دراسة: التقارب التركي الإماراتي .. الأبعاد والدلالات
المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية
يمني سليمان
بعد انتهاء فعاليات القمة الإسلامية التي شهدتها مدينة إسطنبول التركية، بين 10 و15 أبريل 2015، قام المسؤولون الأتراك بعدد من الزيارات للدول الخليجية، فكانت زيارة وزير الخارجية التركي "جاويش أوغلو" للمملكة السعودية (الأحد 24 أبريل 2016)، ومنها انتقل لزيارة الإمارات العربية المتحدة (الإثنين 25 أبريل)، بجانب زيارة رئيس الوزراء التركي "داوود أوغلو" إلى قطر (الأربعاء 27 إبريل).
التغير النوعي هنا يتمثل في زيارة وزير الخارجية التركي للإمارات، لأن علاقات الدولتين شهدت الكثير من التوترات، وتم سحب السفير الإماراتي من أنقرة منذ 2013، نتيجة لاختلاف وجهات النظر حول الانقلاب العسكري في مصر الذي دعمته الإمارات بينما اعترضت عليه تركيا.
ومن هنا تأتي أهمية الوقوف على دلالات هذه الزيارة المفاجئة، والإعلان عن عودة السفير الإماراتي إلى أنقرة في السابع من مايو 2016:
أولاً: دوافع التقارب التركي ـ الإماراتي:
اتسمت العلاقة بين البلدين قبل الثورات العربية بالقوة والنمو المتسارع لاسيما من النواحي الاقتصادية والعسكرية، ولكن مع تداعيات الانقلاب العسكري في مصر، وتعارض السياسات، شهدت العلاقات تدهورًا كبيرًا وصل إلى حد التراشق اللفظي، وتداول تقارير تتحدث عن تسريبات عن سعي الإمارات للإعداد لانقلاب علي الرئيس التركي أردوغان، ولكن برزت مؤشرات على احتمالات التقارب مع تصريحات الرئيس أردوغان حول على العلاقات مع دول الخليج والإمارات على وجه التحديد، وتأكيده على أن هناك علاقات على مستوي منخفض ولكنه يسعي لحل الأزمة وتحسين العلاقات معها، وتجنب الخلاف حول الوضع في مصر بالطرق الدبلوماسية، كما أظهرت الإمارات رغبتها مؤخرًا في التقارب مع تركيا.
وهنا تأتي أهمية الوقوف على دوافع الطرفين نحو هذا التقارب:
1ـ الدوافع التركية:
(أ) تركيا منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة، نوفمبر 2016، وفوز حزب العدالة والتنمية وتمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا تورطت في العديد من الصراعات الإقليمية وتحولت من سياسة تصفير المشكلات والاعتماد على القوة الناعمة كأساس حاكم لعلاقاتها الخارجية إلى الاعتماد على مزيد من القوة الصلبة العسكرية. ونتج عن هذا تورطها في الصراع مع روسيا بعد حادث إسقاط الطائرة الروسية، كما تورطت في الداخل السوري كذلك. بالإضافة إلى فقدان حلفائها التي كانت تعول عليهم من بعد ثورات الربيع العربي في المنطقة في مصر وتونس كحلفاء استراتيجيين مما أدي إلى حصرها نسبيا وربما عزلها عن أقرب شركائها. لذلك هي بحاجة إلى تكوين تحالفات جديدة، ولو مؤقتة، لتجنب العزلة التي خلقها حولها محيطها الإقليمي وما يفرضه عليها وضعها الجيوسياسي.
(ب) تمدد تنظيم داعش في المنطقة ولاسيما في الجوار التركي والذي يمثل خطر على أمنها القومي بل ويصيبها بالعديد من الاعتداءات بين الحين والآخر، لذا فالحاجة لدول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات اللتان تتفقان معها في الموقف من داعش قد يساعدها على مواجهة التنظيم بشكل أكثر فاعلية.
(ج) التوصيات الأمريكية في المنطقة بضرورة العمل على القضاء على تنظيمي داعش والقاعدة والتي أكدت عليها زيارة أوباما لدول الخليج وزيارات كيري في المنطقة في الفترة الأخيرة؛ مما يدفع تركيا للتنسيق مع دول المنطقة وفقًا للخطة المتبناة للقضاء على تلك التنظيمات.
(د) الملف الإيراني وتصاعد نفوذه في المنطقة واعتبار أن دول الخليج هي الداعم الأكبر لها نظرا لتقارب وجهات النظر بشكل كبير مع الأخذ في الاعتبار أن مجرد الخطاب السياسي التركي في هذا الاتجاه يمثل الكثير للمجتمع التركي بسبب طبيعة إدراك الأتراك لهذا البعد.
(هـ) العامل الاقتصادي لا يمكن تجاهله في السياق التركي فالإمارات تعد ثاني أكبر سوق في الشرق الأوسط وتاسع أكبر سوق للتصدير بالنسبة للاقتصاد التركي حيث تقدر حجم الصادرات التركية للإمارات بـ 4.6 مليار دولار من السلع والخدمات سنويًا والتي لا تستطيع تركيا تحمله في ظل تراجع صادرتها. بجانب حجم الاستثمارات الاقتصادية التي يمكن أن تقوم بها الإمارات في تركيا أو تعتمد فيها على الخبرات التركية.
(و) أن الإمارات تمثل سوقاً واسعاً للأسلحة التركية بما يساهم في تدعيم الصناعات الحربية التركية وتوسيع إنتاجها.
(ز) تركيا أوشكت على الوصول لتعاون متكامل وتطبيع مع السعودية في العلاقات الثنائية وهناك جهود تركية إسرائيلية لتحقيق هذا ولكن الدور المصري سيبقى الحائل دون ذلك أو على الأقل عقبة والتقارب مع دولة كالإمارات أو السعودية في ظل تأثير دول الخليج على التوجهات المصرية قد يساهم في تسهيل الترتيبات المصرية التركية.
2ـ الدوافع الإماراتية:
(أ) كادت الإمارات تفقد أوراقها وحلفائها في المنطقة ولاسيما بعد كشف الكثير من الأبعاد حول ممارساتها في المنطقة بداية من ليبيا وتورطها مع المبعوث الأممي ليون، ثم تونس وإعلان المرزوقي أن الإمارات تتدخل في الشأن التونسي وتضر بمصالحه، ثم اليمن وما حدث من عزل بحاح وتعيين الأحمر الموالي للسعودية، وتبع هذا صمت إماراتي ربما كمحاولة لترتيب أوراقها من جديد. فالتقارب مع تركيا يكسبها حليف قوي في المنطقة يعوضها عن ما فقدته من أوراق.
(ب) أن هذا التقارب من شأنه أن يهدئ من العلاقات مع السعودية وهو ما تحتاجه الإمارات حاليًا ولا سيما مع الوضع المضطرب سياسيًا في مصر، خاصة وأن علاقات الإمارات مع السعودية شهدت بعض التوترات لاسيما في ملف اليمن وسوريا، بجانب العلاقات الإماراتية الإيرانية والروسية والتي قد تثير حفيظة السعودية لذا ربما تسعى الإمارات إلى إعادة التموضع في المعادلات الجديدة.
(ج) أن السعودية الآن تمثل مصدر جذب للإمارات ولاسيما في إطار الوضع في مصر والقمة الخليجية الأمريكية بجانب أن السعودية أصبحت على تقارب من إسرائيل ولاسيما بعد دخولها ضمن اتفاقية كامب ديفيد بعد ضم جزيرتي تيران وصنافير إليها.
(د) المواجهة الإماراتية مع تنظيمي داعش والقاعدة واتفاقها في ذلك مع تركيا مما قد يجمعهما على التنسيق بينهما، في ظل التوجيه الأمريكي الأخير، وخاصة أن تركيا تمثل مركز قوة في القضاء على هذه التنظيمات من قربها من الحدود السورية وإحكامها السيطرة في الفترة الأخيرة وسماحها لقوات البشمرجة بالمرور من أراضيها مما أضعف من هذه التنظيمات بجانب النفوذ العسكري التركي في العراق والذي يدعم موقفها في ردع هذه التنظيمات.
(هـ) أن التقارب الإماراتي مع تركيا، بجانب الدوافع الأخرى، يمكن أن يساعد الإمارات في تحسين صورتها في على المستوى الإقليمي، بعد كل الممارسات التي تورطت فيها.
ثانياً: دلالات التوقيت:
إن معظم هذه الدوافع ليست جديدة على مشهد العلاقات بين البلدين لكن هناك منها ما قد يعد المفسر لتوقيت التقارب الحالي:
1ـ قمة التعاون الخليجي الأمريكي وزيارة جون كيري للمنطقة وما تبعها من توجهات تستهدف القضاء على توغل وتمدد تنظيم داعش والقاعدة في المنطقة مما يقتضي تحالف دول الخليج مع تركيا لتكوين جبهة موحدة تستطيع إنجاز المهمة. والتي أعقبها الضربات العسكرية السعودية الإماراتية بمساعدة الجيش اليمني على القاعدة في منطقة حضرموت باليمن والتي أسفرت عن مقتل 800 عنصر من تنظيم القاعدة.
2ـ الضغط السعودي المتزامن مع تصاعد أوراقها في الوقت الحالي بالنسبة للإمارات.
3ـ التحالف الإماراتي مع فواعل دولية هامة منها روسيا وفرنسا والرباعي اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل.
4ـ الوضع غير المستقر في مصر واحتمالية تغيير رأس النظام وما يمكن أن تنتج عنه من تداعيات على المنطقة. لذا فقد تري الإمارات ضرورة إيجاد بدائل للحلفاء جديدة.
ثالثاً: سيناريوهات التقارب التركي ـ الإماراتي:
في إطار الدوافع والدلالات السابقة، تبرز عدة سيناريوهات:
الأول: سيناريو التقارب المتدرج:
يرى البعض أن تقاربًا تدريجيًا بين الإمارات وتركيا يبدو في الأفق يبدأ بالزيارات الرسمية على المستوي الوزاري كما كان في زيارة وزير الخارجية تمهد لمزيد من التعاون والتنسيق بين البلدين. ويرجح هذا الرأي أن عدم التوافق على عدة ملفات بين البلدين إلى جانب الرواسب التي يشعر بها المجتمع التركي والنظام التركي تجاه التسريبات التي أشارت إلى تورط الإمارات في دعم انقلاب على النظام التركي؛ فالمخاوف لم تزل تمامًا من الجانب التركي حتى لو على المستوى الشعبي لذا فالتدريج سيكون أوقع.
الثاني: سيناريو التقارب النوعي:
ويقوم على أن تركيا ستتقارب من الإمارات في الملفات المشتركة فقط كمحاربة داعش من قبل تركيا في مقابل الاستثمارات الإقتصادية على سبيل المثال. أي أن التقارب سيكون نوعي في بعض المجالات وليس كلها. ولاسيما بعد معرفة السعي الإماراتي في زيارة "جاويش أوغلو" إلى محاولة طلب تسليم المعارضين الإماراتيين المقيمين بتركيا والرفض التركي للطلب لأنه يتناقض مع المبادئ التركية والقوانين الدولية ومعاهدات الأمم المتحدة. بالإضافة إلى عدم تطرق الإمارات للحديث عن الملف المصري أثناء الزيارة. لذا من المتوقع أن يتم تجنب الشأن المصري وملف الإخوان المسلمين في مصر ودعم ثورات الربيع العربي.
الثالث: سيناريو التعاون ضمن آلية حاكمة:
أي تحول التقارب إلى تعاون بين البلدين وترسيخ التعاون باعتماد آلية حاكمة كعقد اتفاقيات للتعاون العسكري أو مذكرات تفاهم. فكما قامت تركيا بتوقيع اتفاقيات للتعاون العسكري مع قطر في العام الماضي وإنشاء مجلس تنسيقي سعودي تركي مؤخرًا فإن تركيا ستسعى في إطار تقاربها مع دول الخليج وتشكيل جبهة حلفاء من الدول العربية والإسلامية كظهير لها في المنطقة بجانب الرغبة الإماراتية في الفترة الحالية وضمن إطار التوجهات الأمريكية في المنطقة. أو ربما يكون هناك تغير قريب في المشهد المصري الداخلي تحدث معه انفراجة في الأزمة ويتم فيها تغيير السيسي بواجهة أخري ويتحقق بها بعض من شروط تركيا فيما يتعلق بخروج المعتقلين وإلغاء أحكام الإعدام وبذلك يحدث تغير في معطيات الأمور مما يرفع عن تركيا أي قيود مبادئية وضعتها على نفسها وتعلي من شأن مصالحها مع الإمارات.
والرأي المرجح أن تركيا ستفصل ما بين تقاربها من الإمارات الذي تأخر طويلًا لقرابة السنتين وستنحي قضايا الخلاف جانبًا وتبدأ نوع من التقارب النوعي الذي في الأغلب سيتزايد تدريجيًا فيما بعد وفقًا لمعادلة المصالح المشتركة بين البلدين. هذا التدريج ربما ينتهي بمزيد من التعاون بين البلدين أي أن سيناريو التقارب النوعي سيكون بداية التقارب ووفقًا للمعطيات الجديدة ربما تساق العلاقات إلى السيناريوهين الآخرين. أما عن سيناريو عودة تدهور العلاقات مرة أخري فليس متوقعاً في الفترة الحالية على الأقل، فالمشهد يبدو تقاربيًا أكثر من كونه تباعديًا.