اليمن، التي تعد جائزة بالنسبة لهم".
سقطرى ليست مهددة وحدها
وليست سقطرى وحدها تحت التهديد، وإنما اليمن كلها، فمن خلال بناء القواعد العسكرية في جزيرتي سقطرى وميون، تسعى الإمارات لتعميق نفوذها من خلال ترسيخ نفسها كقوة عسكرية على المدى الطويل.
وبالرغم من تصرفات الإمارات في اليمن، قررت إدارة "بايدن" استئناف اتفاق مبيعات أسلحة بقيمة 23 مليار دولار مع البلاد.
ويعتبر هذا الأمر كارثيا بالنظر إلى تورط الإمارات المستمر في الحرب داخل البر الرئيسي من اليمن، وأيضا انتهاكها العسكري لجزر اليمن فيما يهدد بإطالة أمد الحرب.
وأظهرت الإمارات أنها "لاعب عدائي" في اليمن، وكلما سيطرت على أراضٍ يمنية أكثر، كلما تعاظم العائق الذي تمثله بالنسبة لجهود السلام داخل البلاد؛ لذلك يجب أن لا يسمح المجتمع للإمارات ببناء قواعد عسكرية غير قانونية على الأرض اليمنية، خاصة إذا جاء ذلك على حساب بيئة المكان وطبيعته.