(تحقيق أوراق باندورا).. الأموال السرية والمسؤولين في أبوظبي.. للإمارات وجهين: وجه اقتصادي منفتح ووجه بوليسي
قال تحقيق صحافي جديد إن الإمارات" تروج لصورتها بأنها المركز المالي العالمي والحليف الذي لا غني عنة للغرب وفي نفس الوقت تحولت إلى ملاذ سري وباب مفتوح لعمليات غسل الأموال، تهريب الذهب، وجرائم أخرى."
ونشر التحقيق الصحفيان "ماجي ميشيل ومايكل هدسون" استناداً إلى تحليل أوراق باندورا السرية التي يتم تسريبها منذ أشهر من قِبل مكتب الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.
ويقول التحقيق إن أبراج المكاتب والفنادق الفاخرة المغطاة بالزجاج والصلب على طول طرق محور الشيخ زايد هي تذكار لصعود دبي من مجرد مجموعة من التجمعات السكانية إلى ما يطلق عليه الان، "واحدة من معجزات مدن العالم الحديث"– "المدينة المستقبلية التي تنطلق في وسط الصحراء."
اليوم فإن هذا الشريان المتدفق والذي سمي باسم أول رئيس لدولة الإمارات أصبح مقرا إقليميا لكبري الشركات مثل "جنرال موتورز" و"شيل" وغيرها من الشركات العملاقة التي انجذبت إلى سمعة الإمارات بأنها واحة الاستقرار والانفتاح المالي في الشرق الاوسط.
في المقر المرموق في البرج الفندقي "ذا اتش دبي" في: شارع الشيخ زايد، وفي الطابق السادس عشر توجد مجموعة من الشركات الأقل شهرة المملوكة لعشرات من العملاء الذين يفضلون الاحتفاظ بسرية هوياتهم.
تكشف وثائق باندورا وهي مجموعة من الوثائق السرية التي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) ان المالكين الحقيقيين لتلك الشركات يضمون مجموعة من اللاعبين المشبوهين في عالم ال "اوف شور" او ما وراء الحدود. من بينهم: بلجيكي متورط في تجارة الذهب غير المشروع الوارد من مناطق النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية ، ورجل من الكيبك مدان من قبل الولايات المتحدة في غسيل الأموال والذي قالت عنه السلطات انة قام بتحويلات تقدر ب ٢٥٠ مليون دولار لحسابات المزورين ومهربي المواد الإباحية للأطفال، وشاب يبلغ من العمر ٢٦ عاما تزعم موقع تسويقي في شبكة الأنترنت المظلم أو الدارك ويب حيث تباع الأسلحة ويتم الاتجار بالمعلومات المسروقة والوثائق المزورة والسموم وكميات كبيرة من المخدرات غير المشروعة منها الهيروين والفنتالين الافيوني والذي ارتبط الجرعات المفرطة فيه إلى عدد كبير من الوفيات في الولايات المتحدة.
إن قصة الشركات "الاوف شور" في قلب دبي يلقي الضوء على الدور المحوري للإمارات في غسيل الأموال والجرائم المالية الأخرى.
إن الإمارات العربية المتحدة هي مقر السرية المالية: هنا يتم منح شركات وهمية حجاب من السرية حول هويات المستفيدين الحقيقيين، عشرات من مناطق التجارة الحرة والتي تمنح مزيد من الظلال من السرية ليختفوا بينها، بالإضافة إلى نظام رقابة يطلق عليه المدافعين عن الشفافية نظام: "لا أسئلة لا ضرر" في التعامل مع كل ما علاقة له بالأموال المرتبطة بالتجارات غير المشروعة مثل تهريب الذهب وتجارة السلاح وغيرها.
يقول جراهم بارو وهو خبير في غسيل الأموال وأحد القائمين على برنامج "ملفات الأموال السوداء": "الإمارات تقدم السرية والتعقيد والسيطرة. انها العاصفة النموذجية ودعوة للمجرمين لتحقيق الاستفادة القصوى."
ويزعم التحقيق أن لكل من الأسر الستة الحاكمة للإمارات وأعضائها نصيب في الأعمال والتجارة بشكل من الأشكال. مثل أن يكونوا مالكي العقارات والمكاتب، أو مالكي شركات كبري وصناديق سيادية أو أن يكونوا شركاء لديهم نصيب من الإيرادات الخاصة بشركات غير مملوكة لهم أو كمسؤولين في شركات مملوكة للدولة. حكام الإمارات السبعة هم من يختارون المسؤولين عن الأجهزة الرقابية على الأعمال الحرة والتي من خلالها يحصلون على منافع.
"شيوخ الاوف شور"
من بين ال ١١.٩ مليون وثيقة من أوراق باندورا، هناك ما يقرب من ١٩٠ ألف ملف سري خاص بشركة تسمي "اس اف ام" لخدمات الشركات" والتي مقرها في الإمارات. هذه الشركة تطلق على نفسها: "المزود الأول في العالم لشركات الاوف شور." الاس اف ام هي واحدة من الآلاف الشركات التي تتواجد في الإمارات وتساعد الزبائن على إنشاء شركاتهم منها ما يصعب الاستدلال عليها ويملكها أناس يعيشون ويعملون خارج الإمارات. هذه النوعية من الشركات هي جزء من شبكة كونية تدار بواسطة المحامين والمحاسبين وغيرهم من يمكنون النظام المالي للاوف شور أو العابر للحدود على الاستمرار.
بعد مراجعة الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين للملفات الخاصة بالشركة اس اف ام وجد ما لا يقل عن ٢٩٧٧ شركة تم إنشاؤها في الإمارات وسيشيل وجزر العذراء البريطانية وغيرها من الملاذات الضريبية الأخرى. وبالإضافة إلى ما تم ذكرهم في السابق فإن عملاء الاس اف ام، فهناك ما لا يقل عن ٢٠ أخرى ن من المتورطين في جرائم مالية حول العالم.
في تعليقها، قالت الاس اف ام في أنها تطبق " كافة القوانين والإجراءات في جميع المناطق التي تعمل بها."
لعدة سنوات كانت ال"اس اف ام" تعمل من مقرها القابع في البرج الفندقي "ذا اتش دبي" في ١ شارع الشيخ زايد وحسب بحث الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين فإن البرج مملوك للشيخ هزاع بن زايد المستشار السابق للأمن القومي وشقيق الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي.
لم يرد الشيخ هزاع وهو نائب المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي على أي من الأسئلة التي أرسلها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين سواء عبر سفارة الإمارات في واشنطن أو عبر المكتب الإعلامي للمجلس.
بالإضافة إلى السجلات الخاصة لشركة "اس اف ام"، فإن أوراق باندورا تتضمن مئات من الملفات الإضافية الخاصة بالإمارات ذاتها منها على سبيل المثال وِثائق من سيشيل ومن مناطق أخرى والتي تكشف عن أن ما لا يقل عن ٣٥ من أعضاء الأسر الحاكمة في الإمارات يمتلكون شركات سرية في ملاذات خارج الحدود.
من أسماء الشيوخ ذوي العيار الثقيل الشيخ هزاع، وخليفته في الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد بالإضافة إلى رئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي.
بالنسبة إلى حكام دبي فقد كشفت المستندات على أنه يملك شركتين في جزر العذراء بالاشتراك مع فيصل البناي وهو مؤسس شركة اسمها "دارك ماتر" وهي شركة تعمل في الأمن السيبيري ومقرها في الإمارات وسبق ان اتهمت بالتجسس على نشطاء حقوقيين وعلي مسؤولين حكوميين في عدة دول.
في سبتمبر اعترف مسؤولين عسكريين ومخابرات أمريكيين سبق وان عملوا في الشركة للسلطات الأمريكية أنهم ساعدوا على اختراق هواتف محمولة وأجهزة كمبيوتر حول العالم. السلطات الأمريكية لم توجه اتهام إلى الشركة والتي اعترف صاحبها "فيصل البناي" بالعمل بشكل مقرب من الحكومة الإماراتية، ولكنة أنكر الاشتراك في عمليات اختراق.
السجلات المسربة أيضا تكشف عن أن الشيخ طحنون بن زايد امتلك في جزر العذراء شركة عن طريق "أسهم غير مسجلة" لضمان مستوي عالي من السرية. هذا النوع من الأسهم أصبح مرتبط بالجرائم المالية ولذلك تم تحريمه في عدد كبير من الدول. الشيخ طحنون تورط هذا العام في فضيحة سياسية أمريكية بطلها هو الملياردير الأمريكي توماس براك والذي كان مقرب من الرئيس السابق دونالد ترامب.
وحسب لائحة الاتهام الأمريكية فإن توماس براك تم استخدامه كعميل بشكل غير قانوني وقد قدم المساعدة لعدد من المسؤولين رافعين المستوي في الإمارات حاولوا التأثير على السياسة الأمريكية لإدارة ترامب منهم مسؤول أطلق علية رقم ٢ في لائحة الاتهام الأمريكي ويعتقد بشكل كبير أن المسؤول هو الشيخ طحنون. وقد أنكر باراك الاتهامات.
الشيخ محمد بن راشد والشيخ طحنون لم يردوا على طلب التعليق كما أن شيوخاً أخرى ن وردا في التحقيق والسفارة الإماراتية في واشنطن والمكاتب الإعلامية للحكومات في أبو ظبي ودبي لم يقدموا أي تعليق على أسئلة الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين.
لكن في رد لها على تحقيق سابق قالت الحكومة الإماراتية: "أن الإمارات العربية المتحدة تأخذ بجدية كبيرة الدور الذي تلعبه في حماية نزاهة النظام المالي العالمي."
الحليف الحاسم
المخاوف من دور الإمارات كمركز للجرائم المالية ليس بجديد، ولكنه موجود منذ عقود. في التسعينات، تورط بنك "كريدت اند كموريس انترناشونال" والذي تملك فيه حكومة أبوظبي والشيوخ هناك أسهم الأغلبية فيه، في قضايا رشوة وغسيل أموال وتجارة الجنس وتمويل الإرهاب حتى أن أطلق علية اسم "بنك المحتالين والمجرمين."
لكن دور الإمارات في النظام المالي الخفي كبر وتضخم خلال عشر السنوات الماضية حيث أنه في ٢٠٠٩ كان ترتيب دبي رقم ٣١ في قائمة الملاذات الأكبر في العالم وهو تصنيف حسب التسهيلات الممنوحة للحفاظ على السرية وهو الذي أطلقته مجموعة يطلق عليها شبكة العدالة الضريبية المناهضة للفساد. لكن في ٢٠٢٠ قفزت الإمارات للمركز العاشر في التصنيف ذاته.
ما يميز الإمارات عن غيرها من الملاذات السرية هو علاقتها الوثيقة بالولايات المتحدة التي تعتبر الإمارات كحليف عسكري لا يمكن تجاوزه وحصن ضد الإرهاب في الشرق الأوسط. بسبب هذا الدور الذي تلعبه الإمارات وأهميته للأمن القومي الأمريكي والمصالح الاقتصادية فإن الولايات المتحدة لا تضع ضغوط على الإمارات كالتي تضعها على ملاذات أخرى مثل سويسرا او جزر العذراء او غيرها حسب وجه نظر جودي فيتوري وهي خبيرة في تمويل الإرهاب وزميلة غير مقيمة في مركز كارنجي للسلام الدولي.
قالت جودي أيضا أن الولايات المتحدة في بعض الأحيان مثل فترة ما بعد هجمات ١١ سبتمبر ضغطت على الإمارات لتعمل بشكل أكبر على وقف تدفقات تمويل الإرهاب لكن، "بشكل عام فقد علمت الولايات المتحدة عن دورهم في تسهيل التمويلات المشبوهة والمعادن الصادرة من مناطق النزاع والجريمة المنظمة."
إشارات حمراء
في مواجهة مع القاضي الأمريكي العام الماضي قال فيروز باتيل هو رجل أعمال من الكيبك يدير شركة تحويل للأموال عبر الانترنت ومدان في قضايا غسيل أموال تقدر ب ٢٥٠ مليون دولار ملوثة بتجارة المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال والجرائم الأخرى، أنه يشعر ب" الخزي والعار" بما قام به. "في الطريق وبشكل ما فقدت نفسي."
لكن القاضي قال إن فيروز لم يكن يدير عمليات التحويلات المالية عبر الانترنت بصورة بريئة. لسنوات عديده، يقول القاضي، كان فيروز يقوم بتمرير تعاملات مالية من "تجارات غير مشروعة ومعروفه" وبشكل فعال كان أيضا يقوم ب “تنقيح قوائم المتعاملين معه وغيرها من السجلات" لإخفاء جرائمه وجرائمهم.
في ٢٠١٧، حين كانت السلطات الأمريكية تحكم قبضتها علية وعلى شبكة تحويل الأموال عبر الانترنت، بدأ فيروز في البحث عن ملاذ جديد. هنا كانت شركة اس اف ام التي مقرها في دبي في الخدمة. الوثائق كشفت عن ان في ابريل ٢٠١٧ قامت الشركة بخلق كيان جديد لفيروز في إمارة رأس الخيمة التي هي معروف عنها أنها توفر قدر كبير من السرية حسب ما يقول الخبراء. في العام التالي، الوثائق تقول، "ان اس اف ام" استقالت من عملها كممثل لشركة فيروز بسبب ما أطلقت علية "أسباب خاصة بالامتثال (لقيود غسيل الأموال)."
من القواعد العالمية التي وضعتها الولايات المتحدة وعدد من الدول العظمى أن مزودي خدمات الاوف شور مثل "اس اف ام" عليهم القيام بالابتعاد عن أي عملاء يحتمل ان يكونوا متورطين في قضايا غسيل أموال او أي من الجرائم المالية الأخرى مثل التحايل على العقوبات.
في عام ٢٠٢٠، اعترف فيروز أمام محكمة فيدرالية في واشنطن بغسيل الأموال وحكم علية القاضي بثلاث سنوات في السجن.
في الواقع ان فيروز هو واحد من ٢٤ من عملاء شركة اس اف ام الذين سبق اتهامهم سواء في قضايا جنائية او امام المحاكم أو بواسطة أجهزة رقابية او تقارير أمم متحدة – في جرائم مالية او أفعال مشينة حسب ما كشفت عنة مراجعة لبعض من وثائق باندورا. من بين هؤلاء ١٢ حالة تم إصدار توجيه اتهامات إليهم بالفعل وتم الحكم عليهم.
من خلال محاميه، قال باتيل للاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، ان الشركة التي تم تأسيسها في الإمارات ليس لها أي علاقة بالاتهامات الأمريكية وأنها أوقفت عملياتها بعد عام ونص من التأسيس. قال أيضا أن العمليات المالية التي شارك فيها "قانونية في الأساس" وأن كل مشاكلة سببها "بعض من الموظفين والشركاء السيئين والذين تسببوا لنا في كم هائل من الضرر."
وفي رد "الاس اف ام" على أسئلة الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، قال محاميهم إنه لا يستطع التعليق على حالات بعينها لأن في ذلك "خرق لسرية المتعاملين." أضاف الممثل القانوني أيضا ان "الاس اف ام" عندما تقبل عملاء لتمثيلهم فإنها "تطبق المعايير الخاصة بالامتثال والأدوات الخاصة بالمراقبة." أضاف أيضا أن الشركة "ترفض بشكل مستمر العمل مع عملاء" تظهر نتائج البحث في تاريخهم معلومات سلبية.
تظاهر بالغباء
في عام ٢٠٠٦ قام بتأسيس "الاس اف ام" موظف مصرفي سابق يحمل الجنسية السويسرية وايراني الأصل اسمة رضا افشر. المقر الرئيسي للشركة في البداية كان في سويسرا ثم انتقل إلى دبي في حين ظل له تواجد ما في جينيف. تروج شركة "اس اف ام" عبر الانترنت بشكل قوي حيث كشفت الخطة المالية لها والتي حصل عليها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن الشركة "واحدة من أكبر عملاء محرك البحث جوجل في سويسرا وأنها تنفق مليونين دولار كل عام" على حملات الترويج على الإنترنت.
في عام ٢٠١٣ في نفس توقيت الانتقال إلى دبي، كانت لجنة قانونية تابعة للمجلس النيابي الفرنسي تشن تحقيق حول دور البنوك والاعبين الماليين في التحايل على دفع الضرائب وهنا قامت اللجنة بإلقاء الضوء على عمل ال"اس اف ام" والخدمات التي تقدمها وتروج لها على الإنترنت من بينها انها توفر مديرين وهميين "الذي مهمتهم بشكل واضح هو إخفاء هوية المسؤول الحقيقي او المالك الحقيقي للشركة.
" ووصفت لجنة التحقيق الفرنسية شركة "اس اف ام" وحملاتها الترويجية على الإنترنت "إنها دعوة صارخة للتهرب الضريبي وارتكاب جرائم احتيال ضريبي." وحول هذا الاتهام قال الممثل القانوني لشركة "اس اف ام" ان الشركة "هذا البيان خالي من أي دقة" لأنه لا يوجد ما هو "غير قانوني بشكل أصيل في العمل على تخفيض الضرائب."
إن شركة "اس اف ام" مثل أي شركة توفر الخدمات في الملاذات الضريبة مطلوب منها أن تستدل على مصادر أموال المتعاملين معها ليس فقط البحث في خلفية ارتكابهم لجرائم. في عام ٢٠١٢ كشفت السلطات الفيدرالية في ولاية تنيسي عن لائحة اتهامات ضد فيروز حول تهريب الأموال وفي العام التالي كانت الأجهزة الرقابية في كنتاكي تتهم شركة اسمها بايزا وهي إحدى شركات فيروز بأنها تجري "عمليات انتحاليه" و "تقوم بأنشطة تحويل أموال غير مرخص لها."
وفي عام ٢٠١٦ كانت تلك الشركة على ارتباط بأخرى اسمها زيك ريورد وكانت تجري تحويلات أخرى مشبوهة من مدينة صغيرة في نورث كارولينا من بينها أن تروج لعائدات كبيرة لمستثمرين صغار حول العالم. كانت الأخبار حول تلك الشبهات تملأ وسائل الاعلام قبل عام من تأسيس شركة دبي لفيروز.
الممثل القانوني لل"اس اف ام" قال ان الشركة تلتزم بالإجراءات المطلوبة للتحري حول عملاءها، ولكنها ليست في موقع عمل "مسح شامل للأخبار العالمية.
في مقابلات خاصة مع موظفين لشركة "اس اف ام" في دبي وأوروبا، فإن الشركة في سعيها للنمو تجاهلت الإشارات الحمراء وقبلت عملاء عليهم علامات استفهام حول تاريخهم. حتى لو أن هناك موظف استشعر أن هناك شبهة ما، فإن الشركة تقبل العميل بناء على ما يقدمه العميل من معلومات حول نشاطه المالي وتاريخه.
وقال موظفون دون ذكر أسماء خوفاً من مشكلات قانونية قد يتعرضون لها: "يستطيع العميل أن يقول أي شيء عن عملهم ... من السهل ان تتظاهر بالغباء فقط علينا ان نقول" بناء على ما أخبرنا به العميل."
كما ذكر اثنين من الموظفين أيضا أن ال"اس اف ام" لا مشكلة لديها من التعامل مع عملاء من دول محظورة مثل إيران التي مفروض عليها عقوبات أمريكية ومن جهات أخرى غربية رغم المخاطر التي قد تنتج عن ارتباط العميل بشخصيات أو جهات على قوائم العقوبات.
في مراجعة للوثائق، وجد الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين شركتين مملوكتين لإيراني يحمل الجنسية الألمانية اسمة عبد الهادي طبيبي وواحدة منها اسمها مهر للتجارة التي تم تأسيسها في الإمارات. السجلات تكشف عن أن طبيبي هو صاحب شركة اسمها "جي أي سي الدولية" وحسب السجلات الخاصة بالشركات في إيران فإن تلك الشركة هي فرع لمؤسسة غدير الذراع الاستثماري لأحدى أكبر المؤسسات التي تقع تحت السيطرة المباشرة للمرشد العام للثورة الإسلامية. المؤسستين تحت العقوبات الأمريكية وتم رفعها واعادتها عدة مرات خلال الأعوام الماضية كمحاولة لوضع الضغوط على الاقتصاد الإيراني وعلى قدرة إيران على توفير المواد اللازمة لتطوير سلاحها النووي.
إن إيران لديها علاقات طويلة ووثيقة بالإمارات حيث تمثل لها الإمارات منفذا على الأسواق العالمية.
لم يعلق "طبيبي" عند سؤاله عن الشركات وعن علاقتهم بالمرشد العام لإيران.
من بين العملاء الأخرى ن ل"اس اف ام" سمير طرابلسي رجل الأعمال اللبناني الفرنسي والذي وجهت إليه اتهامات وعوقب في عام ١٩٩٣ في قضية تلاعب كانت الأكبر في فرنسا في ذلك الحين. هناك أيضا أجاز صديقي والذي عوقب عام ٢٠١٤ بالمنع التام من ادارة أي شركات لمدة ١٥ عام في بريطانيا بعد ان كشف تحقيق عن تحايل ضريبي بملايين الدولارات.
عميل آخر هو ألكسندر كسيز وهو أيضا من الكيبك وقد اتهمته السلطات الأمريكية بأنه العقل المدبر وراء الفا باي أكبر مكان تداول داخل الشبكة المظلمة او الدارك ويب. اتهمته محكمة في كاليفورنيا بأن شبكته استخدمت من قِبل موزعين وباعة لكل ما هو غير مشروع لغاسلي الأموال في عمليات مشبوهة.
تم القاء القبض على ألكسندر في تايلاند في عام ٢٠١٧ ووجد جثة هامدة في سجن في تايلاند بعد أسبوع من سجنة فيما يعتقد انه انتحار. قامت ال"اس اف ام" بخلق خمس شركات لالكسندر حسب ما كشفت عنة أوراق باندورا حتى أنه بعد وفاته استمرت ال"اس اف ام" في ارسال فواتير لتجديد تسجيل الشركات.
امتيازات المسؤولين
مثل أي من الملاذات الضريبية السرية، تمنح الإمارات الأشخاص طرق لحماية الثروات والحفاظ على معاملاتهم المالية بعيدا عن الأنظار. لا يوجد ضرائب على الشركات كما أن تزود غطاء محكم من السرية مالكي الشركات المسجلين لديها. كما أن ما يقوي من قبضة النظام وقدرته على الاستمرار دون أي تحديات أو محاسبة خاصة فيما يتعلق بالأمراء (الشيوخ) هو السيطرة المحكمة على الإعلام وعلى المحاكم.
هناك ١٠ مليون نسمة تعيش في الإمارات العربية المتحدة التي تقبع في الصحراء على حدود عمان والسعودية منهم ما لا يقل على ٩٠ في المائة من الأجانب وكثيرون منهم من العمالة الهندية والباكستانية التي تقوم بالوظائف التي لا يقوم بها الإماراتيين.
إمارة أبو ظبي هي الأكبر والأكثر ثراء وتتحكم في مقعد الحاكم منذ نشأة الاتحاد في السبعينات. الرئيس الحالي هو الشيخ زايد بن خليفة من الأسرة الحاكمة آل نهيان التي مقرها في ابوظبي. لكن منذ أن عانى من الجلطة الدماغية فقد اختفي عن الأنظار ولم يظهر إلا نادرا في حين أن أخوه غير الشقيق الشيخ محمد بن زايد هو الحاكم الفعلي الذي أصبح الأقوى حضورا خلال العقد الأخير يوجه السياسة الخارجية والتدخلات العسكرية في اليمن وليبيا.
تروج الإمارات لنفسها أنها مقر الاستقرار في الشرق الأوسط وأنها صاحبة الرؤية المستقبلة وأنها الحليف الأكبر للغرب في منطقة شديدة الخطورة. استضافت تصوير حرب النجوم وتبرعت للولايات المتحدة من أجل ضحايا الفيضانات كما انها من خلال شركات مملوكة للدولة مثل خطوط الطيران الإماراتية قامت برعاية فرق كرة القدم العالمية حتى ان قمصان "فلاي امارات" أصبحت الأشهر في العالم.
قامت الإمارات أيضا بشراء السلاح الأمريكي الصنع وارسلت طائراتها المقاتلة الاف ١٦ لمساندة القوات الأمريكية في أفغانستان حتى أن القيادات الأمريكية العسكرية أطلقت عليها "إسبرطة الصغرى." كما أنها تقوم بتدعيم صورتها أمام العالم باستضافتها الفعاليات الدولية مثل مؤتمر الأمم المتحدة ضد الفساد وهو ما يشكل مفارقة خاصة مع تاريخ الإمارات السلطوي وسجنها للمعارضين وكأحد مراكز العالم في النظام المالي الخفي.
إن قيادات الإمارات قد روجوا لدولتهم انها مكان مفتوح لكل أنواع الأعمال واستضافة الشركات العالمية الكبرى فعندما يعمل الاقتصاد بشكل جيد فإن ذلك ينعكس على حال الأسر الحاكمة أيضا.
يقوم العديد من الشيوخ في الإمارات بفتح الأبواب ورعاية البيزنس في مقابل مالي يقدر بحوالي ٢٥ في المائة من الإيرادات حسب ما يقول عشرة من المستشارين السابقين للأمراء منهم اثنين من المسؤولين السابقين وواحد من المستثمرين الذين عملوا بشكل وثيق مع أحد الشيوخ.
ان الشيوخ المؤثرين يقومون بإدارة أعمالهم من خلال ما يطلق علية المكاتب الخاصة والتي توفر خدمات إلى رجال الأعمال والأجانب الأثرياء. تلك المكاتب تساعد في فتح حسابات بنكية وفتح الطريق أمام المستثمرين للوصول إلى قيادات البنوك الذين بدورهم يساهمون في إعطاء الضوء الأخضر لمنح خطوط ائتمانية مثل ما يقول أحد المستشارين السابقين لاحد الشيوخ.
قال أحد المستثمرين في مقابلة مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين: كلما كان الشيخ له ثقل كلما ازدادت الأعمال مكسبا كلما كانت الأسئلة )حول العمليات المالية (أقل كلما استطاع رجال الأعمال الحصول على وساطات كما كان الغطاء افضل وكانت المميزات أكبر وكل ذلك في مقابل نسبة يحصلون عليها من الأموال."
وفي فيديو نشر على الصفحة الرسمية للمكتب الخاص للشيخ سعيد بن احمد المكتوم وهو عضو من الأسرة الحاكمة في دبي قال مدير العمليات إن العملاء يقصدون مكتبة لما يقدمه المكتب من وساطات "واسم العائلة التي يمثلها."
وأضاف: "باسمنا وسمعتنا لا يوجد ما لا نستطيع الوصول اليه."
فيما قال محامي شركات في الإمارات في مقابلة أخرى أن "العنوان" المرتبط بشيخ من الشيوخ هو أمر هام بالنسبة للعميل لأنه يوفر "حماية."
من خلال بحث الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين فإن الشيخ هزاع المستشار السابق للأمن القومي يمتلك برج "ذا اتش دبي" القابع في ١ طريق الشيخ زايد حيث كانت شركة ال"اس اف ام" تتخذها مقرا لها لعدة سنوات على الأقل لعام ٢٠١٧. فقد أكد اثنين من المديرين السابقين للبرج انه ملك للشيخ هزاع على الأقل من عام ٢٠١٢. كما ان حكم محكمة في دبي أشار إلى ان المالك الخاص بالبرج هو شركة اسمها كابيتال انفستمت إنترناشونال وهي يديرها الشيخ هزاع مع ابنائه. المزيد من البحث كشف عن ان ال"اس اف ام" هي واحدة من أربع شركات تقوم بتأسيس الشركات أو الخدمات المالية في الملاذات الضريبية.
بالإضافة إلى ما سبق فإن وثائق باندورا كشفت أن هناك ما لا يقل عن ١٥٠ شركة اوف شور تم تأسيسها بواسطة "اس اف ام" وتم إدراج اسم الشيخ هزاع كجزء من عنوان التسجيل الخاص بالشركات: "مكتب ١٦٠٢ المملوك للشيخ هزاع بن زايد ال نهيان."
إن الشركات التي تم إدراج اسم الشيخ فيها تضم شركة فيروز باتيل المدان في قضية غسيل الأموال بالإضافة إلى طبيبي المرتبط بكيانات تحت العقوبات الأمريكية.
في تعليق ل"لاس اف ام" قال الممثل قال ان العنوان الخاص بها يتم منحة لعملائها عند التسجيل في اغلب الأحيان كان انه "امر معتاد تماما ان يتم ذكر اسم مالك العقار بالعنوان الخاص" عند تسجيل الشركات القابعة في ذات العقار. كما قال الممثل القانوني ان "لا توجد أي علاقة " بين ال"اس اف ام" واي من "أعضاء الأسر الحاكمة في الإمارات ا، مكاتبهم الخاصة."
كما تشير وثائق باندورا أنه بالإضافة إلى علاقته كمالك عقار بالشركات الاوف شور، فان الشيخ هزاع يمتلك شركات في ملاذات ضريبية خارج الإمارات تم تأسيسها بمساعدة من مكتب محاماة اماراتي اسمه هادف وشركائه والذي أسسه وزير عدل سابق في الإمارات وقام بتأسيس عدد آخر من الشركات لشيوخ مؤثرين في الإمارات حسب ما تقول الوثائق.
في عام ٢٠١٦، قام هادف وشركاءه الذي له مقرات في دبي وأبو ظبي بمساعدة الشيخ هزاع في تأسيس شركة في أبو ظبي اسمها لومنجتن للاستثمارات وان تلك الشركة تلقت أسهم من شركتين أخرى تن في سيشل وجزر العذراء تحمل نفس الاسم. كان الهدف من تلك الشركات ان "تحمل أسهم خاصة بأملاك غير منقولة." كما أن لهزاع شركة أخرى اسمها ويست شور المالية وفيها والدته الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي أحد المالكين حسب ما تقول الوثائق.
في تعليق على ما ورد قالت هادف ان الشركة "تمتثل إلى القوانين والإجراءات المفروضة" وامتنع عن التعليق على حالات بعينها بقوله إن ذلك يقع في نطاق سرية المتعاملين.
كما كشفت أوراق باندورا على أن الشيخ خالد، وهو ابن الشيخ محمد بن زايد ال نهيان الرجل القوي في الإمارات، شريك في شركة اوف شور مع اثنين من المليارديرات أحدهم اسمة "اون بنج سنج" في سنغافورا والثاني على سعيد جمعة البواردي في الإمارات. الشيخ خالد وهل مسؤول الأمن القومي في الإمارات مالك لشركة اسمها جزيرة ديسروتشة المحدودة (في إشارة إلى جزيرة في سيشل) وأن تلك الشركة تملك أسهم في شركة تحمل اسم مشابه هو جزيرة ديسروتشة القابضة مع كل من اونج والبواردي.
فيما يتعلق بالبواردي فقط كشفت تسريبات مراسلات الخارجية الأمريكية عبر ويكيليكس عن أن رجل الأعمال الإماراتي قد سبق وان قدم رشاوي إلى رئيس تنزاني سابق في الوقت الذي كان يتوسع بأعماله الفندقية وأنه منح مليون دولار إلى حزب الرئيس السابق. وقد نفي البواردي تلك التسريبات. اما الملياردير الاخر فقط كشف تحقيق قامت به شريكة الاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية عن أن تورطه في صفقة شراء جزيرة في المالديف بدون مناقصة من خلال رشوة المسؤولين هناك.
بالعودة إلى وثائق باندورا فإن مالكي الشركة في جزر العذراء حصلوا على خط ائتماني يقدر ب ٤٠ مليون دولار في حين ان تم تقييم الممتلكات الخاصة بالشركة ب ٥٠ مليون دولار وأن الأموال الهدف منها هو ادارة فندق الفور سيزون هناك والذي يروج له الآن أنه على الموقع الخاص به: "الجنة الخاصة على جزيرة المرجان الخصب" والتي "ستجعلك تشعر انك مثل صاحب فيلم كاست اوي الذي وجد الذهب."
مدينة الذهب
إن واحدة من أهم مقومات الاقتصاد وأيضا غسيل الأموال في الإمارات هو الذهب. اتجهت دبي إلى تجارة الذهب عندما بدأت الاحتياطات النفطية في النضوب والآن الإمارات تعتبر من أكبر خمس دول في العالم استيرادا للذهب حيث انها استوردت ما يقدر ب ٣٧ مليار دولار في عام ٢٠٢٠ حسب تقديرات الأمم المتحدة كما بلغت صادراتها حوالي ٢٩ مليار دولار في نفس العام.
وفي تحليل بخبراء في عام ٢٠١٦ كشف عن ان ما لا يقل عن نصف تلك الكمية الداخلة إلى الإمارات فإن مصدرها هو دول متفشي فيها النزاعات والمليشيات والتي تنتزع الأموال من المنقبين عن الذهب ويستخدمون تلك الأموال في تمويل الحروب في انتهاكات حقوق الإنسان. الذهب القادم من دول مثل الكونغو الديمقراطي يتم تهريبه عبر دول مجاورة ومنها إلى المطارات وفي طائرات إلى دبي حيث يقوم التجار والعاملين في معامل تكرير الذهب بتغيير بند النشأة قبل إعادة تصديره مرة أخرى إلى أوروبا والولايات المتحدة.
"أن دبي ... هي مكان لغسيل الذهب الذي يتم تنقيبه يدويا خاصة من مناطق النزاعات في شرق ووسط افريقيا،" حسب ما جاء في تقرير كارنجي العام الماضي. مضيفاً: "ان الممارسات السرية والثغرات الرقابية تسمح بغسل الذهب للدخول إلى الأسواق العالمية بكميات كبيرة جدا."
وخوفا من إدراج الإمارات في اللائحة السوداء من قبل جهاز تنظيم سوق الذهب العالمي قال وزير الاقتصاد الإماراتي لرويترز هذا الشهر أنه سيتم مطالبة معامل تكرير الذهب لتقديم تقارير التدقيق والمراجعة حتى نتأكد من أن مصادرهم هي من مصادر مسؤولة (نظيفة)."
كشفت أوراق باندورا على ان "اس اف ام" قد قامت بتأسيس شركتين لتاجر ذهب كبير بلجيكي اسمه آلان جويتز في عام ٢٠١٦ وكلاهما يحمل اسم الجور للاستثمار المحدود وواحدة منهم في الإمارات والثانية في سيشيل. سبق وأن أطلق محققي الأمم المتحدة تحذيرات منذ عام ٢٠٠٩ حول هذا التاجر لأنه يحصل على ذهب النزاعات. تكشف المستندات على ان ال"اس اف ام" قد قامت في ديسمبر ٢٠١٧ بعمل تقرير حول تقييم المخاطر الذي جاء فيه أن جويتز خضع لتحقيق لجنة الأمم المتحدة لأنه مشتبه في "تمويل الجماعات المسلحة في جنوب السودان" كما ان السلطات الأوغندية قد اتهمت بالاحتيال وغسيل الأموال. التسريبات تكشف عن ان ال"اس اف ام" ظلت تعمل مع جويتز حتي عام ٢٠١.
في عام ٢٠٢٠ قامت محكمة في بلجيكا بإدانة التاجر بتهم الاحتيال وغسيل الأموال وأمرت بسجنه مع الإيقاف لمدة ١٨ شهرا. فيما قال ممثل قانوني عن جويتز في تعليقه على أنه لم يكن يجلب أي ذهب من أي مناطق نزاع وأنه "يخضع للمعايير المحلية والعالمية والإجراءات" وأنه باع أسهمه في الشركة التي أسستها ال"اس اف ام" في عام ٢٠١٩
.
في العام الماضي أغلقت الخزانة الأمريكية تحقيقا استمر ثلاثة أعوام حول أحد أكبر المنافسين لجويتز وهو تاجر ذهب فلسطيني صاحب شركة كالوتي للمجوهرات رغم ما تم الوصول اليه ان كالوتي كان يحصل على الذهب من تجار يشتبه في تورطهم في غسيل الأموال لتجار مخدرات ومجرمين آخرين.
أن كالوتي يقوم بتكرير نصف الذهب القادم إلى الإمارات وسبق ان أنكر الاتهامات كما قال مسؤولين سابقين في الخزانة الأمريكية ان الولايات المتحدة قد انسحبت من التحقيق خوفا من الإضرار بالعلاقة مع الإمارات.
حبل مشدود
في ابريل/نيسان من عام ٢٠٢٠ وقعت الإمارات تحت ضغوط هائلة حيث واجهت للمرة الأولي خطر أن يتم إدراجها في القائمة الرمادية للدول التي يتم استهدافها بواسطة جهاز الرقابة ضد غسيل الأموال المعروف باسم فاتف التي قالت في تقرير مطول لها أن الإمارات في حاجة إلى عمل إصلاحات جذرية لضمان وجود نظام قوي لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
إلى أي مدى تتعاطى الإمارات مع الضغوط الدولية هو محل اختبار لقدرة الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها على إيجاد الرغبة السياسية الجادة لدفع الإمارات لعمل إصلاحات حقيقة حسب ما يقول المناهضين للفساد.
إن من أحد الملفات التي ركزت عليها الفاتف هي مناطق التجارية الحرة في الإمارات. المناطق الحرة هي أماكن محددة داخل الدولة بلا ضرائب وبحد ادني من الرقابة. كثير من المناطق الحرة تستطيع أن تؤسس شركة بدون أي تساؤلات حول مصادر الأموال أو هويات أصحاب الأعمال.
تلك المناطق الحرة التي تستهدف تشجيع التجارة والنشاطات الأخرى تستثني من القوانين التي تسري على بقية الدولة كما أن لها الأجهزة الخاصة بما فيها الرقابية رغم ان عدد من الأسر الحاكمة في الإمارات يحكمون سيطرتهم على تلك المناطق من خلال اختيار المسؤولين او من خلال تواجدهم في مجالس الإدارة.
هناك مناطق حرة تسهل تجارة كل شيء من الدهب والماس إلى الورود والسجاد والسيارات المستعملة. كما أنه لا يوجد عدد واضح لعدد تلك المناطق الحرة. وفي محاولة للحصر تعتقد مؤسسة كارنجي ان هناك ٤٧ منطقة تجارة حرة منها ٣٠ في دبي.
لاكشمي كيومر المسؤولة عن السياسات في مركز النزاهة المالية العالمي المناهضة للفساد قالت انه من الصعب معرفة ما يجري في تلك المناطق الحرة حتى ان بعضها ليس له تواجد على الانترنت كما ان بعضها تداخل مع الآخر مما خلق "خليط محير" يجعل من السهل على مجرمي غسيل الأموال ومهربي الذهب وغيرهم من ان يؤسسوا شركات وهمية تخفي هوياتهم الحقيقية وتساعد في تدفقات الأموال القذرة.
مسؤولون إماراتيون قالوا إنهم اتخذوا إجراءات حقيقية للقضاء على غسيل الأموال من خلال مطالبة الشركات بالإفصاح على الملاك الحقيقين ورا الشركات. في أغسطس الماضي وبتوجيهات من الشيخ محمد بن راشد رئيس وزراء الإمارات وحاكم دبي تم إطلاق أول محكمة مختصة بالنظر في قضايا غسيل الأموال في دبي.
كما قال مسؤولين اماراتيين انهم بدوا في مراقبة إجراءات الإفصاح على البنوك والشركات لكن الأجهزة الرقابية "تمشي على حبل مشدود" حسب ما قال صبور صديقي عضو في وحدة المعلومات المالية. "هناك الكثير من المقاومة من المؤسسات المالية."
في يناير/كانون الثاني2021 قامت السلطات المصرفية الإماراتية بالكشف عن ١١ بنك تم مجازاتهم ب ١٢ مليون دولار ونصف بسبب فشلهم في ان يضعوا أسس حماية قوية ضد غسيل الأموال.
لاكشمي قالت في تعليق لها إن الإجراءات الأخيرة هي فقط عملية تجميلية فقط وليست دفعة حقيقية لتنظيف البلد مما خلق بيئة مواتية لغسيل الأموال والجرائم المالية الأخرى.
لم تذكر السلطات أسماء البنوك كمان ان الغرامة ضئيلة جدا يمكن للبنوك ان تعوضها "في أسبوعين" حسب ما قالت لاكشمي. أما حول الإجراءات الأخيرة الخاصة بالإفصاح عن ملكية الشركات؟ هذا أيضا به ثغور.
السجلات الخاص بالمستفيدين الحقيقيين لن يتم نشرها او إتاحتها للعامة، ولكنها ستكون تحت ايدي السلطات الحاكمة. وكما هو الحال في الولايات المتحدة، من سيتم الإفصاح عنه هو من يملك ما لا يقل عن ٢٥ في المئة من الأسهم وهو ما يسهل التلاعب عبر امتلاك حصص صغيرة او بأسماء أخرى ن مقربين.
في الولايات المتحدة تحتفظ الخزانة بقواعد المعلومات الخاصة بالمستفيدين الحقيقيين حتى تكون متاحة لسلطات إنفاذ القانون والأجهزة الرقابية. لكن في الإمارات فان المعلومات ستكون مبعثرة في شبكة متشابكة من عشرات السجلات الخاصة بالإمارات المختلفة والمناطق الحرة. المدافعون عن الشفافية قالوا ان هناك أخطار من ان المناطق الحرة وغيرها سوف تتنافس مع بعضها البعض حول من يقدم التسهيلات الأكبر للحفاظ على سرية المستفيدين الحقيقيين والرقابة الأقل لجذب العدد الأكبر من العملاء.
"إذا نظرت بشكل معمق، سترى الثغرات... هذا العمل في مجملة يبدو كالحيل البارعة أو الحركات البهلوانية القانونية" حسب ما قالت لاكشمي التي اضافت: "على الورق هناك كل تلك الأمور التي يحاولون القيام بها لكن في الحقيقية ان الوضع يظل على ما هو عليه."