قضية توماس باراك كشفت الكثير وعن النفوذ الإماراتي في واشنطن

قضية توماس باراك كشفت الكثير وعن النفوذ الإماراتي في واشنطن

يتضح كل يوم أن الإمارات تستخدم روابطها ومواردها للتأثير على صانعي السياسة الأمريكيين. ولا تعتبر حادثة القبض على "توماس باراك"، وهو مواطن أمريكي متهم بالعمل لصالح حكومة الإمارات داخل البيت الأبيض سوى غيض من فيض.

وفي حين تعد الانتقادات الموجهة إلى السعودية أو إيران أو نظام "الأسد" وسيلة لحشد التأييد لأي مرشح للرئاسة في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن تصرفات وسياسات الإمارات تمر دون ملاحظة في معظم الأحيان.

حجر في بركة راكدة

وفي الواقع، فإن معظم الأمريكيين العاديين يربطون الإمارات بالفنادق الفاخرة ومراكز التسوق أكثر من السلوك المارق وغير المشروع.

لذلك، لم يلتفت كثيرون لتصريحات مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأمريكية الذي وصف ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" بقوله: "لقد أنشأنا فرانكشتاين صغيرًا عبر نقل تكنولوجيا بمليارات الدولارات تتعلق بالأسلحة والمراقبة إلى الإمارات على مدار العقدين الماضيين".

لكن القبض على "توماس باراك" كان بمثابة الحجر في البركة الراكدة والذي كان ينتظره نقاد الإمارات منذ زمن، حيث تم توجيه الاتهام إلى المستثمر العقاري الذي رأس اللجنة المسؤولة عن حفل تنصيب الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" في عام 2017، بالعمل نيابة عن حكومة أجنبية (الإمارات) خلال الفترة منذ 2016 إلى 2018.

واستفاد "باراك" (بالإضافة إلى المواطن الأمريكي "ماثيو جرايمس" والإماراتي "راشد سلطان راشد المالك الشحي") من موقعه كمستشار بارز في حملة "ترامب" من أجل "الدفع بمصالح الإمارات وتقديم المعلومات الاستخباراتية لها بأمر من كبار المسؤولين في الإمارات".

ووفقا للائحة الاتهام التي أصدرتها وزارة العدل الأمريكية، فقد أشار "باراك" إلى "الشحي" باعتباره "سلاح الإمارات السري" للترويج لأجندتها السياسية الخارجية في الولايات المتحدة

وتضمنت الوثائق العديد من الأمثلة التي تشير إلى أن "باراك" و"الشحي" و"جرايمس" اتخذوا خطوات عديدة في أمريكا لتعزيز مصالح الإمارات. وعلى سبيل المثال، في مايو/أيار 2016، أدخل "باراك" لغة تشيد بالإمارات في خطاب الحملة الانتخابية الذي كان سيلقيه "ترامب" حول سياسة الطاقة الأمريكية. وأرسل "باراك" عبر البريد الإلكتروني مسودة مسبقة للخطاب إلى "الشحي" لتسليمها إلى كبار المسؤولين الإماراتيين الذين أشادوا بما فعل.

وقال "باراك" في البريد الإلكتروني: "لقد نجحت في ذلك من أجل فريقنا في الوطن"، وكان يعني بذلك الإمارات.

واستخدم "باراك" أيضا خدمة مراسلة مشفرة على هاتفه الخلوي للتواصل مباشرة مع كبار المسؤولين في الإمارات حول جهوده للتأثير على إدارة "ترامب" بعد توليها الحكم في عام 2017.

ومع ذلك، فإن ما خفي أعظم بالنسبة لهذه الجهود الإجرامية الإماراتية المكتشفة حديثًا لتشكيل سياسة الولايات المتحدة لصالحها.

ما خفي أعظم

من المهم أن نتذكر أن "بن زايد" أخبر "ترامب"، عبر مبعوثه "جورج نادر"، أنه متحمس مع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" لتقديم الدعم من أجل فوز "ترامب" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 ضد "هيلاري كلينتون".

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنه "بعد هذا العرض بالمساعدة، تم اعتماد جورج نادر بسرعة كحليف وثيق من قبل مستشاري حملة ترامب، واجتمع في كثير من الأحيان مع صهر ترامب، جاريد كوشنر، وكذلك مايكل فلين الذي أصبح أول مستشار أمن قومي للرئيس".

وفي ذلك الوقت، قام "نادر"، بمساعدة الرئيس التنفيذي السابق لشركة بلاك ووتر "إريك برنس"، بدفع أفراد في إدارة "ترامب" لإعطاء الضوء الأخضر لاستخدام المتعاقدين العسكريين الخاصين لزعزعة استقرار إيران، الخصم اللدود للإمارات في الشرق الأوسط.

وتجدر الإشارة إلى أن "نادر" أدين وسجن بتهمة الاستغلال الجنسي لـ10 أطفال في التشيك في عام 2003، كما أقر بذنبه في الولايات المتحدة في الاتجار الجنسي بقاصر ونقل مواد إباحية متعلقة بالأطفال في عام 2020.

ومع ذلك، فإن النقطة الرئيسية هنا هي تحول الإمارات لواحدة من أكثر القوى نفوذًا في واشنطن مع تكلفة كبيرة على الديمقراطية وحقوق الإنسان.

اللوبي الإماراتي في واشنطن

وتظهر التقارير أن "اللوبى الإماراتي" دفع أكثر من 132 مليون دولار منذ عام 2011 (وفق الأرقام المعلنة فقط) بهدف تأمين المصالح الإماراتية في واشنطن، ما يجعلها أكبر منفق بين دول الشرق الأوسط.

ويشير ذلك إلى أن الإمارات لم تقد جهود الثورة المضادة داخل المنطقة فحسب، بل نقلت أيضًا المعركة إلى الخارج في العاصمة السياسية الأكثر أهمية في العالم؛ واشنطن.

كما نجح اللوبي الإماراتي في إقامة شراكات مع مراكز الأبحاث الرائدة في الولايات المتحدة، وتحديداً تلك التي تعمل في المشاريع المتعلقة بالشرق الأوسط، في ظل إدراك أبوظبي أن هذه المعاهد تشكل المعرفة الأساسية التي تقوم عليها مبادرات السياسة الخارجية وتوجهات كل من الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة.

ومن المثير للاهتمام، أن العديد من هذه المؤسسات البحثية تنحاز إلى الجماعات اليمينية الأمريكية المؤيدة لإسرائيل و صناعة الإسلاموفوبيا.

وتظهر هذه المعلومات - إلى جانب اعتقال "توماس باراك" وشركائه وإدانتهم المحتملة بتهمة العمالة ضد الولايات المتحدة - استعداد الإمارات وحماستها لزعزعة استقرار الحكومات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك حكومات أقرب حلفائها.

ومن المحتمل أننا سنعلم أكثر بكثير عن الطبيعة الدنيئة والإجرامية لعمليات النفوذ الإماراتية في الولايات المتحدة خلال محاكمة "باراك"، ويمكن أن نأمل أن تؤدي هذه النتائج إلى مزيد من الوعي العام والتدقيق السياسي فيما يتعلق بالإمارات.

الكاتب