فايننشال تايمز: التنافس على جذب المستثمرين بين السعودية والإمارات يحتد

فايننشال تايمز: التنافس على جذب المستثمرين بين السعودية والإمارات يحتد

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعده أندرو إنغلاند وسايمون كار، عن “التوترات الخليجية: السعودية تستعرض عضلاتها الاقتصادية” ناقشا فيه التنافس بين دول الخليج في مجال الاستثمارات وجذب الأموال لأراضيها، حيث تحاول كل واحدة منها البحث عن مستقبل بعيدا عن النفط الذي اعتمدت عليه في التنمية طوال العقود الطويلة الماضية.

 

وقال الكاتبان: “عندما عدلت السعودية من شروط الاستيراد من الدول الخليجية الجارة، صعق القرار مدراء مجموعة إماراتية واتصلوا بالشاحنات المحملة بكل شيء من العبوات الكرتونية إلى المنصات الفولاذية وطلبوا منها العودة إلى دبي بعدما وصلت إلى الحدود السعودية. وقام المسؤولون في الوقت نفسه بالاتصال مع عملائهم في المملكة وأخبروهم إن كانوا سيقبلون زيادة كلفة التعرفة الجمركية ما بين 5- 15% على المنتجات التي كانت تشحن لسنوات بدون تعرفة عليها”.

 

وقال مسؤول: “لقد شعرنا بالفزع المطلق. ولم يكن لدينا فكرة عما يجب عمله بالشحنة”. وتعثرت عمليات نقل البضائع عبر الحدود لمدة أسبوع قبل أن يوافق العملاء في السعودية على قبول الضربة المالية والتقدم للأمام.

 

لكن الحادث كان تحذيرا من أن العلاقات الدافئة التي تمتعت بها الشركات التي اتخذت من الإمارات مقرا لها مع السعودية -السوق الرئيسي للكثير من دول الخليج- قد اهتزت. فلعدة عقود استثمرت الإمارات قربها من السعودية لتقديم فرص جذابة لمدراء الشركات والمحامين والمستشارين والمصنعين العاملين في السعودية، السوق الرئيسي وأكبر اقتصاد في الشرق الأوسط. ولهذا قامت معظم الشركات الاستثمارية الكبرى، ببناء مقرات لها في الإمارات التي قدمت جوا ليبراليا، وسافر مدراؤها إلى المملكة المحافظة كلما استدعت الحاجة.

 

وتشير الصحيفة إلى أن خطط التحديث التي بدأ بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عنت أن الأمور لن تبقى على حالها. فهو يريد من الشركات التي تدير عمليات لها في المملكة وبخاصة مع الدولة التي تعتبر الدافع الرئيس لعمليات التنمية والتطوير، أن تعمل من داخل البلاد وتوظف السعوديين وتعمل على تحويل المملكة التي كانت مرة نائمة إلى مركز ديناميكي للمنطقة كلها.

وهو يراهن والرجال حوله، أن السعودية وإن افتقدت للكثير من المميزات التي تقدمها دبي مثل الراحة والترفيه بالإضافة لمؤسسة التنظيمات المستقلة “مركز دبي المالي العالمي” فإن الحجم يهم أكثر.

 

ووصف مسؤول سعودي الوضع بأنه “مثل العملاق الذي صحا” وبدأ ينفض الغبار عن جسمه. وهذه الصحوة بدت على شكل تحذيرات للشركات بأنها لن تحصل على عقود مع الدولة السعودية حالة لم تنقل عملياتها إلى الرياض بحلول عام 2024. ثم عدلت الرياض من تنظيماتها على الاستيراد من الدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي- الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين. وألغت التغييرات الاعفاءات الجمركية التي أقرها مجلس التعاون على البضائع المصنعة في المناطق الحرة والتي أعفيت من التنظيمات بما فيها الشروط التي تؤكد على أن تكون الشركات مملوكة في معظمها من مواطنين أو تنتجها شركات تشكل فيها قوة العمالة المحلية حوالي 25% أو أكثر.

 

وحظرت الرياض السفر إلى الإمارات ودول أخرى بذريعة فيروس كورونا، لكن الإمارات فسرت الحظر بطريقة أخرى. وتم رفع الحظر بعد يومين عندما اتصل الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي مع الأمير محمد في أيلول/ سبتمبر. ويقول مدراء الشركات في دبي وأبو ظبي إن المسؤولين الإماراتيين ورجال الأعمال فوجئوا. وقال مستشار بارز: “في البداية كانت هناك صدمة. وطلب من الكثير من العملاء للإنتاج في السعودية أو توظيف سعوديين وإلا فرضت عليك أو منعت بضائعك”.

 

ووجدت الشركات الدولية نفسها أمام مأزق في الإستجابة لطلبات الأمير محمد ونقل عملياتها إلى السعودية بشكل سيؤدي لتغيير حياة المدراء الإقليميين في دبي. وتواجه الشركات ضغوطا متزايدة للتوقيع على رخص تضفي الرسمية على خططها قبل مؤتمر الاستثمار السنوي الذي سيفتتح يوم الثلاثاء مع أن التنظيمات التي تحدد عمل الشركات الأجنبية والإستثمارات ليست جاهزة كما يقول أحد المدراء التنفيذيين.

 

وفي كانون الثاني/ يناير، أعلنت السعودية عن 24 شركة منها “بيبسي كولا” وشركة خدمات النفط “شلام بيرغر للهندسة” وشركة الإنشاءات “بيكتيل وبي دبليو سي للإستشارات” والتي وقعت اتفاقيات مبدئية لنقل مقراتها إلى الرياض. وقال مصرفي دولي مقره في دبي، إن مجموعته لو بدأت عملها في المنطقة اليوم فسيكون مقرها السعودية.

 

وقال مدير آخر إن شركته ستقلل من حجمها في دبي وستزيد من عملياتها في الرياض بسبب حجم الأعمال في السعودية. لكن بعض الشركات اشتكت من تعرضها للضغوط ويرون أن الإنذارات والتهديدات هي مثال آخر حول لجوء الأمير محمد إلى العصا بدلا من الجزرة. وقال: “كان الشعور في البداية بأننا سنعاقب” ولكن “يجب علينا الإنتقال” إلى الرياض في النهاية.

 

وتشير الصحيفة إلى التنافس القديم بين الإمارات والسعودية أكبر اقتصاديين في دول مجلس التعاون، ففي عام 2009 تم التخلي عن فكرة إنشاء مصرف مركزي لدول المجلس وعملة مشتركة بينها نظرا لاعتراض الإمارات على إنشاء المركز في الرياض بدلا من أبو ظبي. وازدهرت العلاقات بعدما لعب الشيخ محمد دور المرشد والداعم لصعود الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العرش. وقال محللون إن العلاقات اتسمت بالبرود عام 2018 بعد مقتل جمال خاشقجي، حيث خشي المسؤولون الإماراتيون من تعرض سمعتهم للضرر وسط الشجب الدولي لولي عهد السعودية. ثم لم ترتح السعودية من قرار الإمارات سحب قواتها من اليمن في 2019 واختلفتا في الفترة الأخيرة حول إنتاج النفط في مجموعة أوبك+.

ويقول المحللون إن الأميرين يتفقان على الأمور الأساسية وهي تهديد إيران والحركات الإسلامية، لكن الأمير محمد لا يريد أن تكون بلاده اللاعب الأصغر في العلاقة.

 

وفي الرياض، يؤكد المسؤولون أنهم لا يستهدفون الإمارات، بل يحاولون تحقيق أهدافهم. وقال مسؤول سعودي: “هذا ليس عن السعودية ضد الإمارات، وطموحاتنا هي أبعد من دبي التي ستظل قائمة، لكن التنمية في المنطقة ستظل هكذا (مشيرا إلى السقف) ونريد أن نحصل على أكبر قدر منه”. وأضاف أن نمو السعودية يترجم لنمو المنطقة كلها. وسواء كان هذا أمرل مقصودل أو غير مقصود، فالإمارات في مرمى الهدف. فبعد فرض التعرفة الجمركية الجديدة في تموز/ يوليو، انخفض التصدير الإماراتي للمملكة بنسبة الثلث. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2019 24 مليار دولار بفائض 2.8 مليار دولار لصالح السعودية، حسب الإحصاءات الرسمية.

 

وتشير البيانات الإماراتية إلى أن حجم التجارة بما فيها إعادة التصدير وصلت إلى 30 مليار دولار أمريكي في ذلك العام بفائض إماراتي بحوالي 17 مليار دولار. وما لا يختلف عليه هو أن اقتصاد السعودية بقيمة 700 مليار دولار يقزم الناتج الإماراتي 421 مليار دولار، في حين أن سكانها الـ33 مليون نسمة يتفوقون بثلاث مرات على سكان الإمارات الـ10 ملايين، نسبة 90% هم من الأجانب.

 

وقال مسؤول مصرفي إن السعودية هي في حجم أوروبا الغربية بشاطئين طويلين على طرق الملاحة البحرية، ولو رسمت خريطة اقتصادية، لوضعت كل شيء في الرياض، وأضاف أن أبو ظبي طالما اعتمدت على الرياض في تنفيذ السياسة والمشاريع، وهناك فرصة لأن تعيد السعودية ترتيب أمورها، لكنها متأخرة كثيرا عن جارتها، فالمسألة هي رشاقة مقابل ناقلة عملاقة.

 

وتشير الصحيفة إلى أن قوة السعودية اللقتصادية تعززت بالمشاريع الكبرى التي يجري العمل عليها، وتعهد هيئة اللستثمار العام، بإنفاق 40 مليار دولار سنويا حتى عام 2030 على مشاريع اقتصادية. لكن بعض المحللين يتساءلون عن قدرة السعودية على تمويل عدد كبير من المشاريع الكبرى، وفيما إذا كانت العضلات المالية كافية لجذب المستثمرين.

 

وحتى هذا الوقت، لم يظهر الاستثمار الأجنبي المباشر أي شهية لخطط الأمير محمد. ومنذ إعلانه عن رؤية 2030 في 2016، تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر من 7.45 مليار دولار في 2016 إلى  1.42 مليار في 2017 حسب أرقام الأمم المتحدة. وزادت النسبة إلى 5.5 مليار دولار العام الماضي، وقال المسؤولون إنهم منحوا 400 رخصة لمستثمرين أجانب في الربع الأول من 2021. لكنها تظل أكثر من ربع ما حصلت عليه الإمارات من استثمار أجنبي مباشر وأقل من الهدف المحدد وهو 100 مليار دولار بحلول عام 2021.

 

ويرى المحللون أن التحفظ في الاستثمار الأجنبي المباشر راجع إلى المناخ التنظيمي وضعف النمو وسمعة المملكة في ظل حكم الأمير محمد بن سلمان، وتداعيات مقتل خاشقجي وحملة ملاحقة رجال الأعمال والأمراء عام 2017. ولا تزال هناك حملة وإن بوتيرة منخفضة للمسؤولين بذريعة مكافحة الفساد. وقال المستشار البارز: “لا تزال مخاطر السمعة تثير قلق المستثمرين الأجانب”.

 

ويقول المسؤولون السعوديون إنهم يحاولون معالجة مظاهر قلق المستثمرين وفتح المجال أمام المدارس الدولية، ووافقت كلية كينغز كوليج على فتح فرع لها في الرياض. وكذا مجموعة سيك التعليمية الإسبانية لإكمال مدينة الملك عبد الله المالية التي أعلن عنها قبل 15 عاما والتي ستكون “منطقة استثمار خاصة” لجذب الاستثمار الأجنبي.

 

وتعمل الحكومة على إطار تنظيمي وبناء شبكة نقل بكلفة 27 مليار دولار للرياض مع أن العمل بطيء بسبب الخلاف بين الشركة والسلطات السعودية حول المدفوعات. لكن التحدي الأكبر أمام الرياض هو جذب المصنعين للسيارات والطائرات وشركات البيئة والأدوية والبيوتكنولوجي.

 

ويرى وزير المالية خالد الفالح، أن السعودية متميزة على غيرها من ناحية المساحة والأراضي المتوفرة وانفتاحها على البحر الأحمر ،بحيث يجعلها لا تحتاج لمضيق هرمز والصناعات البيتروكيماوية الضخمة. وستقوم المملكة بفتح مناطق حرة في معظم انحاء البلاد.

 

وقال مدير شركة غربية، إن السعودية يمكنها جذب الاستثمار الأجنبي المباشر لو كانت هناك حوافز كافية “القدرة على توظيف العمالة الرخيصة والضرائب المنخفضة والدعم على المنافع لكن كل هذا يختفي” في إشارة للضغط على الشركات توظيف سعوديين وقطع الدعم. وقال هناك تضارب في عمل الوزارات التي أنشئت لوضع أهداف لخطط الأمير. و”هناك عدم تناسق كبير، فعندما تتحدث مع المسؤولين في وزارة الإستثمار يقدمون لك صورة عن جنة للمستثمر. وعندما تتحدث مع الشركات التي تعيش هناك فتعطي صورة عن جهنم”.

 

وأضاف أن هناك إصلاحات جيدة وبخاصة في مجال التنظيمات ولكن الكثير من العادات القديمة لا تزال هناك. ولا تنتظر الإمارات ما ستسفر عنه خطط الرياض، فهي تقوم بمواجهة المنافسة الجديدة ومنح تأشيرات عمل طويلة الأمد للأجانب وسمحت لهم بملكية الشركات. وفي الوقت الذي تنتشر فيه الشائعات عن رفع السعودية الحظر عن الخمور وبخاصة في مدينة الملك عبد الله المالية ومشاريع البحر الأحمر السياحية، هناك شائعات عن خطط لعدم تجريم المثليين في الإمارات وتغيير العطلة من الجمعة إلى الأحد.

الكاتب