تقارب حذر بين الإمارات وتركيا .. ما هي دوافعه وأفق استمراره؟
نشر موقع "نيوز ري" الروسي تقريرا سلط فيه الضوء على بوادر التقارب الدبلوماسي، بين تركيا والإمارات العربية المتحدة وأسبابه.
وقال الموقع في تقريره إن المحادثة الهاتفية التي جمعت بين الرئيس رجب طيب أردوغان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والتي تطرقت إلى تطوير العلاقات الثنائية وعدد من الملفات الدولية، من أبرز المؤشرات التي تعكس هذا التقارب.
وأضاف الموقع أن بوادر عملية تطبيع العلاقات بين الخصمين الإقليميين ظهرت منذ عامين. في هذا الصدد، يرى الخبراء أن العديد من الجهات عملت على تأجيج الصراع بين أنقرة وأبو ظبي، غير أن المصالح الاقتصادية دفعت البلدين إلى تجاهل الخلافات.
خلال المكالمة التي جمعت بين الرئيس التركي وولي عهد أبو ظبي، أثيرت عدد من القضايا الإقليمية، من بينها الوضع في أفغانستان، والذي يهدد منطقة الشرق الأوسط بموجة كبيرة من اللاجئين.
وكان أردوغان قد أجرى قبل أكثر من أسبوع محادثات مع مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وقد شكلت زيارة المسؤول الإماراتي إلى أنقرة تحولا كبيرا في مسار العلاقات بين البلدين.
وعقب المحادثات، أعلن الرئيس التركي أن المشاورات التي جمعت الجانبين آتت ثمارها، مشيرا إلى إمكانية عقد اجتماع مباشر بينه وبين الشيخ محمد بن زايد في وقت قريب.
خلال السنوات الماضية، تبنّت تركيا والإمارات مواقف متباينة في عدد من الملفات والقضايا الدولية. على سبيل المثال، كانت الإمارات الداعم الأبرز لقوات خليفة حفتر في ليبيا، بينما اتهمت أنقرة أبو ظبي بمحاولة زعزعة الاستقرار في البلاد وتهيئة الساحة لمزيد من الانقسام الإقليمي.
ولم يقتصر الأمر على الملف الليبي، حيث اتُهمت الإمارات أيضا بمحاولة الحد من النفوذ التركي في سوريا. ففي عام 2020، تداولت الصحافة العربية تقارير تفيد بأن الإمارات العربية المتحدة عرضت على روسيا، الحليف الرئيسي لنظام بشار الأسد، المساعدة في إنعاش الاقتصاد السوري.
وفُسّر العرض الإماراتي حينها، إلى جانب عودة البعثة الدبلوماسية الإماراتية إلى دمشق، على أنه محاولة من الإمارات لخلق نفوذ يوازي النفوذ التركي في سوريا.
تؤكد وكالة بلومبيرغ أن التقارب الحالي بين البلدين قد يكون حاسمًا، ليس فقط على صعيد الملفين الليبي والسوري، ولكن أيضًا بالنسبة للملف الأفغاني.
ويرى كبير المحاضرين في قسم العلوم السياسية بالمدرسة الروسية العليا للاقتصاد، غريغوري لوكيانوف، أن هذا التحرك يهدف إلى تقليل تكاليف المواجهة في أنحاء الشرق الأوسط، حيث اصطدمت مصالح وسياسات تركيا والإمارات العربية المتحدة في المنطقة بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة.
ويضيف لوكيانوف: "يبحث الطرفان عن فرص لتجنب المواجهة، وإحباط محاولات القوى الأخرى استخدامهما في مواجهة لا تخدم مصالحهما. يتعلق الأمر هنا بأطراف محلية مثل المشير خليفة حفتر في ليبيا، الذي تعتبر الخلافات التركية الإماراتية مصدرًا لحصوله على الأموال واستمرار الحضور على الساحة السياسية".
ويؤكد لوكيانوف أنه يمكن ملاحظة تأثير الخلافات التركية الإماراتية أو التركية السعودية في أنحاء أخرى من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وهي خلافات تجني منها القوى العالمية مثل الولايات المتحدة بعض الفوائد، لكن المواجهة بين الإمارات وتركيا مكلفة للجانبين.
ويرى الخبير الروسي أن أساس الخلافات والصراع بين البلدين يتعلق بالوضع الذي أفرزته ثورات "الربيع العربي" وانهيار عدد من الأنظمة، حيث تمكنت تركيا والإمارات وقطر من الاستفادة من ذلك الوضع لتعزيز نفوذها ومصالحها في المنطقة.
ويضيف لوكيانوف أن القيادتين التركية والإماراتية تدركان متطلبات الوضع الاقتصادي الراهن، لذلك يمكن أن تصبح المصالح الاقتصادية المشتركة أساسًا لبناء الثقة وحل الخلافات السياسية القائمة.
فيما أشار تقرير لموقع منتدى الخليج الدولي إلى أنه يمكن فهم دوافع تركيا في ضوء نفس العوامل التي دفعت الأتراك إلى اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات مع مصر والسعودية. ويُعزى ذلك بالأساس إلى الدافع الاقتصادي، فالاقتصاد التركي يواجه مشاكل كبيرة، وسوف ترحب أنقرة بمستويات أكبر من الاستثمار من دول الخليج، بما في ذلك الدول التي أزعجها دعم تركيا لقطر طوال الحصار الذي امتد 43 شهرا.
ولدى المسؤولين في أنقرة أيضا بعض المخاوف بشأن معاناة بلادهم من العزلة النسبية خلال فترة يواجه فيها تحالف تركيا مع الولايات المتحدة تحديات صعبة، لهذا تحرص أنقرة على تحسين علاقاتها مع دول المنطقة.
من جانبها، فإن الإمارات لديها أيضًا أسبابها الخاصة التي تدفعها للقلق بشأن موقفها في المنطقة والذي يمكن تعزيزه بعلاقات أفضل مع تركيا.
وقال "يوسف إيريم"، المحلل الدفاعي والأمني في قناة " TRT World": "بدأت الإمارات في الاستعدادات لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وهذا الاتصال الأول مع أنقرة هو خطوة ذكية لتقليل اعتمادها على واشنطن".
وخلال السنوات الأخيرة، أصبح شركاء واشنطن المقربون في الخليج متشككين بشأن الالتزام الأمريكي بأمنهم على المدى الطويل، وقد تفاقم ذلك بفعل الانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان، والذي أدى لتشكك عالمي حول مدى هيمنة الولايات المتحدة.
ويبدو أن ديناميات مماثلة دفعت "طحنون" لزيارة أمير قطر الشيخ "تميم بن حمد آل ثاني" في الدوحة في 26 أغسطس/آب.
وبالنظر إلى مدى تدهور العلاقات الإماراتية القطرية منذ عام 2017، فإن قرار "طحنون" بزيارة العاصمة القطرية ولقاء أميرها كان علامة على أن أبوظبي تختبر التقارب مع الدوحة وكذلك أنقرة.
سيكون من الحمق التنبؤ بثقة بمستقبل علاقات أبوظبي وأنقرة، وما يزال يتعين رؤية النتائج الملموسة التي ستنجم عن اجتماع 18 أغسطس/آب واتصال "أردوغان" بولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، حيث ما تزال هناك مستويات عالية من العداء وعدم الثقة التي تراكمت على مر السنين.
ونظرا للتراجع النسبي للهيمنة الأمريكية، برزت فراغات في النفوذ في أماكن مثل ليبيا، التي دعمت فيها الإمارات وتركيا الأطراف المتصارعة.
وفي سوريا، فعلت الإمارات الكثير لمحاولة إعادة دمج نظام "بشار الأسد" في المجال الدبلوماسي العربي، وهو شيء لن ترحب به أنقرة بالنظر إلى أن مخاوف الإمارات من أجندة تركيا كانت دافعًا كبيرًا خلف جهودها في تعزيز النظام السوري.
وسيتطلب إصلاح العلاقات الثنائية مزيدا من المشاركة والحوار بين البلدين اللذين يحكمهما قيادات تنظر إلى الشرق الأوسط من خلال عدسات أيديولوجية مختلفة للغاية.
وتتجلى هذه الاختلافات بشكل خاص فيما يتعلق بالمسائل المرتبطة بالدور المناسب الذي يلعبه الإسلاميون في النظم السياسية للدول العربية، حيث إن أنقرة لديها سياسة خارجية صديقة لجماعة "الإخوان المسلمين" بينما تعتبرها أبوظبي منظمة إرهابية.
ومع ذلك، يمكن أن يساعد التقارب الإماراتي التركي في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وبالتالي ينبغي تشجيعه من قبل جميع الأطراف بما في ذلك واشنطن.
أما بالنسبة لعلامات نجاح الاجتماع بين "طحنون" و"أردوغان" والاتصال بين "بن زايد" و"أردوغان"، فيمكن أن تتجلى في استثمارات إماراتية جديدة في تركيا، وتهدئة الخطاب القاسي المتبادل في وسائل إعلام البلدين، واجتماع بين "أردوغان" و"بن زايد".