جيوبوليتكال: أمريكا لم تعد تحتل مكانة بارزة في التفكير الاستراتيجي للإمارات
حافظت الإمارات على عدم الظهور بشكل قوي بعد تأسيسها في عام 1971. ومع تراجع بريطانيا كقوة عالمية، لجأت أبوظبي إلى الولايات المتحدة من أجل الحماية. وعلي مدى عقدين من الزمن، وثقت الإمارات علاقاتها مع الولايات المتحدة. واعتبر العديد من السياسيين في واشنطن أن أبوظبي هي الحليف العربي الأكثر موثوقية، مشيرين إلى دعمها الثابت للحرب على الإرهاب.
وقال سفير الإمارات في واشنطن "يوسف العتيبة" للمسؤولين الأمريكيين ذات مرة: "نحن أفضل أصدقائكم في هذا الجزء من العالم" وذكّرهم أن الإمارات تميزت بالمشاركة في جميع التحالفات العسكرية الأمريكية منذ حرب الخليج عام 1991. وأقنعت أبوظبي نفسها بتفرد علاقاتها مع الولايات المتحدة، وقد ساهمت وسائل الإعلام الأمريكية في الوعي الزائف لدى الإماراتيين من خلال الإشادة بسفير الإمارات باعتباره الرجل الأكثر سحراً في واشنطن كما صنفته مجلة "تايم" كواحد من أكثر 100 شخصية مؤثرة في عام 2020.
ومن السهل جذب انتباه وسائل الإعلام من خلال إقامة الحفلات الرائعة وإنفاق الكثير من الأموال، ولكن تأثير ذلك ضئيل في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية عبر منظومة سياسية معقد وتعددية. وهناك أدلة متزايدة تشير إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات ليست قوية كما كان يعتقد المراقبون قبل بضع سنوات. في الواقع، يبتعد البلدان عن بعضهما البعض.
وبعد توقيع الإمارات لاتفاق السلام مع إسرائيل في أغسطس/آب 2020، وافق الرئيس الأمريكي "دونالد "ترامب على بيع أبو ظبي 18 طائرة مسيرة و50 طائرة من طراز إف 35. ولكن مع التزامها بالمضي قدمًا في الصفقة، طلبت إدارة "بايدن" في أبريل/نيسان الماضي من الإمارات الالتزام باشتراطات محددة بشأن نشر المقاتلات والطائرات بدون طيار، مما أغضب الإمارات التي اعتبرت هذه الشروط غير مقبولة وتمس سيادتها الوطنية. وأعلنت الإمارات تعليق المناقشات بشأن صفقة الأسلحة التي تبلغ قيمتها 23 مليار دولار.
وعارضت الولايات المتحدة تنامي العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والصين، لا سيما صفقاتها بشأن مبادرة الحزام والطريق وتكنولوجيا الجيل الخامس لشركة "هواوي". وأثارت إدارة "بايدن" عدة قضايا أخرى مع ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" من بينها السجل السيئ للإمارات في مجال حقوق الإنسان وتعاون أبوظبي مع المرتزقة الروس من مجموعة "فاجنر" في ليبيا وتطبيع علاقاتها مع نظام "الأسد" في سوريا.
وقدمت الولايات المتحدة طائرات إف 35 إلى 7 دول في الناتو وحلفاء موثوق بهم مثل اليابان وإسرائيل وكوريا الجنوبية وسنغافورة وأستراليا. ومع ذلك، فقد رفعت البطاقة الحمراء فيما يتعلق بانتهاكات أبوظبي لحقوق الإنسان وخاصة في اليمن. وطالب الكونجرس بفحص صفقات الأسلحة مع الإمارات خلال السنوات الخمس الماضية.
وتواجه الإمارات اتهامات باغتيال ما لا يقل عن 100 من عناصر الجيش الوطني اليمني الذين قاتلوا الحوثيين وحاولوا تأكيد سلطة الحكومة المركزية على الجنوب. كما استأجرت الإمارات شركة أمنية أمريكية لاغتيال 23 من أعضاء حزب "الإصلاح" في اليمن، معظمهم من الدعاة الدينيين المرتبطين بالإخوان المسلمين. وتتهم جماعات حقوقية الإمارات بإدارة سجون سرية في عدن بالتنسيق مع الحركة الانفصالية في جنوب اليمن.
السياسة الخارجية الانتهازية
تنتهج أبوظبي سياسة خارجية شديدة البرجماتية. وقد دعت الإمارات الدول الأجنبية إلى إنشاء قواعد لديها مما يمنحها قدرة أكبر على إبراز القوة بسرعة مع توفير الأمن والسلامة الإقليمية لدولة الإمارات. وقد منحت الإمارات القوات الجوية الأمريكية الوصول إلى قاعدة الظفرة الجوية وقاعدة بحرية على خليج عمان. وفي عام 2009، افتتح الفرنسيون معسكر "دي لا بيكس"، وهو عبارة عن قاعدة عسكرية في أبوظبي
وقبل بضعة أشهر، طلبت أبوظبي من إيطاليا سحب طائراتها وأفرادها العسكريين بعد أن رفضت روما تزويد الإمارات بالمعدات العسكرية بسبب أنشطتها العسكرية في اليمن. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تطلب أبوظبي من الولايات المتحدة إخلاء وحداتها البحرية والجوية لمجرد أن واشنطن تجعل من الصعب على الإمارات الحصول على أحدث المعدات العسكرية.
ودعمت أبوظبي انقلاب مصر عام 2013 وضخت مليارات الدولارات لتحقيق الاستقرار للنظام الذي يتزعمه الجنرال "عبدالفتاح السيسي". وبمجرد التأكد من زوال تهديد الإخوان في مصر، أنهت أبوظبي مساعدتها المالية، ولم تقدم دعما لمصر بشأن سد النهضة كما استبعدت القاهرة من مفاوضات الإمارات بشأن معاهدة السلام مع إسرائيل.
وستجعل مبادرة الحزام والطريق الإمارات بوابة لصادرات الصين إلى الشرق الأوسط وإفريقيا وربما أوروبا. وتتزامن زيادة تجارة الإمارات مع الصين والهند مع خروج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. ويعود قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق وأفغانستان وتراجع الاهتمام بالشرق الأوسط إلى فترة رئاسة "باراك أوباما". ومع حجم تجارة يبلغ 25 مليار دولار، تعد الولايات المتحدة شريكًا مهمًا لدولة الإمارات. ومع ذلك، فهي تأتي بعد الهند والصين.
وخلال العام الماضي، تجاوز حجم التجارة بين الإمارات والهند 59 مليار دولار، وبلغ التبادل التجاري بين الإمارات والصين 50 مليار دولار. وفي عام 2003، وقعت أبوظبي ونيودلهي اتفاقية لتنسيق الجهود الأمنية في منطقة الخليج والمحيط الهندي. وفي 2015، وقع الجانبان اتفاق شراكة استراتيجية. وتتوج اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل 15 عامًا من التعاون غير الرسمي.
وحاليا، تريد الإمارات تأمين مستقبلها الاقتصادي والأمني مع الدول ذات الأهمية. ولا تحتل الولايات المتحدة مكانة بارزة في التفكير الاستراتيجي لأبوظبي.
ولم تستنكر الإمارات احتجاز الصين لمليون مسلم من الأويجور في منطقة شينجيانغ غربي الصين. وفي اجتماع منظمة التعاون الإسلامي 2019 الذي عقد في أبو ظبي، شكر المشاركون - بتأثير من ولي العهد "محمد بن زايد" - الصين على "توفير الرعاية لمواطنيها المسلمين". ومما أثار دهشة باكستان، أن الإمارات فشلت أيضًا في انتقاد الهند بشأن سياستها الخاصة بكشمير، ووصفتها بأنها قضية داخلية.
وفي عام 2015، انضمت الإمارات إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن. وبعد بضع سنوات، غيرت أبوظبي موقفها. وكان اهتمامها الأساسي هو دعم الحركات الانفصالية في الجنوب والسيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية وباب المندب. وفي عام 2019، قصفت القوات الجوية الإماراتية القوات اليمنية المدعومة من السعودية في الجنوب. ولاحقا، أعلنت الإمارات عزمها سحب قواتها من جنوب اليمن، في خطوة تهدف لإظهار الامتثال لاتفاقية ستوكهولم لعام 2018 .
سياسة البقاء
تشترك المجتمعات القبلية في الخليج في تاريخ من عدم الثقة المتبادلة بين بعضها البعض. وقد شهدت هذه المجتمعات غزوًا وسيطرة من قبل قوى أجنبية متفوقة - البرتغاليون والعثمانيون والفرس والبريطانيون - وكان عليهم إدارة شؤونهم الداخلية تحت سيطرة تلك القوى.
وفي أواخر السبعينيات، كانت الإمارات تخشى صعود الثورة الإسلامية الإيرانية ورغبة "العراق البعثي" في ملء الفراغ السياسي العربي الناجم عن عزلة مصر بعد توقيعها اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل. فيما جاء التهديد الخارجي الأكبر من الدولة السعودية الطموحة منذ القرن الثامن عشر. ولم تتوقف التوترات مع السعودية حتى بعد تشكيل مجلس التعاون الخليجي. وأحيانا تخرج النزاعات الإماراتية السعودية للعلن بالرغم من المحاولات الحثيثة لإبقائها مخفية.
وقد شكل الخوف الدائم من الغزوات الأجنبية للسيطرة على الممرات البحرية في الخليج العربي نظرة الإمارات للعالم. وساهم ضعف الإمارات في اتجاه قادتها باستمرار للبحث عن حلفاء لتعويض انعدام الأمن لديهم. ولا تبرز الأيديولوجيا وعلاقات الدم بشكل كبير خلال سعيهم وراء الأمن والشركاء التجاريين.
ستتواصل العلاقات الأمريكية الإماراتية لكن أبوظبي لن تكون قادرة على إقناع أحد أنها ما تزال حليفًا استراتيجيًا وثيقًا لواشنطن، خاصة إذا فشلت في الحصول على طائرات إف 35.