التوافق التركي الإماراتي وموقع السيسي والإخوان منه
المفاجأة الأهم هذا الأسبوع ، كانت تتمثل في قيام الإمارات بدعوة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لزيارتها بصورة مفاجئة ، وهي الدعوة التي قوبلت بترحاب يكشف عن كونها تأتي في سياق سلسلة من الحوارات واللقاءات التمهيدية غير المعلنة ، وعندما وصل وزير الخارجية التركي إلى أبو ظبي استقبله على الفور الشيخ محمد بن زايد ، الشخصية الأقوى والحاكم الفعلي في الدولة ، ونشرت وكالات الأنباء صور اللقاء تبدي حميمية غير عادية وضحكا من القلب من كل الأطراف وحركات فيها رفع للكلفة وكأنها بين صديقين ودودين من سنوات طويلة ، وكان أول قرار أعلن عنه هو عودة السفير الإماراتي إلى أنقره خلال أسبوعين ، كما لوحظ أن سفير الإمارات في مصر محمد بن نخيرة الظاهري غادر القاهرة في نفس اليوم متوجها إلى أبو ظبي ، وهي سفرة غير عفوية بالتأكيد ، وأغلب الظن أنها مرتبطة ببعض ما يدور بين الجانبين التركي والإماراتي من حوارات ، وأن القاهرة وشئونها كانت حاضرة في الحوار . عندما تتحدث عن الخلاف التركي الإماراتي فأنت تتحدث قطعا عن السيسي و"الإخوان" ومحمد مرسي ، لأن الموقف من جماعة الإخوان ومن "شرعية" الرئيس الأسبق محمد مرسي ، هما محور الخلاف وجوهره وربما منتهاه بين البلدين ، فالإمارات تعلن حربا ضروسا ضد الإخوان في كل مكان ، وتنفق المليارات في مجال التسليح أو الدعم الاقتصادي أو التغطية الإعلامية من أجل إجهاض مشروعهم أو نفوذهم السياسي في أي دولة ، كما أنها تعتبر شريكة فاعلة بقوة في عملية الإطاحة بالرئيس "الإخواني" محمد مرسي بعد عام واحد من توليه السلطة في مصر ، وتركيا من جهتها تعتبر أن الإطاحة بمرسي هل عمل إنقلابي تآمري مدان وغير شرعي ولا يمكن الاعتراف به ، كما تحتضن تركيا قيادات ونشطاء الإخوان وتدعمهم سياسيا وإعلاميا وديبلوماسيا وتوفر لهم ملاذات آمنة وقدرات غير محدودة على الحركة وإرهاق النظام المصري ، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتبنى قضيتهم كفرض ديني وواجب أخلاقي ، ويضع مجسم علامة "رابعة" على مكتبه الرئاسي وهو سلوك مثير للغاية ويعني أن التعاطف مع الضحايا أعمق كثيرا من مجرد الاستنكار ، وقد تسبب الصدام بين البلدين على تلك الخلفية إلى خصومة سياسية حادة وحملات تشهير متبادلة وحرب اقتصادية قادتها الإمارات قبل حوالي ثلاثة أعوام تسببت في خسارة الاقتصاد التركي مائة مليار دولار في شهر واحد وكانت ضربة عنيفة لأردوغان وحكومته . في ظل هذا التناقض الصارخ بين الموقفين ، تصبح مسألة المصالحة التركية الإماراتية في هذا التوقيت علامة استفهام كبيرة ، ويمكن القول بأنها تكشف عن "تحول" ما ، في الحسابات الإماراتية والتركية من الأحداث الحالية ، أو أنها تأتي في سياق جهود غير معلنة للبحث عن مخرج من الانسداد السياسي الذي سببته أحداث مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية ، والذي وضح أنه يمثل استنزافا للجميع ، وأنه بلا أفق للحل ، والمستقبل فيه مفتوح على المجهول كما أنه يعطل جهودا عربية أمام تحديات إقليمية خطيرة للغاية ، والملاحظ أن الشيخ محمد بن زايد كان قد وصل إلى القاهرة قبل لقائه مع الجانب التركي بثلاثة أيام ، في زيارة خاطفة ، لم تستغرق ساعات ، وأعلن في نهايتها عن دعمه للاقتصاد المصري بأربعة مليارات دولار ، اثنان منهما وديعة نقدية لتعزيز الاحتياطي النقدي خاصة وأنه معرض لخسارة اثنين مليار في يوليو المقبل لسداد وديعة قطرية مستحقة بمليار ونصف المليار وقرابة نصف مليار أخرى لسداد حقوق شركات النفط ، والملياران الآخران استثمارات حرة ، ثم عاد "بن زايد" بعد تلك الزيارة مباشرة ليرتب لدعوة وزير الخارجية التركي للزيارة المفاجئة والتي لا يعرف على وجه التحديد ما الذي جرى فيها ، لأن ما أعلن عنها هو العناوين النمطية في الصحافة العربية الرسمية عن العلاقات المشتركة وقضايا المنطقة . من الصعب تصور أن طرفا من الاثنين قرر إسقاط موقفه بشكل كامل ، بمعنى أنه من غير المتصور أن تكون الإمارات قد قررت بيع نظام السيسي والتخلي عنه ، وكذلك من غير المتصور أن تكون تركيا قد قررت بيع الإخوان وقضية محمد مرسي والتخلي عنها ، والأقرب للتصور أن الطرفين قررا الوصول إلى حلول وسط وقواسم مشتركة ، وهذا يعني أن كل طرف قد قرر أن يبتعد عن رهانه مسافة كافية للالتقاء بالطرف الآخر الذي يتوجب عليه هو الآخر الابتعاد عن رهانه مسافة أخرى باتجاه الشريك الجديد ، ويبقى الواقع الجديد رهينا لحساب "مسافة البعد" هذه ، وأعتقد أن أحداث وتصريحات ومواقف الأسابيع المقبلة ربما تكشف لنا ـ عمليا ـ هذه المسافة الجديدة ، تجاه الإخوان والسيسي ، من أبو ظبي وأنقره على حد سواء .