"بن غيث" بين المجتمع وأمن الدولة

"بن غيث" بين المجتمع وأمن الدولة

المحرر السياسي ايماسك ..

بطريقة سرية، مليئة بالخوف والرعب، كما يفعل القتلة واللصوص، أوقف جهاز أمن الدولة عالم الاقتصاد الدكتور ناصر بن غيث أمام محكمة أمن الدولة في 4 ابريل، بعد أن غيبه عن عائلته ومحاميه والجميع منذ أغسطس 2015م، في أحد السجون السرية "القذرة" منفرداً، تحت وطأة التعذيب والتحقيقات، ثمانية أشهر في مكان مجهول، ومحاكمة سرية في وقت عصيب.

 

ليس بالغرابة، أن تتم محاكمة "بن غيث" الصوت الإماراتي المعروف دولياً، فقد جرت محاكمة العشرات من أمثال هذا الصوت الإماراتي، الذي يشع في الداخل والخارج، وبتهم أقل ما يقال أنها "مريضة" فهو يواجه حكما بالسجن مدى الحياة. بسبب اعتبار تغريدات له عن مصر ب“التحريض ضد الدولة” بطريقة “يهدد أمن الدولة”، فضلا عن “عمل عدائي ضد دولة صديقة”، وكل ذلك لأن "بن غيث" كتب في ذكرى مجزرة رابعة العدوية التي ارتكب فيها النظام المصري وحشية غير مسبوقة بفض اعتصام سلمي قُتل خلاله ألف من المدنيين.

 

تؤكد التهم والقوانين القمعية الصادرة إن "جهاز أمن الدولة" قد ولد مأزوماً من الإماراتيين يحجب حتى رأيهم في جرائم الإبادة في الدول الأخرى، ويظهر منفصلاً ومنفصماً عن المجتمع، ما جعله يعاني من خلل رئيسي يطال العلاقة بين الجسم الشعبي والسياسي عامة، فيما يمكن تسميته بـ"التخارج" و"الإنفصال" بين جهاز أمن الدولة (إدارة الحكم الواقع) والمجتمع الأهلي، وما أدى بذلك إلى حالة من التوجس والارتياب بين الأجهزة الأمنية المتسلحة بالأدوات العنفية واللاعنفية، مستخدماً شرعية ولا شرعية، ممزوجة بأيدلوجيا استعلائية، احتقاريه للشعب، وبين عموم المجتمع الإماراتي الذي يقابل "نخبة الحكم" حكام الدولة بقدر غير قليل من التوجس وعدم الثقة، مع مايطبع ذلك عموماً من علاقة نفاقيه، تظاهرية، تغلبها الصيغة المدحية، والشكر والعرفان، ويغيب عنها النصح والإرشاد.

 

هذا النوع من المحاكمات والتهم الهزلية، وإخراج المسرحيات الهزلية، ليس إلا احتقار للشعب الإماراتي بقسمية الواعي وغير الواعي، المتكلم والصامت، المتحرك والصابر، فيعامل الأولين بالمعتقلات والتعذيب، ووسائل القهر كتعبير عن ازدراءه واحتقاره لإرادتهم، ويخضع الآخرين لعمليات غسيل مُخّ عنيفة، تحول بينهم وبين الوعي لمصالحهم. كما فسر ذلك المفكر محمد إمام في كتابه "الطاغية".

 

ولدت سياسة إماراتية جديدة، مأزومة، و واهنة منذ أن تمكن جهاز أمن الدولة من المؤسسات التشريعية والتنفيذية، مستغلاً، رحابة صدر الإماراتيين وحبهم لحكامهم، واستمرت تحمل في ذاتها عوامل الإعاقة والخلل، سواءً من جهة علاقتها بالجسم المحلي أو من جهة علاقتها بالجوار العربي، فهي دائمة الاشتباك مع المواطنين في الداخل، ودائم المناكفة في علاقتها بهذا الجوار، الذي يشهد تغيراً ملحاً فرضته الحاجة الشعبية وإرادة الإنسانية الحقه.

 

ومنذ ذلك توالى إرهاب جهاز أمن الدولة ضد كل من يحاول اقتباس جزء من "الديمقراطية" وحق الشعب في المشاركة السياسية، ليصلح ما أفسده الحداد، على أن هذا الاقتباس والدعوة إليه كان ولا زال حركة لابد منها في ظل توقف العقل الإماراتي عن التطور السياسي ومنعه من فرز حقوق المواطنين وإعادتها للواجهة كما وعد الآباء المؤسسون، والتي تشمل في أقل تقديرها "الحق في المشاركة في صنع القرار السياسي" و "الحق في حرية الرأي والتعبير"، واجرى حكر هذا العقل بالعمل من أجل تطور اقتصادي "هش" أفرز معه إشكاليات تتعلق بالسكان، والمستقبل بدون آبار النفط، واختفت معه حقوق المواطنة من سلّم أولويات الحكومة.

 

ما نريد قوله، إن التعامل مع المطالب الشعبية، وحرية التعبير والرأي، بقوة إلغائية وترهيب الآخر هو خطر يهدد سلامة المجتمعات، ولايمكن معالجته بالقوة العمياء، بدون "عقال"، والتعامل مع الحريات العامة للمواطنيين بطريقة منفتحة، وإبداء القبول بمبدأ المشاركة في القرار السياسي، هو الطريق الصحيح، فلا يحق لأي انسان، مهما كان موقعه السياسي والأمني، أن يقرر على الآخرين أسلوب حياتهم وطريقة تفكيرهم.

 

الكاتب