كيف نجحت الإمارات في شراء منصب رئاسة الانتربول رغم سجلها الخقوقي السيء وملاحقة الخصوم السياسيين
نشر مركز مناصرة معتقلي الإمارات، في تقرير مطول، حول "الإنتربول" وهيكلها وآليات عملها، وكيف استطاعت أبوظبي التأثير على آلياتها وإساءة استخدام نظام "النشرة الحمراء" بشكل متكرر لتحصيل الديون وملاحقة الخصوم السياسيين.
ووفقاً للتقرير، فإنه رغم تحذيرات منظمات حقوق الإنسان، فإن انتخاب اللواء الإماراتي أحمد ناصر الريسي رئيساً لمنظمة الشرطة الجنائية (الإنتربول) لم يكن مفاجئاً، بل تأكيدا جديدا على حقيقة رددها الكثيرون وأعلنها السناتور الأمريكي روجر ويكر بأن "الإنتربول" أصبح "أداة في أيدي الطغاة والمحتالين الذين يسعون إلى معاقبة المعارضين السياسيين القابعين في المنفى".
وقال التقرير إن عملية انتخاب الرئيس في "الإنتربول" تميزت بغياب الرقابة والشفافية، حيث لا توفر المنظمة أي معلومات علنية عن المرشحين، ولا يُدقق في تاريخهم من قبل الدول الأعضاء، لافتاً إلى رفض "الانتربول" الطلبات المتكررة من المنظمات الحقوقية لإزالة الغموض عن عملية الانتخابات الرئاسية.
نشرات الإنتربول
وحول إساءة استخدام نظام "النشرة الحمراء"، والتي تتضمن مذكرة توقيف صادرة عن إحدى الدول الأعضاء للإنتربول ويتم تعميمها على المجتمع الدولي، رصد التقرير على مدى السنوات القليلة الماضية، اتجاها متزايدا نحو إساءة استخدام النشرات الحمراء من قبل الحكومات لأغراض سياسية، وكذلك من قبل الشركات المنافسة للأغراض التجارية.
وقد تعرض الإنتربول كثيراً لانتقادات بسبب نظامه القائم على حسن النية، والذي يفتقر التدقيق السليم، ولعل المشكلة المركزية هنا، هي أنه من السهل إصدار "النشرة الحمراء" ولكن من الصعب إزالتها، ما سهّل على أصحاب النفوذ السياسي استخدامها لتخويف المعارضين ومنعهم من السفر.
وأوضح التقرير أن هذه الأداة تحولت مؤخراً من وسيلة لاعتقال المجرمين إلى اعتقال المعارضين، حيث باتت الكثير من الحكومات الاستبدادية لدول مثل الصين والإمارات تلجأ إلى (الإنتربول) لاستهداف معارضيهم.
وأشار عدد كبير من التقارير الصحفية إلى وجود أدلة قوية على أن الدول الاستبدادية تصدر نشرات الإنتربول الحمراء من أجل اعتقال وتسليم المعارضين السياسيين ورجال الأعمال الذين لا تتوافق مصالحهم مع النظام.
وتشتهر أبوظبي، وفقاً للتقرير، بإساءة استخدام "الإنتربول"، وقد وثق تقرير كتبه المدير السابق للنيابات العامة في المملكة المتحدة السير ديفيد كالفرت سميث، استخدام أبوظبي هذه النشرات لتحصيل ديونها أو ضد المعارضين السياسيين.
ووجد تقرير سميث أدلة قوية على أن الإمارات قد أساءت استخدام نظام النشرة الحمراء في الجرائم البسيطة، من أجل تحقيق مكاسب سياسية ضد أولئك الذين تراهم يهددون النظام، مشيراً إلى أن (الإنتربول) قام مؤخراً بحذف العديد من الطلبات التي تقدمت بها أبوظبي بسبب إساءة استخدامها للنظام.
ووفقاً لتقرير أصدرته مجلة فورين بوليسي تحت عنوان "آفة النشرة الحمراء"، فإن هذه النشرات مخصصة للأشخاص المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة. ولكن الإمارات تستخدمها لتحصيل ديونها في النزاعات التجارية أو الشيكات المرجعة أو حتى ديون بطاقات الائتمان، وهي ليست عقوبات جنائية في بعض الدول.
ونفى تقرير فورين بوليسي وجود معلومات عامة حول عدد النشرات الحمراء التي تصدرها الإمارات بشأن هذه الأمور البسيطة نسبياً، لكن إحدى المجموعات التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها والتي تساعد الأشخاص في هذا المأزق تقول إنها تشهد الآن حالتين شهرياً على الأقل.
انتخاب الرئيس بالفساد وغياب الشفافية
خلال السنوات الأخيرة تصاعد الحديث عن فساد (الإنتربول)، خصوصاً بعد اعتقال السلطات الصينية لرئيس المنظمة السابق مينغ هونغوي وإدانته بتهم فساد والحكم عليه بالسجن لمدة 13 عاماً.
وقد امتدت مخاوف الفساد إلى ماوراء الساحة السياسية، حيث عقدت المنظمة شراكات اقتصادية مثيرة للجدل، إذ وقعت في 2011 شراكة متعددة الملايين مع الفيفا لإنشاء "برنامج لمدة 10 سنوات للنزاهة في الرياضة"، وقد اضطر (الإنتربول) لاحقاً لتعليق هذه الشراكة إثر اكتشاف الفساد الضخم داخل الفيفا، والذي أصبح مؤسسة يشار إليها في عالم الفساد.
وقد كان حصول منظمة شرطية دولية على مبلغ مالي كبير للتحقيق في الفساد، من منظمة اتضح أنها فاسدة مؤسسياً، أمراً محرجاً.
ما يضع سؤالاً واحداً على طاولة (الإنتربول): كيف تمكنت إحدى المؤسسات الشرطية الدولية الأكثر شهرة في العالم من الدخول في شراكة مع مثل هذه المنظمة دون معرفة ما كان يجري؟
كما أن علاقات (الإنتربول) مع شركات التبغ يثير أسئلة كبيرة حول دور المنظمة الدولية العالمي، ففي تحليل مفصل لموقع بوليتيكو، كتب الصحفي جيك واليس سيمونز في عام 2015 ما يلي: "بصرف النظر عن صفقة الفيفا، تقدم العلاقة المباشرة مع القطاع الخاص أمثلة أخرى لتضارب المصالح المحتمل.
في عام 2012، تبرعت شركة فيليب موريس إنترناشونال PMI)) عملاق التبغ الأمريكي، بمبلغ 15 مليون يورو، يتم دفعها على 3 سنوات، لتمويل عمليات (الإنتربول) لتعطيل تزييف التبغ.
و في وقت لاحق من ذلك العام، مُنع (الإنتربول) بشكل محرج من المشاركة في اتفاقية منظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ بسبب ارتباطه المالي بإحدى شركاته.
وفي عام 2013 ، وقع (الإنتربول) و 29 من أكبر شركات الأدوية في العالم، بما في ذلك Eli Lilly وSanofi، صفقة بقيمة 4.5 مليون يورو لمدة 3 سنوات لإنشاء "برنامج الجريمة الصيدلانية" التابع (للإنتربول) لمكافحة إنتاج الأدوية المزيفة.
من وجهة نظر (الإنتربول) فإن الجريمة تضر بالصحة العامة، أما في الواقع فإن منظمة الشرطة الدولية تحولت إلى شركة أمنية تابعة لشركات الأدوية التي تريد ملاحقة الأشخاص الذي يضرون بها إقتصادياً من خلال تزوير الأدوية.
ويبدو أن السلطات الإماراتية أدركت تماماً أن المال هو أفضل طريقة لاكتساب النفوذ والتأثير على (الإنتربول)، لذلك تعهدت بالتبرع لها في 2017 بمبلغ 50 مليون دولار، وهو مبلغ كبير جداً، خصوصاً إذا علمنا أن ميزانية (الإنتربول) السنوية لا تزيد عن 150 مليوناً.
السير ديفيد سميث قال في تقرير له، بأن هذا التبرع يهدف للتأثير بشكل غير لائق على (الإنتربول) من خلال التمويل، مشيراً إلى أن الإمارات بهذا التبرع، تسعى إلى ترسيخ نفوذها عن طريق تأمين انتخاب اللواء الريسي رئيساً للمنظمة.
وقد ألمحت بعض المنظمات الحقوقية خلال رسائلها المتكررة التي حذرت فيها من اغتيال الريسي إلى ضرورة التدقيق في التبرع الإماراتي السخي، والذي يبدو أنه كرشوة مقابل انتخاب لوائها.
لا شك أن سمعة (الإنتربول) العالمية ومصداقيتها تدهورت في الآونة الأخيرة، وبات ينظر إليها كونهاً بيدقاً بيد الحكومات الاستبدادية لملاحقة المعارضين، حيث تم استخدام آلية (الإنتربول) لملاحقة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين بشكل متكرر.
انتخاب الريسي اليوم، كرس هذه الصورة السلبية عن المنظمة الدولية، وسلط الضوء على صورة أخرى من الفساد المالي للمؤسسة، حيث ينظر على نطاق واسع أن انتخاب المسؤول الإماراتي جاء مقابل تبرع الإمارات السخي.
رئاسة (الإنتربول) هي منصب مثقل بالرمزية، ومنح هذا المنصب لممثل دولة الإمارات يعتبر جائزة للنظام القمعي في أبوظبي، وسيساعده على اكتساب الشرعية وتلميع سمعته الملطخة، فمثل هذا المنصب يضفي جواً من الاحترام على الأشخاص أصحاب الصيت السيئ، مثل الريسي.
وكما يوضح هذا التقرير، فإن الإنتربول ليس منظمة شفافة، كما أنها واجهت مؤخراً، انتقادات مستمرة للاستخدام السياسي للنشرات الحمراء ضد المعارضين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمحامين.
بالإضافة إلى انتقادات في قضايا أخرى، مثل تصرفات قيادته إلى إدارة شؤونه التجارية.
ومع وصول مسؤول كبير من مؤسسة حكومية منتهِكة لحقوق الإنسان ليكون رئيساً، فإن الجهاز يفقد ما تبقى من مصداقية كوكالة إنفاذ قانون دولية تحترم الحقوق.