سد النهضة: تحفظات مصرية مستمرة على موقف الإمارات
لا تزال تطورات ملف سد النهضة تفرض نفسها على العلاقات المصرية مع عدد من الدول، بما في ذلك الإمارات، إذ تتحدث مصادر حكومية مصرية عن أن التحفظات مستمرة من القاهرة على مواقف أبوظبي تجاه القضية.
وتلفت إلى أنه رغم أن أبوظبي تعهدت للقاهرة بتغيير طريقة تعاطيها مع القضية، دبلوماسياً واقتصادياً وإعلامياً، إلا أن مصر تعتبر أن الإمارات لم تلتزم بهذه التعهدات، ما يصعب الاعتماد عليها كـ"وسيط" في الملف.
مع العلم أن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد زار برفقة عدد من أفراد أسرته ومساعديه، مصر، لقضاء عطلة صيفية في مدينة العلمين الجديدة بالساحل الشمالي، ليكون بذلك أول مسؤول عربي يزور المدينة الساحلية الجديدة، التي بناها النظام لتكون عاصمة صيفية لمصر في السنوات المقبلة، وأنشأ فيها مقارّ للرئاسة ومجلس الوزراء وإقامة كبار رجال الدولة.
كما أن بن زايد وأحفاده حضروا الاحتفال الكبير بتدشين قاعدة 3 يوليو البحرية غرب مطروح، حيث ظهرت حفاوة واضحة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبن زايد أمام الكاميرات.
وبحسب مصادر حكومية مصرية، طلبت مصر من الإمارات، الشهر الماضي، بشكل واضح، عبر اتصالات رفيعة المستوى واستخباراتية، أن تؤدي دوراً ضاغطاً على إثيوبيا، بما تملكه من علاقات اقتصادية راسخة معها، وأن يظهر ذلك بصراحة في وسائل إعلامها، باللغات العربية والإنكليزية والأمهرية، لتكون رسالة واضحة للإثيوبيين وكذلك للعالم بأن الإمارات، بجانب السعودية، تدعم مصر والسودان في مساعيهما للوصول إلى اتفاق شامل وملزم، وأن تخفت وتيرة التنسيق بين أبوظبي وأديس أبابا، بالتزامن مع تأزم القضية وبدء الملء الثاني.
وذكرت المصادر أن المسؤولين الإماراتيين وعدوا نظراءهم المصريين بأن "يشهدوا مواقف أكثر إيجابية"، وأشاروا إلى أنهم سينتهجون أسلوباً دعائياً وسياسياً للضغط على إثيوبيا، وسيتم وقف بعض الاجتماعات واللقاءات المخططة سلفاً، وتأجيل مناسبتين اقتصاديتين كان من المفترض أن تجريا في يونيو الماضي بين البلدين.
مع تكثيف الاتصالات بشأن قضية السد، انطلاقاً من مبادرة سابقة طرحتها الإمارات، واعترضت عليها مصر والسودان، في إبريل الماضي، والعمل على تقديم ضمانات أكبر لالتزام إثيوبيا ببنودها، أو دمجها مع المبادرة الأفريقية الأميركية، الخاصة بالتدرج في الاتفاق، أو تجزئته إلى مرحلتين، والتي وضعت إثيوبيا لقبولها شروطاً تُفرغها من مضمونها، وحدد السودان شروطاً موضوعية لقبولها، واشترطت مصر قبول إثيوبيا الكامل بها لتنفيذها مباشرة.
مع العلم أن الإمارات، التي سبق أن قدمت تصورات خاصة بحل قضية سد النهضة، أضافت إليها أخيراً بعض العروض الجديدة، من بينها السعي لحصول مصر على منح وقروض مالية دولية جديدة، تساعد في تجاوز التأثيرات السلبية المحتملة لعمليات ملء خزانات السد.
وكانت التصورات السابقة تركز بالأساس على أن تشمل ضمان تعظيم استفادة مصر من المشاريع التنموية والاستثمارات الإماراتية في المنطقة، وإدخال القاهرة شريكاً في بعضها.
كما تعهّدت الإمارات بضمان عدم الإضرار بدولتي المصب، وتقديم مساعدات أخرى للمصريين لإنجاز مزيد من المشاريع الداخلية لتلافي الأضرار الناشئة عن سد النهضة، وتحسين إدارة المياه. وأشارت المصادر إلى أن هناك موقفاً سودانياً أكثر إيجابية تجاه الطرح الإماراتي، وهو ما قد يساعد في تقبل هذا الطرح مصرياً.
ووفقاً للمصادر الحكومية، كانت الاتصالات بين مصر والإمارات إيجابية على هذا الصعيد، حتى الرابع من يوليو الحالي، عندما علمت مصر– قبل النشر في الإعلام الرسمي الإثيوبي بساعات– بوصول سفينة الشحن الإثيوبية "فيبي" إلى ميناء بربرة في "جمهورية صومالاند"، أو أرض الصومال الانفصالية المعلنة من طرف واحد.
والذي تديره لوجستياً شركة موانئ دبي العالمية، كبداية لتشغيل خط إمداد شحن البضائع لصالح إثيوبيا، التي كانت قد تعاقدت، في مارس/آذار 2018، مع الشركة الإماراتية وحكومة "صومالاند" على امتلاك 19 في المائة من أسهم مشروع تطوير ميناء بربرة.
ورغم أن وصول هذه السفينة، التي تعتبر الأكبر من نوعها التي تصل لمصلحة إثيوبيا، واستقبالها من قبل مسؤولي الشركة الإماراتية، يعتبر نتيجة طبيعية للاتفاقات التي عقدت بين الطرفين بين عامي 2016 و2018، إلا أن "شعوراً بالحنق" أصاب المصريين، نظراً لتزامن هذا التطور مع تفاقم أزمة سد النهضة، وإعطاء الإثيوبيين فرصة للتأكيد على عدم تأثير أزمتهم مع مصر على علاقاتهم بالقوى العربية والإقليمية، خاصة وأن الإمارات لم تصدر أي تصريح مساند لمصر والسودان قبل أو بعد جلسة مجلس الأمن.
وذكّرت المصادر، في هذا الصدد، بأن الإمارات كانت قد صورت للنظام المصري في سنوات سابقة أن اتفاقياتها مع إثيوبيا تدخل ضمن حزمة خطوات تحفيزية لتحسين أوضاعها الاقتصادية مقابل التساهل ومرونة مواقفها في قضية سد النهضة.
كما سبق أن اقترحت أفكاراً لضخ استثمارات إماراتية مصرية مشتركة في سد النهضة والمشروعات التنموية التي ستنشأ بالاستفادة منه، لكن لم يتم تنفيذ أي من هذه الأفكار على مدار 6 سنوات، بعد توقيع اتفاق المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا، والتي كانت الإمارات على رأس داعميه.
وبحسب المصادر، فإن الإمارات لا تزال تروّج في اتصالاتها مع مصر والسودان إلى أن الضامن الوحيد لانخراط إثيوبيا في اتفاق ملزم هو قبولهما بالتركيز على ملف الاستثمارات في المناطق المتنازع عليها بين السودان وإثيوبيا من ناحية، والمساعدة في إقامة مشروعات للتنمية المستدامة بين البلدان الثلاثة من ناحية أخرى، مرتبطة بتوليد الكهرباء من الطاقة المائية وطاقة الرياح في محيط سد النهضة (ولاية بني شنقول- قمز)، وتخصيص أراضٍ في المنطقة للزراعات الاستراتيجية لتوريدها إلى الإمارات ومصر، الأمر الذي سيؤدي إلى حماية استثماراتها التي تدفقت على إثيوبيا في السنوات الأخيرة، وستزيد بإنجاز مشروع سد النهضة.