مركز مناصرة معتقلي الإمارات يكشف تفاصيل مرعبة عن حجم الانتهاكات وواقع المعتقلين في "سجن الوثبة"
نشر مركز مناصرة معتقلي الإمارات تحقيقا مطولا كشف خلاله تفاصيل مرعبة عن حقيقة الوضع في "سجن الوثبة" والذي لا تتوفر فيه أدنى معايير الحياة الإنسانية، حيث يقبع فيه بعض معتقلي الرأي إلى جانب السجناء الجنائيين.
وقال مركز مناصرة معتقلي الإمارات إنه وثق عبر شهادات المعتقلين السابقين في "سجن الوثبة" أن الأسرة في العنابر تتسع لـ 12 سجيناً، لكن وجود أكثر من 20 شخصاً، يضطر بعض المعتقلين للنوم على الأرض بين الأسرّة.
ولفت المركز، إلى أن مسؤولو السجن، يعاقبون المعتقلين عقابًا جماعيًا، لأي خطأ، مهما كان بسيطًا. وقال لنا أحد المعتقلين السابقين: "إن الرائد إبراهيم الحمادي، مدير الأمن في السجن حرم المعتقلين في أحد العنابر من استخدام الهواتف والمكتبة والمقصف لمدة أسبوع بسبب مشاهدته مياهً على الأرض."
ووثق المركز واقعة في أكتوبر 2020، حيث أشعل المعتقلون في عنبر رقم 9 النار من أجل لفت انتباه الحراس أن معتقلاً قد انتحر، لأن الحراس في سجن الوثبة يرفضون الاستجابة للمعتقلين، وبقيت جثته مدة طويلة دون أي تحرك من إدارة السجن، واحترامًا لخصوصية المتوفى وذويه، وتحفظ المركز عن ذكر اسمه.
وأكد المركز أن جميع الحالات التي وثقها لمعتقلين سابقين في سجن الوثبة، أشارت إلى وجود إهمال طبي متعمد، فالطبيب والممرضون يكتفون بصرف مسكنات "الباراساتيمول" للمعتقلين مهما كانت أمراضهم، دون متابعة لحالاتهم.
ولفت إلى أن أغلب مسؤولي السجن غير متعلمين، ويقومون بمعاملة السجناء بشكل سيء، وعندما يشتكي السجناء من سوء الطعام، وتواجد الحشرات فيه، يأتي رد الإدارة بأن هذه من "مميزات الطعام".
وأوضح أن "مسؤولو السجن يرفضون الاستماع إلى أي شكوى، وعندما يريد السجين تقديم طلب أو شكوى يجب أن يكتب رسالة لإدارة السجن، حيث يتم تجميع الرسائل في صندوق كبير، وغالباً تُرمى في القمامة دون رد".
وبسبب الوضع القذر داخل المعابر، واتساخ المياه، يكشف المركز عن انتشار الأمراض، أبرزها حسب ما رصد المركز، حساسية جلدية، حصى في الكلى، تسوس في الأسنان. بعض المعتقلين ذكروا لنا أعراضاً وأمراضاً غريبة تنتشر لم يتسنَّ التحقق من طبيعتها، كما أشاروا إلى قيام طبيب الأسنان بخلع المتسوسة بدلاً من علاجها.
وذكر العديد من المعتقلين أن الفساد مستفحل داخل سجن الوثبة، ففي الوقت الذي لا يمكن للسجين الحصول على نسخة من القرآن الكريم، فإنه يستطيع الحصول على مخدرات وهواتف مقابل دفع الأموال.
وكشف التحقيق عن وجود أنواعاً متعددة من المخدرات تباع داخل سجن الوثبة، إذ تتوفر سجائر الحشيش وحبوب الكابتكول والترامدول. بعض الحبوب المخدرة مثل السيركويل يتم جلبها من عيادة السجن، كما أن عملية الدفع تكون عن طريق تحويل الأموال إلى حساب بنكي من الخارج.
ونوه إلى أن هناك زنازين مخصصة للعقاب مشهورةٌ باسم (الحفرة) لأن مَن فيها لا يسمعه أحد حتى إن قام بالمناداة على الحراس حال احتاجَ شيئاً أو مَرِضَ أحدهم، وقد تم نقل بعض السجناء إليها بسبب ع قيامهم بتحفيظ القرآن.
إهمال طبي متعمد
وأشار التقرير إلى حادثة وفاة معتقلة الرأي الإماراتية علياء عبد النور كدليل على نهج الإهمال الطبي المتعمد الذي تمارسه سلطات السجن بحق المعتقلين، حيث لم تكن تعرف عبد النور أن الآلام البسيطة التي رافقتها داخل سجن الوثبة، ستفضي بها محمولة على الأكتاف، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد وتأخر إدارة السجن في علاجها من مرض السرطان.
في البداية، تم نقل علياء لمستشفى المفرق الحكومي، رغم عدم مناسبته لعلاج حالتها الصحية، وهناك أُعطيت المسكنات والأدوية المخدرة طيلة فترة احتجازها، ما أدى إلى تفاقم وضعها الصحي.
علياء تعرضت بشكل دوري لحالات إغماء، وتكرر سقوطها بشكل مستمر أثناء تواجدها في دورة المياه، ولا يُعرف ذلك إلا بعد فترة طويلة من تغيبها في الحمام، إثر قيام الحارسة المكلفة بتفقدها.
في النهاية توفيت علياء في مستشفى توام في العين، وهي مقيدة اليدين والرجلين في العناية المركزة رغم حالتها الصحية الصعبة.
هذه واحدة من أشهر الحالات التي وثقها "مركز مناصرة معتقلي الإمارات"، للوضع في سجن الوثبة، أحد أكبر سجون الإمارات وأسوئها سمعة، والواقع شرق صحراء العاصمة أبوظبي القاحلة بنحو 40 كيلو متراً، جنوبي البلاد.
والسجن مترامي الأطراف افتتح رسمياً عام 1982، وقد تم تأسيسه كمركز لاحتجاز المجرمين بخلفيات جنائية، مثل تجار المخدرات واللصوص، ولكن نتيجة لاكتظاظ السجون وعدم اتساعها لهم، أصبح الوثبة يضم كل أنواع السجناء سواء كانوا سياسيين أو حتى محتجزين لأسباب بسيطة مثل مخالفات السير.
حسب صحيفة الاتحاد الإماراتية فإن الطاقة الاستعابية لسجن الوثبة في قسم الرجال تصل إلى 2400 سجين، لكن عدد السجناء الفعلي يتجاوز الـ4000، أما الطاقة الاستعابية لقسم النساء فتبلغ 200 فتاة، لكن عدد السجينات الفعلي يصل إلى 500، وهو ما حوّل السجن إلى مكرهة صحية حتى الحيوانات لا تستطيع العيش فيها.
وزعمت الصحيفة في تقريرها الذي تم نشره في 2008 أنه خلال عامين سيتم بناء سجن جديد بجانب السجن الحالي، بطاقة استعابية تبلغ 5000 سجين و500 سجينة، من أجل حل جميع المشاكل، لكن ورغم مرور أكثر من 12 عاماً على نشر التقرير، فإن هذه الخطة لم تبصر النور بعد.
ووفقاً لصور خاصة اطّلع عليها "مركز مناصرة معتقلي الإمارات"، فإن السجن يتألف من 4 مبانٍ، 3 منها مخصصة لاحتجاز الرجال، ومبنى مستقل لاحتجاز النساء، إضافة إلى مبانٍ مستقلة مثل العيادة والمكتبة.
تشكيلة إدارة السجن
في الدول الديمقراطية التي تحترم حقوق الإنسان وتفصل بين السلطات، تكون إدارة السجون خاضعة لهيئة مدنية تابعة للحكومة، ففي بعض البلدان مثل الهند والبرازيل وألمانيا، هناك وزارة مختصة بإدارة السجون (مدنية) تشرف عليها. وفي بلدان أخرى، عادة ما تكون إدارة السجون موضوعة تحت سلطة وزارة العدل بهدف الفصل التنظيمي بين الشرطة وإدارة السجون.
لكن الولايات المتحدة وكندا مثلاً، تجمعان بين النظامين، حيث تكون بعض السجون تحت إدارة سلطة مستقلة لإدارة السجون (هيئة مدنية) تابعة للحكومة، وبعضها الآخر تحت إدارة وزارة العدل، أما في الدول غير الديمقراطية، فإن إدارة السجون تكون تابعة لسلطة عسكرية أو لوزارة الداخلية، ويقوم بإدارة هذه السجون ضباط شرطة وعسكريون من رتب مختلفة.
في الإمارات تخضع إدارة السجون لاختصاص وزارة الداخلية، ويديرها ضباط من الشرطة تحت إشراف النيابة العامة، وذلك وفقاً لما تنص عليه المادة 4 من قانون تنظيم المنشآت العقابية، بإشراف شكلي من النيابة العامة، لا يتعدى التأكد من أعداد السجناء. وحسب ما قال بعض المعتقلين لـ"مركز المناصرة" إنهم عندما حاولوا الحديث مع وكيل النيابة من أجل تقديم شكوى حول الطعام، رد عليهم قائلاً: "أنا لست هنا للاستماع لمشاكلكم، أنا جئت للتأكد من عدد السجناء فقط".
المدير الفعلي لسجن الوثبة، هو مدير الأمن في السجن الرائد إبراهيم الحمادي، وقد ذكر لنا عدد كبير من المعتقلين اسمه في سياق الحديث عن المعاملة القاسية والانتهاكات غير الإنسانية.
إجراءات الدخول إلى السجن
بعد أخذ بصمة العين من السجين، وعند بدء نقل المعتقلين إلى داخله، تتم تعرية النزيل بشكل كامل، حيث يقوم عامل نيبالي بتفتيشهم بطريقة مذلة، تشمل حتى الأماكن الحساسة، وقد تمّ توثيق العديد من الحالات التي تم تفتيش السجين فيها بشكل مهين ينافي احترام جسد الإنسان.وإن اعترضَ أحد السجناء على التعرية، يقوم العسكر بتقييده، وتعريته رغماً عنه، وبعد ذلك يُنقَل إلى الزنازين الانفرادية العقابية.
بعد خضوع السجين للتفتيش يُوضع في غرفة استقبال مؤقتة تسمى (ترانزيت)، وهي غرفة صغيرة مساحتها 4 أمتار عرضاً و8 طولاً يقضي فيها السجين يومه الأول، ريثما يُنقل للعنبر المخصص له.
وإذا صادف دخوله السجن يوم إجازة آخر الأسبوع، أو يوم إجازة آخر، فإن السجين يبقى داخل الغرفة حتى يوم العمل.
حسب ما وثق "مركز مناصرة معتقلي الإمارات"، فإن عدد السجناء داخل الغرفة قد يصل في بعض الأحيان إلى 140 شخصاً، ولا يوجد فيها سوى حمام واحد ومغسلة، والحمام لا يُنظّف أبداً، بل تجتمع فيه الفضلات، وماء الحمام الذي يغسل الفضلات لا يعمل، ولأن السجين عند دخوله تُؤخذ منه كل أغراضه، فيدخل حافياً إلى هذه الغرفة وبالتالي إلى الحمام -إن احتاجه- رغم كل القذراة المنتشرة فيه. كما أنه لا يوجد داخل الغرفة أي نوع من وسائل التهوية مثل المروحة أو المكيف.
خلال تواجد السجين داخل الغرفة، يتم حلق شعر رأسه بشكل كامل، وأخذ عينة دم منه من أجل التحليل، ثم فرزه في العنبر المخصص له حسب قضيته.
يوجد في السجن ستة عنابر مخصصة لجرائم المخدرات ويرمز لها بالحرف (D) وتتسع لنحو 650 سجيناً لكن عدد السجناء الفعلي يتجاوز الـ800، وهناك 10 عنابر للقضايا الأخرى كالقتل والقضايا المالية والنصب والاحتيال ويرمز لها بالحرف (B)، وتبلغ طاقتها الاستعابية نحو 1500 سجين، لكن العدد الفعلي يصل إلى 2000، وهناك ثمانية عنابر مخصصة للسجن الانفرادي موزعة على مباني السجن المختلفة.
وتقوم إدارة السجن بوضع المعتقلين لأسباب سياسية مثل معتقلي الرأي بالعنابر المخصصة للسجن الانفرادي وعزلهم عن البقية، وعنبر الأمنيين الأول هو عنبر B9، والثاني B6.
حسب روايات المعتقلين، فإن جميع العنابر مكتظة بشكل غير إنساني، وقد ذكر بعض المعتقلين لـ"مركز مناصرة معتقلي الإمارات"، أن السجناء في عنابر المخدرات ينامون في الممرات، وأن كثيراً من الغرف في العنابر الأخرى لا تتوفر فيها أسرة للنوم، وفي عنبر مثل عنبر 1، ينام الناس أحياناً في مصلّاه لامتلاء الزنازين عن آخرها، حتى أنه لا يوجد مكان على أرض الزنزانة، وهذا حصل أكثر من مرة في عنبر 9، الذي يبقى مكتظاً بشكل دائم لعدم شمولهم بأي عفو تصدره السلطات، كما أن أحكامهم عادة ما تكون طويلة وتتجاوز الـ5 سنوات.
الوضع داخل زنازين السجن
وثق "مركز مناصرة معتقلي الإمارات" عبر عديد المعتقلين السابقين، وضعَ عنابر السجن، حيث أفادوا أن أغلب غرفها السُفليّة تحتوي على أربعة أسرّة للنوم، تتسع لـ12 سجيناً، لكن نتيجة لاكتظاظ السجن، فإن الغرفة من الناحية الفعلية تضم أكثر من 20 شخصاً، ويضطر غالبية السجناء للنوم على الأرض، وبديلاً للأَسِرّة يتم منح السجين وسادة للنوم تكون قذرة جداً ورقيقة للغاية، وأحياناً يصعب الحصول عليها، كما أن الأغطية متسخة، ولا وسيلة لغسلها إلا في مكان الاستحمام، أما العنابر العلويّة فتتكون غرفها من ثمانية أسرّة فقط.
في أحد الاعترافات الحكومية النادرة حول هذا الوضع، نقلت صحيفة الاتحاد الحكومية عن سجين لبناني الجنسية، حُكم عليه بالحبس لـ10 سنوات بتهمة تعاطي الهيروين قوله: إن ''المعاملة سيئة'' داخل العنابر، ونام لـ3 أيام متواصلة بدون وسادة، مضيفاً "أنه لا يطيق البقاء في الغرفة"، في إشارة إلى الوضع السيء في العنابر.
دورات المياه داخل العنبر قذرة جداً والجدران متسخة، وبداخلها كل أشكال الحشرات، وفي معظم الأحيان لا تتوفر دورات المياه على ضوء، وفي حالة الإبلاغ يستغرق الأمر 3 أشهر.
حسب ما نقل بعض المعتقلين، فإن أكثر من 20 شخصاً يستخدمون نفس المرحاض، وفي معظم الأوقات وخاصة أيام الجمعة تكون المياه مقطوعة، وهو ما يجعل الرائحة كريهة جداً، ولا يوجد أي مواد لتنظيف الغرف، وهو ما يجبر السجناء على استخدام صابونهم الخاص من أجل تنظيفها.
لا مطبخ في العنابر، بل مناطق مشتركة لكل 300 سجين، تُستخدم لتناول الطعام، ولا يوجد فيها سوى حاويتيْن للقمامة يستخدمهما الجميع، وهو ما يجعل المكان متسخاً جداً، والقمامة ملقاة على الأرض.في نفس المنطقة هناك جهاز تلفاز واحد للجميع، وغالباً ما تحصل مشاجرات بين السجناء بسبب ذلك.
سوء معاملة حراس السجن
اشتكى العديد من المعتقلين من معاملة مسؤولي السجن وحراسه، حيث ذكر بعضهم أنهم يقومون بعقاب السجناء بشكل جماعي لأي خطأ.
أحد المعتقلين ذكر لـ"مركز مناصرة معتقلي الإمارات"، أن الرائد الحمادي، قام بمنع السجناء في أحد العنابر من استخدام الهواتف والمكتبة والمقصف لأسبوع كامل بسبب مشاهدته مياها على الأرض.
حسب ما يقول المعتقلون، فإن أغلب مسؤولي السجن غير متعلمين ولا يعرفون سوى اللغة العربية، ويقومون بمعاملة السجناء بشكل سيئ، وعندما يشتكي السجناء من سوء الطعام، وتواجد الحشرات فيه، يأتي الرد بأن هذه من "مميزات الطعام".
مسؤولو السجن يرفضون الاستماع إلى أي شكوى، وعندما يريد السجين تقديم طلب أو شكوى يجب أن يكتب رسالة لإدارة السجن، حيث يتم تجميع الرسائل في صندوق كبير، وغالباً تُرمى في القمامة دون رد.
في أحد الوقائع التي وثّقها "مركز مناصرة معتقلي الإمارات"، في أكتوبر 2020 قام السجناء في عنبر الأمنيين رقم 9 بإشعال حريق داخله لإبلاغ إدارة السجن عن سجين قام بالانتحار، وذلك بسبب رفض الحارس الاستماع إليهم.
حسب الحادثة التي وثقها مركزنا، فإن المعتقل المُنتحر، بقيت جثته في الداخل لمدة طويلة، بسبب تجاهل مسؤولي السجن، ورفضهم الاستماع للسجناء.
يمتنع المركز عن ذكر اسم السجين المنتحر، احتراماً لخصوصية الميت وذويه، مع التأكيد على امتلاكه جميع الوثائق الخاصة بالحادثة.
غياب الرعاية الصحية
تقع العيادة خارج مبنى السجن، والذهاب إليها يكون عن طريق المشي سيراً على الأقدام، على الرغم من عدم قدرة بعض السجناء على ذلك بسبب أوضاعهم الصحية.
في داخل العيادة 3 ممرضون وطبيب عام، ولكنه لا يحضر إلا في أوقات العمل الرسمية، وهناك طبيب أسنان، وآخر مختص بالأمراض الجلدية، يحضران مرة أسبوعياً.
حسب ما ذكر العديد من المعتقلين للمركز، فإن الرعاية الصحية داخل السجن سيئة، وأن الذهاب للعيادة صعب ونادر، كما أن الطبيب العام غير متوفر في أغلب الأحيان، ويُسمَح لسجناء العنابر غير الأمنية بالذهاب مرتين إلى العيادة، مرةً في الصباح وأخرى في المساء، ويُمنع من ذلك السجناء الأمنيون، فلا يمكنهم الذهاب إلا صباحاً، وكثيراً ما لا يُستدعى أحدٌ من عنبر الأمنيين.
جميع الحالات التي تواصَلَ معها المركز، أشارت إلى وجود إهمال طبي متعمد، حيث يكتفي الطبيب والممرضون بصرف مسكنات مثل (الباندول) للمعتقلين بدون متابعة حالاتهم.
نتيجة للوضع القذر داخل المعابر، وعدم نظافة المياه، تنتشر الكثير من الأمراض بين السجناء، أبرزها حسب ما رصد المركز، حساسية جلدية، حصى في الكلى، تسوس في الأسنان.
بعض المعتقلين ذكروا للمركز أعراضاً وأمراضاً غريبة تنتشر لم يتسنَّ التحقق من طبيعتها، كما أشاروا إلى قيام طبيب الأسنان بخلع المتسوسة بدلاً من علاجها.
المعتقلون ذكروا أيضاً، أن إدارة السجن تتعمد التأخر في استدعاء الممرض، في حالة وجود سجين يعاني من الألم، وأن الأخير لا يأتي غالب الأحيان.
إحدى السجينات التي وثق المركز حالتها، كانت تصرخ من الألم، وعندما طلبت الطبيب، بدأ الحراس بالضحك بدلاً من جلب الممرضة.
المركز وثّق كذلك عددا كبيرا من حالات الإهمال الطبي التي أدت إلى وفاة السجين، أو تفاقم المرض لديه نتيجة عدم توفر الرعاية الصحية.
أحد هذه الحالات، هي م.ب مصري الجنسية، كان يعاني من آلام حادة، وفي يونيو 2019 طلب الذهابَ للعيادة نتيجة اشتداد الألم لكن إدارة السجن رفضت، ثم نقلته للعيادة بعد أن أغمي عليه.
الممرض المناوب في العيادة قام بإعطاء م.ب مسكن للألام (بنادول) نتيجة عدم وجود الطبيب، وبعد إعادته للسجن بلحظات قليلة أصيب بجلطة وتوفي على الفور.ووثّق المركز كذلك عدة حالات إهمال طبي لمرضى السرطان داخل السجن، أشهرها علياء عبد النور.
مرافق السجن
قام "مركز مناصرة معتقلي الإمارات"، بتوثيق مرافق السجن حيث يوجد داخل العنابر مساحة صغيرة ومزدحمة جداً للتنفس والتعرض لأشعة الشمس، ولا تتوفر على مكان فعلي لممارسة الرياضة، حيث أن منطقة الرياضة هي بالأصل مكان للصلاة.
كما يوجد مكتبة داخل السجن، لكن المعتقلين أبلغوا المركز بصعوبة الذهاب إليها، وعن تعامل مشرفيها السيئ، إذ لا يشجعون أية أنشطة مطلقاً، ومعظم الأوقات يُمنع السجناء الأمنيون من زيارتها وحتى من استعارة الكتب.
ولا يسمح لغير المسلمين بالحصول على نسخة من القرآن الكريم، كما يُمنع غير العرب من حضور الدروس الإسلامية داخل السجن. أما المعتقلون الأمنيون فيُمنعون من ذلك كله، والأمنيون غير العرب لا يحصلون على نسخة مصحف مترجمة.
يتوفر داخل السجن مقصف لشراء الطعام وبعض المواد التموينية، ولكن حسب ما أبلغنا العديد من المعتقلين، فإن المقصف سيئ جداً، ولا تتوفر فيه أغلب المواد، وإن توفرت فإنها تكون بنوعية سيئة ومنتهية الصلاحية، ولا يُسمَح بشراء العدد الكافي، وكل سجين يُسمح له بعدد محدود من المواد، فيضطر أحياناً أن يتنازلَ عن مواد النظافة للحصول على مواد غذائية و أحياناً العكس، أما الأكل فهو سيء، وغير متنوع، كما أنه غير نظيف.
مخدرات ورشاوى داخل السجن
ذكر العديد من المعتقلين أن الفساد مستفحل داخل سجن الوثبة، ففي الوقت الذي لا يمكن للسجين الحصول على نسخة من القرآن الكريم، فإنه يستطيع الحصول على مخدرات وهواتف مقابل دفع الأموال.
بالنسبة للهواتف، فإن الضباط يقومون بإدخالها للسجين م.ح مقابل 20 ألف درهم أي نحو 5600 دولاراً للهاتف الواحد.أما المخدرات فيتم بيعها عن طريق السجناء القدامى والمحكومين بجرائم خطيرة مثل القتل والاغتصاب.
وقد ذكر العديد من المعتقلين أن إدخال المخدرات يتم عن طريق الحراس، بل إن بعض الحبوب المخدرة يتم جلبها من العيادة.
حسب ما علم "مركز مناصرة المعتقلين" فإن أنواعاً متعددة من المخدرات تباع داخل الوثبة، إذ تتوفر سجائر الحشيش وحبوب الكابتكول والترامدول.
بعض الحبوب المخدرة مثل السيركويل يتم جلبها من العيادة، كما أن عملية الدفع تكون عن طريق تحويل الأموال إلى حساب بنكي من خارج السجن.
ووثق "المركز" العديد من الحالات التي توفيت داخل السجن بسبب المخدرات، ففي 2018 مثلاً، توفي سجين نيجيري بعد جرعة زائدة، ورغم ذلك فإن إدارة السجن لم تفتح تحقيقاً في سبب الوفاة.
وفي 2019 توفي سجين إماراتي كان يتعاطى المخدرات مع اثنين آخرين، واكتفت الإدارة بنقلهما إلى سجن الرزين ثم إعادتهما لاحقاً.
سجن النساء
الانتهاكات داخل سجن النساء في الوثبة قصة أخرى بحسب التحقيق الذي نشره المركز، فالانتهاكات لا تتوقف على انقطاع المياه أو توقف أجهزة التكييف لساعات طويلة، بل تشمل الضرب والتحرش.
وقد دفعت ظروف الاحتجاز الرهيبة داخل سجن النساء في الوثبة، العديد من المعتقلات إلى الإضراب عن الطعام بل وأحياناً محاولة الانتحار.
في 2018، تم تسريب تسجيل صوتي لأمينة العبدولي، وهي إحدى معتقلات الرأي، تحدثت فيه عن تعرضها للضرب من قبل حارسات مغربيات ونيباليات.
وقالت أمينة في التسجيل إنه تم إجبارها على الوقوف مقيدة اليدين والرجلين ومعصوبة العينين لساعات طويلة.
وقد أدى التعذيب الشديد وعدم توفير العلاج اللازم لها إلى تضرر إحدى عينيها، حيث فقدت البصر بشكل شبه كامل فيها.
وفي سجن النساء، لا توجد مساحة للتنفس، ولا مكان لممارسة الرياضة، والنوافذ لا تسمح بدخول ضوء الشمس إلى غرف المبيت. كما هو الحال في سجن الرجال، فإن المياه وأجهزة التكييف تنقطع باستمرار، ولا تتوفر أي مياه صالحة للشرب.
لا يوجد اتصال مجاني بأسر السجينات، إذ يجب على كل سجينة شراء وشحن بطاقة اتصال لمحادثة أسرتها، وفي حال عدم امتلاكها للمال وقيامها بطلب المساعدة من زميلة لها، فإن إدارة السجن تعاقب من تساعدها بقطع الاتصال عنها لمدة طويلة، والوضع مشابه في قسم الرجال.
حتى الزيارات في السجن، والتي تتم من خلف حاجز زجاجي، فإنها تتم بمقابل مادي. ولا يتم السماح للسجينات بالذهاب إلى المكتبة سوى مرة واحدة في الأسبوع، أما المقصف فيفتح مرتين بالشهر فقط.
شهد سجن الوثبة عدة محاولات انتحار نتيجة وضعه الإنساني الفظيع، وكان منها محاولتان في عام 2017، إحداهما لمعتقلة من جنسية عربية قامت بإلقاء نفسها من الطابق العلوي ولكنها أصيبت بكسور، فيما قامت سجينة صينية بعدها بأسابيع وتحديداً في 15 مايو 2017، بشنق نفسها أمام احدى كاميرات المراقبة الخاصة بإدارة السجن.
تقوم حارسات الوثبة من الجنسيات الأجنبية بالاستيلاء على ما يوفره الهلال الأحمر من ملابس وأحذية للسجينات. في العديد من الحالات قامت الحارسات بعقاب المعتقلات عن طريق تقييد اليدين والرجلين، وإهانتهن لفظياً من خلال إخبارهن أنهن يقيدنهن مثل الحيوانات.
الزنازين الانفرادية العقابية
تعد الزنازين الانفرادية من أسوأ الأماكن في سجن الوثبة، حيث يعاقَب المعتقل بالنقل إليها، إن اشتبكَ مع معتقلٍ آخر، أو عارضَ التعري عند التفتيش، أو طلبَ إعادة أغراضٍ له غير ممنوعة بعد تفتيش العنبر، وغير ذلك من أمور لا تستحق العقاب.
مكان هذه الزنازين عند مبنى التأهيل، وهي طابقان، في كل طابق 9 زنازين، من دون ضوء أبداً، وفيها حمامٌ قذر جداً، يوضع فيها السجين لمدةٍ تتراوح من أسبوع إلى 6 شهور، حسبَ السبب الذي عوقبَ عليه، والزنزانة صغيرة لا تكاد تتسع لسجين واحد، ومع ذلك يوضع فيها أحياناً 3 أو 4، رغم عدم وجود أي أداة للتهوية فيها، وقامَ العسكر بذلك في شعبان 1441هـ/2020م رغم انتشار فايروس كورونا في جميع السجن حينها.
ويقومُ العسكر بضرب السجناء إن عارضوا أمراً بالتعري مثلاً، أو قامَ أحدهم بدفع يد الشرطي عنه إن أرادَ إجباره على التعري، أو ردّ عليه بعصبيّة، فيقوم الشرطي بضرب المعتقل ضرباً شديداً، وإهانته بتعريته والتلاعب بالعصيّ بأعضائه الحساسة.
وفي يونيو 2016 قامت الشرطة بتعليق السجين أ.ي في سقف إحدى الزنازين، وبدؤوا بضربه، وشتمه، وإهانته بطرقٍ رفضَ السجينُ الحديث عنها تماماً رغم سؤاله أكثر من مرة ويكتفي بالقول "أهانوني بشدة"، وقامَ بذلك الوكيل فهد الشامسي ومعه 3 عساكر آخرون.
وفي الوثبة7 عنابر أصلاً، لكنها زادت عنبراً واحداً عام 2020، يُنقلُ إليها السجين عقاباً له على قيامه بتحفيظ القرآن أحياناً، وبعضاً لاعتراضه على الانتهاكات التي يقوم بها حراس السجن مثل قطع الهواتف والمنع من المقصف أو الزيارة.
والفرق بينها وبينَ الزنازين الانفرادية العقابية، أنها كالعنابر تماماً، إلا أن الغرف تتسع لـ3 أشخاص فقط، وفي كل عنبر 8 غرف، إلا أن العنابر السُفلية كانت مطعماً في الأصل، ثم حُوّلت إلى عنابر عقابية وهي مشهورةٌ باسم (الحفرة) لأن مَن فيها لا يسمعه أحد حتى إن قام بالمناداة على الحراس حال احتاجَ شيئاً أو مَرِضَ أحدهم.
وهذه العنابر تجمَعُ أسوأ أنواع المعتقلين من مغتصبين وقتلة ومدمني المخدِّرات، ويتقصّد الحراس وخاصةً الرائد إبراهيم الحمادي (أبو عمر) بنقل المعتقلين الأمنيين إليها، بل ويقوم بتحريض السجناء الجنائيين ضد الأمنيين.
وتكثر في هذه العنابر حوادث الاغتصاب، ويَعرف بها مسؤولو السجن وتحديداً الحمادي ولا يتّخذون أي إجراء، بل إنه في الشهر الثاني من 2018، تم نقل المعتقل أ. تونسيّ الجنسية من عنبر المُخدِّرات إلى عنبر 12 وقامَ السجناء الجنائيون هناك باغتصابه ليال متتالية حتى استطاعَ الإفلات منهم، والخروج عند إدخال الطعام إلى العنبر، ولم يقُم الحمادي بفتح تحقيقٍ في المسألة، بل وعيّر السجين بالاغتصاب قائلاً له: "وين رجولتَك في هذا المكان راحت؟!" واضطر المعتقل أن يتنازلَ عن قضيّته بعد أن هدده السجناء الآخرون.
ويخلص التحقيق في نهايته، إلى أن سجن الوثبة يتسم بالاكتظاظ الشديد، والتهوية السيئة، كما أن السجناء معرضون للإيذاء النفسي والجسدي، وقد دفع هذا الوضع العديد من السجناء إلى الإضراب عن الطعام، أو حتى الإقدام على الانتحار.
كما أن مدى التعذيب الذي يتعرض له السجين يعتمد على مقدار ما يملك من مال، وما هو مستعد لدفعه لإدارة مقر الاحتجاز، وفي الحالات التي لا يملك فيها الأفراد المال أو النفوذ، فإنهم يخضعون للتعذيب النفسي والجسدي.
وينبه المركز إلى ان الوضع غير الإنساني داخل الوثبة يشمل كل شيء، ابتداء من الزنازين، حيث يتم وضع 20 شخصاً بطريقة غير إنسانية في غرفة لا تتسع لأكثر من 10، وليس انتهاء بحرمانهم من أبسط حقوقهم مثل الماء ومواد الغذاء الأساسية.
وأوصى المركز في ختام تحقيقه بضرورة السماح لمراقبين دوليين مستقلين بدخول البلاد وزيارة السجون لمعاينة الوضع غير الإنساني فيها، علماً أن السلطات الإماراتية رفضت في 17 مارس الماضي طلباً من لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة للقيام بمثل هذه الزيارة.
وطالب المكرز بتوفير الرعاية الصحية اللائقة للمعتقلين بما يتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية، وبما يتماشى مع القواعد الدنيا لمعاملة المعتقلين، مع التأكيد على ضرورة إرسال لجنة طبية خاصة بمنظمة الصحة العالمية للإشراف على مثل هذا الأمر.
العمل على تقليل أعداد المعتقلين بقدر يسمح بتوفير أبسط حقوقهم، من خلال الإفراج الفوري عن معتقلي الرأي، والعفو عن المعتقلين في القضايا البسيطة مثل مخالفات السير أو من أكمل أكثر من نصف المدة في قضايا الجنح.
وشدد على ضع إدارة السجن تحت سلطة وزارة العدل بدلاً من الداخلية، وتكليف إدارة مدنية لقيادة السجن حيث أثبتت الوقائع أن أغلب الانتهاكات يقوم بها ضباط من الشرطة أو عسكريون مكلفون بحراسة السجن.